التطرف العنيف في منطقة الساحل
إن القوة المستمرة والمتنامية للمنظمات المتطرفة العنيفة في منطقة الساحل، تهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية ونشر عدم الاستقرار في جميع أنحاء إفريقيا، مما يفرض مخاطر أمنية ومالية كبيرة على الولايات المتحدة وأوروبا. لقد أدى الانهيار المستمر للدعم الدولي لمكافحة الإرهاب، فضلاً عن إضعاف القيادة في الجهود الإقليمية، إلى خلق فراغ يمكن أن يتوسع فيه التطرف العنيف. وقد استغلت منظمات متطرفة بما في ذلك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، وغيرها، هذا الفراغ بالفعل، باستخدام بلدان المنطقة كمنصات لشنّ هجمات عشوائية على القوات الحكومية والمدنيين على حد سواء. كما استفادت جهات فاعلة أخرى غير حكومية، مثل مجموعة فاغنر، من غياب التدخل الأجنبي لتوسيع نفوذها. إن التقارب المحتمل للتهديدات الأمنية، بما في ذلك زيادة التعاون بين المنظمات الإرهابية، وبين المنظمات الإرهابية والإجرامية، من شأنه أن يزيد من الخطر الذي يشكله المتطرفون في المنطقة وخارجها.
خلفية
تمتد منطقة الساحل من السنغال إلى إريتريا، وتقع بين الصحراء الكبرى إلى الشمال والمناطق الاستوائية الإفريقية إلى الجنوب، وقد واجهت منذ فترة طويلة أزمات أمنية وإنسانية شديدة ومعقدة. ومنذ حصولها على الاستقلال في ستينيات القرن العشرين، شهدت العديد من بلدان الساحل التطرف العنيف بسبب الحكم الضعيف وغير الشرعي، والتدهور الاقتصادي، وتفاقم آثار تغير المناخ. وقد تصاعدت أعمال العنف والصراع والجريمة على مدى العقد الماضي، متجاوزة الحدود الوطنية، مشكلة تحديات كبيرة للدول داخل المنطقة وخارجها. وتظل منطقة الساحل نقطة عبور رئيسة للمهاجرين المسافرين من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى الدول الساحلية الشمالية وإلى أوروبا. وقد يؤدي المزيد من العنف إلى زيادة معدل النزوح والهجرة من المنطقة بشكل كبير، مما يزيد من الضغوط على الدول الإفريقية الشمالية والساحلية وأوروبا. وتقع بؤر العنف والكوارث الإنسانية في منطقتي ليبتاكو- جورما وحوض بحيرة تشاد.
تقع ليبتاكو-جورما في وسط منطقة الساحل، في المناطق الحدودية بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر. ويرتبط عدم الاستقرار الحالي في المنطقة بانهيار الدولة الليبية في عام 2011، مما أدى إلى انتشار الأسلحة والمجموعات المقاتلة. وأدى تدفق المتطرفين إلى شمال مالي إلى إعادة إشعال تمرد الطوارق الكامن في عام 2012، والذي ظهر من قبل في أعوام 1963 و1990 و2006. ويمثل شعب الطوارق، الذي تمثله الحركة الوطنية لتحرير أزواد، 10% فقط من سكان مالي، ويسعى إلى إقامة دولة مستقلة. وتحالفت الحركة الوطنية لتحرير أزواد مع جماعات إسلامية متعددة، بما في ذلك تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وجماعة أنصار الدين، لطرد القوات الحكومية من الشمال. وفي مارس/ آذار 2012، أطاح الجيش بالرئيس أمادو توماني توري، الذي اعترض على فشل الحكومة في قمع التمرد. ونتيجة لهذا الانهيار الذي لحق بمؤسسات الدولة في الشمال، تمكنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد من الاستيلاء على العواصم الإقليمية غاو وكيدال وتمبكتو؛ وكانت الحركة قد أعلنت دولة أزواد المستقلة في شمال مالي بحلول أبريل/ نيسان. وسرعان ما انفصلت الحركة الوطنية لتحرير أزواد عن تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإسلامية المتحالفة في يونيو/ حزيران في أعقاب محاولتها فرض الشريعة الإسلامية وإعلان الخلافة الإسلامية على الإقليم الشمالي.
وبعد فترة من الهدوء النسبي، تدهورت الأزمة في يناير/ كانون الثاني 2013، عندما توغلت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وأنصار الدين جنوباً للاستيلاء على كونا في وسط مالي. وفي غشت / آب، آلت مالي إلى حكومة يقودها مدنيون بقيادة إبراهيم بوبكر كيتا، والتي وقعت اتفاق سلام مع ائتلاف من جماعات استقلال الطوارق بما في ذلك الحركة الوطنية لتحرير أزواد في عام 2015. واستبعد الائتلاف المنظمات الإسلامية، التي استغلت الاتفاق بسرعة لتوسيع سيطرتها، وانتشرت بشكل أكبر في وسط مالي وبوركينا فاسو والنيجر المجاورتين. ومنذ ذلك الحين أصبحت ليبتاكو-جورما بؤرة للتطرف العنيف في منطقة الساحل.
وقد أظهرت الهجمات البارزة التي استهدفت فندق راديسون بلو في مالي، وفندق سبلينديد في بوركينا فاسو، وفندق “ليتولي دو سود” في ساحل العاج، في عامي 2015 و2016، مدى التهديد الذي يشكله التطرف العنيف على منطقة الساحل وغرب إفريقيا. ففي سبتمبر/ أيلول 2016، ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى في بوركينا فاسو، وشن أول هجوم كبير له على موقع حدودي بالقرب من مدينة ماركويي. وفي عام 2017، اندمجت العديد من الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة لتشكيل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. وقد أدى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى تكثيف العنف في منطقة الساحل. فقد توغلت كل من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى جنوباً في منطقة ليبتاكو-جورما، مما هدد أمن الدول الساحلية المستقرة نسبياً في غرب إفريقيا. وقد اكتسبت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مؤخراً السيطرة على أراض في شمال ووسط مالي، في حين اقتصر وجود تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى على شمال بوركينا فاسو وغرب النيجر بسبب الاشتباكات مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي بدأت في عام 2020.
وقد ساد التطرف العنيف في حوض بحيرة تشاد عند تقاطع الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا في نفس فترة ظهور جماعة بوكو حرام في شمال نيجيريا. وقد أسس محمد يوسف بوكو حرام في شمال شرق نيجيريا في عام 2002، ثم اضطرت الجماعة إلى التواري عن الأنظار في عام 2009، بعد أن قتلت قوات الشرطة النيجيرية أكثر من سبعمائة عضواً فيها، بما في ذلك يوسف، خلال غارة في يوليو/ تموز من ذلك العام. وفي يونيو/ حزيران وغشت / آب 2011، عادت جماعة بوكو حرام إلى الظهور، وأعلنت عن استراتيجيتها الأكثر توسعاً وعدوانية بشكل عملي من خلال شن هجمات انتحارية على الشرطة ومقر الأمم المتحدة في أبوجا، نيجيريا. واكتسبت الجماعة شهرة دولية بعد اختطافها 276 فتاة من بلدة شيبوك، نيجيريا، مما أدى إلى ظهور حركة “أعيدوا فتياتنا” العالمية في أبريل/ نيسان 2014.
في عام 2015، أعلنت جماعة بوكو حرام الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية، وأطلقت على نفسها اسم الدولة الإسلامية ـ ولاية غرب إفريقيا. وظل فصيل منشق عن الجماعة الأصلية نشطاً حتى عام 2021، عندما قتل تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا زعيمه، واستولى على أراضيه، ونفى أعضاءه إلى جزر نائية في بحيرة تشاد. ومنذ ذلك الحين، سيطر تنظيم ولاية غرب إفريقيا على شمال شرق نيجيريا وأجزاء من النيجر.
ويعزو الخبراء توسع التطرف العنيف في منطقة الساحل إلى ضعف الحكم المستمر، الذي يتسم بالفساد، والتراجع الديمقراطي، ونقص الشرعية، وانتهاكات حقوق الإنسان. وتشترك العديد من البلدان في المنطقة في ديناميكيات داخلية مماثلة من عدم المساواة، حيث تتركز سلطة الدولة في المناطق الجنوبية الحضرية في حين تظل المناطق الريفية الشمالية متخلفة وجاهزة للاستغلال من قِبَل الجماعات المتطرفة. وبالتالي، تحتل بلدان الساحل باستمرار مرتبة عالية على مؤشر الدول الهشة، وخاصة تشاد ومالي ونيجيريا. وتشكل عمليات انتقال السلطة المتكررة أيضاً مشكلة: فقد شهدت تشاد وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر ما مجموعه خمسة وعشرين انقلاباً ناجحاً بين عامي 1960 و2022. وقد أطلقت الانقلابات العسكرية المتتالية في مالي في عامي 2020 و2021، والتي أسفرت عن تشكيل حكومة مؤقتة حالية تحت حكم المجلس العسكري، شرارة ما يسمى بوباء الانقلابات الأحدث في المنطقة، والتي شهدت حوادث مماثلة في بوركينا فاسو وتشاد والنيجر.
لقد خلقت وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي في 20 أبريل / نيسان 2021 أزمة قيادة في جهود مكافحة الإرهاب الإقليمية. في عهد ديبي، عملت تشاد وجيشها كمحور رئيسي في تحالفات الأمن الإقليمي عبر ليبتاكو-جورما وحوض بحيرة تشاد. تم تنشيط قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات – التي تتألف من بنين والكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا – في عام 2014 للرد على تهديد بوكو حرام والجريمة المنظمة واللصوصية في حوض بحيرة تشاد. في فبراير / شباط 2017، أعلنت فرنسا ودول مجموعة الخمس في الساحل – بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر – عن إنشاء قوة مجموعة الخمس في الساحل، وهي قوة لمكافحة الإرهاب يبلغ قوامها خمسة آلاف جندي وتهدف إلى محاربة الجماعات المسلحة بتفويض موسع لعبور الحدود بين الدول. وقد أدت الخسائر المتزايدة في صفوف المدنيين والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من جانب قوات الأمن في تشاد ومالي ونيجيريا إلى تقويض الجهود الإقليمية والوطنية لهذه القوة بشكل أكبر.
في عام 2013، بدأت المشاركة الدولية بشكل جدي عندما دخلت القوات الفرنسية مالي بناءً على طلب الحكومة المالية. ضمت عملية سيرفال، التي تحولت لاحقاً إلى عملية برخان، قوة قوامها ثلاثة آلاف جندي متمركزة في نجامينا، تشاد، وركزت القوة على استئصال المتطرفين العنيفين في بوركينا فاسو ومالي والنيجر بالشراكة مع الحكومات المحلية وبدعم من تشاد وموريتانيا. في عام 2015، توسعت عملية برخان لتقديم دعم إضافي لقوة المهام المشتركة متعددة الأبعاد في حربها ضد بوكو حرام. سرعان ما نجحت عملية برخان في إنشاء بعثة الأمم المتحدة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينسوما)، وبحلول عام 2020، نشرت فرنسا 5100 جندي بدعم من فرقة العمل تاكوبا بقيادة الاتحاد الأوربي، بالإضافة إلى 15000من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من جميع أنحاء العالم.
كما قدمت الولايات المتحدة الدعم اللوجستي والاستشاري لكل من قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات وقوة مجموعة الدول الخمس في الساحل. بالإضافة إلى ذلك، زاد الجيش الأمريكي من وجوده في منطقة الساحل، حيث نشر ما يقرب من 1500 جندي في المنطقة وقام ببناء قاعدة للطائرات من دون طيار في النيجر كمنصة لشن ضربات ضد الجماعات المتطرفة في جميع أنحاء غرب وشمال إفريقيا. في 4 أكتوبر / تشرين الأول 2017، تعرض أعضاء من قوة المهام الخاصة الأمريكية لكمين من قبل جماعة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في تونغو تونغو بالنيجر، مما أدى إلى مقتل أربعة من أفراد الخدمة. ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة من أكبر المانحين للمساعدات الإنسانية؛ وتواصل تقديم التدريب العسكري، مثل برنامج فلينتلوك؛ وتسليم ملايين الدولارات من الأسلحة إلى الجيوش في المنطقة.
وعلى الرغم من زيادة التدخل الدولي، تسببت الحملة ضد المتطرفين في تمدد التطرف إلى دول في مختلف أنحاء منطقة الساحل. وقد أدى هذا الفشل، إلى جانب عدم شعبية فرنسا المتزايدة في مستعمراتها السابقة، إلى إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 13 يوليو/ تموز 2021 أن عملية برخان ستنتهي في الربع الأول من عام 2022. وفي فبراير/ شباط 2022، أعلنت فرنسا وحلفاؤها الأوربيون، بما في ذلك فرقة العمل تاكوبا، عن نيتهم سحب جميع القوات من مالي وإنهاء تدخلهم الذي دام ما يقرب من عقد من الزمان.
استغل المتطرفون العنيفون الفراغ الأمني الناتج عن ذلك بشن هجمات متزايدة في جميع أنحاء منطقة الساحل. وشهدت الأشهر الستة الأولى من عام 2022 زيادة كبيرة في الهجمات، وخاصة في منطقة ليبتاكو-جورما، وامتدت إلى الساحل الغربي لإفريقيا. قُتل أكثر من ألفي مدني خلال هذه الفترة، بزيادة تتجاوز 50 في المائة عن عام 2021. استهدفت العديد من الهجمات على وجه التحديد بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، والتي أُطلق عليها اسم أخطر بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة. وبدلاً من الدعم الفرنسي، سعى المجلس العسكري المالي إلى الحصول على مساعدة أمنية من مجموعة فاغنر، وهي منظمة مرتزقة روسية متورطة في سياقات هشة أخرى بما في ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وموزمبيق والسودان وسوريا وأوكرانيا. منذ بدء عملياتها في ديسمبر / كانون الأول 2021، نشرت مجموعة فاغنر ألف مرتزق في مالي يقيمون في خمسة عشر موقعاً متقدماً، بما في ذلك القواعد الفرنسية السابقة. كان شهر مارس / آذار 2022 الشهر الأكثر دموية الذي سجله “مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة” منذ عام 1997، تزامناً مع نشاط متجدد من قبل جماعة داعش على طول الحدود بين النيجر ومالي ومذبحة مورا في وسط مالي. في 23 مارس / آذار، شن جنود ماليون برفقة مرتزقة روس من مجموعة فاغنر هجوماً استمر خمسة أيام على المدينة لاستئصال المتطرفين الإسلاميين، مما أسفر عن مقتل أكثر من ثلاثمائة مدنياً.
وتدهورت آفاق جهود مكافحة الإرهاب الإقليمية والدولية بشكل أكبر في مايو/ أيار 2022، عندما أنهت الحكومة المالية رسمياً معاهدة التعاون الدفاعي مع فرنسا إلى جانب اتفاقية وضع القوات التي كانت تحكم سابقاً عمليات فرنسا والاتحاد الأوربي في البلاد. كما انسحبت الحكومة العسكرية في مالي من مجموعة دول الساحل الخمس، مما قلل بشكل كبير من قدرة المجموعة على مكافحة الإرهاب. وفي يونيو/ حزيران، قتلت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين 132 قروياً في وسط مالي، وهو الهجوم الأكثر دموية على المدنيين منذ الانقلاب.
في يونيو/ حزيران 2023، طالبت حكومة مالي برحيل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ووافقت الأمم المتحدة على الانسحاب في غضون ستة أشهر، مما أثار مخاوف من حدوث فراغ في السلطة ونكسات في انتقال مالي إلى الحكم المدني، والذي زعم المجلس العسكري أن الاستفتاء الذي جرى في يونيو/ حزيران كان بمثابة الخطوة الأولى نحوه. كما لعبت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة دوراً رئيساً في تهدئة الانفصاليين الطوارق، الذين حذروا من أن رحيل الأمم المتحدة سيوجه “ضربة قاتلة” لاتفاق السلام.
إن الأزمة الإنسانية الحادة تؤدي إلى تفاقم تهديد التطرف العنيف للاستقرار الإقليمي. لقد أدى العقد الأخير من الصراع إلى نزوح 2.6 مليون شخص في ليبتاكو-جورما و2.8 مليون شخص في حوض بحيرة تشاد، مع تدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى البلدان المجاورة. تحتل دول الساحل باستمرار مرتبة متقدمة بين أفقر دول العالم وأسرع نمو سكاني في العالم. لطالما تم الاعتراف بأزمة حوض بحيرة تشاد، بوصفها واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم بسبب الضرر الشديد الناجم عن تغير المناخ وضعف الحكم في المناطق الريفية. ترتفع درجات الحرارة في منطقة الساحل بمعدل أسرع بمقدار 1.5 مرة من المتوسط العالمي، مما يلحق ضرراً مباشراً بسبل عيش الملايين الذين يعتمدون على الموارد الطبيعية. أدى تناقص موارد الأراضي والمياه إلى اشتباكات متكررة بشكل متزايد بين مجتمعات الرعي والزراعة والصيد. ولم تساهم المنظمات المتطرفة العنيفة في تفاقم الأوضاع الإنسانية فحسب، بما في ذلك استهداف العاملين في المجال الإنساني، بل استغلت أيضاً الظروف غير الآمنة لتجنيد السكان والسيطرة عليهم في منطقة الساحل. بالإضافة إلى ذلك، أدى ضعف الاقتصادات وانتشار المتطرفين العنيفين إلى زيادة الأنشطة غير المشروعة والمنظمات الإجرامية في المنطقة، مما ساهم في زيادة عدم الاستقرار.
التطورات الأخيرة
في يناير/ كانون الثاني 2023، دعا خبراء الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق مستقل في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المحتملة التي ارتكبتها القوات الحكومية ومجموعة فاغنر في مالي. وزعم الخبراء أن أنشطة مجموعة فاغنر في البلاد اتسمت بـ “مناخ من الرعب والإفلات التام من العقاب”، مشيرين إلى مذبحة مورا في مارس/ آذار 2022. وأصبح مستقبل فاغنر في غرب إفريقيا أقل يقيناً بعد فشل تمرد المجموعة في يونيو/ حزيران 2023 في روسيا، لكن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال إن روسيا ستسمح باستمرار عملياتها الإفريقية. وفي يوليو/ تموز 2023، اتهمت الولايات المتحدة زعيم مجموعة فاغنر يفغيني بريجوزين بتدبير قرار مالي بطرد بعثة الأمم المتحدة لتعزيز مصالح فاغنر. ونفت بوركينا فاسو المجاورة التعاقد مع مجموعة فاغنر، لكن الرئيس المؤقت قال إن روسيا حليف استراتيجي.
في عام 2023، واجهت قوات الأمن في مالي وبوركينا فاسو مزاعم بارتكاب مذابح بحق المدنيين. أولاً، في أبريل/ نيسان، ألقى الناجون من مذبحة في بوركينا فاسو باللوم على الجيش في مقتل 136 مدنياً. ثم في مايو/ أيار، أصدرت الأمم المتحدة تقريراً يتهم جنوداً ماليين ومقاتلين أجانب بإعدام أكثر من خمسمائة مدنياً في عملية جرت في مارس/ آذار 2022. وفي الوقت نفسه، صعّدت الجماعات المتطرفة من هجماتها على قوات المتطوعين المدنيين المدربين تدريباً سيئاً. ويزيد انسحاب الأمم المتحدة من مالي من خطر العنف ضد المدنيين، إذ قد تحاول الجماعات المتطرفة الاستيلاء على المراكز الحضرية كما فعلت في بوركينا فاسو.
لقد وجه الانقلاب الذي وقع في النيجر في السادس والعشرين من يوليو/ تموز، وهو المحاولة التاسعة للإطاحة بحكومة في غرب إفريقيا في السنوات الثلاث الماضية، ضربة قوية لجهود مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل. صدت حكومة النيجر محاولة انقلاب في مارس/ آذار 2021، قبل يومين من تولي الرئيس المنتخب محمد بازوم منصبه، لكن محاولة الانقلاب الأخيرة نجحت في إزاحته عن السلطة. وعلى الرغم من ضغوط الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بما في ذلك العقوبات والتهديد بالتدخل العسكري، رفض قادة الانقلاب التنازل عن السلطة وأعلنوا عن حكومة جديدة. وأعلن المجلس العسكري منذ ذلك الحين أنه سيحاكم بازوم بتهمة الخيانة؛ ويُحتجز بازوم حالياً في مكان غير معلوم بعد محاولة هروب فاشلة من منزله في نيامي. وردّاً على ذلك، علق الاتحاد الإفريقي عضوية النيجر. وفي السادس عشر من سبتمبر/ أيلول، وقع القادة العسكريون في مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقية دفاع مشترك، الأمر الذي يعزز تحالفهم ضد التدخل الخارجي.
لقد كانت النيجر آخر شريك رئيس للغرب في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل في السنوات الأخيرة، بعد سلسلة من الانقلابات في البلدان المجاورة، لكن الانقلاب الأخير يهدد بقلب مكانتها كحصن ضد فراغ السلطة المتزايد في المنطقة. بعد وقت قصير من الاستيلاء على السلطة، أوقف قادة الانقلاب التعاون العسكري مع فرنسا، التي نقلت قواتها إلى النيجر في عام 2022 مع تدهور علاقاتها مع مالي. وفي 22 أكتوبر / تشرين الأول، أكملت فرنسا سحب قواتها من النيجر.
في المقابل، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها ستواصل علاقاتها العملية مع المجلس العسكري في النيجر. جاء ذلك بعد وقت قصير من إعلانها رسمياً أن ما حدث في النيجر انقلاب، مما يتطلب من الحكومة الأمريكية تعليق أكثر من 500 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية. لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بنحو ألف جندي في البلاد، واستأنفت مؤخراً رحلات الطائرات بدون طيار وعمليات مكافحة الإرهاب من قواعدها في البلاد. ومع ذلك، هناك مخاوف متزايدة من أن مجموعة فاغنر الروسية “تستغل” عدم استقرار النيجر لتوسيع نفوذها الإقليمي.
وفي الوقت نفسه، تصاعدت أعمال العنف المتطرفة في مختلف أنحاء منطقة الساحل. فقد شهدت الأشهر السبعة الأولى من عام 2023 مقتل ما لا يقل عن 7800 مدنياً، وهي زيادة كبيرة مقارنة بعام 2022، وفقاً لـ “مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة”. وتتناقض هذه البيانات مع ادعاءات المجالس العسكرية في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر بأنها تعالج أزمة انعدام الأمن بشكل فعال.
وتقف مالي على شفا حرب أهلية مع تعزيز الجماعات المتطرفة والمتمردين الطوارق لسلطتهم في شمال البلاد. ويتزامن ارتفاع وتيرة العنف مع انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي أكملت المرحلة الأولى في غشت / آب. واستغلت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على وجه الخصوص الانسحاب لشن هجوم متجدد، فحاصرت مدينة تمبكتو الشمالية ونفذت سلسلة من الهجمات على أهداف عسكرية ومدنية. وبالتوازي مع ذلك، أعادت مالي نشر قواتها في الشمال الشرقي مع تكثيف الاشتباكات مع المتمردين الطوارق الذين يشكلون تنسيقية حركات أزواد. ويقال إن مجموعة فاغنر تقود الهجوم المالي للاستيلاء على معقل المتمردين في كيدال.
لقد امتدت أعمال العنف الأخيرة في مالي إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين. ففي الخامس من سبتمبر/ أيلول، قُتل سبعة عشر جندياً وستة وثلاثون مقاتلاً متطوعاً في اشتباكات مع مسلحين إسلاميين في شمال بوركينا فاسو. وبعد أقل من شهر، قُتل تسعة وعشرون جندياً في هجوم شنه تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى في غرب النيجر. وقد أدى تفاقم حالة عدم الاستقرار إلى تراجع ديمقراطي متزايد في الوقت الذي تكافح الحكومات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر لاستعادة السيطرة في أعقاب تراجع الدعم الدولي.
الرابط:
https://www.cfr.org/global-conflict-tracker/conflict/violent-extremism-sahel