تقارير ودراسات

أوان الرحيل: قيادات الإخوان يبحثون عن ملاذات جديدة بعد تركيا وقطر

بالتفاصيل.. قرارات تركية وقطرية ضد قيادات بجماعة الإخوان

تمرّ جماعة الإخوان، في الوقت الحالي، بمنعطف حرج في ظل التغيرات التي تطرأ على الساحة الإقليمية والدولية وتبدل خريطة التحالفات في المنطقة خلال الفترة الأخيرة.

ونتيجة التغيرات التي حدثت في سياسة الدول الداعمة لجماعة الإخوان، وجدت الأخيرة نفسها أمام واقع جديد تضطر معه للبحث عن ملاذات آمنة جديدة خارج المعاقل التقليدية التي احتضنت الجماعة طوال السنين الماضية.

فتركيا التي عُدّت الملاذ الآمن الأكبر والأهم للإخوان، اضطرت لاتخاذ إجراءات من شأنها التأثير على الجماعة، في الفترة الأخيرة، ومن بين تلك الإجراءات رفض منح الجنسيات لبعض الكوادر المحسوبين على الجماعة، ومن بينهم الداعية المثير للجدل وجدي غنيم، الذي أعلن في 2 يونيو/ حزيران الجاري، أن السلطات التركية أبلغته، قبيل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، برفض منحه الجنسية التركية التي تقدم للحصول عليها أو تجديد إقامته بالبلاد.

وعلى ذات الصعيد، أقدمت أنقرة على إيقاف منح الجنسيات لقيادات بجماعة الإخوان في الوقت الحالي، وأبلغتهم أن هذه الإجراءات هي إجراءات مؤقتة في الوقت الحالي بسبب الأوضاع السياسية التي تمرّ بها تركيا وسعيها لإتمام تطبيع العلاقات مع مصر وبقية الدول العربية.

وطلبت الجهات التركية المسؤولة عن ملف الإخوان من قيادات الجماعة أن لا يقدموا على أي أنشطة جديدة دون إبلاغ الجانب التركي، كما طلبت من بعض القيادات التواري عن الأنظار، في الفترة الراهنة، خصوصًا وأن هناك مطالبات بتسليم بعض القادة الصادر بحقهم أحكام قضائية في مصر إلى القاهرة، وهو ما لم يوافق عليه الجانب التركي حتى الآن، بدعوى أن القانون التركي يمنع تسليم المعارضين المطلوبين في بلدانهم الأصلية.

وفي الواقع، جاءت المطالبات من الجانب التركي لقيادات الجماعة وأعضائها بالتزامن مع تلقي الحكومة التركية قائمة من الجانب المصري، شملت 53 مطلوبا من المنتمين للجماعة، قبل شهر من الانتخابات التركية لتسليمهم إلى القاهرة.

وشملت هذه القائمة يحيى موسى، الموصوف بأنه قائد حركة حسم المدرجة على قائمة الإرهاب في مصر والولايات المتحدة، ووجدي غنيم الداعية المحسوب على الجماعة، وقيادات بالجبهة السلفية، من بينهم المتحدث باسم الجبهة خالد سعيد.

وبدورها، رفضت السلطات التركية طلب التسليم، بيد أنها وافقت على أن تتعامل مع المطلوبين أمنيًا بما في ذلك وضعهم تحت المراقبة ووقف قبول أي أوراق خاصة بالجنسية للمتقدمين منهم.

ووفقًا لمصادر وثيقة الصلة بجماعة الإخوان، فإن السلطات التركية وضعت في اعتبارها تصنيف أجهزة الأمن المصرية للشخصيات المتواجدة على أرضها من المصريين، وخاصة من ينتمون للجماعات الجهادية، فيما يقوم الجانب التركي بمراجعة هذه التصنيفات ووضعها في الاعتبار تحسّبًا لأي خطوات مستقبلية قد تتخذها أنقرة ضدهم.

وبحسب المصادر، فمن المقرر أن تتخذ السلطات التركية خطوات مقبلة ضد المطلوبين لمصر، ومن بينها ترحيل بعضهم لدولة أخرى، مثلما حدث مع حسام الغمري.

من تركيا لقطر.. الخناق يضيق على الإخوان

ومن تركيا إلى قطر، عانت جماعة الإخوان من نفس الضغوط مع استمرار جهود التقارب بين الدوحة والقاهرة، إذ اتخذت السلطات القطرية عدة قرارات بترحيل مجموعات من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان فضلًا عن بعض المحسوبين على الجماعة الذين تواجدوا داخل الأراضي القطرية طوال السنوات الماضية.

ووضعت قطر قائمة جديدة تضم 51 اسمًا من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان، وطلبت منهم مغادرة الأراضي القطرية والتوجه إلى أي بلد آخر يختارونه، في مدة لا تتجاوز الشهرين من تاريخ إبلاغهم بالقرار الصادر من الدوحة.

وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن القرارات الأخيرة جاءت بسبب التطور في العلاقات الثنائية بين مصر وقطر، وهو ما دفع الدوحة لترحيل العشرات من أعضاء وقيادات وأنصار جماعة الإخوان، وتقول الجماعة إن قرارات الترحيل بما فيها القوائم التي تصدر وصلت إلى الجانب القطري من جهات رسمية مصرية، على حد قولها.

وتشير المعلومات المتاحة إلى أن قرار الترحيل الأخير لم يكن الأول من نوعه، فعلى مدار العام الماضي جرى ترحيل مجموعات من المحسوبين على جماعة الإخوان مع إبلاغهم بأسباب مختلفة لهذه القرارات، فعلى سبيل المثال رُحل القيادي بجماعة الإخوان إبراهيم الديب، من الدوحة إلى ماليزيا، كما رحل الإعلامي المصري المقرب من جماعة الإخوان سامي كمال الدين إلى بريطانيا، بيد أن علاقته بالجانب القطري ظلت جيدة.

ورُحل أيضًا الناشط السيناوي عيد مرزوقي، وهو ناشط محسوب على الإخوان، لأسباب أخلاقية، كما رُحل العضو السابق بالجماعة الإسلامية والمقرب من الإخوان حاليًا عبد الحميد قطب، بسبب اتهامه باعتناق أفكار متطرفة وتحريضه على المسيحيين، كما تم ترحيل الإعلامي المصري المقرب من الإخوان عبد الله الشريف والقيادي الشاب حسين رضا الذي رُحل بعد وصوله إلى قطر بناءً على دعوة للعمل في واحدة من المؤسسات الإعلامية القطرية.

قائمة الترحيل الجديدة

وعلى ذات الصعيد، شملت القائمة الأحدث مجموعة من قادة الإخوان البارزين، وعلى رأسهم محمد عبد الوهاب، القيادي وعضو مجلس الشورى العام بجماعة الإخوان جبهة إسطنبول، وهو مسؤول مكتب قطر برابطة الإخوان المصريين بالخارج (إحدى هيئات التنظيم العالمي/ الدولي) والرئيس السابق للرابطة، والقيادي طاهر عبدالمحسن، عضو مجلس الشورى بجبهة لندن، والذي تم تصعيده قبل وفاة إبراهيم منير.

وشملت القائمة أيضًا مجموعة من شباب الإخوان الذين طلب منهم مغادرة الأراضي القطرية، ومنهم المهندس محمود إمبابي، وهو أحد الكوادر الشبابية لجماعة الإخوان، والذي طُلب منه أن يغادر إلى جنوب إفريقيا؛ لأنه يمتلك تأشيرة دخول لها، واضطر “إمبابي” لمغادرة الدوحة وتصفية عمله بها، رغم أنه لم يكن ناشطًا في المجال السياسي منذ سنوات.

 وعقب وصوله إلى جنوب إفريقيا، شعر بحالة من الإعياء الشديد وتوفي في أعقابها، وهو ما عزاه مجموعة من شباب الإخوان إلى حالة الصدمة التي أصابته جرّاء ترحليه من قطر.

استمرار عملية الترحيل 

ووفقًا لمصادر وثيقة الاطلاع، فإن هناك قائمة أخرى من القيادات والكوادر الإخوانية التي سيتم ترحيلها خلال الفترة المقبلة، ويتم في الوقت الحالي تجهيز الأسماء التي سيتم إبلاغها بقرارات مغادرة الأراضي القطرية.

ومن بين أبرز الأسماء المرشحة للترحيل من قطر في الفترة المقبلة، مسعد الزيني وهو عضو بمجلس الشورى العام لجماعة الإخوان- جبهة لندن ويعمل طبيبًا بشريًا في الدوحة، وسيتم ترحيله في الأغلب إلى تركيا، بالإضافة لعبد المنعم البربري، وهو من ضمن أحدث القيادات الذين تم تصعيدهم لشغل عضوية مجلس الشورى العام بعد تولي صلاح عبد الحق منصب القائم بأعمال المرشد جبهة لندن.

وفي المقابل، تحاول جماعة الإخوان، في الوقت الحالي، الوصول إلى اتفاق مع السلطات القطرية من أجل وقف عملية الترحيل، وتسعى الجماعة عبر بعض الوسطاء إلى الالتفاف على تلك الطلبات ووقف إصدار قوائم الترحيل، لكن لا تتوافر معلومات كثيرة عن هذه الجهود، في الوقت الحالي.

وعلى ذات الصعيد، انتقل عدد من كوادر الإخوان الشبابية من بينهم نشطاء فاعلين في اللجنة السياسية واللجنة الإعلامية للجماعة من تركيا إلى قطر تحت ستار العمل في مؤسسات إعلامية قطرية من بينها شبكة الجزيرة القطرية.

رحلة البحث عن ملاذات بديلة

إلى ذلك، تبقى مسألة الملاذات البديلة لجماعة الإخوان واحدة من القضايا التي تشغل قيادة الجماعة، فمع أن غالبية قيادات الصف الأول والثاني حصلوا على إقامات أو جنسيات في البلدان التي يتواجدون فيها حاليا كتركيا وبريطانيا وماليزيا وغيرها، إلا أن الجماعة تسعى لتأمين ملاذات بديلة حال اضطر كوادرها للانتقال من البلدان التي يقيمون فيها.

ومن بين البلدان التي طرحت كملاذات بديلة للجماعة دول إفريقية مثل كينيا، وأرض الصومال، وجنوب إفريقيا، بجانب دول في شرق آسيا منها ماليزيا وإندونيسيا علاوة على دول أخرى، منها كندا وبريطانيا التي تُخطط جماعة الإخوان لنقل بعض كوادرها لهما في الفترة المقبلة.

الخلاصة:

تأثرت جماعة الإخوان وقياداتها المقيمين في قطر وتركيا بالتغيرات التي طرأت على الساحة السياسية الإقليمية خلال الفترة الأخيرة، ولا سيما التقارب المصري التركي، والتقارب المصري القطري الذي يسير بخطى حثيثة في الوقت الحالي.

وأقدمت كلًا من أنقرة والدوحة على اتخاذ قرارات ضد أعضاء الإخوان المقيمين على أراضيها؛ فالسلطات التركية أوقفت منح الجنسيات والإقامات لعدد من كوادر الإخوان في الوقت الحالي، وتخطط لترحيل بعضهم إلى دول ثانية، بينما طلبت نظيرتها القطرية من العشرات منهم مغادرة أراضيها بصورة عاجلة لأي وجهة أخرى.

ويبدو أن المزيد من الإجراءات سيتم اتخاذها ضد جماعة الإخوان في الفترة المقبلة، بينما تحاول الأخيرة العمل على الالتفاف على هذه القرارات أو وقفها، وتسعى لتأمين ملاذات بديلة لأعضائها الذين يعيشون حالة من الشتات الإخواني منذ الإطاحة بحكم الجماعة من مصر عام 2013.

زر الذهاب إلى الأعلى