مقدمة
شنت السلطات التركية، على مدار الفترة الأخيرة، حملات لملاحقة المهاجرين غير الشرعيين ومخالفي شروط الإقامة في البلاد، وطالت تلك الحملة عددًا من أعضاء جماعة الإخوان المصريين وأنصارها.
ووصفت وسائل إعلام مصرية وعربية تلك الحملة بأنها تحول في نهج أنقرة السياسي، معتبرةً أن تلك الحملة تدلّ على انتهاء التحالف بين نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، غير أن التدقيق في تلك الحملة يكشف أنها جاءت لتحقيق أهداف مزدوجة لا تقتصر فقط على الدعاية لما يفترض أنها السياسة التركية الجديدة.
فمن ناحية يمكن ترويج الحملة السابقة على أنها تغيير في سياسات تركيا تجاه الجماعات الإسلامية التي تستضيفها أنقرة منذ سنوات، ومن ناحية أخرى تحاول الحملة امتصاص غضب التيار القومي في تركيا، والذي يتبنى مواقف مضادة تجاه المهاجرين؛ وذلك بالتزامن مع اقتراب الانتخابات البلدية المقررة في عام 2024.
وفي هذا السياق، لفتت الإجراءات التركية الأخيرة الأنظار إلى مسألة تجنيس أعضاء جماعة الإخوان ومنحهم إقامات قانونية في تركيا، وهي الخطوات التي تتم بصورة سرية وبتنسيق بين جهات تمثل الجماعة وحلفائها، وبين السلطات التركية المعنية.
شبكات الجنسية والإقامات
ونجحت جماعة الإخوان في تنسيق عملية الحصول على الجنسيات والإقامات القانونية في تركيا عبر عدد من الكيانات التي أسستها في السنوات الماضية.
وجاءت فكرة إنشاء هذه الكيانات التي تتولى التنسيق مع الجانب التركي على خلفية تدفق آلاف المصريين إلى تركيا، في أعقاب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان من مصر عام 2013، وبلغ عدد هؤلاء المصريين نحو 30 ألف شخص جلّهم من أعضاء وأنصار الجماعة، بحسب تقديرات مصادر مطلعة في جمعية الجالية المصرية.
وعلى الرغم من تدفق هذا العدد الكبير إلى تركيا وما واجهه عدد منهم من مشكلات تتعلق بإجراءات الإقامة والحصول على الجنسية، إلا أن الجماعة لم تسع إلى تأسيس كيان موحد يمكن من خلاله التواصل الرسمي مع الجهات التركية وإنهاء المعاملات المختلفة.
وسبق أن نصح رئيس الشؤون الدينية التركية الأسبق، ورئيس معهد التفكر الإسلامي في أنقرة الدكتور محمد قورماز الإخوان في لقاء جمعه بقيادات من الجماعة وأنصارها عام 2016، بإنشاء كيان قانوني موحد يمثلهم ويخاطب مؤسسات الدولة التركية لحل أي مشكلات تواجههم، حسبما كشف عصام تليمة، المحسوب على جماعة الإخوان ومدير مكتب يوسف القرضاوي سابقًا.
وفي غضون تلك الفترة الممتدة من الرحيل الإخواني عن مصر إلى تركيا وحتى الآن، جرى إنشاء عدد من الكيانات التي تتولى التواصل مع السلطات التركية من أجل تنسيق مسائل الجنسية والإقامة.
وطُرحت فكرة توحيد هذه الكيانات في إطار مؤسسي واحد من قبل بعض كوادر جماعة الإخوان، لكن القائمين على هذه الكيانات رفضوا فكرة الاندماج لاعتبارات تتعلق برغبة كل كيان في أن يُعظم مكاسبه، وأن يستفيد من الأموال التي يتحصل عليها نتيجة إنجاز وتسهيل أوراق الحصول على الجنسية التركية والإقامة والتصاريح المختلفة عن طريقه.
– جمعية رابعة
ووفقًا لمصادر على صلة مباشرة بهذه الكيانات داخل جماعة الإخوان، فإن أول تلك الكيانات التي قامت بهذا الدور هي جمعية التضامن المصري والمعروفة بجمعية “رابعة”، وهي أول جمعية مصرية أُنشئت في تركيا في أكتوبر 2013. أنشئت هذه الجمعية عن طريق جماعة الإخوان، وظلت تمارس دورها لفترة طويلة، بيد أن دورها تراجع مؤخرًا في مقابل صعود دور اتحاد الجمعيات المصرية في تركيا الذي يديره مدحت الحداد، عضو مجلس شورى جماعة الإخوان- جبهة محمود حسين (جبهة إسطنبول)، والتي يتولى المحامي مختار العشري، عضو اللجنة القانونية بجماعة الإخوان- جبهة محمود حسين وعضو مجلس الشورى أيضًا، تنسيق التواصل مع الجهات الحكومية وإنجاز المعاملات المختلفة نظير مبالغ مالية.
– جمعية أمة
أما ثاني الكيانات المنخرطة في تنسيق الإقامات والجنسيات، فهي جمعية أمة الخيرية والتي أسسها أعضاء بالجماعة الإسلامية المصرية من المحسوبين على جماعة الإخوان، ويرأس مجلس إدارة تلك الجمعية محمدإبراهيم، ويشغل أيمن خميس منصب نائب رئيس مجلس الإدارة، وكذلك يتولى الدكتور حسين عبد العال، منصب الأمين العام لها.
ويشرف على عملية إنجاز الأوراق مع الجانب التركي وتجديد الإقامات والحصول على الجنسيات، عضو مجلس إدارة الجمعية أحمد رشدي الذي تقول مصادر مرتبطة بجماعة الإخوان عنه. إنه يضع تسعيرة لكل معاملة ينجزها، ولا تتوقف المعاملات على أوراق الإقامة والجنسية فقط، ولكن تمتد لاستخراج ملفات ضريبية وفتح حسابات بنكية، وإنهاء مختلف التصريحات والتراخيص القانونية.
– الجالية المصرية في تركيا
وتتربع جمعية الجالية المصرية في تركيا على رأس الكيانات التي تتولى إتمام معاملات أعضاء الجماعة وأوراقهم القانونية في تركيا، ويترأس تلك الجمعية القيادي بجماعة الإخوان عادل راشد، ويعد محمد نصر الغزلاني، عضو مجلس إدارة الجالية، والمسؤول القانوني بها، من أبرز الشخصيات التي تختص بملف إنهاء إجراءات الجنسيات التي تجاوزت الألف طلب.
ومن المفارقات أن محمد الغزلاني سحبت منه الجنسية التركية بموجب حكم قضائي؛ لأنه تورط في وساطة لحصول مواطن سوري على صلة بالجماعات المسلحة على الجنسية التركية، وهو ما تم اكتشافه بالفعل وبالتالي صدر الحكم القضائي بتجريده من الجنسية بعد حصوله عليه، لكنه ما زال حتى الآن أحد أكثر الأشخاص نفوذًا وصلةً بالجانب التركي، ولديه شبكة علاقات واسعة مع مسؤولين أتراك تمكنه من إنجاز تلك المعاملات مقابل الحصول على مبالغ مالية.
– أدوار لكيانات وأفراد آخرين
ولم يتوقف الأمر عند الجمعيات المرتبطة بجماعة الإخوان، بل إن بعض الروابط المهنية في تركيا لعبت دورًا كبيرًا في تنسيق وإنجاز الأوراق الخاصة بأعضاء وكوادر الجماعة هناك، وفي مقدمتها رابطة الإعلاميين المصريين في الخارج، والتي أُنشئت في 2018، وتضم في عضويتها نحو 600 عضو، في مختلف التخصصات الإعلامية من إعداد وتصوير وإنتاج وتحرير وتقديم ومونتاج وسوشيال ميديا وأقسام معاونة.
ونشب خلاف مؤخرًا داخل مجلس إدارة الرابطة أفضى إلى استقالة رئيسها ماجد عبد الله، ومن المقرر أن يتم انتخاب رئيس جديد لها في الفترة المقبلة، ويتولى الإعلامي والقيادي بجماعة الإخوان حمزة زوبع إدارة الرابطة في الوقت الحالي.
وبعيدًا عن الكيانات القانونية، اضطلع بعض أعضاء جماعة الإخوان والمحسوبين عليها بأدوار في مسألة التواصل وإنجاز الجنسيات والإقامات مقابل الحصول على أموال، ومن أبرز هؤلاء الأشخاص رئيس قناة الشرق أيمن نور، والقيادي الشبابي بجماعة الإخوان أحمد البقري، وعبدالعزيز مجاهد، اللذان يعملان في الجزيرة، إذ يعمل الأول في مكتب القناة القطرية بالدوحة، والثاني في مكتبها بتركيا.
التشديد التركي تجاه مخالفي شروط الإقامة
وعلى صعيد متصل، شهدت تركيا في الفترة الأخيرة زيادة في حملات ملاحقة اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين في البلاد، ممن لا يحملون إقامات قانونية، ومن بينهم المنتسبون لجماعة الإخوان.
وعلى الرغم من تواصل مسؤولين وممثلين عن جماعة الإخوان مع الجهات التركية المعنية وطلبهم أن يتم استثناء أعضاء الجماعة من هذه الإجراءات، إلا أن حملات الملاحقة لم تتوقف، حتى الآن، كما لم يتم الاستجابة لطلبات عقد اجتماعات بين مندوبين عن الجماعة ومسؤولين أتراك.
ومن جهتها، أرسلت جماعة الإخوان تعميما للشباب الذين لا يحملون إقامات قانونية سارية بعدم التواجد في مدينة إسطنبول قدر الإمكان، وطلبت ممن يستطيع الخروج لولايات أخرى القيام بذلك حتى انتهاء الأزمة الحالية، كما طلبت من أعضائها غير الحاملين للإقامات القانونية التقليل من التواجد في الشوارع حتى يتم التواصل مع الجماعة، والوصول لصيغة اتفاق مع المسؤولين الأتراك.
وطلبت جماعة الإخوان جبهة صلاح عبد الحق (لندن) من الشباب التواصل مع الجالية المصرية في حال تعرض أي شخص للتوقيف والاحتجاز، كما أصدر محسوبون على الجماعة فتوى بجواز عدم أداء صلوات الجمع والجماعات في المسجد؛ وذلك بعدما أن لاحظ أعضاء الجماعة وجود دوريات أمام المساجد تستهدف من لا يحملون إقامات قانونية.
وفي نفس الإطار، أقدمت السلطات التركية على رفض دخول 20 شخصا من المنتمين للإخوان جاءوا من السودان إلى أراضيها، وأعادت أغلبهم للسودان مرة أخرى، بينما سمحت للبعض بالرحيل إلى الوجهة التي اختاروها.
حملة مراجعة لملفات الحاصلين على الجنسيات
قامت السلطات التركية بحملة أخرى لمراجعة الجنسيات الممنوحة للمصريين، وخاصة أعضاء جماعة الإخوان، وبدأت خلال الفترة الماضية مراجعة شاملة للجنسيات الممنوحة منذ 2013، وأسفرت تلك المراجعات عن سحب جنسية 20 شخصا بعضهم سحبت منه الجنسية لأسباب غير سياسية.
وعللت السلطات التركية سحب الجنسية بوجود شبهات قانونية شابت عملية حصولهم على الجنسية، فعلى سبيل المثال حصل أحد كوادر جماعة الإخوان ممن يقيمون في المملكة العربية السعودية على الجنسية التركية مع أنه لم يدخل تركيا ولو لمرة، مما يعني أنه حاز الجنسية بطريقة غير قانونية.
وتم أيضًا إسقاط الجنسية عن بعض الحاصلين عليها بسبب مخالفات قانونية، ومن بين الذين تم إسقاط جنسيتهم محمد نصر الغزلاني، القيادي بجماعة الجهاد المصرية سابقًا وعضو جمعية الجالية المصرية في تركيا، بسبب وساطته لحصول بعض العناصر الإرهابية للحصول على الجنسية التركية.
خاتمة
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن الجانب التركي بدأ في اتخاذ إجراءات أكثر تشددًا تجاه أفراد جماعة الإخوان وأنصارها المتواجدين في تركيا، وهذه الإجراءات وإن كانت تتم بدافع قانوني وضمن حملة تركية تخاطب القوميين المتشددين تمهيدًا للانتخابات البلدية المقررة في العام المقبل، إلا أنه يمكن تسويق تلك الحملة للجانب المصري ولدول الخليج العربي، باعتبارها حملة ضد جماعة الإخوان وتغييرًا في نهج السياسة التركية.
غير أن حملة التشديد التركي الأخيرة، لم تلغ دور الكيانات الإخوانية العاملة في إتمام أوراق أعضاء الجماعة وإنجاز معاملتهم، باعتبار أن تلك الكيانات لها صلات وثيقة بمسؤولين أتراك تساعدهم في إنجاز معاملتهم المختلفة.