العقوبات على حزب الله تسلط الضوء على نقاط الضعف في سوق الفن
في لائحة الاتهام لجامع أعمال فنية متهم بمساعدة حزب الله، قدم ممثلو الادعاء الأمريكي أدلة على مدى سهولة استخدام مبيعات الأعمال الفنية للتهرب من العقوبات وغسل الأموال.
في وقت سابق من هذا العام، اتُهم جامع أعمال فنية لبناني بغسل الأموال وانتهاك العقوبات المتعلقة بالإرهاب في لائحة اتهام فيدرالية لفتت الانتباه إلى المستفيد من بعض أنشطته: جماعة حزب الله المسلحة.
وحددت السلطات الأمريكية جامع التحف، ناظم أحمد، بصفته أحد كبار ممولي حزب الله، الجماعة التي تتخذ من لبنان مقرّاً لها، والتي صنفتها الحكومة الأمريكية منظمة إرهابية. واتهمت السلطات، في أبريل/ نيسان، أحمد بالتهرب من العقوبات الأمريكية المفروضة عليه في عام 2019، من خلال استخدام شبكة من الشركات لإخفاء ملايين الدولارات في معاملات تجارية متعلقة بالفن والماس. كما تم اتهام ثمانية آخرين.
وتصدرت لائحة الاتهام عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، لكن ما لم تتم مناقشته هو كيف لعب سوق الفن، وفقاً لوثائق الحكومة، دوراً مهمّاً في مخطط أحمد.
وأكدت لائحة الاتهام أن أكثر من عشر صالات عرض وفنانين ساعدوا على ما وصفه المحققون بأساليب المراوغة التي اتبعها أحمد. على الرغم من أن المعارض الفنية أو الفنانين لم يتم اتهامهم بارتكاب مخالفات، أو بمساعدة أحمد عن عمد، فإن لائحة الاتهام صورت سوق الفن كوسيلة جاهزة لغسل الأموال والتهرب من العقوبات.
على سبيل المثال، بعد مرور أكثر من عام على تحديد أحمد كمورّد مالي لحزب الله، وحظر التعامل معه أو مع الكيانات التي يسيطر عليها، وافق فنان من نيويورك، عن غير قصد على ما يبدو، على بيعه أعمال فنية وفقاً للائحة الاتهام. وقالت الحكومة إن أحمد طلب من الفنان، الذي لم يُذكر اسمه في لائحة الاتهام، عدم ذكر اسمه في معرضه؛ لأنه يفضل عدم الكشف عن هويته. وفي عام 2021، باع المعرض، الذي لم يُذكر اسمه أيضاً، ستة من أعمال ذلك الفنان إلى “كيان مقره في سيراليون” وصفه المحققون بأنه واجهة وهمية لأنشطة أحمد وفقاً للائحة الاتهام.
في حالة أخرى، كما جاء في لائحة الاتهام أيضاً، باع معرض لم يُذكر اسمه في شيكاغو 21 لوحة لشركة كان أحمد يستخدمها منذ فترة طويلة لشراء الأعمال الفنية. وتم البيع في مارس / آذار 2022، بعد أكثر من عامين من فرض العقوبات التي تمنعه من مثل هذه المعاملات. وقالت الوثائق القانونية إن الشحنة الموجهة إلى إحدى شركات أحمد في لبنان تم وصفها على أنها تحتوي على “أسرّة أطفال خشبية” وليس أعمالاً فنية.
وقال مسؤولون أمريكيون إن أحمد استخدم الفن لتحويل وحماية عائدات تجارته في الماس، والتي كانت في نهاية المطاف مصدر تمويل لحزب الله.
وجاء في لائحة الاتهام: “منذ عام 2012، حصل ناظم سعيد أحمد على ما يزيد عن 54 مليون دولار من الأعمال الفنية من دور المزادات الكبرى والمعارض، أو حتى مباشرة من استوديوهات الفنانين، وغالباً ما كان يخفي ملكيته لهذه الأعمال الفنية من خلال إعداد فواتير رسمية باستخدام شركات التغطية أو أفراد الأسرة أو شركاء العمل بصفتهم المالكين”.
لقد اشتكى المسؤولون الأمريكيون منذ فترة طويلة من أن المعاملات الفنية تتم في سرية تامة – حيث نادراً ما يتم تحديد الأطراف الحقيقية علناً – لدرجة أن السوق أصبحت مهيأة لغسل الأموال والتهرب الضريبي.
ويقول تجار الأعمال الفنية ودور المزادات إن التهديدات مبالغ فيها وإن الانتهاكات قليلة. تقول بعض دور العرض إن لديها برامج للتأكد من أنها تمتلك فهماً راسخاً للعملاء الأساسيين المشاركين في المعاملات. وتقول صالات عرض أخرى، غالباً ما تكون أصغر حجماً، وفنانون فرديون، إنه من غير المعقول أن نتوقع منهم إجراء فحوصات واسعة النطاق لخلفية العملاء، خاصة إذا كانوا قد اتخذوا إجراءات لإخفاء هويتهم.
على سبيل المثال، أكد إريك علوش أن معرض علوش الخاص به كان أحد الشركات التي لم يُذكر اسمها في لائحة الاتهام، والتي ورد أنها تعاملت مع أحمد. لكنه قال إنه لم يكن يملك أي دليل على أنه يتعامل مع كيان تدعي الحكومة أنه تابع لأحمد. وقال إن معرضه تعامل مع ممثل لهذا الكيان لأنه كان يعرف أنه اشترى في السابق أعمالاً فنية من فنانين يتعامل معهم، وإن الصفقة “لا تبدو مشبوهة على الإطلاق”.
قال السيد علوش: “كان لدينا عنوان وحصلنا على أموالنا وشحنّا”. وأشار إلى أنه سيظل من الصعب على صالات العرض البحث عن الشركات الوهمية والتحقق من قواعد البيانات الحكومية لكل عملية بيع “ما لم يتم منحنا أدوات سهلة للقيام بذلك”.
وحتى الآن، امتنعت حكومة الولايات المتحدة عن تبني لوائح تنظيمية كتلك التي تم سنها مؤخراً في أوروبا، والتي تلزم تجار الأعمال الفنية بالتحقق ليس فقط من هويات عملائهم، بل أيضاً من مصادر ثرواتهم. نيكولاس أودونيل، محامي سوق الأعمال الفنية في بوسطن والذي شارك في الجهود الرامية إلى جعل الصناعة تراقب نفسها دون تنظيم حكومي، قال في قضية أحمد إنه كان بإمكان السوق القيام بعمل أفضل في مراجعة عملائها.
وقال: “عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع أشخاص خاضعين للعقوبات، فإن الجهل ليس عذراً. ليس من الصعب القيام بهذا النوع من المراجعة مع وجود قاعدة بيانات متاحة للجمهور”.
كان أودونيل يقصد قاعدة البيانات القابلة للبحث عبر الإنترنت للأفراد الخاضعين للعقوبات والتي يحتفظ بها مكتب الولايات المتحدة لمراقبة الأصول الأجنبية. وعندما تم الاستشهاد بأحمد، أصدرت الحكومة بياناً صحفياً وتم نشر اسمه وأسماء الشركات التي كان معروفاً بالتداول فيها في قاعدة البيانات. يمكن للمعارض أيضاً الاشتراك للحصول على تنبيهات من ذلك المكتب الذي يشارك في تتبع وتسوية العقوبات.
واستشهدت لائحة الاتهام بأقارب أحمد ورفاقه الذين قالت إنهم ساعدوه على شراء الأعمال الفنية في انتهاك للعقوبات وغالباً ما تعاملوا مباشرة مع الفنانين أو المعارض. وكان من بين هؤلاء ابنته، هند أحمد، التي كانت تدير معرض “أرتوال غاليري” المغلق الآن ومعرض “فور يو” في لبنان.
ونفت هند هذه الاتهامات قائلة في مقابلة أجريت معها في أبريل / نيسان الماضي إن والدها لم يكن ممولاً لحزب الله وأن صالات العرض الخاصة بها لم تُستخدم أبداً لغسل الأموال.
وقالت السلطات إن أحمد، الذي ولد لعائلة ثرية من تجار الماس، لا يزال طليقاً خارج الولايات المتحدة. ونشرت وزارة الخارجية مقطع فيديو يعرض مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه وعن شبكته المالية. ويُظهر الفيديو رجلاً عُرّف على أنه أحمد، وهو يطلق صاروخاً محمولاً على الكتف، وهو ما تقدمه الحكومة كدليل على صلاته بحزب الله.
وفي بيروت، كان أحمد، 58 عاماً، معروفاً بأنه محب للفن المعاصر. في عام 2018، أظهر مقال في مجلة “آي دي الشرق الأوسط” المختصة في المعمار جدران شقته وهي مليئة باللوحات والمنحوتات؛ وقال مسؤولون أمريكيون إن مجموعته تقدر بعشرات الملايين من الدولارات وتضم أعمالاً لبيكاسو ووارهول.
وفي مقابلة نشرت عام 2021 مع موقع “درج” الإخباري العربي، قال أحمد إن شغفه بالفن حقيقي، وليس واجهة لغسل الأموال، ووصف التهم الموجهة إليه بأنها ذات دوافع سياسية.
وارتبط أحمد علناً بحزب الله منذ عام 2011 على الأقل، وهو حركة مسلحة وحزب سياسي تدعمه إيران. وفي ذلك العام، قيل إنه شارك في صفقة عقارية في لبنان مرتبطة بحزب الله، لكنه وصف الصفقة بأنها تجارية عادية ولا علاقة لها بالحزب.
وقال مسؤولون أمريكيون إنهم مهتمون بشكل خاص بالأموال التي جمعها أحمد مما وصفوه بتهريب “الماس الدموي”، وهي الأحجار الكريمة المستخدمة لتمويل الصراعات المسلحة. وقالوا إنه تبرع شخصياً بأموال لزعيم حزب الله حسن نصر الله وقام بغسل أموال الحزب من خلال شركاته.
تم تصميم العقوبات المعلنة في ديسمبر / كانون الأول 2019 لعزل أحمد عن النظام المالي الأمريكي ووقف تعاملاته مع أي كيانات أمريكية. ومن الممكن أن يواجه أولئك الذين تعاملوا معه عقوبات أيضاً.
وتقول أوراق المحكمة إنه على الرغم من الحظر، فقد واصل هو أو شركاته شحن مئات الماسات إلى الولايات المتحدة لتصنيفها، وهي عملية تقييم جودتها. وبحسب لائحة الاتهام، تبلغ قيمة الحجر الواحد 80 مليون دولار.
في المجمل، أفاد المدعون الفيدراليون للمنطقة الشرقية من نيويورك في بروكلين عن اكتشاف واردات وصادرات تبلغ قيمتها حوالي 400 مليون دولار، مصدرها في المقام الأول الأعمال الفنية والماس، من وإلى الولايات المتحدة، يقف وراءها كيانات مرتبطة بأحمد بعد فرض العقوبات عليه. وجاء في لائحة الاتهام أنه تم الحصول على أعمال فنية معاصرة بقيمة تزيد عن مليون دولار من الولايات المتحدة أو من مواطنين أمريكيين في الخارج، على الرغم من أن هذه الأعمال غالباً ما كانت مقيّمة بأقل من قيمتها الحقيقية لتجنب الرسوم الجمركية.
وقالت ناتاشا ديجين، أستاذة دراسات سوق الفن في معهد الأزياء للتكنولوجيا: “لا يزال سوق الفن عرضة بشكل خاص للإساءة، لكن من الصعب التأكد من حجم المشكلة”.
وقالت: “من المرجح أن يتم استخدام شركات شل لشراء أعمال فنية معفاة من الضرائب بدلاً من شرائها من قبل شخص خاضع للعقوبات. غسل الأموال والتهرب الضريبي، بطبيعة الحال، يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب (كما هو الحال في قضية أحمد). وهي نفس نقاط الضعف التي تجعل الأمرين ممكنين في سوق الفن”.
تشير لائحة الاتهام إلى عدة حالات بذلت فيها المعارض الفنية والفنانون قصارى جهدهم لتلبية مطالب أحمد ورفاقه. وفقاً لوثائق المحكمة، سمح معرض شيكاغو “للكيانات التي يسيطر عليها أو تعمل لصالح” أحمد بدفع جزء من فاتورة بقيمة 241 ألف دولار بشكل غير مباشر، عبر طرف ثالث، بزيادات أقل من 10 آلاف دولار، لتجنيبه متطلبات التقارير المالية الأمريكية وحجب دوره في البيع.
كما استجابت بعض المعارض الفنية والفنانين لطلبات التقليل من قيمة إيصالات المبيعات ومستندات التصدير حتى يتمكن أحمد من تجنب الضرائب الأجنبية وفقاً للائحة الاتهام.
وقال وايت ميلز، وهو فنان مقيم في كاليفورنيا تمت الإشارة إليه، ولكن لم يُذكر اسمه في لائحة الاتهام، إنه ليس لديه أي فكرة عن أن أحمد كان خاضعاً للعقوبات أو متهماً بالانتماء إلى حزب الله عندما باعه أربعة أعمال في عام 2021. وقال إن المعرض الذي عمل معه في الماضي نبهه إلى أن السيد أحمد قد نشر العديد من صور لوحاته على إنستغرام واقترح عليه التواصل معه.
“قالوا إنه وقع في بعض المشاكل، شيء يتعلق بمصلحة الضرائب”. يتذكر ميلز ذلك، لكنه قال إن نفس المعرض أخبره أن أحمد لم يُدن بأي شيء وأنه “جامع أعمال فنية شرعي”.
وأضاف: “كان لديه بيكاسوس وباسكياتس، وكل هذه المعارض الكبيرة كانت تتابعه على موقع إنستغرام”.
وقال ميلز إنه لم يكن هناك شيء خاطئ حتى زار عملاء فيدراليون منزله في وقت سابق من هذا العام.
وبالنظر إلى الوراء، قال ميلز إنه يعتقد أن الفنانين أقل جاهزية من دور المزادات أو صالات العرض للقيام بمستوى المراجعة الواجبة الذي يتوقعه البعض منهم الآن.
قال: “مهمتي ليست التحقق من الخلفية الجنائية لأي شخص يشتري لوحة. “إنهم بالتأكيد لا يعلمونك هذه الأشياء في مدرسة الفنون”.
الرابط:
https://www.nytimes.com/2023/09/01/arts/design/hezbollah-art-money-laundering.html