ثالوث طهران: الدعاية، والوكلاء، والاستعداد للحرب
يجد النظام في طهران نفسه محاصراً على نحو متزايد بالتحديات، بدءاً من تراجع نفوذ وكلائه الإقليميين إلى احتمال توجيه ضربة إسرائيلية لمنشآته النووية، والتي قد تتعزز بدعم من الولايات المتحدة. وفي الرد على هذه التحديات، ابتكرت الجمهورية الإسلامية استراتيجية ثلاثية الأبعاد: تعزيز الروح المعنوية من خلال حملة دعائية متجددة، وإجراء تدريبات عسكرية مكثفة لإظهار الجاهزية، وتصعيد الدعم لوكلائها المتبقين.
الدعاية كأداة للبقاء
في مواجهة سلسلة من النكسات الإقليمية التي تجسدت في تضاؤل فعالية وكلائها، انحدرت قيادة طهران إلى حالة من الذعر. وفي ظل وعيه الدائم بضرورة إظهار القوة، يبدو النظام الإيراني قلقاً من تآكل سرديته أكثر من التهديد بالمواجهة العسكرية المباشرة. ونتيجة لذلك، ضاعفت طهران جهودها الدعائية المحلية.
وقد أكد المرشد الأعلى علي خامنئي على الأهمية الاستراتيجية للرسالة الإعلامية، معلناً أن “انتصار أي طرف يتحدد بقدرته على نقل روايته”. وحث العاملين في وسائل الإعلام الحكومية على تبني مبدأ “الدقة والمثابرة والابتكار”. وتماشياً مع هذه التوجيهات، عزا وزير الخارجية عباس عراقجي سقوط حكم الأسد في سوريا إلى “عوامل نفسية” وحذر من السماح للخصوم “بزرع البلبلة واليأس” من خلال منصات الإعلام.
وتنفيذاً لتوجيهات خامنئي، كثف المسؤولون ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة من نشر الخطاب المعادي لإسرائيل. على سبيل المثال، حذر عراقجي من تصعيد غير مسبوق في الصراع إذا استهدفت إسرائيل الأصول الإيرانية. في الوقت نفسه، أعلن متحدث باسم الحرس الثوري الإيراني أن “المجال الجوي الإسرائيلي مفتوح على مصراعيه وعاجز” ضد الهجمات الإيرانية. وأضافت حسابات النظام على وسائل التواصل الاجتماعي إلى هذه التهديدات تداول رسائل مشؤومة تشير إلى جولة ثالثة محتملة من عملية “الوعد الصادق”، في إشارة إلى الهجمات الصاروخية الباليستية التي شنتها إيران ضد إسرائيل في أبريل / نيسان وأكتوبر / تشرين الأول 2024.
المناورات العسكرية: استعراض للقوة
لإظهار استعداده العسكري، أجرى النظام الإيراني سلسلة من التدريبات واسعة النطاق شارك فيها كل من الحرس الثوري والجيش التقليدي. ومن بين المشاركين الرئيسيين لواء الهجوم المتحرك 41 التابع للحرس الثوري، ولواء القوات الخاصة 35، ولواء “ميرزا كوجاك خان” التابع للقوات البرية للحرس الثوري، والذي سمي على اسم مقاتل حرب عصابات شيعي قاتل في شمال إيران خلال الحرب العالمية الأولى. ويبدو أن هذه التدريبات تهدف إلى مواجهة التهديدات في سوريا والعراق، وخاصة هيئة تحرير الشام المدعومة من أنقرة في سوريا والجماعات الانفصالية الكردية في غرب إيران وكردستان العراق.
في الوقت نفسه، نسق مقر الدفاع الجوي المشترك “خاتم الأنبياء” تدريبات جوية مكثفة، في إشارة إلى توقع طهران لغارة جوية إسرائيلية محتملة على مواقعها النووية. وتضمنت التدريبات أنظمة دفاعية من صنع الحرس الثوري، بما في ذلك أنظمة “تاباس” و”رعد” و”خرداد 3″ و”دي 9″ و”دزفول”، والتي ركزت على اعتراض قنابل خارقة للتحصينات بالقرب من منشأة نطنز النووية، وهي مركز معروف لجهود إيران المشتبه بها في مجال التسلح النووي.
تصعيد دعم الوكلاء
كما صعدت طهران من دعمها لاثنين من وكلائها الأكثر مرونة في المنطقة: الميليشيات الشيعية العراقية والحوثيون في اليمن. وقد انخرط قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بنشاط مع قوات الحشد الشعبي في العراق، وناقشوا خطط “إعادة هيكلة” التسلسل القيادي وصقل أهدافهم العملياتية. وعلى نحو مماثل، كشف مسؤولون حوثيون أن إيران زودتهم بالموارد الكافية لدعم ضرباتهم على إسرائيل وهجماتهم على طرق الشحن العالمية لسنوات.
من المرجح أن تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى رد حاسم من واشنطن. إن العودة الوشيكة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي صنفت الحوثيين في الأصل منظمة إرهابية، تنذر بموقف أكثر عدوانية ضد وكلاء إيران. تضمنت سياسات عهد ترامب بالفعل غارات جوية على أهداف حوثية، ويقال إن شخصيات شيعية عراقية بارزة متحالفة مع طهران تشعر بالقلق إزاء تجدد الضغوط الأمريكية على بغداد لتفكيك هذه الميليشيات. إن شبح ضربة طائرة بدون طيار التي نفذها ترامب في عام 2020، والتي قتلت قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وحليفه العراقي أبو مهدي المهندس، يزيد من تضخيم هذه المخاوف.
كذلك فإن عودة إدارة ترامب إلى السلطة تنذر بالسوء بالنسبة لطموحات إيران النووية. ولا يزال التهديد النووي المتصاعد من جانب طهران يثير قلق المشرعين الأمريكيين، وقد سبق لترامب أن تحدث عن إمكانية شن غارات جوية لتفكيك برنامج إيران النووي. وعلى النقيض من إحجام الرئيس جو بايدن عن ضرب المواقع النووية الإيرانية، فإن خطاب ترامب يشير إلى ضرورة مواجهة تقدم البرنامج النووي الإيراني حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة.
الكاتب: جوناثان سايح