الكشف عن تورط تركيا في شبكات تهريب داعش إلى أوروبا عبر اليونان
كشفت وثائق سرية أن وكالة الاستخبارات التركية كانت على علم بأنشطة أحد كبار قادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يعمل داخل تركيا، ويدير شبكة تهريب تابعة للتنظيم في اليونان.
فقد أظهرت مذكرة استخباراتية مشتركة بين جهاز المخابرات التركي ومديرية الأمن العام (إمنيت) في 13 مايو / أيار 2023 وحصل عليها موقع “نورديك مونيتور” أن برزان حسن إبراهيم البوبدري، ابن عم زعيم داعش الراحل أبو بكر البغدادي، انتقل من العراق إلى تركيا للمساعدة على توجيه عمليات المنظمة الإرهابية داخل تركيا وعبرها.
وتكشف المذكرة أن البوبدري، المعروف أيضاً باسمه الحركي أبو هفرة، حصل بسهولة على وثائق هوية في تركيا من خلال نظام تسجيل اللاجئين، وحصل على رقم هوية أجنبي 99290694198 مما مكنه من الوصول إلى الخدمات الحكومية وممارسة الأعمال التجارية في البلاد.
وتشير سجلات التسجيل أيضاً إلى أن البوبدري أدرج تاريخ ميلاده على أنه 8 أغسطس / آب 1991، وقدم اسمي والديه، وهما حسن وزين.
وجاء في المذكرة أن البوبدري حصل على هوية ثانية باسم بالين عمر محمد محمد، المسجل كلاجئ عراقي. وتشير السجلات الشخصية لمحمد التي حصل عليها موقع “نورديك مونيتور” إلى أن هذه الهوية الثانية أدرجت تاريخ ميلاده في 21 يونيو/ حزيران 2000، مع ذكر اسمي والديه على أنهما عمر ورضوى حسين.
ولكن كيف تمكن البوبدري من تأمين هويتين للاجئين في تركيا يظل لغزاً، خاصة وأن مثل هذه التسجيلات تتطلب بيانات بيومترية، بما في ذلك بصمات الأصابع، ومقارنات دقيقة مع قواعد بيانات الاستخبارات التي تحتفظ بها وكالات تركية مختلفة. وبموجب الإجراءات القياسية، كان من المفترض أن ينبه نظام تسجيل اللاجئين إلى أي محاولة لتسجيل هوية ثانية باستخدام نفس البيانات البيومترية.
ربما يكون قد نجح في عملية التسجيل من خلال رشوة المسؤولين المحليين المكلفين بإدخال البيانات في النظام، أو ربما كانت له علاقات مؤثرة داخل الحكومة سهلت تلاعبه بقاعدة بيانات اللاجئين التي تحتفظ بها وكالة الهجرة.
والأمر الأكثر إرباكاً هو أن الاستخبارات التركية تمتلك بالفعل معلومات عنه وعن خلفيته، بما في ذلك معرفتها بهويته الثانية المفترضة. ويبدو أن الاستخبارات التركية اعتبرته عنصراً قيماً في تسهيل انتقال أعضاء داعش إلى أوروبا، وهي الاستراتيجية التي استخدمتها لفترة من الوقت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان لكسب النفوذ في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.
وقد أوضحت المذكرة الصادرة عن الاستخبارات التركية كيف أدار البوبدري شبكة تهريب أعضاء داعش من تركيا إلى أوربا، مستخدماً اليونان كنقطة انطلاق، بل إنه أرسل عملاء موثوق بهم من داعش إلى اليونان للإشراف على عمليات التهريب على الجانب اليوناني.
أثناء عمله بحرية في تركيا بعلم جهاز المخابرات الوطني، صدر بحق البوبدري أمر اعتقال مؤقت من محكمة الجنايات العليا في كير شهير في عام 2020 بتهمة الإرهاب. تم القبض عليه في 17 أغسطس / آب 2022 أثناء محاولته ركوب طائرة في مطار صبيحة كوكجن في إسطنبول بعد أن لاحظ ضابط شرطة أنه يتصرف بشكل مريب وقرر إجراء تحقيق أكثر شمولاً.
وعندما تعرفت عليه شرطة المطار باعتباره مطلوباً، تم اعتقاله، وبعد مثوله أمام القاضي، تم إيداعه رسمياً في سجن مالتيبي رقم 3 في إسطنبول. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان لا يزال محتجزاً.
وأشارت مذكرة الاستخبارات أيضاً إلى أن اثنين من عناصر داعش، وهما أسامة العبيدي (المعروف باسم ريات فاراك عواد فهدوي أو أبو عبد الله الإليعي) وعبد الجبار عبد الهادي شلال الشاوي (المعروف باسم أبو عبد الله سيلانيك)، انتقلا مؤخراً إلى اليونان من إسطنبول للإشراف على شبكة التهريب في جميع أنحاء أوربا. وقد تعاونا مع البوبدري في هذه العمليات.
وأشارت السجلات إلى أن الرجلين مسجلان في تركيا كلاجئين، وصدرت لهما أوراق هوية من قبل السلطات التركية. وذكر العبيدي، وهو من أصل سوري، أن تاريخ ميلاده هو 1 يناير/ كانون الثاني 1984، وذكر أن اسمي والديه هما عبد العزيز وسنية. أما الشاوي، فهو من مواليد 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1963، ويحمل جواز سفر عراقياً برقم 8574455 وهوية أجنبية تركية برقم 99669437036.
وعلى الرغم من أن الشاوي، مثل البوبدري، كان معروفاً لدى الاستخبارات التركية بصفته عميلاً لداعش، فإنه لم يواجه أي عقبات عند سفره عبر المطارات في تركيا. فقد قام برحلات متعددة من المطارات التركية، وزار بلداناً مختلفة، وعاد إلى تركيا دون مشاكل. وغادر تركيا في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، إلا أن رقم الهاتف الذي استخدمه أثناء وجوده في تركيا ظل نشطاً حتى بعد خروجه من البلاد.
كما تم التعرف على العبيدي منذ فترة طويلة من قبل المخابرات التركية بصفته عميلاً لداعش. وتم رصد رقمين هاتفيين كان يستخدمهما في تركيا في عام 2023، وتم تتبع مكان إقامته في منطقة الفاتح بإسطنبول. ولا توجد سجلات سفر له من المطارات التركية، ويُعتقد أنه تم نقله بشكل غير قانوني إلى اليونان بينما كانت السلطات التركية تراقب كل تحركاته.
وكشفت التحقيقات التي أجرتها الشرطة في أعقاب هجوم داعش على كنيسة سانتا ماريا (كنيسة مريم أنا دوغوش) في منطقة ساريير بإسطنبول في 28 يناير/ كانون الثاني 2024 أن العبيدي كان على اتصال منتظم مع العديد من المشتبه بهم الأتراك والأجانب من داعش الذين تم اعتقالهم لصلتهم بهذا الهجوم الإرهابي.
وفي أعقاب الهجوم على الكنيسة، يبدو أن السلطات التركية اتخذت بعض الخطوات المحدودة ضد عملاء داعش في تركيا. فقد تم اعتقال العديد من الأفراد المعروفين لأجهزة الاستخبارات كجزء من جهود حكومة أردوغان لتخفيف الضغوط التي واجهتها من المجتمع الدولي بسبب اعتبارها متساهلة مع المنظمة الإرهابية.
وكما كشفت العديد من التقارير الإعلامية في عام 2018، فقد نفذت حكومة أردوغان سياسة السماح للمقاتلين الإرهابيين الأجانب بالسفر إلى البلدان التي يختارونها بدلاً من مقاضاتهم ومحاسبتهم على جرائمهم الماضية.
وقد تم تنفيذ هذه السياسة من قبل هيئة إدارة الهجرة التي تعمل تحت إشراف وزارة الداخلية التركية. وحتى الآن، سهلت هذه السياسة حركة الآلاف من المقاتلين الإرهابيين الأجانب خارج تركيا، مما مكنهم من الانضمام إلى نظرائهم الجهاديين في المنظمات الأخرى مثل القاعدة وداعش، إلى جانب الجماعات التابعة لهما والمنشقة عنهما.
وفي إحدى الحوادث التي نادراً ما يتم الإعلان عنها، رحلت تركيا مواطناً أمريكياً إلى اليونان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. ومع ذلك، رفضت السلطات اليونانية دخوله، وتركته عالقاً في منطقة عازلة أو أرض محايدة عند معبر بازاركول-كاستانييس الحدودي بين تركيا واليونان.
الرجل، وهو أمريكي من أصل أردني، تم الكشف عن جزء من اسمه باسم محمد درويش. ب، وهو عضو في تنظيم داعش. وقد قامت وكالة الهجرة بترحيله إلى اليونان بعد أن أعلن أنه يريد الذهاب إلى هناك بدلاً من الولايات المتحدة أو الأردن.
إن حكومة الرئيس أردوغان في تركيا، التي تنتهج سياسة متساهلة ومتسامحة تجاه الجماعات الجهادية والإسلاموية المتطرفة، سوف تستمر في فرض تحدي أمني على العديد من الدول المجاورة، وخاصة في أوربا، حيث يسعى تنظيم داعش إلى إعادة تنظيم نفسه بعد هزائمه في سوريا والعراق.
المصدر: موقع “نورديك مونيتور”