تقارير ودراسات

إيران تتسلّل إلى سوق الأسلحة العالمية

بين عشية وضحاها، نجحت إيران في ترسيخ مكانتها كمصدّر للأسلحة إلى الأنظمة المارقة في مختلف أنحاء العالم.

في حين تحاول إدارة بايدن بشكل يائس منع أو الحد من هجوم صاروخي أو بطائرات من دون طيار من قبل إيران ووكلائها ضد إسرائيل، من الحكمة أن نتذكر أن الشرق الأوسط غارق بالفعل في القذائف الإيرانية. مؤخراً، أدى صاروخ مدفعي إيراني أطلقه حزب الله اللبناني إلى مقتل اثني عشر طفلاً في شمال إسرائيل، مما أدى إلى دوامة تصعيد، حيث قتل الإسرائيليون الرجل الثاني في حزب الله فؤاد شكر، ويسعى الحزب الآن إلى الانتقام.

جاءت هذه الضربة في أعقاب أول ضربة جوية طويلة المدى شنّها المتمردون الحوثيون في اليمن ضد تل أبيب، مما أسفر عن مقتل شخص واحد. تم تصنيع الطائرة من دون طيار في إيران، وأكملت مسار طيران بطول 2600 كيلومتر.

وعلى الرغم من أن أنظمة الضربات بعيدة المدى التي يتم نشرها في أماكن متقدمة تشكل عنصراً أساسياً في استراتيجية طهران “حزام النار” ضد إسرائيل، فإن هذه ليست مشكلة انتشار الأسلحة الوحيدة التي يتعين على الإدارة الأمريكية معالجتها؛ ذلك أن الجمهورية الإسلامية تستفيد من بيئة دولية أكثر تساهلاً في البناء على سجلها الحافل في تهريب الأسلحة إلى جهات فاعلة غير حكومية لكي تصبح بائعة أسلحة للدول.

إن إحدى الطرق التي تستطيع إيران من خلالها إثارة اهتمام الدول هي تسليط الضوء على الدور الذي لعبته أنظمتها التسليحية منخفضة التكلفة، مثل الطائرات من دون طيار، في جبهات الحرب. لقد لعبت طائرة شاهد-136 من دون طيار سيئة السمعة دوراً فعالاً في حرب روسيا المستمرة ضد أوكرانيا، حيث أطلقت موسكو ما يقرب من 4600 طائرة من دون طيار في أول عامين من الصراع، كما ظهرت نفس الطائرة من دون طيار في هجوم إيران في 13 أبريل / نيسان ضد إسرائيل.

وإلى جانب أوكرانيا وإسرائيل، شوهدت طائرات من دون طيار إيرانية في قارتين أخريين على الأقل، مما يدل على مدى تأثير الأسلحة الإيرانية في تشكيل الصراعات الدولية. ففي فنزويلا، تكشف التقارير من عام 2012 عن مساعدة طهران لكاراكاس في إنتاج طائرات من دون طيار محلّياً. والآن، تستخدم القوات المسلحة الفنزويلية طائرات مهاجر-2 الإيرانية، التي يطلق عليها اسم انسو-100، بالإضافة إلى انسو-200 الأحدث، والتي تشبه إلى حد كبير طائرة شاهد-171 الإيرانية. وفي إثيوبيا، لعبت الطائرات من دون طيار الإيرانية دوراً مهمّاً في الحرب في منطقة تيغراي الشمالية، حيث نشر الجيش الإثيوبي طائرات مهاجر-6 من دون طيار. وعلى نحو مماثل، في الحرب الأهلية في السودان، ساعدت طائرات مهاجر-6 الإيرانية من دون طيار القوات المسلحة السودانية على منع تقدم قوة الدعم السريع المنافسة واستعادة الأراضي. وربما تكون طهران هي المصدر وراء اعتماد بيونج يانج المفاجئ على القوة الجوية.

لا ينبغي لنا أن نتفاجأ إذن عندما نلاحظ أن الطائرات من دون طيار كانت ضمن صفقة أسلحة بقيمة 500 مليون دولار أمريكي تم الإعلان عنها مؤخراً بين إيران وأرمينيا. وعلى الرغم من أن يريفان وطهران نفتا رسمياً هذه الصفقة، فإن من المرجح أن يكون رفض إيران مدفوعاً في المقام الأول باعتبارات محلية؛ أي محاولات الضغط على باكو دبلوماسياً.

في يوليو/ تموز الماضي، أشاد أحد أعضاء البرلمان الإيراني بزيادة هائلة في الصادرات العسكرية الإيرانية على مدى السنوات الثلاث الماضية، مشيراً إلى أن الإنتاج نما بمقدار مرتين ونصف المرة، بينما ارتفعت الصادرات في نفس الفترة. وسلطت وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري الإيراني الضوء على أن طهران تهدف إلى احتلال مكانة تركيا في سوق الطائرات من دون طيار العالمية بحلول عام 2028، وتسعى إلى الاستحواذ على ربع حصة السوق على الأقل؛ أي ما يعادل حوالي 6.5 مليار دولار.

وبالإضافة إلى توريد الطائرات بدون طيار، سهّلت طهران أيضاً بناء القدرات للدول المهتمة بإنتاج الطائرات بدون طيار المصممة إيرانياً. افتتحت إيران مصنعاً لإنتاج الطائرات بدون طيار في طاجيكستان في عام 2022 لإنتاج طائرة أبابيل 2 من دون طيار. وفي حين لا يزال وضع هذه المنشأة غير واضح، سارعت روسيا إلى تشغيل طائرة جيران 2 في المنطقة الاقتصادية الخاصة ألابوغا.

وهناك طريقة أخرى تسعى إيران من خلالها إلى إثارة الاهتمام بأسلحتها: زيادة حضورها في المعارض الدفاعية. ففي عام 2024، استعرضت الجمهورية الإسلامية أنظمتها العسكرية في أكشاك في معارض دفاعية في ماليزيا وقطر والعراق، وأرسلت وفداً للمشاركة في معرض تستضيفه المملكة العربية السعودية. كما استضافت موسكو وبلغراد أكشاك تعرض منتجات شركات تصنيع دفاعية إيرانية في معارضها في العام السابق.

باستثناء العقوبات الأمريكية والأوروبية، لا تواجه الجمهورية الإسلامية اليوم أي قيود دولية على الانخراط في تجارة الأسلحة العالمية. وقد نتج هذا عن حظر الأسلحة وحظر تجارب الصواريخ ونقلها الذي انتهى في أكتوبر / تشرين الأول 2020 وأكتوبر / تشرين الأول 2023 على التوالي، كما نصّ على ذلك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، الذي قنن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وفي حين أن وجود هذه القيود الأممية لم يمنع إيران من حضور معارض الأسلحة الإقليمية، كما حدث في العراق في الماضي، ولم يمنع اختبار الصواريخ أو نقل الأسلحة، فقد خلق حجة دولية للعمل متعدد الأطراف ضد طهران ووسع التحالف من أجل إنفاذ العقوبات بشكل أكثر فاعلية؛ ذلك أن إيران عندما توصلت إلى إنهاء هذه العقوبات، وسعت من نطاق أنشطتها في بيع الأسلحة، معتقدة أنها أصبحت بلا كلفة.

إن الانتشار العالمي المتزايد للأسلحة الإيرانية يستلزم استعادة خط الأساس الدولي لردع ومعاقبة المبيعات المحتملة في المستقبل. لكن من غير المرجح صدور قرار جديد من مجلس الأمن ضد صادرات الأسلحة الإيرانية عندما يستفيد عضو دائم في المجلس من الطائرات من دون طيار الإيرانية وقد يتلقى قريباً صواريخ باليستية إيرانية أيضاً. قبل أن تنتهي صلاحية آلية القرار 2231 التي تعمل على هندسة عكسية لحق النقض في مجلس الأمن في أكتوبر / تشرين الأول 2025، ينبغي على واشنطن العمل مع شركائها عبر الأطلسي لاستعادة الحظر الدائم على نقل الأسلحة واختبار الصواريخ عبر الآلية المعروفة إعلامياً باسم “سناب باك”.

ومن هذا المنطلق، تستطيع واشنطن أن تتحرك بقوة لفرض عقوبات على حلقات المشتريات الإيرانية والشبكات غير المشروعة التي تنقل الأموال وقطع الغيار لصالح الجمهورية الإسلامية. ويتعين على واشنطن أيضاً أن تخصص المزيد من الموارد لضمان حرمان طهران من الفوائد، وخاصة إذا كانت مالية، التي تجنيها من تجارة الأسلحة العالمية المتزايدة.

ولابد أيضاً من الإبداع، وهذا يعني بذل المزيد من الجهود متعددة الأطراف لمنع أو اعتراض عمليات نقل الأسلحة حيثما أمكن، فضلاً عن إثارة قضية نقل الأسلحة الإيرانية بشكل أكبر في العلاقات الثنائية مع البلدان التي تستضيف معارض الأسلحة التي تعرض الأسلحة الإيرانية أو مع أولئك الذين يسعون إلى شرائها.

إن أيّاً من هذه الأفكار، إذا ما تم تنفيذها بمعزل عن غيرها، لن يكون كافياً على الأرجح لإعادة مشكلة انتشار الأسلحة الإيرانية إلى وضعها الطبيعي. ولكن إذا ما تم النظر إليها مجتمعة، فإنها قد تعترض جهود الجمهورية الإسلامية الرامية إلى الارتقاء إلى مرتبة بائع أسلحة دولي.

الرابط:

https://www.fdd.org/analysis/2024/08/14/iran-is-creeping-into-the-international-arms-market/

زر الذهاب إلى الأعلى