حزب الله يستغل الأزمة في لبنان لبناء احتياطي كبير من الذهب والشعبية استعداداً للحرب مع إسرائيل
ـ يستغل حزب الله الأزمة السياسية والمالية المستمرة في لبنان للحصول على احتياطيات كبيرة من الذهب من مواطنيه الذين يعيشون في فقر، ويفعل ذلك بطريقة تمنح الحزب فرصة تعزيز شعبيته واحتياطياته من الأصول استعداداً لحرب محتملة مع إسرائيل.
ـ يحصل العديد من المواطنين اللبنانيين على قروض شخصية من جمعية القرض الحسن، وهي “بنك ظل” تابع لحزب الله، حيث يقدمون للجمعية أي ذهب بحوزتهم كضمان. وقد أصبح هذا مصدراً أساسياً للنقد للأفراد في بلد يعيش أكثر من 80% من سكانه في فقر.
ـ تعززت احتياطيات حزب الله من الذهب من خلال الانخراط في تهريبه دولياً؛ وذلك باستخدام الشبكات التي تم بناؤها بين الجاليات اللبنانية في مختلف أنحاء العالم.
مع استمرار التوترات بين حزب الله وإسرائيل، لا يمكن استبعاد احتمال اندلاع حرب بينهما في نهاية المطاف. وعلى الرغم من أن الأدلة تشير إلى أن حزب الله يتجنب مثل هذا السيناريو منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فإنه كان يستعد أيضاً لمثل هذا الاحتمال منذ سنوات عديدة. وتشمل استعدادات حزب الله بناء احتياطيات كبيرة من الذهب والنقد مع الاضطلاع بدور نشط بشكل متزايد في الاقتصاد اللبناني، كل هذا في وقت يقترب النظام المالي في البلاد من الانهيار. وتهدف هذه التدابير إلى السماح لحزب الله بخوض حرب طويلة الأمد مع إسرائيل في حال تصاعد الموقف.
الأزمة المالية
اندلعت الأزمة المالية المستمرة في لبنان بسبب الانخفاض الحاد في النقد الأجنبي. وكان السبب الرئيس وراء هذا الانخفاض هو الفساد المستشري وسوء الإدارة من قبل النخب المالية في البلاد فضلاً عن النفوذ المتزايد لحزب الله، الذي أخاف المستثمرين الأجانب، بما في ذلك أولئك القادمين من دول الخليج. وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنحو 98 في المائة منذ عام 2019، مما أدى إلى تدمير قيمة المدخرات الشخصية والأرباح المحتملة في لبنان. ونتيجة لذلك، تضاعف معدل الفقر، حيث يواجه أكثر من 80 في المائة من السكان الآن وضعية اقتصادية صعبة. ويعيش معظم اللبنانيين على التحويلات المالية من أفراد الأسرة المقيمين في الخارج. ونظراً للامتداد المالي الدولي الواسع لحزب الله، فقد أصبح الآن المنظمة الوحيدة تقريباً القادرة على ضخ الأموال في الاقتصاد اللبناني المتعثر، مما يمكّن الحزب من تعزيز نفوذه بشكل كبير.
علاوة على ذلك، أدت الانقسامات بين حزب الله والفصائل البرلمانية الأخرى إلى إحباط محاولات انتخاب رئيس لبناني جديد في 12 مناسبة منفصلة، كان آخرها في يونيو/ حزيران 2023. ويعمل حزب الله على إطالة أمد الأزمة السياسية والمالية في لبنان، باستغلال الانهيار الحكومي المستمر، لتوسيع نفوذه في البلاد بينما يستعد لحرب محتملة مع إسرائيل.
البنوك الموازية
أثار “بنك الظل” التابع لحزب الله، جمعية القرض الحسن، جدلاً في مارس/ آذار الماضي عندما أعلنت الجمعية أنها ستفتتح فرعاً مصرفياً في بلدة سوق الغرب ذات الأغلبية المسيحية والدرزية، متجاوزة بذلك الخطوط الطائفية المتجذرة في لبنان. وتعمل جمعية القرض الحسن رسمياً كمنظمة خيرية، وهي بمثابة “العمود الفقري المالي” لحزب الله، حيث تقوم بتشغيل نحو 50 فرعاً في جنوب لبنان وبيروت ووادي البقاع. وفي وقت لا يزال القطاع المصرفي اللبناني في حالة اضطراب عميق، تواصل الجمعية التوسع بينما تعمل خارج الإطار التنظيمي والقانوني اللبناني. ونظراً لأزمة السيولة المستمرة في لبنان ونقص الإقراض، أصبحت جمعية القرض الحسن مصدراً أساسياً للنقد بالنسبة إلى لبنانيين وقوة مؤثرة في اقتصاد البلاد.
في عام 2021، بدأت العديد من فروع جمعية القرض الحسن في تركيب أجهزة الصراف الآلي التي تصرف مبالغ كبيرة من الليرة اللبنانية والدولار الأمريكي للمقترضين. يمكن للمقترضين سحب أي مبلغ من الدولارات كما يريدون، وتجديد القروض إلى أجل غير مسمّى، طالما أنهم يقدمون الذهب ضمانة لها. وعلى الرغم من وجود تقارير عن قيام الجمعية بمصادرة الذهب ردّاً على التخلف عن السداد، فإن هذه الحالات محدودة بسبب التأثير السلبي الذي قد يخلفه ذلك على الصورة العامة لحزب الله. بدلاً من ذلك، تميل الجمعية إلى الاحتفاظ بذهب المودع مع تقديم خيار تجديد القروض مقابله إلى أجل غير مسمى.
إن العمليات الخارجية واسعة النطاق التي يقوم بها حزب الله، والتي تشمل الاتجار في المخدرات وغسيل الأموال وتهريب “الألماس الدموي”، تجلب مبالغ ضخمة من المال كل عام. ومن خلال جمعية القرض الحسن، يستخدم حزب الله الكثير من هذا المال لحقن السيولة اللازمة في الاقتصاد اللبناني المريض. وهذا يسمح لحزب الله بتوسيع نفوذه على البلاد في حين يستحوذ في المقابل على جزء كبير من احتياطيات الذهب لدى عامة الناس في لبنان. ووفقاً لمجموعة العمل المالي، فإن الذهب جذاب للجماعات الإجرامية كوسيلة لغسل الأموال لأن مثل هذه الجماعات تحول الأموال غير المشروعة إلى “أصل مستقر ومجهول وقابل للتحويل وسهل التبادل لتحقيق الأرباح أو إعادة استثمارها في أنشطة غير قانونية أخرى”. ومن خلال إقراض المال مقابل الذهب، يعزز حزب الله احتياطياته من الأصول استعداداً لسيناريو الحرب مع إسرائيل.
تهريب الذهب
يشارك حزب الله في تهريب الذهب الدولي مع الحكومة الإيرانية. ففي عام 2020، أظهرت الأدلة أن حزب الله يسيطر على مناجم ذهب متعددة في جنوب شرق فنزويلا. في مايو / أيار 2022، أشارت تقارير استخباراتية إلى أن عشرات الكيلوجرامات من الذهب الفنزويلي تم إرسالها إلى طهران على متن رحلة طيران إيرانية تابعة لشركة ماهان إير مقابل النفط، مع تحويل عائدات هذا لاحقاً إلى حزب الله. أصبحت إيران أكثر استعداداً لدفع مبالغ نقدية ضخمة مقابل الذهب وسط محاولات لزيادة احتياطياتها منه رداً على الضغوط المستمرة للعقوبات الأمريكية. وقد صلت جهود طهران لتخزين الذهب إلى حد إعدام مواطنين متهمين بتخزين الذهب.
من المرجح أن دور حزب الله كوسيط في تهريب الذهب الدولي ينبع من قدرته على التسلل إلى مجموعات مختلفة من الجالية اللبنانية في مختلف أنحاء أميركا الجنوبية إلى غرب إفريقيا. ومن خلال المساعدة على تهريب الذهب إلى إيران مقابل المال، يستطيع حزب الله أن يقرض هذا المال للمواطنين اللبنانيين مقابل ذهبهم. ويزيد هذا النظام من احتياطيات حزب الله من الذهب، في حين يلعب دوراً حيوياً لرعاته الإيرانيين، الذين يزودون حزب الله أيضاً بترسانة عسكرية واسعة النطاق.
خاتمة
إن التعاملات الدولية واسعة النطاق التي يخوضها حزب الله ونفوذه المتزايد في لبنان تمكنه مالياً من الاستعداد لسيناريو الحرب مع إسرائيل. ومن جانبه، أعلن الجيش الإسرائيلي علناً أنه أعد خططاً لغزو لبنان إذا ما تفاقم الوضع. وإذا اندلعت مثل هذه الحرب، فسوف تجد إسرائيل نفسها تقاتل جماعة ليست راسخة في الأراضي والمجتمع اللبناني فحسب، بل أيضاً جماعة مستعدة مالياً لخوض حرب طويلة الأمد.
الرابط: