تحليل عمليتي اغتيال هنية وشكر وتداعياتهما
لقد أدّى تسلسل الهجمات ضد قادة حزب الله وحماس إلى زيادة المخاطر في الصراعات الجارية في الشرق الأوسط، مما يشير إلى تصعيد محتمل في الأعمال العسكرية في جميع أنحاء المنطقة.
وفي تطور دراماتيكي للأحداث، اغتيل الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، في وقت مبكّر من صباح الأربعاء 31 يوليو / تموز، في ما يعتقد على نطاق واسع أنها عملية إسرائيلية.
وجاءت عملية الاغتيال بعد ساعات من استهداف أحد كبار قادة حزب الله، فؤاد شكر، في بيروت. وأعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن ذلك، قائلة إن شكر كان وراء الهجوم الصاروخي الذي وقع نهاية الأسبوع على قرية مجدل شمس الإسرائيلية الدرزية، والذي أسفر عن مقتل 12 طفلاً. وقد أكد حزب الله الذي يتخذ من لبنان مقرّاً له والمدعوم من إيران وفاته بالفعل.
والآن تحبس المنطقة أنفاسها في انتظار أن تتضح تداعيات العمليتين.
لقد تعهدت إسرائيل بمطاردة جميع قادة حماس، بعد أن نفذت الحركة المتمركزة في غزة أعنف هجوم على الأراضي الإسرائيلية على الإطلاق في السابع من أكتوبر / تشرين الأول من العام الماضي. أدى هجوم حماس في يوم واحد إلى مقتل ما يقرب من 1200 إسرائيلي وإصابة آلاف آخرين، كما احتجزت الحركة حوالي 250 شخصاً كرهائن. وما يزال 115 إسرائيلياً في أسر حماس، ومصيرهم غير معروف. وردّاً على الهجوم، شنت إسرائيل حرباً ضخمة ضد الحركة في غزة. ووفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس في القطاع، قُتل أكثر من 38000 فلسطيني نتيجة لذلك، وجُرح ما يقرب من 90.000. وعلى الجانب الآخر، قُتل أكثر من 300 جندي إسرائيلي منذ أن بدأت إسرائيل عمليتها البرية في قطاع غزة.
يأتي رحيل هنية في وقت حرج، حيث كانت حماس وإسرائيل تتفاوضان على اتفاق لوقف إطلاق النار، كما تهدف الوساطة التي قامت بها الولايات المتحدة وقطر ومصر إلى الإفراج التدريجي عن جزء على الأقل من الرهائن الإسرائيليين. ولم يتضح بعد تأثير الاغتيال على المفاوضات. وتنقسم قيادة حماس بين الجناح السياسي الذي قاده هنية والجناح العسكري بقيادة يحيى السنوار، الذي يُعتقد أنه مختبئ في نفق في مكان ما تحت الأرض في غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أصدر تعليمات لوزراء حكومته بعدم إجراء مقابلات بشأن أي من الحدثين، لكن اثنين منهم أبديا فرحتهما على وسائل التواصل الاجتماعي، عندما انتشر نبأ اغتيال هنية.
“احذر مما تتمناه”، هذا ما نشره وزير الشتات عميحاي شيكلي على حسابه على موقع اكس، إلى جانب مقطع فيديو لهنية في إيران، وهو يهز رأسه موافقاً، بينما يهتف آخرون “الموت لإسرائيل!” قبيل ساعات فقط من مقتله.
ونشر وزير التراث عميحاي إلياهو أيضاً على حسابه على منصّة اكس:
“هذه هي الطريقة الصحيحة لتطهير العالم من القذارة. لا مزيد من اتفاقيات السلام / الاستسلام الوهمية، ولا مزيد من الرحمة لهؤلاء البشر”، كما كتب: “وفاة هنية تجعل العالم أفضل قليلاً”.
كان الإسرائيليون في غاية الابتهاج في الصباح. فقد حُفرت صور هنية، وهو يؤدي صلاة احتفالية في الساعات الأولى من صباح السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في أذهانهم كدليل على قسوة حماس. وذكرت تقارير إعلامية مختلفة أن هنية وأحد حراسه الشخصيين قُتلا بصاروخ أطلق على مبنى سكني كانا يقيمان فيه في طهران.
كان هنية، الذي يعيش في قطر منذ سنوات، وأعضاء آخرون من حماس في طهران لحضور مراسم أداء اليمين للرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان. وتتلقى حماس التمويل والدعم من إيران، وكذلك حزب الله. كما حضر الحفل ممثلون عن منظمات أخرى في ما يسمى “محور المقاومة” الإيراني، مثل الجهاد الإسلامي الفلسطيني والمتمردين الحوثيين المتمركزين في اليمن.
لقد واجهت إسرائيل كل هؤلاء منذ بدء الحرب، مما أدى إلى خلق وضع استراتيجي معقد وأثار تساؤلات حول تأثير عمليات القتل المستهدف كجزء من حملتها.
ولكن هذا لا يحسن من المنظور الاستراتيجي العام لإسرائيل. فإسرائيل لا تستطيع أن تقتل كل فلسطيني أو كل زعيم من زعماء حزب الله. وعلى الرغم من أن هذا من شأنه أن يعطل العمليات إلى حد ما، فإنه في نهاية المطاف يجعل وضع إسرائيل أسوأ قليلاً.
ربما كان حزب الله قادراً على احتواء رد إسرائيل على حادث مجدل شمس. ولكن اغتيال هنية بعد ساعات قليلة وضع حماس وداعمها الرئيس، إيران، تحت ضغط الرد.
وقالت قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، إنه لا توجد حالياً أي تغييرات على الإرشادات المقدمة للمدنيين، الذين شجعتهم على مواصلة روتينهم اليومي.
ووافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تنفيذ العمليتين في بيروت وطهران.
وكان نتنياهو والجيش هدفاً للكثير من الانتقادات منذ اندلاع الحرب. فكلاهما يعدّ مسؤولاً عن الخطأ الفادح الذي سمح لحماس بتنفيذ الهجوم الذي صدم إسرائيل. كما سادت حالة من عدم الثقة بين المستويين السياسي والعسكري، حيث ألقى نتنياهو وحلفاؤه باللوم على الجيش بسبب سوء استعداده وافتقاره إلى اليقظة.
وعلى الرغم من ابتهاج نتنياهو بالنجاحات الأخيرة، لا تزال الأهداف التي حددها: القضاء على حماس وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، بعيدة المنال. وربما لا يكون لرحيل هنية عن الساحة السياسية تأثير كبير. ولا يُعتقد أنه لعب دوراً مهمّاً في الاستراتيجية العسكرية لحماس. كما أشارت التقارير الإعلامية إلى وجود خلافات كبيرة بينه وبين السنوار فيما يتصل بالمفاوضات مع إسرائيل بشأن إطلاق سراح الرهائن. ويُعد السنوار شخصية أكثر صلابة وتشدّداً من الراحل هنية.
ولا يُعرف كيف سيساعد اغتيال هنية على تحقيق أهداف إسرائيل؟ هل سيؤدي إلى إنهاء الحرب في وقت مبكر؟ هل سيعيد الرهائن إلى ديارهم؟ وهل سيقلل من احتمالات اندلاع حرب على جبهات متعددة؟ لقد قتلت إسرائيل الكثير من الزعماء الفلسطينيين وقادة حزب الله على مرّ السنين، ولكن هذا لم يساعد، ولم يغير شيئاً، وفي أفضل الأحوال، سيؤدي إلى اضطراب مؤقت، وهو ما يثبت عجز الحكومة الإسرائيلية عن صياغة استراتيجية واستجابة حقيقية.
لقد تعرضت الحكومة الإسرائيلية لانتقادات داخلية وخارجية من جانب الولايات المتحدة ودول أوروبية بسبب افتقارها إلى استراتيجية كفيلة بإنهاء الحرب في غزة مع إحداث واقع مختلف عن الواقع الذي كان قائماً قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. ومع استمرار الحرب، التي دخلت شهرها العاشر، اتُّهم نتنياهو بإطالة أمدها عمداً من أجل تجنب ردود الفعل العنيفة المتوقعة في استطلاعات الرأي في اليوم التالي لانتهاء الحرب.
لا شك في أن اغتيال هنية وشكر يساعد نتنياهو سياسياً؛ فهو يلعب لصالح قاعدته الشعبية ويعزز شعور الناس بالفخر والثقة في الجيش. وربما تكون السياسة هنا هي السبب الرئيس وراء هذه الاغتيالات، خاصة بعد أن تعرض هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على حماس لانتقادات كثيرة، بوصفه هدفاً بعيد المدى وربما غير واقعي.
إن القناعة السائدة لدى قطاع واسع من النخبة السياسية والعسكرية في إسرائيل وحتى في الولايات المتحدة أن حماس “فكرة لا يمكن القضاء عليها”، وأن الفرضية التي يجب أن تنطلق منها الحكومة الإسرائيلية هي أنها “بحاجة إلى القضاء على قدرات حماس العسكرية دون أن تستطيع التخلص من هذه الفكرة. ومن المرجح أن تتجدد هذه القدرات، ولكن إسرائيل بحاجة إلى الاستعداد لإحباطها على الفور، وليس كما حدث في السابق عندما سُمح لحماس بتعزيز قوتها”.
وتصرّ حكومة نتنياهو على أن الضغط العسكري هو الوسيلة الرئيسة لحمل حماس على الموافقة على الصفقة. ويمكن النظر إلى سياسة الاغتيال كجزء من هذا الضغط.
لكن الضغط العسكري غير منتج، فهنية لم يكن شخصية عسكرية. ومن ثم، فإن هذا الضغط لن يحقق أي شيء عسكرياً، بل سيوحد الفلسطينيين، حتى أولئك الذين يريدون التوصل إلى اتفاق. ولن يشجع هذا الضغط السنوار على التوصل إلى اتفاق، بل سيدفعه فقط إلى التشدد في موقفه.
من الصعب تقدير تأثير الخطوة الأخيرة التي اتخذتها إسرائيل. فإبعاد هنية عن المسرح قد يؤدي إما إلى ترسيخ حماس أو زيادة الضغوط عليها. وفي الوقت نفسه، لا تظهر الحرب أي علامات على نهايتها. ولا تزال القوات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وذكر بيان صادر عن الجيش يوم الأربعاء (يوم اغتيال هنية) أن القوات الجوية ضربت “عشرات الأهداف الإرهابية في قطاع غزة، بما في ذلك مواقع البنية التحتية للإرهابيين، والأنفاق تحت الأرض، والمواقع العسكرية، وهياكل الدعم”.
كان نتنياهو أول من قال إن إسرائيل لديها كل الوقت في حربها على حماس. وكان هذا خطأ فادحاً. فأمن إسرائيل، وفقاً للخبراء العسكريين، يرتكز على فرضية مفادها أنها لا تستطيع تحمل حروب طويلة الأمد.
لقد خلفت الحرب خسائر فادحة في إسرائيل ومجتمعها واقتصادها ومكانتها الدولية. وتتعرض الدولة اليهودية لضغوط متزايدة لوقف هذه الحرب، بما في ذلك فرض العديد من الدول حظراً على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، واتهامات بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب في المحاكم الدولية.
وكان هنية مسؤولاً عن الكتب السياسي الذي يدير العلاقات الدولية لحماس ولعب دوراً رئيساً في جمع الأموال للحركة، الأمر الذي مكنها من النمو إلى ما يشبه جيشاً على طول الحدود الجنوبية لإسرائيل.
ومن غير المرجح أن يؤدي اختفاء هنية عن المشهد إلى حدوث تغييرات في السياسات الاستراتيجية لحماس. وعلى خلاف ذلك، يمكن أن تؤدي عملية الاغتيال إلى تصعيد عسكري قد لا يمكن السيطرة على عواقبه.
وهددت حماس بالرد على عملية الاغتيال، كما تعهد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في بيان أصدره بجعل إسرائيل تدفع الثمن.
المصدر: