تقارير ودراسات

شبكة دعم حماس في أمريكا: موجز تاريخي

يعمل أنصار حماس منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة. تُظهر وثائق حماس الداخلية وسجلات التنصت على المكالمات الهاتفية التي قدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي كأدلة في العديد من القضايا الجنائية الفيدرالية بوضوح وجود شبكة لحماس على مستوى البلاد لجمع الأموال والضغط والتعليم ونشر الدعاية يعود تاريخها إلى الثمانينيات.

أضفت الشبكة طابعاً رسمياً على وجودها في عام 1988، عندما أنشأت لجنة فلسطين في الولايات المتحدة. وتضمنت أهداف اللجنة “زيادة الدعم المالي والمعنوي لحماس”، و”محاربة خيار الاستسلام”، والتعريف بـ “وحشية اليهود”.

تفرعت عن لجنة فلسطين العديد من المنظمات التي تتعامل مع الجمهور، والتي يقع معظمها في شيكاغو ودالاس وواشنطن العاصمة. وكان من بينها الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين، وصندوق الأرض المحتلة (الذي أصبح فيما بعد مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية)، والجمعية المتحدة للدراسات والأبحاث.

في عام 1993، قام مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتنصت على اجتماع لكبار نشطاء حماس في الولايات المتحدة عقد في فيلادلفيا. وتظهر سجلات التنصت مناقشات داخلية حول كيفية تحسين الأنشطة الداعمة لحماس داخل البلاد وكيفية حمايتها من تبعات تصنيف حماس كمنظمة إرهابية. واتفق نشطاء حماس المقيمون في الولايات المتحدة على أن إخفاء انتماءاتهم ونواياهم هو أفضل تكتيك لتجنب العواقب السلبية. قال أحد كبار القادة: “أقسم بالله إن الحرب خدعة، يجب اعتماد سياسة الخداع والتمويه والتظاهر بأنك تغادر وأنت تسير في هذا الاتجاه […]. يجب أن تخدع عدوك”. “دعونا لا نرفع علماً إسلامياً كبيراً ودعونا لا نتحدث ببربرية. سنبقى جبهة صامدة حتى إذا حدث شيء [الحظر الذي فرضته الحكومة الأمريكية على حماس]، فسنستفيد من الأحداث الجديدة بدلاً من تصنيف جميع منظماتنا وفضحها”.

على مر السنين، قامت السلطات الأمريكية بعدة أنشطة لتضييق الخناق على الشبكة الداعمة لحماس داخل البلاد، بما في ذلك ترحيل ومحاكمة نشطاء حماس وإغلاق العديد من المنظمات. يشكل تصنيف مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية في عام 2001 والمحاكمة اللاحقة لجزء من قيادتها بتهمة تحويل ما يقرب من 12.4 مليون دولار إلى حماس أكبر محاكمة ناجحة لتمويل الإرهاب في تاريخ الولايات المتحدة.

ومع ذلك، أظهرت شبكات حماس وأفرادها المتمركزون في الولايات المتحدة مرونة ملحوظة، وما زال العديد من الناشطين الأساسيين في اللجنة الفلسطينية منخرطين في أشكال مختلفة من الدعم لحماس (وإن كان في بعض الأحيان سياسياً بحتاً وليس مادياً).

حماس في أمريكا

إن الأفراد والشبكات التي تقدم أشكالاً مختلفة من الدعم لحماس تنشط في أمريكا منذ عقود. في الواقع، وصلت أعداد صغيرة من الفلسطينيين الذين ينتمون إلى شبكات الإخوان المسلمين في قطاع غزة والضفة الغربية إلى الولايات المتحدة منذ الستينيات للدراسة في الجامعات الأمريكية أو كمهاجرين/لاجئين (حماس، كما ينص ميثاقها، هي الجناح الفلسطيني للإخوان المسلمين).

مع مرور الوقت، منذ التأسيس الرسمي لحركة حماس عام 1987 فصاعداً، نظمت هذه الشبكة نفسها بشكل متزايد، مما أدى إلى إنشاء مجموعة كبيرة نسبياً من المنظمات التي تواجه الجمهور والمخصصة لأنشطة مثل التمويل وممارسة الضغط والتعليم ونشر الدعاية. منذ أن صنفت حكومة الولايات المتحدة حماس لأول مرة كمنظمة إرهابية في عام 1997، قامت السلطات الأمريكية بعدة أنشطة لقمع هذه الشبكة، بما في ذلك ترحيل ومحاكمة نشطاء الحركة وإغلاق العديد من المنظمات ـ الواجهة.

إن المواد التي قدمتها الحكومة كدليل خلال هذه الإجراءات تمثل كنزاً فريداً من المعلومات حول شبكة سرية للغاية من نشطاء حماس في أمريكا. وتستند هذه المواد إلى حد كبير إلى وثائق حماس الداخلية التي استولى عليها مكتب التحقيقات الفيدرالي وسجلات التنصت على المحادثات بين عملاء حماس التي أجراها المكتب، والتي تم تقديمها كدليل خلال محاكمة تمويل الإرهاب لعام 2007 لمؤسسة الأرض المقدسة، وهي مؤسسة خيرية مقرها تكساس اتهمتها السلطات الأمريكية بتمويل حماس. يسعى هذا التقرير / الموجز إلى تحديد تاريخ وتطور شبكة حماس في الولايات المتحدة منذ أيامها الأولى.

لجنة فلسطين

في الأشهر التي تلت تشكيل حماس عام 1987، نشطت جماعة الإخوان المسلمين وفروعها في جميع أنحاء العالم لمساعدة الحركة المشكلة حديثاً. ووفقاً لوثائق داخلية صدرت عن المحكمة الفيدرالية، سافر رئيس فرع فلسطين في جماعة الإخوان المسلمين في عام 1988 إلى الولايات المتحدة، حيث التقى برفاقه من الإخوان للحصول على دعمهم. وكانت نتيجة الاجتماع تشكيل لجنة فلسطين للإخوان المسلمين في أمريكا، وهي مجموعة فرعية من جماعة الإخوان في الولايات المتحدة تتكون في معظمها من أعضاء من أصل فلسطيني.

في أكتوبر / تشرين الأول 1992، أوضحت مذكرة داخلية للجنة فلسطين بوضوح رؤية جماعة الإخوان المسلمين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني:

“فلسطين هي التي أعد لها الإخوان المسلمون جيوشاً مكونة من أبناء الإسلام من الدول العربية والإسلامية لتحرير أرضها من رجس ودنس اليهود، والتي سقيت أرضها الطاهرة بالدماء الشريفة للمجاهدين، وهي في جهاد مستمر إلى يوم القيامة، وإنه لجهاد.. نصر أو استشهاد”.

كما دعت الوثيقة اللجنة إلى العمل على “زيادة الدعم المالي والمعنوي لحماس” من أجل “محاربة الحلول السلمية / أو الاستسلامية للقضية”، والتعريف والتركيز على “وحشية اليهود”. ومما يعكس الهيكل الهرمي التقليدي لمنظمات الإخوان المسلمين، تألفت اللجنة من رؤساء ثلاث منظمات مقرها الولايات المتحدة تم إنشاؤها لمساعدة حماس في فلسطين: الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين، الذراع المالي لحماس في الولايات المتحدة: صندوق الأرض المحتلة (الذي أصبح فيما بعد مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية)، والجمعية المتحدة للدراسات والأبحاث، وهي مؤسسة فكرية. شكلت هذه المنظمات الثلاث، التي يعمل كل منها في مجالها ولكن جميعها مترابطة بشكل عميق، الوجه العام للبنية السرية لجماعة الإخوان المسلمين/ حماس في أمريكا.

وكما تؤكد وثائق لجنة فلسطين الداخلية التي حصل عليها مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين ومؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية تشكلان الكيانين الرئيسيين للآلية الموالية لحماس التي تواجه الجمهور، والتي أنشأها موسى أبو مرزوق، رئيس لجنة فلسطين. أبو مرزوق، وهو مواطن من قطاع غزة، حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الصناعية في لويزيانا، قام خلال فترة وجوده في الولايات المتحدة بتطوير العديد من الشبكات الشخصية والمنظمات العامة المكرسة لدعم حماس في فلسطين. تم ترحيل أبو مرزوق في نهاية المطاف من الولايات المتحدة في عام 1995، وخلال جلسة ترحيله، اعترف بأنه رئيس الجناح السياسي لحركة حماس في الولايات المتحدة. وبعد مغادرته الولايات المتحدة، أصبح أبو مرزوق أحد كبار قادة حماس الذين خدموا في المكتب السياسي للحركة، وشغل منصب نائب رئيس المكتب من عام 1997 إلى عام 2014.

كان لأبي مرزوق دور فعال في تأسيس وتطوير الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين. ومثلت الرابطة، ومقرها شيكاغو، الواجهة الرئيسة لشبكة الإخوان المسلمين وحماس في الولايات المتحدة، حيث أشرفت على شبكة وطنية تنشر دعاية حماس، وتجمع الأموال، وتنسق بين المتعاطفين القدامى والجدد مع الحركة. لقد كانت الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين من بنات أفكار كبار قادة حماس. تأسست عام 1981 تحت إشراف خالد مشعل، الذي أصبح فيما بعد رئيساً للمكتب السياسي لحماس، وهو ما يسلط الضوء على أهمية شبكة الدعم الأمريكية لحماس. تم تكليف أبو مرزوق، الذي كان عضواً في مجلس إدارة الرابطة، لاحقاً بمهمة تعزيز نفوذها وقام بتحويل 150 ألف دولار إلى الرابطة وإلى مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية.

بالطريقة النموذجية للإخوان المسلمين، تم تأسيس وإدارة الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين ومؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية وكيانات أخرى تابعة لشبكة الإخوان المسلمين وحماس في الولايات المتحدة من قبل مجموعة صغيرة من الرجال الذين نشأ معظمهم من نفس المدن في فلسطين، وكانوا يعرفون بعضهم البعض منذ فترة طويلة، وغالباً ما يرتبطون ببعضهم البعض عن طريق القرابة و/ أو العلاقات التجارية، والأهم من ذلك، أنهم يشتركون في نفس الالتزام برؤية الإخوان المسلمين وحماس للعالم. الأدلة التي قدمتها الحكومة الفيدرالية في محاكمة مؤسسة الأرض المقدسة توضح بعض الروابط الشخصية/ القرابة، خاصة بين كبار قادة حماس في فلسطين وكبار المسؤولين في شبكة الإخوان المسلمين/ حماس في الولايات المتحدة.

على سبيل المثال، كان كبير جامعي التبرعات في مؤسسة الأرض المقدسة مفيد عبد القادر هو الأخ غير الشقيق للرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس خالد مشعل. مفيد ومشعل هما أبناء عمومة المسؤول الكبير في المؤسسة أكرم مشعل وإخوة مفيدة عبد القادر، التي تزوجت من ابن كبير المتحدثين باسم مؤسسة الأرض المقدسة وجامع التبرعات لحماس محمد صيام. ابنة صيام، رائدة، تزوجت من إسلام صيام، مسؤول آخر في المؤسسة. شكري أبو بكر كان رئيساً ومديراً تنفيذياً لمؤسسة الأرض المقدسة وشقيق القيادي في حماس جمال عيسى (جمال أبو بكر). وكان أيضاً عضواً في المجلس الاستشاري للرابطة الإسلامية من أجل فلسطين. موسى أبو مرزوق هو ابن عم محمد مزين، الذي كان مدير الأوقاف في مؤسسة الأرض المقدسة، وزوجته نادية العشي هي أخت غسان العشي، رئيس مجلس إدارة المؤسسة، الذي أنشأ أيضاً فرع الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين في كاليفورنيا.

اجتماع فيلادلفيا

بما أن حماس لم يتم تصنيفها بعد كمنظمة إرهابية من قبل حكومة الولايات المتحدة، فقد عملت لجنة فلسطين ومنظماتها بشكل قانوني داخل البلاد، حيث قامت بجمع الأموال والدعاية للحركة دون خرق القانون. بدأت الأمور تتغير في غشت / آب من عام 1993، عندما وقع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين على اتفاقيات أوسلو للسلام. دخلت اللجنة الفلسطينية في حالة من التوتر، حيث عارضت بشدة معاهدة السلام، كما كانت تخشى أن تصبح حماس قريباً هدفاً للإجراءات الأمريكية.

بدأ مسؤولو مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذين كانوا يراقبون أعضاء اللجنة عن كثب، في تتبع محادثاتهم المثيرة للقلق. وإدراكاً منهم للتداعيات الهائلة التي كان من الممكن أن يخلفها اتفاق أوسلو، ليس فقط على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل وأيضاً على أنشطتهم داخل الولايات المتحدة، قرر أعضاء اللجنة عقد اجتماع استثنائي لمدة ثلاثة أيام في فيلادلفيا. وعقد الاجتماع المغلق في فندق ماريوت بالقرب من مطار المدينة، وحضره حوالي عشرين من كبار قادة شبكة دعم حماس في الولايات المتحدة. ودون علم المشاركين، قام مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتنصت على المكالمات الهاتفية داخل الفندق، وسجل معظم المحادثات التي جرت خلف أبواب قاعة الاجتماعات بالفندق. تم تقديم نصوص معظم المحادثات كدليل أثناء محاكمة مؤسسة الأرض المقدسة.

حضر الاجتماع ممثلو المنظمات الثلاث المكونة للجنة فلسطين. وباتباع نمط مشترك عند جماعة الإخوان المسلمين، كان معظمهم متحدين بروابط الدم ويعيشون في مجتمعات متماسكة في المدن الأمريكية الثلاث التي استضافت تقليدياً المجموعات الأكبر من أنصار حماس: شيكاغو، ودالاس، وواشنطن العاصمة. ومثل الرابطة رئيسها عمر أحمد، ومدير العلاقات العامة نهاد عوض، ورئيس مكتبها في واشنطن أكرم خروبي، الذي أصبح فيما بعد ممثل مؤسسة الأرض المقدسة في رام الله. وحضر أيضًا مؤسس ورئيس مؤسسة الأرض المقدسة شكري أبو بكر، الذي كان شقيقه جمال رئيساً لحركة حماس في السودان ولاحقاً في اليمن، وأمين الصندوق غسان العشي المقيم في دالاس، وابنة عمه المتزوجة من مرزوق.

افتُتح الاجتماع، الذي تم تنظيمه بإجراءات أشبه باجتماع مجلس إدارة شركة كبيرة، بتعليمات تتعلق بالأمن، حيث تم حث المشاركين على الإشارة إلى حماس باسم “سماح” – يتم تهجئة اسمها بشكل عكسي – أو ببساطة باسم “الحركة” طوال الاجتماع وفي المحادثات الهاتفية. ثم بدأ المشاركون بإدانة اتفاقات أوسلو، التي وصفها عمر أحمد بالمعاهدة “بين كفار وكفار”. وفي حين أن صياغة موقف مشترك ضد الاتفاقيات لم يكن بالأمر الصعب، فإن المشاركين ناقشوا سبل تقويضها في نظر المجتمع الأمريكي. ومع إدراكهم التام للبيئة التي يعملون فيها، شدد بعض المتحدثين على ضرورة صياغة معارضتهم لمعاهدة السلام بعبارات من شأنها أن تروق للأمريكيين.

قال شكري أبو بكر: “لا يفيدني أن أظهر للشعب الأمريكي أنني […] ضد الاتفاق لأنني أكره أبو عمار [ياسر عرفات] وأكره منظمة [التحرير الفلسطيني]”. فبدلاً من “مهاجمة منظمة التحرير الفلسطينية بطريقة شخصية ومباشرة”، يتعين على لجنة فلسطين وفروعها أن يتحدثوا عن “الديمقراطية وحرية التعبير”، وهي المفاهيم العزيزة على أغلب الأميركيين. ويوافق عمر أحمد على ذلك قائلاً: “علينا أن نجعل الناس ينظرون إلى السلطة [الوطنية الفلسطينية] على أنها متعاونة مع الاحتلال، وأنها سلطة لا تهتم بمصالح الناس وبالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني”. وأوضح متحدث آخر لم يذكر اسمه أن أعضاء اللجنة يجب أن “يعزفوا نغمة مهمة جداً للمواطن الأمريكي العادي وهي قضية الديمقراطية وقضية التمثيل. عندما تقول لفرد أمريكي: هذا الشخص غير منتخب. إنه ظالم… هذا نظام دكتاتوري… يجب أن تذكر أيضاً اسم صدام حسين”.

وناقش المشاركون أيضاً مستقبل أنشطتهم، مدركين أنه لم يعد بإمكانهم الإعلان عن دعمهم لحماس بشكل صريح. وقالوا إن الحكومة الأمريكية لن تحظر حماس قريباً فحسب، بل إن الوقوف علناً إلى جانب منظمة تدعو إلى رفض السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة واستخدام العنف هو بمثابة انتحار للعلاقات العامة لحماس ولخيار المقاومة. واعترف أبو بكر أنه عند الحديث مع الأميركيين، فإن أعضاء الحركة “لا يستطيعون القول… إنني من حماس”؛ لأنه بالنسبة إلى الأمريكيين “إذا كنت ضد السلام، فأنت إرهابي”. وأوضح مشارك آخر أن اللجنة “يجب أن تبلور موقف موحد للفلسطينيين والمسلمين هنا في أمريكا لدعم المقاومة… وهذه مشكلة بحد ذاتها، وفي الوقت نفسه عدم الوقوع تحت طائلة تهم الإرهاب ودعم الإرهاب… حسب [التعريف] الأمريكي… وهذه مشكلة حقيقية حقاً”.

واستمر النقاش حول كيفية إعادة تنظيم أنشطة اللجنة، حيث تجادل المشاركون حول كيفية تحريض المسلمين الأمريكيين على دعم حماس وسياساتها مع الحفاظ على واجهة الاعتدال مع السلطات ووسائل الإعلام الأمريكية. ولخص أحمد المشكلة قائلاً: “إذا كنت تريد [التحدث مع] الأميركيين بما يرضهم، فإنك ستخسر المسلمين”، “إذا خاطبت المسلمين كما يجب، فهذا يعني أنك لا تستطيع أن تكشف عنوانك للأميركيين”. “إذا سألك شخص ما إذا كنت تريد تدمير إسرائيل، ماذا ستقول على شاشة التلفزيون؟ إذا أعطيت إجابة غير حاسمة وكأنك لم تجب على السؤال، سيأتي إليك شخص ويقول لك أنك تخليت عن مبادئك”.

وفي مواجهة موقفين متعارضين، اختار المشاركون نهجاً ذا شقين يميز بين الاستراتيجية الداخلية والخارجية. داخل المجتمع الإسلامي، اتفق المشاركون على أنه ينبغي للجنة أن تحافظ على دعمها اللامحدود لحماس، والانخراط في أنشطة مختلفة لمساعدة الحركة. وقال أحد المتحدثين: “في المرحلة المقبلة، أهم شيء يمكننا تقديمه هو دعم الجهاد في فلسطين. أعتقد أن هذا هو السبيل الوحيد إذا أردنا إفشال أهداف اتفاق أوسلو للسلام”. تم أيضاً تحديد وسائل جمع التبرعات بين الجاليات الإسلامية المحلية على الفور كواحد من الأنشطة الرئيسية التي ينبغي للجنة فلسطين أن تشارك فيها. في الواقع، كان الهدف من مؤسسة الأرض المقدسة التي تم إنشاؤها حديثاً هو جمع الأموال لحماس مع إعطاء الانطباع بأنها مخصصة للأيتام والأطفال المحتاجين. قال أبو بكر: “نحن نعطي الإسلاميين 100 ألف دولار ونعطي الآخرين 5000 دولار”، موضحاً كيف يمكن للمؤسسة أن تحافظ على مظهرها كمنظمة خيرية وتتجنب التدقيق في أنشطتها الداخلية من قبل السلطات. وقال إن مؤسسة الأرض المقدسة بحاجة إلى “الحفاظ على التوازن” بين العمل الخيري ودعم حماس وتجنب جذب الانتباه مع “البقاء على مسارها القانوني فيما يتعلق بالمشاريع الخيرية دون إظهار توجهات خاصة يمكن أن تضر المؤسسة من الناحية القانونية”. وباستخدام هذه الوسائل، كما تقول السلطات الأمريكية، قام مسؤولو مؤسسة الأرض المقدسة بجمع وتحويل أكثر من 12 مليون دولار إلى حماس حتى تم إغلاق المؤسسة الخيرية في ديسمبر / كانون الأول 2001.

في الوقت نفسه، قال المشاركون في الاجتماع، إنه يتعين على اللجنة أن تبذل جهداً مكثفاً لتثقيف الجالية المسلمة الأميركية، وإقناعهم بأن اتفاقيات السلام أضرت بالفلسطينيين، وأن حماس هي القوة الوحيدة التي تستحق الدعم. وقال العديد من المشاركين إنه ينبغي للجنة أن تكون نشطة بشكل خاص في نشر هذه الرسالة بين الشباب. “نحن لا نريد لأطفال الجالية [المسلمة الأمريكية] الذين نشأوا هنا وتعلموا في المدارس الإسلامية وغير الإسلامية أن يكبروا مستسلمين لقضية السلام مع اليهود”. وقال متحدث آخر إنه ينبغي للجنة استخدام المؤتمرات السنوية وشبكة المدارس الإسلامية التي تديرها المنظمات التابعة لها مثل الجمعية الإسلامية الأمريكية، والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، والدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية، لنشر الكتب وتقديم المتحدثين الذين يمكنهم رفع مستوى الوعي حول الحاجة إلى دعم حماس وسياسات المقاومة.

وإذا كانت الاستراتيجية الداخلية للجنة تهدف إلى تعبئة الجالية الإسلامية الأمريكية لدعم حماس، فإن المشاركين في الاجتماع أدركوا أنهم قادرون أيضاً على لعب دور مهم في مساعدة الحركة من خلال التأثير على الرأي العام الأميركي وصناع القرار السياسي. وشدد أحمد على وجه الخصوص على ضرورة التأثير على وسائل الإعلام والجامعات ومراكز الأبحاث، وتابع: “ويتحقق ذلك أيضاً من خلال العمل مع المنظمات السياسية الإسلامية مثل التحالف الإسلامي الأمريكي، واتحاد المسلمين في أمريكا، ومجلس شؤون المسلمين العامة… إذا انخرط المسلمون في النشاط السياسي في أمريكا وبدأوا يهتمون بالكونغرس والعلاقات العامة، سيكون لدينا مدخل لاستخدامها للضغط على الكونجرس وصناع القرار في أمريكا”.

وقد اعتُبر تطوير استراتيجية إعلامية مدروسة بعناية، تدافع عن حماس دون إعطاء انطباع بدعم العنف، أحد أهم جوانب حملة العلاقات العامة التي تقوم بها اللجنة. وتحدث أحمد عن ضرورة “بث وجهة النظر الإسلامية في وسائل الإعلام الأمريكية”، مضيفاً أنه “عندما ظهر نهاد على قناة سي إن إن وتحدث بالطريقة التي تحدث بها، فإن ذلك قلل بشكل كبير من خطورة مزاعم التطرف”. وأشار أحمد إلى ظهور مدير العلاقات العامة في الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين نهاد عوض، قبل بضعة أسابيع، على قناة سي إن إن، عندما طرح وجهة نظر حماس بكلمات كانت مقبولة لدى الجمهور الأمريكي. وأكد أحمد على أهمية “تدريب وتأهيل الأفراد في اللجنة وفروعها على النشاط الإعلامي من خلال عقد دورات خاصة بالإعلام”، والتركيز على كتابة المقالات الافتتاحية في الصحف الأمريكية البارزة. ولطالما استجاب نشطاء حماس المقيمون في الولايات المتحدة لاستراتيجية عوض عند عودتهم إلى الشرق الأوسط. في الواقع، على مدى السنوات القليلة الماضية، قام رئيس اللجنة الأمريكية الفلسطينية السابق موسى أبو مرزوق والمدير السابق للجمعية المتحدة للدراسات والأبحاث أحمد يوسف، وهو حالياً كبير المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، بنشر العديد من المقالات الافتتاحية في الصحف الأمريكية البارزة مثل واشنطن بوست، ونيويورك تايمز، ولوس أنجلوس تايمز، باستخدام نغمة مختلفة تماماً عن تلك المستخدمة في اللغة العربية.

وأوضحت المناقشات التي دارت في الاجتماع أن المشاركين فهموا تماماً أنه إذا قرروا داخل المجتمع الإسلامي دعم حماس بشكل علني وبلا تحفظ، فإنهم بحاجة إلى اتخاذ موقف أكثر حذراً عند التعامل مع عامة الناس وصانعي السياسات. وأوضح عمر أحمد: “لا يمكننا، كمنظمة أمريكية، أن نقول إننا نمثل سماح [كلمة حماس مكتوبة بشكل معكوس]”. وسأل ساخراً: “هل يمكنني أن أذهب إلى عضو الكونجرس وأقول له، أنا عمر يحيى [أحمد]، رئيس الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين، ياسر عرفات لا يمثلني، لكن [الزعيم الروحي لحماس] الشيخ أحمد ياسين يمثلني؟”. واتفق المشاركون الآخرون على أن إخفاء الأهداف والتوجهات الحقيقية للجنة عند التعامل مع الأمريكيين تكتيك ضروري.

وقد استجاب المشاركون الآخرون لدعوات أحمد للتقية. وقال أحدهم: “برأيي، يجب أن نشكل منظمة جديدة تكون محايدة لأننا معروفون. لقد تم وضع علامة علينا. وأعتقد أنه يجب أن تكون هناك منظمة محايدة جديدة تعمل على كلا الجانبين”. ووافق متحدث آخر لم يُذكر اسمه، مسلطاً الضوء على الحاجة إلى إنشاء منظمة جديدة تكون “غطاء أمريكياً رسمياً يمثل المجتمع الإسلامي” وأيضاً بمثابة “غطاء للمنظمات القائمة في حالة حلها”. وأوضح أبو بكر الفكرة قائلاً إن المجموعة “يجب أن تبدأ الآن… في التفكير في إنشاء تنظيمات بديلة… لا يكون لونها الإسلامي [الداعم لحماس واضحاً للغاية”.

وشدد أبو بكر، الذي كان قلقاً بشأن الإجراءات الأمريكية الوشيكة ضد حماس وشبكة دعمها داخل البلاد، على ضرورة إخفاء هوية المنظمة الجديدة التي قرر المشاركون إنشاءها. “دعونا لا نرفع علماً إسلامياً كبيراً ودعونا لا نتحدث ببربرية. سنظل جبهة موحدة حتى إذا حدث شيء [الحظر الذي فرضته الحكومة الأمريكية على حماس]، فسنستفيد من الأحداث الجديدة بدلاً من تصنيف جميع منظماتنا وفضحها”. وأضاف أبو بكر: “كنت أخبر أخونا أبو الحسن [عبد الحليم الأشقر] عن مؤسسة الأقصى التعليمية [التي اقترحها]”، مشدداً على ضرورة تجنب الأسماء العربية التي قد تخيف الجمهور. “لماذا الأقصى التعليمية؟ عندما تذهب إلى أكسفورد سيسألونك: سيدي، ما هو الأقصى؟ اجعله الأكاديمية الفلسطينية للتعليم العام. اجعل لنفسك اسماً عاماً كهذا وامنحه وميضاً إعلامياً، ولا داعي للأقصى والقدس والصخرة وكل تلك الأشياء”.

ومن أجل أن يتمكنوا من مواصلة أنشطتهم في الولايات المتحدة، اتفق المشاركون على ضرورة تأسيس منظمة جديدة ليس لها علاقات واضحة مع حماس وتعمل بطرق تجعلها تبدو معتدلة في عيون الأميركيين. وقد أعرب النظام الداخلي المعدل للجنة فلسطين، الذي تمت صياغته في عام 1991، بالمثل عن الرغبة في إنشاء منظمة إضافية واحدة في المستقبل. وجاء في الوثيقة “من المؤمل أن نؤسس منظمة رسمية للعمل السياسي ويكون مقرّها الرئيس في واشنطن إن شاء الله لدعم القضية سياسياً على الجبهة الأمريكية”.

واستناداً إلى مراجعتها لأدلة وافرة، تعتقد السلطات الأمريكية أن هذه المنظمة هي مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، الذي تأسس في واشنطن العاصمة بعد أشهر قليلة من اجتماع فيلادلفيا. في الواقع، أصبح رئيس الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين عمر أحمد ومدير العلاقات العامة نهاد عوض، وكلاهما عضوان في لجنة فلسطين وحضرا اجتماع فيلادلفيا، على التوالي، الرئيس الفخري والمدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية. أصبح رفيق جبار، الذي كان قيادياً في الرابطة، مديراً مؤسساً لـ “كير”، بينما أصبح إبراهيم هوبر، الموظف السابق في الرابطة، مديراً للاتصالات في “كير”. أصبح غسان العشي، أمين صندوق مؤسسة الأرض المقدسة، عضو مجلس إدارة مؤسس لفرع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في تكساس. وكما أظهرت الأدلة المقدمة في محاكمة دالاس، قامت مؤسسة الأرض المقدسة أيضاً بتحويل الأموال إلى مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية من أجل “خدمات استشارية”. أخيراً، اعترفت مذكرة داخلية للجنة فلسطين في يوليو / تموز 1994 بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، جنباً إلى جنب مع الرابطة الإسلامية من أجل فلسطين، ومؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية، والجمعية المتحدة للدراسات والأبحاث، كجزء من هيكلها التنظيمي.

تطور الشبكة

على مرّ السنين، كما ذكرنا، أجرت الحكومة الأمريكية عدة عمليات لمكافحة الإرهاب ضد شبكة دعم حماس في الولايات المتحدة. ومن بين أكثر هذه الإجراءات تطوراً مجموعة الإجراءات المتخذة ضد مؤسسة الأرض المقدسة. تم تصنيف المؤسسة كمنظمة إرهابية في 4 ديسمبر / كانون الأول 2001، وتم تجميد أصولها. أدى هذا الإجراء إلى محاكمة جنائية لعدد كبير من قيادة المؤسسة. وبعد تقلبات قانونية معقدة، في عام 2008، أدين خمسة منهم بجمع ما يقرب من 12.4 مليون دولار لدعم منظمة إرهابية محددة (حماس)، وحُكم عليهم بالسجن لمدة تصل إلى 65 عاماً. وتشكل هذه القضية، حتى الآن، أكبر محاكمة ناجحة لتمويل الإرهاب في تاريخ الولايات المتحدة.

ومع ذلك، بعد بضعة أشهر فقط من تصنيف مؤسسة الأرض المقدسة في عام 2001، أطلقت نفس شبكة حماس التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة جمعية خيرية جديدة، هي جمعية القلوب الرحيمة للتنمية الإنسانية الخيرية ومقرها توليدو بولاية أوهايو. وفي عام 2006، جمدت وزارة الخزانة أصول الجمعية، بعد توفر أدلة على أنها قدمت الدعم أيضاً لمنظمات إرهابية أجنبية. وزعمت وزارة الخزانة الأمريكية أن الجمعية كانت تجمع الأموال للكيانات التابعة لحماس في الضفة الغربية ولبنان “خلف واجهة العمل الخيري”. بالإضافة إلى ذلك، اعتقدت وزارة الخزانة أن جمعية القلوب الرحمية هي “سليلة” مؤسسة الأرض المقدسة، حيث كان “قادة الجمعية وجامعو التبرعات يشغلون مناصب قيادية أو مناصب أخرى في المؤسسة”.

إن حادثة مؤسسة الأرض المقدسة – جمعية القلوب الرحيمة تحكي عن ديناميكية أكبر، وهي قدرة شبكة حماس التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها على تجديد نفسها ومواصلة أنشطتها تحت واجهات متعددة. وبالمثل، في الواقع، أنشأ العديد من أعضاء لجنة فلسطين والمشاركين في اجتماع فيلادلفيا عام 1993، على مر السنين، هياكل جديدة لتقديم الدعم لحماس. وفي حين يركز بعضها على جمع الأموال، يركز البعض الآخر على الجهود السياسية والتعليمية (والتي، بسبب طبيعتها، من الصعب أن تندرج تحت أحكام الدعم المادي لمنظمة إرهابية، وبالتالي لا تطالها الاتهامات الجنائية).

 

الكاتب: لورينزو فيدينو

زر الذهاب إلى الأعلى