تقارير ودراسات

لا يمكن محاربة حماس مثل القاعدة

لقد تمت إدانة الهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، لكن غالباً ما يغيب عن المناقشة مدى اختلاف حماس عن الجماعات الإرهابية الأخرى. في هذا المقال، تقارن كيم كراجين، من جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، بين حماس وتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، وتقيّم على وجه الخصوص الدور السياسي لحماس، وكيف أن هذا الدور يجعل الأدوات التقليدية لمكافحة الإرهاب أقل فعالية في مواجهتها.

قارن رئيس الوزراء الإسرائيلي هجوم 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023 بضربات تنظيم القاعدة ضد مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك والبنتاغون في 11 سبتمبر / أيلول 2001. كما شبه المتحدثون باسم الجيش الإسرائيلي هجوم حماس بعمليات قطع الرؤوس التي قام بها تنظيم الدولة الإسلامية في الفترة 2014-2015، وكذلك بهجمات تنظيم الدولة ضد النساء الإيزيديات. تؤكد هذه المقارنات على نطاق ووحشية تكتيكات حماس، لكنها تحجب أيضاً اختلافات كبيرة بين الجماعات الإرهابية. تعدّ هذه الاختلافات مفيدة في المداولات حول الاستجابة الأكثر ملاءمة وفعالية لمكافحة الإرهاب. إن حماس ليست تنظيم القاعدة، والتكتيكات السابقة والمألوفة، مثل الضربات المركزة، وعمليات التطهير، والتعاون الأمني المحدود مع السلطة الفلسطينية، لن تدمرها.

على عكس تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، تلتزم حماس بنظرة قومية؛ حماس لها جذور في جماعة الإخوان المسلمين الدينية، وهي تستخدم الخطاب الديني وتصور نفسها على أنها منظمة إسلامية، لكن طموحها هو قيادة دولة حديثة معترف بها دولياً. إن زعماء حماس ليس لديهم مصلحة سياسية تتجاوز ما تعتبره الحركة حدود فلسطين. ويمكن رؤية قوميتها بشكل أكثر وضوحاً في سلوك أعضائها. فعندما قامت إسرائيل بترحيل حوالي 400 من أعضاء حماس في ديسمبر/ كانون الأول 1992، على سبيل المثال، لم يتفرقوا كما كان شائعاً في ذلك الوقت بالنسبة إلى المقاتلين الآخرين، بما في ذلك أولئك الذين ينتمون إلى مجموعات من مصر والجزائر واليمن. في أغلب الأحيان، كان الإرهابيون المرحلون يميلون إلى التفرق على أماكن مثل أفغانستان أو السودان والسعي لتحقيق أهداف عالمية، لكن أعضاء حماس آثروا البقاء في لبنان وعملوا على العودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان من بينهم العديد من قادة حماس الحاليين: إسماعيل هنية، محمود الزهار، ومروان عيسى الذي قُتل في غزة في غارة جوية في مارس / آذار الماضي.

إن زعماء حماس قوميون إلى الحد الذي يجعلهم يشعرون بالإهانة، عندما تستعير الجماعات المسلحة الأخرى القضية الفلسطينية لتحقيق أجنداتها العالمية. اندلع العداء بين حماس وتنظيم القاعدة من هذا المنطلق في عامي 2007 و2008. وكان من المفترض أن يقوم أيمن الظواهري، نائب تنظيم القاعدة في ذلك الوقت، بإلقاء محاضرات على حماس في سلسلة من المنشورات والحوارات عبر الإنترنت حول ما الذي يجعل حركة مقاومة ذات مصداقية وما هو الأفضل للشعب الفلسطيني. ورد قادة حماس على الظواهري ساخرين؛

“إذا نسي أحد القضية الفلسطينية والقدس، موطن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن حركة المقاومة حماس لا تزال تقدم لهم الشهداء والدماء، لكن يبدو أن هناك من نسي ما قدمته حماس وما تستطيع تقديمه […]. نحن أدرى بما يحيط بنا من ظروف، ونتعامل مع الواقع وفقاً لما يخدم مصالح شعبنا الفلسطيني”.

وفي حين يرفض تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية الأنظمة السياسية العلمانية، تشارك حماس في انتخابات مجالس الطلاب واتحادات العمال والانتخابات البلدية والوطنية. وتشير العديد من المقالات حول حماس إلى نجاحها الانتخابي في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي جرت عام 2006؛ فقد فازت حماس بـ 74 مقعداً من أصل 132 في القوائم النسبية والجغرافية، مع ثلاثة مرشحين إضافيين متحالفين مع كتلة التغيير والإصلاح التابعة للحركة، لكن هذه لم تكن أولى محاولات حماس للحكم الذاتي. ففي غشت / آب 1992، فازت الكتلة الإسلامية التي تقودها حماس بنسبة 43% من أصوات نقابة المهندسين في الضفة الغربية. بعد ذلك بعامين، في غشت / آب 1994، استقال رئيس بلدية مدينة أريحا المعين من قبل إسرائيل وحل محله مجلس مدينة جديد يضم اثنين من ممثلي حماس، كما قدمت حماس مرشحيها في الانتخابات البلدية في ديسمبر/ كانون الأول 2004 ويناير/ كانون الثاني 2005، وفازت بأغلبية المقاعد في 23 من أصل 84 مجلساً بلدياً. إن مشاركة حماس في هذه الانتخابات، فضلاً عن استعدادها للدخول في شراكة مع المعارضين لتحقيق الحكم الذاتي الفلسطيني، تمثل تناقضاً مهمّاً مع تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية.

ومن المثير للاهتمام أن قادة حماس اختاروا عدم تسمية مرشحين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية عام 1996، لكن هذا لا يعني أنه لم يتم أخذ هذه الانتخابات في الاعتبار. لقد تم تسجيل مداولات حولها في مذكرة داخلية كتبها ووزعها قادة حماس في يوليو/ تموز 1992. وتساءل أنصار حماس حول كيفية الرد على اتفاقيات أوسلو، التي توقعت حماس وآخرون أنها ستؤدي إلى انتخابات وطنية. وأعرب مسؤولو حماس عن قلقهم من أن مشاركة الحركة في الانتخابات الوطنية [المرجحة]، في ظل هذه الظروف [اتفاقيات أوسلو]، من شأنها أن تضفي الشرعية على التنازلات التي قدمتها فتح لإسرائيل.

ما بين 1992 و1995، رفض قادة حماس العديد من العروض، وإن كانت محدودة، التي قدمها ياسر عرفات للانضمام إلى السلطة الفلسطينية المشكلة حديثاً. وكان اعتراضهم الأساسي، كما عبرت عنه صحيفة الوطن التابعة للحركة، هي أن السلطة الفلسطينية فشلت باستمرار في جهودها لإحراز تقدم في المفاوضات مع إسرائيل، ثم، في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية عام 1996، أعلن خمسة من أعضاء حماس أنهم سيترشحون لمناصب سياسية. ومع ذلك، انسحب أربعة منهم في نهاية المطاف بعد ضغوط من الحركة، وكان إسماعيل هنية، الذي انتخب زعيماً سياسياً لحماس في مايو / أيار 2017، واحداً منهم.

وزعم قادة حماس، أثناء مقاطعة انتخابات عام 1996، أن المفاوضات مع إسرائيل لن تؤدي أبداً إلى إقامة دولة فلسطينية، وكان هذا رأي الأقلية؛ فقد أظهر استطلاع أجراه مركز القدس للإعلام والاتصالات (منظمة فلسطينية) في أكتوبر/ تشرين الأول 1995 أن 16.4% فقط من الفلسطينيين يعارضون المفاوضات. لقد تغير هذا الدعم لعملية أوسلو بشكل كبير خلال العقدين الماضيين. في استطلاع للرأي أجري في أوائل سبتمبر / أيلول 2023، قبل أسابيع قليلة فقط من هجوم 7 أكتوبر / تشرين الأول، قال 68% من السكان الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة إنهم يعتقدون أن اتفاقات أوسلو تضر بالمصالح الوطنية الفلسطينية مقابل 11% فقط يؤيدون الاتفاقات بحسب المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.

لقد فازت حماس بالجدل الفلسطيني الداخلي حول جدوى التفاوض مع إسرائيل، وأقنعت الفلسطينيين بأن المفاوضات السياسية لن تؤدي إلى إقامة دولة. ويمثل هذا الفرق الأكثر أهمية بين حماس وتنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية. لم يتمكن تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية من كسب تأييد أغلبية جمهورهما لجزء أساسي من رؤيتهما للعالم، في حين فعلت حماس ذلك.

ويعني ذلك أيضاً أن إجراءات مكافحة الإرهاب التقليدية ـ مثل قتل قادة الإرهابيين، وإخراجهم من ملاذاتهم الآمنة ـ من غير المرجح أن تنجح. ففي العديد من النواحي، أصبحت حماس مرادفاً للسخرية من مدى فعالية العمل الجماعي السلمي، والمفاوضات الدبلوماسية، والضغوط الدولية كآليات لتحقيق الحكم الذاتي. وطالما ظلت هذه النظرة مهيمنة بين الفلسطينيين، فإن تدابير مكافحة الإرهاب التقليدية قد تؤدي إلى كسر البنية القائمة لحماس، ولكن من غير المرجح أن تؤدي إلى هزيمة الحركة حقاً، وسوف تحتفظ بالكثير من الدعم.

إن اختلاف حماس عن المنظمات الإرهابية الأخرى لا يبرر بأيّ حال من الأحوال العنف الذي ارتكبته في 7 أكتوبر / تشرين الأول. ولكن يتعين على صناع القرار السياسي أن يتشككوا في أن إعادة صياغة السياسات القديمة التي ركزت على قتل أعضاء حماس، والتعاون المحدود مع السلطة الفلسطينية، وبطء إجراءات بناء الثقة، قد تؤدي إلى نتائج. لم يثبت هذا النهج فعاليته في تقويض حماس في الماضي، ولن يهزم حماس في الوقت الحاضر. لن تُهزم حماس إلا عندما يُنظَر إلى خطابها بوصفه مضللاً، وإلى نهجها بوصفه غير فعال، وإلى أجندتها باعتبارها تتعارض مع المصالح العليا للفلسطينيين.

الرابط:

https://www.lawfaremedia.org/article/hamas-cannot-be-fought-like-al-qaeda

زر الذهاب إلى الأعلى