تقارير ودراسات

إيران وحزب الله: لعبة القوة بالوكالة

في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، تمثل العلاقة بين إيران وحزب الله رمزاً لتعقيد ديناميكيات القوة الإقليمية. هذا التحالف المتجذر في أيديولوجية مشتركة تحوّل إلى شراكة هائلة، حيث قامت إيران ببراعة بتسخير حزب الله كامتداد لمصالحها الاستراتيجية، ودفعت نفوذها إلى ما وراء حدودها دون اشتباكات عسكرية مباشرة. ومع ذلك، كما هو الحال مع كل التحالفات المبنية على المصالح المتبادلة، هناك نقاط ضعف وأسئلة متأصلة: هل يمكن أن تكون العلاقة المبنية على الضرورة الجيوسياسية عرضة للمطالب الإقليمية المتطورة؟ وما هي مخاطر الاعتماد المفرط على حزب الله الذي يتعين عليه أن يجمع بين هويته المزدوجة، بصفته كياناً لبنانياً والوكيل الأبرز لإيران في المنطقة؟

وعلى الرغم من أن علاقة إيران بحزب الله تعمل على تضخيم نفوذها الإقليمي بلا شك، فمن الضروري أن نقيم بشكل نقدي ما إذا كانت مثل هذه الاستراتيجية، التي تدعمها مزايا تكتيكية، قادرة بالفعل على تحقيق أهداف طويلة الأمد من دون تكبد تداعيات غير مقصودة. علاوة على ذلك، بينما تتنقل طهران والصين وحزب الله في هذه العلاقة متعددة الأوجه، فإن قراراتهم واعتماداتهم المتبادلة لا تشكل مساراتهم الفردية فحسب، بل تترك أيضاً تأثيراً لا يمحى على الساحة السياسية الأوسع في الشرق الأوسط. ومن ثم، فمن الضروري فهم وتحليل التوازن الدقيق بين الاستراتيجية والمخاطر والمصائر المشتركة للدول ووكلائها في مشهد جيوسياسي دائم التقلب.

الإرث التاريخي لتطلعات إيران الإقليمية

بوصفها مقرّاً للإمبراطورية الفارسية التي كانت مهيبة ذات يوم، فإن إرث إيران يتميز بتاريخ طويل يمتد لآلاف السنين، ولا يستطيع سوى عدد قليل من نظرائها الإقليميين منافسته. هذه الهوية التاريخية الفريدة لا تزرع الشعور بالفخر الوطني فحسب، بل تغذي أيضاً تطلعاتها لإعادة تأكيد هيمنتها على الساحة الجيوسياسية المعاصرة، ولكن بدلاً من الاستناد إلى أمجاد الماضي فحسب، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يُترجم تاريخ إيران إلى استراتيجياتها وطموحاتها الحالية؟

حزب الله قطعة الشطرنج الإستراتيجية لإيران

كان ظهور حزب الله خلال الحرب الأهلية المضطربة في لبنان بمثابة فرصة جيوسياسية مناسبة لإيران. وبينما نما التنظيم في البداية استجابةً لقضايا لبنانية محلية، أدركت إيران بذكاء إمكاناته كقوة بالوكالة. ومن خلال التمويل والتدريب والمواءمة الأيديولوجية على نطاق واسع، حولت إيران حزب الله من ميليشيا محلية إلى لاعب إقليمي هائل يخدم المصالح الجيوسياسية الأوسع لطهران. ومع ذلك، يجب على المرء تقييم هذه العلاقة بشكل نقدي. فهل حزب الله مجرد أداة للسياسة الإيرانية، أم إنه يحتفظ بوكالة مستقلة؟ علاوة على ذلك، ما هي آثار هذه العلاقة التكافلية على الشرق الأوسط الكبير؟

الأوجه المزدوجة لحزب الله

حزب الله ليس مجرد كيان عسكري، فهو يمتلك طابعاً مزدوجاً: ذراع القوة الصلبة الذي يتولّى العمليات العسكرية والاستراتيجية، وعنصر القوة الناعمة الذي ينعكس في شبكته الواسعة من الخدمات الاجتماعية. وفي حين يعمل الأول على توسيع نطاق إيران ونفوذها الاستراتيجيين، فإن الأخير يرسخ ويضفي الشرعية على كل من حزب الله، وبالتالي نفوذ إيران داخل النسيج الاجتماعي والسياسي اللبناني. إن هذا النهج المتعدد الأوجه يخدم طموحات إيران، ولكنه يشكل مخاطر أيضاً؛ فالاعتماد بشكل كبير على وكيل، حتى ولو كان مؤثراً مثل حزب الله، يمكن أن يكون سلاحاً ذا حدّين، ويؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها إذا تغيرت الديناميكيات المحلية.

دعم إيران لحزب الله

الدعم العسكري والمالي: دعم إيران لحزب الله ليس سرّاً. ومنذ الاستثمار الأولي في تدريب وتسليح الميليشيا الناشئة في أوائل الثمانينيات، تفيد التقارير أن إيران تقدم الآن ما يقدر بنحو 700 مليون دولار لحزب الله سنوياً وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية. ويسهل هذا التمويل مجموعة واسعة من الأنشطة، من العمليات العسكرية ضد إسرائيل إلى الحفاظ على شبكة واسعة من الخدمات الاجتماعية في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، فإن ترسانة حزب الله، التي يُعتقد أنها تحتوي على أكثر من 100 ألف صاروخ، تمولها طهران إلى حد كبير. ويرى بعض الخبراء أن حزب الله أصبح مستقلّاً عن التمويل الإيراني، مستشهدين بمصادر دخل أخرى مختلفة، من الشتات العالمي إلى المؤسسات الإجرامية. وفي حين أن هذه التدفقات مهمة، فإن التدفق المالي الإيراني يظل شريان الحياة الأساسي لحزب الله، مما يضمن هيمنته العسكرية ويسهل مبادراته الاجتماعية والسياسية الموسعة في لبنان.

الاصطفاف الأيديولوجي: أكثر من مجرد حليف مالي أو عسكري، يمثل حزب الله شريكاً أيديولوجياً رئيساً لإيران. ولا يدعو بيان الحزب لعام 1985 إلى تدمير إسرائيل فحسب، بل يتعهد أيضاً بالولاء للمرشد الأعلى لإيران آنذاك، آية الله روح الله الخميني. وتضمن هذه الرؤية المشتركة، المتجذرة في الإسلام الشيعي، توافقاً عميقاً بين الأهداف ووجهات النظر العالمية. ومع ذلك، يسلط المتشككون الضوء على الحالات التي لم تتوافق فيها أهداف حزب الله القومية اللبنانية بشكل كامل مع الأهداف الإيرانية. وعلى الرغم من وجود اختلافات طفيفة، فإن التطابق الأيديولوجي الشامل بين الكيانين لا يمكن إنكاره.

جدوى استراتيجية الوكيل: إن استخدام إيران لحزب الله كوكيل يوسع نفوذها الإقليمي ويعزز أهدافها مع تجنب المواجهات المباشرة. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية لا تخلو من المخاطر. إن أنشطة حزب الله، من تورطه في الحرب الأهلية السورية إلى الاشتباكات مع إسرائيل، يمكن أن تجر إيران عن غير قصد إلى مناوشات إقليمية أكبر. علاوة على ذلك، فإن الاعتماد المفرط على الوكلاء يمكن أن يؤدي إلى عدم القدرة على التنبؤ. وحتى مع وجود أيديولوجيات مشتركة، يمكن للجماعات الوكيلة إعطاء الأولوية لمصالحها، مما قد يعرض الأهداف الإيرانية للخطر. من جهة أخرى، فإن المشهد السياسي اللبناني معقد، وأي تحول كبير في الديناميكيات الداخلية يمكن أن يؤثر على مكانة حزب الله، وبالتالي نفوذ إيران. ويرى أنصار استراتيجية الوكالة أنها طريقة مجربة ومختبرة، وتسمح للقوى الكبرى بممارسة نفوذها دون تدخل مباشر. ويشيرون أيضاً إلى أن حزب الله، نظراً لاصطفافه الأيديولوجي واعتماده على إيران، من غير المرجح أن ينحرف بشكل كبير عن توجيهات طهران.

خاتمة

إن علاقة إيران المعقدة والمتعددة الأوجه مع حزب الله تسلط الضوء على التعقيدات الأوسع للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. ومن خلال دعمها المالي والعسكري القوي، إلى جانب الجذور الأيديولوجية المشتركة، نجحت إيران في دمج حزب الله في أهدافها الاستراتيجية الإقليمية، وهي توسع دائرة نفوذها دون مواجهات مباشرة. ومع ذلك، فإن الترابط العميق بين هذين الكيانين، رغم إظهاره لتحالف هائل، يكشف أيضاً عن نقاط ضعف محتملة. إن رمال الشرق الأوسط المتغيرة باستمرار تتطلب بصيرة ذكية. وبينما تعزز طهران تحالفها مع حزب الله، فإنها تواجه التحدي المزدوج المتمثل في ضمان ألا تؤدي المزايا التكتيكية قصيرة المدى إلى تعريض الأهداف الإستراتيجية طويلة المدى للخطر. وبالمثل، بالنسبة إلى حزب الله، فإن فوائد الرعاية الإيرانية تقابلها مخاطر الاعتماد المفرط والتوازن المعقد بين هويته ككيان وطني لبناني ودوره بوصفه الوكيل الإقليمي الأول لإيران. ومن خلال إدارة هذا التحالف، لا تقوم كل من إيران وحزب الله بتشكيل مستقبلهما الفردي فحسب، بل يؤثران أيضاً على المسار الأوسع للمشهد السياسي في الشرق الأوسط. إن تحالفهم هو تذكير مؤثر بالتوازن الدقيق بين الطموح والاستدامة، والاستراتيجية والمخاطر، والمصائر المتشابكة للدول ووكلائها في عالم الجغرافيا السياسية الدولية المتقلب.

جاغاناث باندا

الرابط:

https://www.isdp.eu/iran-and-hezbollah-proxy-power-play/

زر الذهاب إلى الأعلى