تقارير ودراسات

مراجعة كتاب: الروابط المكسورة: الأزمة الوجودية للإخوان المسلمين في مصر 2013-2022

Broken Bonds: The Existential Crisis of Egypt’s Muslim Brotherhood

عين أوروبية على التطرف

يعدّ إصدار “الروابط المكسورة” الذي تم نشره مؤخرًا من قبل مؤسسة القرن عملاً دقيقاً، فهو جهد مشترك لثلاثة كتاب؛ عبد الرحمن عياش زميل في مؤسسة القرن في ومدير مجموعة عمل الإخوان المسلمين المصرية، ويعدّ عياش صحفياً حائزاً على جوائز وباحثاً متخصصاً في الحركات الإسلامية. عمرو العفيفي طالب دكتوراه في جامعة سيراكيوز، حيث يشتغل على العلاقة بين الصدمة والمشاركة السياسية، وهو أيضًا مدير الأبحاث في مبادرة الحرية، حيث يتركز عمله على ظروف الاعتقال، وكيف تؤثر على السجناء السياسيين وأقربائهم. فيما تعدّ نهى عزت كاتبة وباحثة يرتكز عملها على الجغرافيا السياسية وعلم الاجتماع السياسي والتاريخي، مع تركيزها على مصر وتركيا وإيران.

أزمة وجودية للإخوان المسلمين

يسبُر كتاب “الروابط المكسورة” أغوار الأزمة التي مرت بها جماعة الإخوان المسلمين في العقد الماضي؛ وذلك من خلال زاوية فريدة تدمج المنظور الداخلي لعبد الرحمن عياش – العضو السابق في المنظمة – وتجارب الكاتِبين الآخرين اللذين تأثرا بشكل مباشر بالتغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها مصر منذ عام 2011، مع مقاربة شديدة للعلوم السياسية من قبل الكتاب الثلاثة.

يشرحُ في هذا الكتاب كل من عياش وعزت والعفيفي كيف بلغ التنظيم الإسلامي الأكثر نفوذاً في العالم الحديث هذه المرحلة من الأزمة الوجودية، وإلى أين قد يتجه بعد ذلك.

إن التاريخ الخاص بالإخوان المسلمين هو ما يوجه هذا التحليل بالأساس؛ فعلى حد قول المؤلفين: “نشأ جيلنا مؤمنًا برؤية الإخوان المسلمين ليكتشف حقيقة لم تكن بتلك المثالية”.

لم يتعاف الإخوان، إلى حد ما، أبدًا من أزمات الشرعية والهوية التي أعقبت اغتيال مؤسسها حسن البنا عام 1949. لم يترك البنا وراءه تعليمات تفصيلية، بل إرشادات عامة فقط، ولم يأت مرشد من جماعة الإخوان المسلمين من بعد له نفس كاريزما البنا لملء الفراغ. وبالتالي، فقد قامت الأجيال المتعاقبة بتأويل هذه التوجيهات بشكل مختلف.

يزعم هذا الكتاب أن الإخوان يواجهون اليوم ثلاث أزمات رئيسة: أزمة الهوية، وأزمة الشرعية، وأزمة العضوية. بعد مضي عشر سنوات على الانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي سنة 2013، وهو عضو ناشط في جماعة الإخوان المسلمين خدم لمدة سنة كرئيس منتخب لمصر، لا يزال التنظيم عالقًا بين مطرقة الطريق المسدود على مستوى السياسة المصرية وسندان الأزمات المعقدة داخل صفوفه، وهي الأزمات التي تحرك عمل التنظيم، ولكن ما لم يتم حلها، فقد تهدد استمرارية وفعالية تنظيم الإخوان. وهذا هو التهديد الوجودي الأكبر الذي واجهته جماعة الإخوان إلى يومنا هذا، وطالما أن عملية إعادة البناء الثالثة الجارية حاليًا قد فشلت في معالجة بعض هذه القضايا، فقد يكون مصير التنظيم الفوضى.

البعد “الإخواني” للإخوان المسلمين

يسلط هذا الكتاب الضوء على الطريقة التي تواجه بها جماعة الإخوان المسلمين، كمنظمة وكحركة اجتماعية وسياسية، أسوأ حملة قمع في تاريخها، وكيف أن دينامياتها الداخلية تشكل مستقبل الحركة. وتعتبر القدرة القصوى للإخوان المسلمين على التكيف خاصية أخرى يحاول المؤلفون الثلاثة تفكيكها وفهمها سعياً منهم لشرح لماذا من السابق لأوانه نعي حركة يكون أعضاؤها الأكثر نشاطًا، إما خلف القضبان أو يعيشون في المنفى الذي لا يرحم.

بدلاً من البحث حصريًا – كما جرت العادة في العديد من الأعمال الأخرى – عن الجزء “الإسلامي” من جماعة الإخوان المسلمين، يركز إصدار “الروابط المكسورة” على الجانب “الإخواني” للأمور؛ إذ إن التفاعل بين أعضاء الجماعة وقادتهم والشعور بالأخوة بين الرتبة والصف، وشعور الأتباع بأنهم جزء من عائلة ممتدة توفر الأمن والدعم، هي كلها عناصر ذات أهمية للتحليل أكثر من الدين. ويؤدي التطرق لهذه المعلومات غير القابلة للقياس إلى فهم أفضل للديناميكيات الداخلية وعمليات صنع القرار التي تميز الجماعة.

تستهل المقدمة الطويلة التي صاغها عياش رحلة اكتشاف للمنظمة؛ فعلى الرغم من أن المؤلف حضر آخر لقاء أسبوعي أسري له في ديسمبر من سنة 2010، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين لا تزال تحتل جزءًا كبيرًا من اهتماماته الشخصية، فضلاً عن اهتمامه المهني كصحفي وباحث.

يذكر عياش قائلاً:

“لقد وفرت جماعة الإخوان لي وللعديد من الشباب المصري مجتمعاً، حيث كوَّن بعضهم عدة أشكال من الارتباط بالمجموعة، وارتقى البعض الآخر ليصبحوا أعضاء رفيعي المستوى وقادة متوسطي المستوى. تمنح جماعة الإخوان المسلمين لأعضائها دائرة اجتماعية آمنة ومصدر رزق. فإذا كنت عضواً في الجماعة وفي نفس الوقت صاحب مشروع أو طبيباً أو محاسباً أو مهندساً أو (على وجه الخصوص) محامياً، فأنت تضمن بذلك زبناءك. لكن فوائد العضوية في جماعة الإخوان لا تخلو من المخاطر: إذ إن الأخ (بلغة الجماعة) على علم أنه من المحتمل أن يتم القبض عليه في مرحلة ما. كما أنه على علم أنه سيتم الاعتناء بعائلته جيدا أثناء احتجازه. فقد اعتاد الإخوان على تزويد عائلات المعتقلين بنفس الرواتب التي يتقاضاها معيلهم قبل الاعتقال، والحفاظ على نمط الحياة الذي اعتادت عليه هذه العائلات، بل وحتى دفع مصاريف مدارس أطفالهم الخاصة”.

على الرغم من الفقرات التي يمكن للقارئ أن يشعر فيها بوجود حنين وتسامح غريبين مع عيوب جماعة الإخوان – وهي الفقرات التي تبدو أنها تتحدد فقط من خلال الافتقار إلى بعد النظر والرؤية الإستراتيجية بدلاً من الخطط الخاطئة والنوايا الخبيثة – فبإمكان عضو الإخوان السابق وزميليه وصف المنظمة بعقلانية مثل الأفراد الذين نشأوا في الجماعة أو هم على اتصال بها.

يسلط المؤلفون الضوء على حقيقة أنه لا يوجد عضو يمكن أن يصف جماعة الإخوان المسلمين على أنها مجرد حزب سياسي أو حركة اجتماعية أو طائفة دينية، وهي ليست من أي مما سبق ذكره، ولا هي كل ما سبق ذكره؛ إذ من أجل إعادة تأسيس ما وصفه البنا بـ “سيادة الإسلام على العالم”، فقد أنشأ عمدًا نظام الدعم الشامل للإخوان لتحقيق هذه الأهداف.

كعضو شاب في المنظمة – التي عرفها منذ طفولته – يتذكر عياش ما يعنيه أن تكون محاطًا بهذا النظام الشامل حتى في أوقات التغيير والمتاعب.

في سنة 2004، على سبيل المثال، قام أعلى كيان تنفيذي في جماعة الإخوان، ممثلاً في مكتب الإرشاد، بفرض ما يسمى بإعلان الهوية، والذي بموجبه سيبدأ في استخدام اسم جماعة الإخوان المسلمين علنًا. حتى ذلك الحين، كان المنتسبون لجماعة الإخوان المسلمين يستخدمون الأسماء المستعارة.

وعلى سبيل المثال، فقد أطلق طلاب الجامعة المنتمون للإخوان على أنفسهم لقب “طلاب التيار الإسلامي”، وقد كانت السلطات المصرية، بطبيعة الحال، على علم بانتمائهم إلى جماعة الإخوان، لكن استخدام اسم مختلف أبقى الطموحات السياسية للتنظيم في مصر غير معلنة، لكن بعد إعلان الهوية، تم وسم كتيبات هؤلاء الطلاب بوسم “طلاب الإخوان المسلمين”.

القدرة على التكيف وخيبة الأمل

في نفس الوقت تقريبًا، بدأت جماعة الإخوان المسلمين استغلالها الجيد للإنترنيت، حيث قاد الأعضاء الشباب تبني تقنيات الاتصالات الجديدة هذه، والتي كان الإخوان بطيئين في تبنيها في البداية. على الرغم من ذلك، كان هناك عدد قليل من القادة الذين رأوا في عالم التدوين الخاص بالإخوان فرصة لبث روح جديدة في الجماعة:

“في سنة 2007، طلب مني خالد حمزة، وهو إعلامي إخواني مخضرم، العمل تحت قيادته في موقع ikhwanweb.com، وهو الموقع الرسمي للإخوان باللغة الإنجليزية؛ وذلك في إطار الحملة ضد إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية. كان الشاطر وقادة آخرون من جماعة الإخوان قد أحيلوا للتو على محاكمات عسكرية، وحشدت جماعة الإخوان دعاة حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وعلماء المسلمين في جميع أنحاء العالم للتنديد بهذه المحاكمات. كنت في السابعة عشرة من عمري فقط، وكانت سعادتي كبيرة لأنني سألتقي برمزي كلارك – وهو شخصية مثيرة للجدل ومنتقد بارز للسياسة الخارجية الأمريكية وهو المدعي العام الأمريكي السابق – حين قدم إلى مصر لدعم قضية الإخوان من خلال مراقبة المحاكمة (والذي منعته السلطات المصرية من حضورها).

وقد نجحت الحملة في جذب انتباه المجتمع المدني إلى النكبة التي حلت بجماعة الإخوان المسلمين، لكنها سلطت أيضًا ضوءً غير مريح على بعض أفكار المجموعة الأكثر إثارة للجدل، والتي تم التعبير عنها في ذلك العام في أول برنامج حزبي لها على الإطلاق”.

في بعض الفقرات الأكثر إثارة للاهتمام من تجربته الشخصية، يشرح عياش نشأة مشاعر الحرمان الخاصة به تجاه الإخوان المسلمين؛ إذ إن بعض الأفكار التي تم تداولها في عام 2010، مثل اقتراح إنشاء مجلس منتخب من علماء الدين لمراجعة التشريعات واستبعاد النساء والمسيحيين من رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء، خلقت خلافًا كبيرًا داخل جماعة الإخوان المسلمين. كما أن عياش اختلف معهم بشدة وقام بكتابة تدوينات تنتقد الجماعة، التقطتها وسائل الإعلام المصرية.

لم يمر هذا التفكير الحر مرور الكرام، وبعد بضعة أشهر، استدعى محمد مرسي – الذي كان وقتها عضوًا في مكتب الإرشاد في الجماعة ورئيس لجنتها السياسية – عياش إلى مكتبه مخاطبا إياه: “إذا كانت لديك أولويات أخرى، فالمساحة مفتوحة [لك لترك الإخوان والانضمام إلى جماعات أخرى]. مصر تحتاج إلى جهدك وطاقتك”.

في هذا الاجتماع، فكر عياش للمرة الأولى في ترك جماعة الإخوان المسلمين. وبالفعل، فقد ترك جماعة الإخوان المسلمين ثم ترك مضر في عام 2013 لينتقل إلى تركيا.

الإخوان في المنفى

ينتشر اليوم قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المصرية بشكل أساسي في تركيا – حيث يوجد ما لا يقل عن 15 ألفاً منهم – كما يتواجدون في دول الخليج والسودان وبريطانيا وأماكن أخرى.

لقد بات التنظيم منقسماً وبلا هدف إلى حد ما، أكثر مما كان عليه في أي وقت من تاريخه الممتد على مدى أربعة وتسعين عامًا، معبئاً كما كان ذلك تاريخه مع قمع الدولة.

ومع ذلك، يشير مؤلفو الكتاب إلى أنه على الرغم من أزماتهم غير المسبوقة، فإن التكوين الاجتماعي والسياسي الإسلامي لا يزال جزءً لا يتجزأ من الدولة المدنية في الشرق الأوسط وما وراءه. في السنوات التي سبقت 2011، ناقش المثقفون المصريون بحماس الدراسات التي توقعت خفوت “الإسلام السياسي”. تخيلت مجموعة متنوعة من العلماء، بما في ذلك آصف بيات وجيل كيبيل وأوليفييه روي، عالم ما بعد الإسلاموية، حيث يتخلى الإسلاميون عن المثالية للبراغماتية، تاركين منظماتهم لـ “اللا حركات”. وفقًا لهذا المنظور، كان الإسلاميون يبتعدون عن المجال العام للتركيز على التدين الشخصي – أو لم يعودوا ببساطة مناسبين. بعد أقل من عقد من نشر هؤلاء العلماء لأفكارهم، صار الإسلاميون، بتوجهاتهم المختلفة، لاعبين رئيسيين حصلوا على أصوات عشرات الملايين ولهم تأثير هائل على السياسة المعاصرة في العديد من البلدان العربية. ويأتي هذا الكتاب ليبين أن التكوينات الاجتماعية والسياسية الإسلامية ليست فقط حية وحيوية، ولكنها قد تظل أيضًا قادرة على التأثير على حاضر المنطقة ومستقبلها.

جذور أزمة الإخوان المسلمين

تتمثل الأزمات الثلاث التي قام الكتاب بتحليلها في أزمات الهوية والشرعية والعضوية. يتطرق الفصل الأول لأزمة هوية الإخوان المسلمين، ويسلط الضوء على التطور التاريخي للتنظيم وكيف تحول في ظل موجات مختلفة من القمع وتغير السياقات السياسية. بدءًا من تأسيس التنظيم على يد البنا عام 1928، كما يقتفي الفصل أثر المنعطفات الحاسمة التي استجابت فيها جماعة الإخوان للتغييرات الاجتماعية والسياسية.

فيما يناقش الفصل الثاني أزمة شرعية جماعة الإخوان المسلمين من خلال تقديم روايات عن حملة القمع عام 2013، وكيف واجهت جماعة الإخوان، كمنظمة، فراغها القيادي. وبناء على عدة مقابلات مع قادة حاليين وسابقين وأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، يحلل الفصل صراعات السلطة داخل الحركة وكيف حاولت الإجابة عن أسئلة العنف ووجودها الدولي والانقسامات الداخلية حول السلطة والموارد. ويعرض الفصل بالتفصيل وجهات النظر المختلفة للفصائل المتنافسة داخل قيادة الإخوان، وكيف تمكن إحدى الفصائل من السيطرة على الجماعة من خلال مجموعة معقدة من التحركات الأيديولوجية والمالية والتنظيمية.

فيما يتطرق الفصل الثالث لأزمة عضوية جماعة الإخوان – ونزوح الأعضاء الناشطين من صفوفها. يرتكز هذا الفصل على مقابلات مع أعضاء حاليين وسابقين في جماعة الإخوان المسلمين. وقد سألنا عن التجربة الحية لكون المرء عضواً أو عضوة في تنظيم الإخوان المسلمين في أعقاب مذبحة رابعة في أغسطس 2013، بما في ذلك في المنفى الذي أعقب ذلك. أزمة العضوية هذه لها وجهان رئيسيان؛ أولهما أن التنظيم غير قادر على مواكبة جيل من أعضائه بنفس الطريقة التي واكب ودعم بها الأجيال السابقة، وثانيهما أن الأعضاء أنفسهم يمرّون بسلسلة من الأزمات المتداخلة والمستمرة التي يطرحها كل من الإخوان ونظام عبد الفتاح السيسي الحالي في مصر. وتعتبر أزمة العضوية، بطرق عديدة، نتيجة لأزمات الهوية والشرعية؛ إذ إن الناس تركوا المنظمة لأسباب متنوعة، يقول البعض إن جماعة الإخوان “ليست جماعة للإخوان بما فيه الكفاية”، فيما فقد آخرون الثقة في القيادة، وغادر بعضهم التنظيم؛ لأنهم أيديولوجيون أكثر من الإخوان، فيما انسحب آخرون لأنهم وجدوا جماعة الإخوان أيديولوجية أكثر من اللازم.

وبحسب الكتاب الثلاثة، فإن أزمة العضوية هي مظهر من مظاهر أزمات الشرعية والهوية التي نوقشت في الفصلين السابقين. في هذه المرحلة الانتقالية، ضاع الكثير في محاولة الحفاظ على قدسية التنظيم وتلبية احتياجات الإخوان المسلمين، رجالا ونساء، وأسرهم.

لقد كانت الخطوط الفاصلة بين ما هو شخصي وما هو سياسي أو تنظيمي غير واضحة، وغالباً ما كان الأكثر ضعفاً يدفعون الثمن. هذا ويتعامل الإخوان مع جيل مر بمحنة، مثلما فعل كبار أعضاء التنظيم، متحدّين بذلك الادعاءات التقليدية لشرعية قاعدة المحنة. كما أدى تغير السياق الاجتماعي والسياسي إلى جعل آليات التوظيف والاستبقاء التقليدية أقل فعالية.

ومن الأفكار المهمة، التي يشاركها مراقبو جماعة الإخوان الأكثر حساسية، أن تجارب وتحديات الأعضاء أنفسهم، عبر البلدان المختلفة، ربما أصبحت الآن متباينة للغاية بحيث لا يمكن أن تجتمع في خانة واحدة.

استنادًا إلى المقابلات التي تم إجراؤها مع أعضاء حاليين وسابقين في جماعة الإخوان المسلمين حول تجربتهم الحياتية في أعقاب مذبحة رابعة، وتجاربهم في المنفى بعد ذلك، يقدم الفصل قصة زمنية لبعض أهم اللحظات في حياتهم وبالتالي داخل التنظيم.

خاتمة

يلخص عنوان الخاتمة، غير مقهر – لكن لا طريق نحو النصر، بشكل دقيق الوضع الحالي للإخوان ومكونات الروابط المكسورة.

إن فهم جماعة الإخوان المسلمين هو فهم للطريقة التي عانت بها المنظمة وتغيرت خلال موجات القمع المتتالية، وكيف أثر ذلك بأشكال متنوعة على التنظيم وأعضائه. لقد أبانت موجات القمع هذه على الكيفية التي ترى بها المنظمة نفسها والكيفية التي تتصرف بها وكذا الكيفية التي تجند بها الأعضاء وتحتفظ بهم. إن تعقيد تحليل التنظيم، من نواح كثيرة، دليل عن تعقيد فهم استمرارية الاستبداد، والمشاركة السياسية والاجتماعية في السياقات الاستبدادية، وشكل من أشكال الوكالة السياسية لما بعد الاستعمار، والتي تمكنت من تحمل عقود من التحليل الرسمي.

لقد اجتازت جماعة الإخوان المسلمين المصرية الخطوط الفاصلة بين المشاركة السياسية والإصلاح الاجتماعي والأخلاقي والتبشير الديني، حيث امتدت أنشطتها في مصر إلى الترشح للنقابات المهنية وتقديم مذكرات وملخصات الدورة لطلاب الجامعات بأسعار اقتصادية ومساعدة الفقراء وعقد اجتماعات أسبوعية مع الأعضاء يتلون فيها القرآن من أجل التنمية الروحية والاجتماعية. أن تكون عضواً في تنظيم الإخوان يعني أن تكون موضوعاً في حياة تبدو أكثر نشاطًا وذات مغزى من الحياة التي يعيشها معظم المصريين.

ومع ذلك، فقد تطور التنظيم بشكل غير متساوٍ، مما ساهم فيما نطلق عليه أزمة الهوية. فكلما أغلقت الدولة الباب، كان الإخوان يرون في التنظيمات الأخرى في المجتمع (الجامعات والنقابات وغيرها) نافذة لهم. كان أسلوب عمل المنظمة هو الرد – وبالنظر إلى مجموعة التحديات والتهديدات المستمرة التي يتعين عليها مواجهتها، فمن يمكنه إلقاء اللوم عليها؟ لكن هذه الاستراتيجية حالت دون تحديد جماعة الإخوان لتعريف إيجابي لنفسها أو لأهدافها على المدى الطويل.

لقد خلق وصول جماعة الإخوان إلى القرى البعيدة في مصر وأكثر من ثمانين دولة حول العالم شعوراً بالحصانة داخل التنظيم. خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2012، كان للإخوان ممثلون في كل دائرة انتخابية في جميع أنحاء مصر. لقد سمح لهم وجودهم بإعلان نتائج الانتخابات – فوز مرسي – بدقة كبيرة، قبل إعلان الهيئة المشرفة على الانتخابات المصرية بوقت طويل. ويبقى السؤال، مع ذلك، ما إذا كان هذا الإحساس الذي لا يقهر هو أسطورة أكثر من كونه واقعا.

في مصر، سيستمر الإخوان المسلمون في اكتساب القوة الشعبية، كونهم يرتكزون على أمور لم تستطع أي جماعة أخرى القيام بها بشكل فعال. ففي المقام الأول، ترتكز جماعة الإخوان المسلمين على الدين والحنين الديني، وهي استراتيجية استخدمتها الدولة في عهد السيسي. وثانياً، ترتكز جماعة الإخوان على سردية الضحية، وتأتي المعاملة اللاإنسانية التي يتعرضون لها من قبل الدولة لتعزز من روايتهم لدى ضحايا الدولة الاقتصاديين والسياسيين. وأخيراً، تعتمد جماعة الإخوان المسلمين على أحلام الطبقة الوسطى في مصر لتكون مناسبة ومسموعة ومدعومة. وفي غياب مجتمع مدني حقيقي أو إمكانية مشاركة سياسية ذات مغزى يمكن أن تجذب الطبقة الوسطى، لن يكون هناك مكان لملايين المصريين الذين يرغبون في ممارسة العمل السياسي والاجتماعي سوى الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين وما شابهها.

لا شك في أن الطريقة التي تتعامل بها الدولة مع الإخوان قد حدت من قدرات التجنيد لدى الجماعة، لكن التاريخ يشير إلى أن الانتكاسة ستكون مؤقتة؛ إذ إن أسباب شعبية الإخوان متأصلة في إخفاقات الدولة في التعامل مع مشاكل المجتمع، ولا يمكن الحفاظ على النهج الأمني المتشدد إلى أجل غير مسمى. لذلك، عندما تخفف الدولة من قبضتها على الشعب المصري، فإن المدرسة الفكرية التي أسسها حسن البنا، والتي تعود جذورها إلى قرون من الفكر السياسي الإسلامي، ستجد جمهورًا جديدًا تعرف كيف تخاطبه، مثلما ستجد نفس أعدائها القدامى وستعرف كيف تتخطاهم، وربما ستكون قد تعلمت كيفية المناورة بشكل أفضل.

يعدّ “الروابط المكسورة” كتاباً جديرا بالقراءة يركز على مجالات تدخل الإخوان المسلمين، مما يثري فهم القراء لتعقيد الحركة والأزمات التي تعيشها اليوم والدور الذي يمكن أن تلعبه في المجتمع مستقبلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى