أبحاث ودراسات

وكلاء إيران الإقليميون: إعادة تشكيل الشرق الأوسط واختبار السياسة الأمريكية

منذ الثورة الإيرانية عام 1979، تأثرت الجغرافيا السياسية الإقليمية في الشرق الأوسط بشكل كبير بأفعال إيران وتدخلاتها. لقد طورت إيران استراتيجياً تحالفات “معادية للولايات المتحدة”، وغالباً ما عززت العلاقات مع الجهات الفاعلة غير الحكومية، على الرغم من اختلاف الأيديولوجيات، كما هو الحال مع حماس. تسلط هذه الديناميكية المعقدة الضوء على نهج إيران متعدد الأوجه للنفوذ الإقليمي الذي يسعى إلى تحدي الولايات المتحدة، وخاصة مع استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، التي كثفت المشاعر المعادية للولايات المتحدة في اليمن والعراق وسوريا، مما أدى بالتالي إلى تعزيز شعبية جماعات مثل الحوثيين وحزب الله.

النفوذ الإيراني الإقليمي

إن القيود المفروضة على الجهود الأمريكية للحد من نفوذ إيران يمكن أن تُعزى جزئياً إلى فشلها في توقع التحولات السياسية الإقليمية الرئيسة. ففي ظل التوترات المتزايدة والتهديدات الأمنية المتصاعدة للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، زادت الجماعات التابعة لإيران من نفوذها الإقليمي في السنوات الأخيرة سياسياً وعسكرياً. وقد ساعدت العلاقة الراسخة بين إيران والجماعات التابعة لها في استهداف الولايات المتحدة بشكل غير مباشر “بإنكار معقول”. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن إيران لا تملي دائماً كل قرار، حيث يعمل العديد من هذه الجماعات بشكل مستقل. وكان هذا واضحاً في الوضع الأخير في العراق؛ إذ وافقت كتائب حزب الله على وقف المزيد من الهجمات ضد الولايات المتحدة، مما يعني أن الهجمات الأولية ربما كانت قد أجريت بشكل مستقل، دون موافقة صريحة من إيران، حيث تمتنع إيران عن استهداف القوات الأمريكية بشكل مباشر.

وعلى الرغم من أن الضربات الجوية الأمريكية عكست التفوق الجوي الأمريكي، فقد فشلت الولايات المتحدة في كبح جماح أو ردع تدخلات الجماعات التابعة لإيران، وخاصة في بلدان مثل العراق، حيث وصلت الحكومة في بغداد بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى السلطة بتحالف من الجماعات المسلحة الموالية لإيران. وقد زادت هذه الجماعات المسلحة من شعبيتها في المقام الأول من خلال تصوير نفسها على أنها القوة الوحيدة الجديرة بالثقة التي يمكنها تحدي الولايات المتحدة وإسرائيل، على غرار الشعبية التي تمتع بها حزب الله بعد حرب عام 2006. وتعتمد هذه الجماعات في مستويات تفاهمها مع الحكومة الإيرانية على عوامل مختلفة في بيئة أمنية إقليمية سريعة التغير.

رعاية ودعم إيران

إن بقاء هذه الجماعات الميليشياوية بالوكالة يعتمد على رعاية إيران ودعمها، مما يجعل من غير المستغرب أن تتوافق أنشطتها بشكل وثيق مع مصالح إيران. وفي حين أن درجة النفوذ الذي تمارسه إيران على ميليشياتها بالوكالة قد تختلف من واحدة إلى أخرى، فمن الواضح بمرور الوقت أن إيران تعمل باستمرار كمصدر أساسي للمساعدات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لهذه الجماعات. وقد أثبتت العديد من التقارير حول طبيعة الأسلحة التي يستخدمها الحوثيون وحزب الله الدعم العسكري الذي تقدمه إيران، وهي حقيقة أكدها أيضاً بعض المسؤولين في الحرس الثوري الإسلامي.

في خضم حرب غزة، تم اختبار دعم إيران للجماعات الوكيلة من حيث مدى استعدادها للتدخل وتداعيات مثل هذا الدعم على الديناميكيات الإقليمية والأهداف الجيوسياسية الأوسع لطهران. كشفت العديد من التقارير عن إمداد إيران للجماعات الوكيلة مثل حزب الله، الذي يظل أحد أكثر الجهات الفاعلة غير الحكومية تسليحاً، بصواريخ صغيرة ومتوسطة المدى وقذائف مدفعية. تشير بعض التقارير الأخيرة إلى التدريب على أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية في سوريا، مما يثير المخاوف بشأن نشرها في لبنان وسوريا. إن النشر المحتمل لأي نظام دفاع جوي متقدم مثل خرداد 15 قد يقاوم العمليات الجوية الإسرائيلية؛ ومع ذلك، لم يكن هناك حتى الآن أي تأكيد على نشر خرداد 15 من قبل سوريا. وقد دفع التفاوت في القدرات، إلى جانب الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة التي تستهدف الأصول العسكرية الإيرانية في لبنان وسوريا، طهران إلى تعزيز دفاعاتها في السنوات الأخيرة. ويؤكد تركيز إيران على الدفاع الجوي على استراتيجية أوسع تهدف إلى مواجهة الضربات الجوية الإسرائيلية ودعم قدرات وكلائها.

هناك تقارب في الأجندات بين إيران ومجموعاتها التابعة، والهدف الأساسي هو طرد القوات الأمريكية من المنطقة، وهو ما يتكرر غالباً في تصريحاتهم. يتم التعبير عن هذا الهدف بوضوح من خلال خطاب وأفعال جماعات مثل حزب الله، وكتائب حزب الله، والحوثيين، والحشد الشعبي، وغيرها. تسعى هذه الجهات الفاعلة غير الحكومية، أو الميليشيات المدعومة من إيران، إلى مواجهة الولايات المتحدة بينما تهدف الولايات المتحدة إلى الحد من تدخلها في صراعات المنطقة، مما يجعل الاحتواء صعباً. حتى العقوبات الاقتصادية أثبتت أنها صعبة التنفيذ وغير فعالة.

التركيز على التأثير والتضامن المحلي

تظل الجغرافيا السياسية الإقليمية في الشرق الأوسط فريدة من نوعها بسبب تقلباتها والتفاعل بين سياسات الهوية المتجذرة في الصراعات. غالباً ما تحافظ الجماعات التابعة لإيران على شعبيتها من خلال الاستفادة من السرديات والتبريرات الدينية والطائفية المعادية للغرب. على سبيل المثال، في أعقاب مقتل قائد كتائب حزب الله في هجوم أمريكي في العراق، احتشد العديد من المؤيدين تضامناً مع “شهيدهم”. يتم دعم هذه الشعبية الدائمة من خلال الشعور المشترك بالتضحية والجاذبية الدينية التي تظل محوراً مهماً لولاء الناس وتضامنهم. اعتمد النفوذ الإيراني في المنطقة إلى حد كبير على تعزيز روابط إيران التاريخية والثقافية من خلال قوتها الناعمة الدينية، والتي يتم الحفاظ عليها من خلال المعاهد الدينية والأضرحة الشيعية البارزة في إيران. تم تمكين التدخلات الإيرانية إلى حد ما بسبب الروابط الدينية والأيديولوجية التي استخدمها النظام الإيراني استراتيجياً لنشر أيديولوجيته الثورية والحفاظ على نفوذه الجيوسياسي وتوسيعه من خلال الحلفاء والوكلاء الإقليميين.

من جانبها، عملت الجماعات التابعة لإيران على تعديل سردياتها، حيث تلقى صدى لدى جمهور أوسع، مستغلة القضايا الإقليمية السائدة في العالم العربي. وأصبح الانحياز إلى هذه القضايا أداة استراتيجية لبناء وتعزيز نفوذها في بيئة مستقطبة سياسياً ومعادية بشكل متزايد للولايات المتحدة، وخاصة في خضم حرب غزة. وفي حين تزعم هذه الجماعات شن هجمات نيابة عن “محور المقاومة”، فإن أجنداتها وأهدافها المحلية تظل متميزة وتركز على النفوذ والقوة المحلية.

القيود والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة

تواجه الولايات المتحدة العديد من القيود في ردها على الهجمات التي يشنّها وكلاء إيران. فعلى الصعيد المحلي، تواجه إدارة بايدن ضغوطاً من الجمهوريين لاتخاذ إجراءات فورية وأكثر صرامة ضد إيران، مع انتقادات بشأن التأخر في الاستجابة. كما عكست التطورات الجيوسياسية الإقليمية في السنوات الأخيرة مواقف أكثر حزماً من قبل القوى الإقليمية في عرض واضح لنيتها زيادة استقلاليتها الاستراتيجية. وبالتالي كان هذا تحدّياً للهيمنة الأمريكية في المنطقة. وقد اشتد الغضب تجاه الولايات المتحدة بسبب المظالم المرتبطة بدعمها الثابت لإسرائيل في الحرب الدائرة في غزة. وبالتالي، فإن تبرير العمل العسكري واسع النطاق لا يزال يمثل تحدياً وسط انتقادات من الدول الإقليمية والمخاوف بشأن انتهاك سيادتها والقانون الدولي، مما يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للولايات المتحدة.

إن العلاقات المتجذرة بين إيران ومجموعاتها التابعة، إلى جانب قدرتها على استغلال الصراعات الإقليمية، تشكل تحدياً للأمن والاستقرار الإقليميين، خاصة مع استمرار إيران في تأكيد نفوذها وسط تصاعد التوترات الإقليمية الناجمة عن الحرب في غزة. ولم تتمكن الولايات المتحدة حتى الآن من معالجة الأسباب الجذرية لشعبية الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل حزب الله وحماس والحوثيين والحشد الشعبي، إلخ. إن استهداف هذه المجموعات يعزز عن غير قصد شرعيتها داخل مجتمعاتها، كما رأينا في حالات سابقة. وقد تجلى ذلك في الدعم المتزايد لحماس والميليشيات الموالية لإيران في العراق في أعقاب التصعيد الأخير وسط الحرب في غزة. علاوة على ذلك، فإن الأهم من ذلك كله هو أن تعيد الولايات المتحدة تقييم طبيعة ومستوى دعمها لإسرائيل إذا كان الهدف هو تجنب المزيد من التصعيد واستعادة الثقة والمصداقية.

 

الرابط:

https://www.isdp.eu/irans-regional-proxies-reshaping-the-middle-east-and-testing-u-s-policy/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى