تقارير ودراسات

هل داعش حقّاً منظمة إرهابية مهزومة؟

لقد فشل العالم حتى الآن في التنبؤ بالهجمات الكبيرة التي تنفذها المنظمات الإرهابية ومنعها. تشمل القائمة، على سبيل المثال، الهجوم المنسق والمعقد الذي ارتكبته حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأدى إلى مقتل 1300 مدنياً وعسكرياً إسرائيلياً. الهجمات الأخرى في القائمة هي هجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وتفجيرات مدريد في مارس / آذار 2004، وتفجيرات لندن في يوليو / تموز 2005، وهجمات مومباي في نوفمبر / تشرين الثاني 2008، وهجمات باريس في نوفمبر / تشرين الثاني 2015.

وقد أثار كل هجوم إرهابي بارز من قبل الجماعات السلفية الجهادية نقاشات وتعليقات حول ضعف الاستخبارات، وتم اتهام الحكومات بالفشل في منع هذه التهديدات. وقد تلاشت هذه النقاشات على مر السنين، وأرسلت الهجمات المحدودة التي تشنها المنظمات الجهادية رسالة إلى الحكومات الغربية مفادها أن هذه الجماعات لم تعد تشكل تهديداً للأمن العالمي. اليوم، السردية السائدة في العالم الغربي هي أن هذه الجماعات، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش)، قد تم القضاء عليها وأصبحت تشكل تهديدات محلية محدودة. تتناول هذه المقالة، باستخدام قاعدة بيانات سجلات الحوادث التابعة للمركز العالمي لتحليل الإرهاب واتجاهاته، ما إذا كان داعش منظمة مهزومة.

تنظيم داعش فريد من نوعه في تاريخ الإرهاب من وجهات نظر مختلفة: أولاً، كان التنظيم الفرع الإقليمي لتنظيم القاعدة في العراق في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنه تطور ليصبح داعش اليوم في الشرق الأوسط. سيطر التنظيم الإرهابي على الأراضي في العراق وسوريا، وتصرف كدولة أمر واقع وحكم أكثر من ستة ملايين شخص. وفي ذروته في عامي 2014 و2015، قام بتجنيد أكثر من 30 ألف مقاتل من أكثر من 90 دولة. ثانياً، يعتبر داعش تنظيماً نموذجياً تحاكي الجماعات الأخرى تكتيكاته العنيفة، مثل قطع الرؤوس، وحرق الناس أحياء، والتفجيرات الانتحارية. ثالثاً، يستخدم التنظيم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل نشط ويقوم بتجنيد المسلحين باحترافية عالية. رابعاً، تعتبر إيديولوجية التنظيم أكثر إلهاماً للأفراد الأوروبيين أو الأميركيين المولودين في الولايات المتحدة. واليوم، أصبح عدد العناصر الفاعلة المنفردة التي تستلهم أيديولوجية داعش أكثر من أي جماعة إرهابية سلفية جهادية أخرى. رابعاً، تمكن داعش من تحقيق إيرادات بقيمة ملياري دولار سنوياً من الجمعيات الخيرية والتبرعات، فضلاً عن تورطه في التجارة غير المشروعة مثل تهريب النفط والاتجار بالآثار. خامساً، يتمتع داعش بتمثيل إقليمي واسع من خلال المنظمات الإقليمية التابعة له. وقد دفعت شعبية داعش المتزايدة الجماعات الجهادية الأخرى إلى التجمع تحت رايته للاستفادة من شهرته والتحول إلى تنظيمات إرهابية معروفة، نظراً لحقيقة أنهم يدركون كيف تجلب لهم هذه الاستراتيجية المزيد من المجندين والأموال. على سبيل المثال، تعهدت جماعة أنصار السنة، التي كانت تعمل في شمال كابو ديلجادو، بالولاء لتنظيم داعش في عام 2017 وغيرت اسمها إلى تنظيم الدولة الإسلامية ـ ولاية موزمبيق. سجلت السنوات اللاحقة وحشية داعش ـ ولاية موزمبيق وتورطه في هجمات قطع الرؤوس وانتهى به الأمر على قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.

تستند رواية هزيمة داعش إلى عدة حجج. يعتقد العالم الغربي أن تنظيم داعش والفروع التابعة له يقتصر على المناطق التي ينشط فيها ويشكل تهديداً إقليمياً بالدرجة الأولى. علاوة على ذلك، فشلت الجماعات الجهادية مؤخراً في شن هجمات كبيرة، وهي ترتكب هجمات منخفضة المستوى تستهدف بشكل أساسي القوات العسكرية ومؤسسات الدولة المحلية. بالإضافة إلى ذلك، يشعر العالم الغربي بثقة زائدة في نتائج استراتيجية قطع الرأس التي تستهدف زعماء المنظمات السلفية الجهادية. على سبيل المثال، قُتل اثنان من زعماء داعش المتعاقبين في العمليات العسكرية الأمريكية في عامي 2019 و2021. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية ليس لها تأثير يُذكر على الجماعات الجهادية، حيث يستغرق استبدال الزعيم مقطوع الرأس عدة ساعات فقط.

وعلى عكس الاعتقاد السائد حول هزيمة داعش، سجلت قاعدة بيانات سجلات الحوادث التابعة للمركز العالمي لتحليل الإرهاب واتجاهاته عدداً متزايداً من الهجمات التي شنها داعش والفروع التابعة له من عام 2018 إلى عام 2022. وتزايدت الهجمات بشكل مطرد في هذه الفترة، حيث بلغ عددها 1313 هجوماً في عام 2022.

ويعد تنظيم الدولة الإسلامية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، المعروف أيضاً باسم “القوات الديمقراطية المتحالفة”، مسؤولاً عن العديد من الهجمات في مقاطعتي شمال كيفو وإيتوري. تم تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية من قبل وزارة الخارجية في عام 2021. وتشتهر الجماعة بالعنف المميت الذي ترتكبه ضد المواطنين الكونغوليين والقوات العسكرية الإقليمية. ونفذ تنظيم داعش في جمهورية الكونغو الديمقراطية 1050 هجوماً في الفترة من 2018 إلى 2022. ويتمركز تنظيم داعش في غرب إفريقيا في نيجيريا، ويتنافس مع منظمة بوكو حرام الإرهابية ليكون وحده القوة المهيمنة الإقليمية في غرب إفريقيا. في عام 2023، واصل تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا هجماته في المنطقة واستخدم صواريخ الكاتيوشا في العديد من منها، واستهدف الجيش في النيجر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. وقد زودت إيران منظمات في اليمن ولبنان والعراق وسوريا بهذه الصواريخ. وكان هذا أول استخدام لهذه الصواريخ من قبل داعش في غرب إفريقيا. إنها مشكلة كيفية حصول داعش في غرب إفريقيا على هذه الصواريخ، لكن سجلات صواريخ الكاتيوشا في الشرق الأوسط تجعل إيران المشتبه به الأول كمورّد. تنظيم الدولة الإسلامية ـ ولاية موزمبيق هو تنظيم آخر ارتكب 281 هجوماً في الفترة من 2018 إلى 2022. تم تصنيف ولاية موزمبيق كمنظمة إرهابية في عام 2021، وهي أحد أخطر الفروع الإقليمية لداعش بسبب استخدامها قطع الرؤوس كتكتيك إرهابي. وهناك مجموعة أخرى تابعة لتنظيم داعش مدرجة في القائمة وهي فرعه في أفغانستان. أصبح تنظيم الدولة الإسلامية ـ ولاية خراسان يشكل تهديداً إقليمياً واسع النطاق وقام بتوسيع قدرته العملياتية في باكستان وأوزبكستان وطاجيكستان.

في عام 2023، واصل تنظيم داعش والفروع التابعة له هجماتهم. في الأشهر التسعة الأولى من العام، سجلت قاعدة بيانات سجلات الحوادث التابعة للمركز العالمي لتحليل الإرهاب واتجاهاته 813 هجوماً. كان تنظيم داعش-المركز هو التنظيم الرائد بـ 392 هجوماً في سوريا والعراق، يليه تنظيم داعش-جمهورية الكونغو الديمقراطية بـ 204 هجوماً، وداعش-غرب إفريقيا بـ 57 هجوماً، وداعش- موزمبيق بـ 49 هجوماً، وداعش-خراسان بـ 39 هجوماً. كما تحظى الجماعات التابعة لتنظيم داعش في الفلبين باهتمام خاص بسبب هجماتها المتزايدة في المنطقة. على سبيل المثال، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن انفجار مميت استهدف قداساً كاثوليكياً، مما أسفر عن مقتل أربعة وإصابة عشرات آخرين في نوفمبر / تشرين الثاني 2023.

 

الرابط:

https://www.gfatf.org/archives/is-isis-really-a-defeated-terrorist-organization/

زر الذهاب إلى الأعلى