تقارير ودراسات

هل تؤدي الحرب بين إسرائيل وحماس إلى ظهور جيل جديد من الجهاديين؟

إن الحرب بين إسرائيل وحماس تذكرنا بشكل مرير بالهجمات التي شنتها القاعدة على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 ورد الفعل الأمريكي عليها. وكان من بين الآثار المترتبة على تلك الأحداث توتر العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب. والواقع أن الحرب الحالية في غزة من شأنها أن تعيد العالم إلى ذلك النموذج، الأمر الذي قد يفرخ جيلاً جديداً من المقاتلين الجهاديين.

تاريخياً، شهدت العلاقات بين العالم الإسلامي والعالم اليهودي ـ المسيحي صعوداً وهبوطاً منذ ظهور الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً. ولكن في السنوات الأخيرة، شكل حدثان أكثر من أي حدث آخر بداية مرحلة جديدة بصعود الإسلام السياسي المتطرف وتعامل الغرب معه بوصفه تهديداً: الثورة الإيرانية والغزو السوفييتي لأفغانستان في عام 1979. فقد أنتجت الظاهرة الإيرانية حكومة إسلامية متطرفة ذات موقف معادٍ للولايات المتحدة وللغرب. كما حفز غزو أفغانستان الجهادية الإسلامية ـ كما جسدتها قوات المقاومة الإسلامية الأفغانية، المجاهدون ـ على صد العدوان السوفييتي بالالتزام بالإسلام، بوصفه أيديولوجية للمقاومة والتحرر.

لقد رفضت الولايات المتحدة والعديد من حلفائها التغيير الإيراني، بوصفه “أصولياً”، ولكنها دعمت المقاومة الأفغانية بما يتفق مع تفضيلاتها الجيوسياسية. ولم يدركوا أن دعمهم للجهادية الأفغانية قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تمكين قوة إسلامية من العصور الوسطى، وهي طالبان، في أفغانستان وتوفير الزخم لمجموعة من الجماعات الجهادية الأخرى.

لقد أدت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول التي شنتها القاعدة إلى تحويل الإسلام الجهادي إلى ما أدانه الكثيرون بوصفه إرهاباً. وقد شملت الإجراءات الانتقامية التي اتخذتها الولايات المتحدة التدخل في أفغانستان، حيث تم تدبير الهجمات من هناك تحت حماية طالبان، كجزء من حرب أوسع نطاقاً ضد الإرهاب. وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير قالا إن هدفهما لم يكن الدين الإسلامي في حد ذاته، بل أولئك الذين اختطفوه لتحقيق أهداف خاصة، فإن بعض الزعماء السياسيين وصناع الرأي في الغرب ألقوا باللوم على الإسلام نفسه.

لقد تمكنت القاعدة والجماعات ذات التفكير المماثل من استغلال هذا الانقسام لحشد الدعم بين المسلمين وتوليد أجيال جديدة من الجهاديين العنيفين. وكان هذا أكثر وضوحاً في العراق بعد الغزو الأمريكي في عام 2003، وفي سوريا التي مزقتها الصراعات، حيث تمكن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من اجتياح مناطق شاسعة وإعلان خلافته في عام 2014. لقد أعادت سياسة الدولة الإسلامية الوحشية وموقفها المناهض للغرب الولايات المتحدة إلى العراق الذي كانت قد غادرته في عام 2011 بعد ما يقرب من تسع سنوات من القتال.

ولم تنجح الولايات المتحدة وحلفاؤها في اقتلاع القوى الجهادية المعادية للغرب في أفغانستان أو العراق أو سوريا. فقد نجت القاعدة وتحالفت مع طالبان التي كانت هزيمتها للولايات المتحدة وعودتها إلى السلطة بعد عقدين من القتال في أفغانستان بمثابة دفعة قوية للقوى المتطرفة المشابهة. وعلى نحو مماثل، احتفظ تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من خسارته لخلافته، بقدرة أيديولوجية وعملياتية على ضرب أهداف ليس فقط في بلاد الشام، ولكن أيضاً في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا فضلاً عن أوروبا.

ولكن لم يضِع كل شيء. فقد بُذِلَت جهود لإصلاح العلاقات المتضررة بين العالمين الإسلامي والغربي في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول والأحداث التي سبقتها وتلتها. وتمكنت القوى المعتدلة والإصلاحية في الإسلام ونظيراتها التصالحية في الغرب من بناء جسور من الوئام والتعايش السلمي في الفترة الفاصلة بين هذه الأحداث.

إن الحرب بين إسرائيل وحماس من المقرر الآن أن تؤدي مرة أخرى إلى إضعاف العلاقات بين المسلمين واليهود والمسيحيين بالنسبة إلى كثيرين. إن تصرفات حماس ضد إسرائيل، والتي تتضمن قتل واختطاف المدنيين، لا يمكن الدفاع عنها بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، كما هو الحال مع الحملة الانتقامية التي تشنها إسرائيل على غزة، والتي ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي لـ 2.3 مليون شخص يعيشون في قطاع غزة الصغير المكتظ بالسكان والمحاصر بالكامل بسبب تصرفات مجموعة من بينهم.

إن الهدف المعلن لإسرائيل هو تدمير حماس مرة واحدة وإلى الأبد. وهذا يشبه ما خططت له الولايات المتحدة، لكنها فشلت، مع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وحركة طالبان. لقد منعت هذه القوى من تنفيذ عملية ضخمة أخرى مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول، لكنها لم تتمكن من القضاء عليها بالكامل. ومع إعادة تمكين طالبان في أفغانستان، فإن الحركة تستمتع الآن بالأرض الخصبة التي تم توفيرها لأجيال جديدة من الجهاديين.

أيّاً كانت النتيجة النهائية للحرب بين إسرائيل وحماس، فلن تتبخر حماس كقوة مسلحة، ولن يتبخر النضال الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال. ومن المرجح أن يفرز الموقف جيلاً أكثر تطرفاً من المقاتلين الفلسطينيين والجهاديين الذين يحملون مشاعر العداء الشديد تجاه إسرائيل وأنصارها الدوليين. وكما زعمتُ لأكثر من عشرين عاماً، فإن استخدام القوة الغاشمة قد ينجح إلى حد ما، ولكن بعد ذلك، فإن الأمر يتطلب استراتيجية سياسية شاملة للتعامل مع تلك الجوانب العميقة من المشاكل المطولة في السياسة العالمية، والتي تتحدى الحلول العسكرية. ولا يزال هذا الاستنتاج صالحاً.

 

الكاتب: أمين صيقل، أستاذ فخري لدراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الجامعة الوطنية الأسترالية وأستاذ مساعد للعلوم الاجتماعية في جامعة غرب أستراليا، ومؤلف كتاب “الإسلام والغرب: صراع أم تعاون؟”.

 

الرابط: 

https://www.aspistrategist.org.au/will-the-israel-hamas-war-spawn-another-generation-of-jihadis/

زر الذهاب إلى الأعلى