تقارير ودراسات

هل إيران قوة شيعية أم قوة إسلامية؟

من أجل حشد وقيادة كل المسلمين، تتمسك إيران بمبادئ الرفض التي تخلّت عنها الدول العربية. ولكن هل إيران قوة شيعية في المقام الأول، أم إنها ذات هوية أوسع نطاقاً؟ لعقود من الزمان، كانت القيادة الإيرانية تقول إنها تسعى إلى قيادة العالم الإسلامي، وأن على أهل السنة أن يدركوا الخطأ العقائدي في منهجهم ويعودوا إلى “الجماعة المؤمنة” التي يمثلها الشيعة. وفي نهاية المطاف، بينما يقول أهل السُنَّة إن الشيعة انحرفوا عن المسار الإسلامي الصحيح، فإن الرواية الشيعية تقول العكس. ومع ذلك، كان ازدراء النظام الإيراني للسُنَّة واضحاً. ففي حين كانت طهران تفتخر بكاتدرائية وأكثر من اثني عشر معبداً يهودياً، رفض النظام الإيراني الاعتراف بأيّ مساجد سُنِّية في العاصمة طهران. كما قمعت الجمهورية الإسلامية الأكراد والبلوش، ليس فقط لأنهم أقليات عرقية، ولكن أيضاً لأنهم سُنَّة.

ولكن على مدى العقد المنصرم، أعادت إيران تسويق نفسها بصفتها راعية حقيقية لجميع المسلمين. ويزعم قادة إيران أن الدول العربية كانت في الماضي تؤكد على هويتها الإسلامية؛ واليوم، تتخلى عن هويتها من خلال التخلي عن معاداة الصهيونية. وعلى هذه الخلفية، تشعر الجمهورية الإسلامية بفرصة قيادة ليس فقط الشيعة، بل وأيضاً جميع المسلمين. والواقع أن كلًّا من المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس مسعود بزشكيان أشارا إلى هذا في الأيام الأخيرة. ففي حديثه أمام زعماء المجتمع السُنّي الإيراني، حذر خامنئي من أن العدو يعمل على تقسيم السكان الشيعة والسُنّة، سواء “داخل [إيران] أو خارجها”. ومن ناحية أخرى، قال بزشكيان: “المسلمون إخوة… لماذا لا نستطيع السفر إلى بلدان بعضنا البعض؟”. لقد أصبحت مثل هذه التعليقات هي القاعدة، وليس الاستثناء، من قِبَل المسؤولين الإيرانيين. لقد أصبحت الوحدة الإسلامية موضوعاً جديداً في الخطاب السياسي الإيراني. على سبيل المثال، تحدث الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي عن الوحدة الإسلامية وكيف يمكن أن تكون حصناً ضد خطط الأعداء، ونصح بأن الوحدة الإسلامية يمكن أن تؤدي إلى هزيمة إسرائيل.

وفي حين يلجأ القادة الإيرانيون إلى التهديد والوعيد في كثير من الأحيان، فإنهم الآن يتجاوزون حدود الخطابة إلى الفعل. فقد التقى قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني بزعماء سُنَّة في العراق، كما يعمل النظام الإيراني على رعاية السُنَّة في سلطنة عمان أيضاً.

إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تسعى إلى دعم قيم الرفض التي تخلت عنها الدول العربية الآن من أجل حشد المسلمين. إن معاداة السامية ومعاداة الصهيونية تشكلان جزءاً من الأيديولوجية الأساسية للنظام الإيراني. وعلى الرغم من الاختلافات الطائفية، فإن هذه القيم تروق للسُنّة الذين يشعرون بالضياع أو التخلف. لقد أصبح الصمت العربي بشأن الحرب في غزة فرصة لإيران للوصول إلى العرب الذين يشعرون بخيبة أمل في حكوماتهم. وقد حاول خامنئي استغلال هذا من خلال دعوة الدول الإسلامية إلى مقاطعة إسرائيل تجارياً.

لقد دأب النظام الإيراني على الترويج لخامنئي باعتباره “زعيم المسلمين في العالم”. وكان هذا الادعاء في الماضي محل استهزاء. فالشيعة يشكلون أقلية في المجتمع الإسلامي الأوسع. ولكن يبدو الآن أن طموح خامنئي قد يتحول إلى حقيقة واقعة، لكن هذا الأمر سيكون خطيراً لأسباب ثلاثة:

أولاً، قد يستغل الخصوم السُنّة عدم شعبية النظام الإيراني بين الإيرانيين، ويتدخلون لمحاولة إسقاطه، ومن ثم قد ترد الجمهورية الإسلامية بالمثل وتزعزع استقرار الحكومات السُنّية. لذا، استعدوا لحرب طائفية بالوكالة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

ثانياً، تستطيع إيران أن تشعل فتيل الأزمات بين المسلمين في أوروبا. لقد فر قسم كبير من السكان المسلمين في أوروبا إلى القارة هرباً من الدكتاتوريين العلمانيين في مصر وسوريا وتركيا، وازدهرت الإسلاموية السُنِّية هناك، كما ازدهر التطرف مع فشل المسلمين في الاندماج وتحولهم إلى الأصولية الدينية لحل أزمة هويتهم. وكان الترويج الطائفي للجمهورية الإسلامية بين الشيعة سبباً في عزلها عن أي قدرة على التأثير على مشاعر الغضب بين الشتات السُنِّي. والآن بعد أن أصبحت إيران تتنافس على كسب ولاء الشتات العربي، فإنها تستطيع أيضاً أن تستخدمهم لتقويض الديمقراطيات الغربية.

ثالثاً، من خلال التحول من الراعي الشيعي إلى الراعي الإسلامي، تستطيع إيران أن تستخدم الميليشيات السُنّية كوكلاء لها. وكثيراً ما يقول الدبلوماسيون إن إيران براجماتية، ولكن البراجماتية لا تقتصر على صنع السلام، بل إنها قادرة أيضاً على ترسيخ تحالفات جديدة لمواجهة المصالح الأمريكية والغربية. وكانت إيران أكبر داعم للجماعات المسلحة الفلسطينية السُنّية. وفي سوريا، تعمل إيران أيضاً على تجنيد العشائر السُنّية.

إن الاختراق الدبلوماسي الذي مكن من التوصل إلى اتفاقيات أبراهام لم يكن بداية النهاية، بل كان نهاية البداية، حيث يتجه العالم الإسلامي الآن نحو مسارات جديدة وخطيرة.

الكاتب: شاي خاتيري*

 

الرابط: 

https://www.meforum.org/middle-east-forum-observer/is-iran-a-shiite-power-or-an-islamic-power

 


* نائب الرئيس للتنمية وزميل بارز في معهد يوركتاون. وهو مهاجر من إيران وخريج جامعة ولاية أريزونا وقسم الدراسات الاستراتيجية في جامعة جونز هوبكنز، كلية الدراسات الدولية المتقدمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى