تقارير ودراسات

نحو استراتيجية عالمية للسياسة الإسلامية

(منطلقات، وعناصر، ومستلزمات إجرائية ومهمّات)

أولاً – طبيعة الوثيقة وإطارها التاريخي

1- يتعلق الأمر بتقرير سرّي صادر عن هيئة قيادية إخوانية مؤرخة في 1 ديسمبر 1982.

2- صدرت الوثيقة بعد ثلاثة أحداث تاريخية:

– نجاح الثورة الخمينية في إيران (فبراير 1979)

– أحداث “حماه” بسورية (فبراير 1982).

– دخول مصر مرحلة حكم حسني مبارك غداة اغتيال السادات (6 أكتوبر 1981)

استنتاج:

1- تعدّ الوثيقة “أول” خطة عمل لجماعة الإخوان المسلمين، تصدر عن التنظيم الدولي للجماعة أو جهة مرتبطة به؛ وذلك بعد فترة وجيزة من الإعلان رسميًا عنه وصدور لائحته المنظمة (29 يوليو 1982).

2- تقترح الوثيقة خطتها لتحقيق التمكين وتأسيس الدولة الإخوانية في ضوء الزخم الذي أثارته الثورة الخمينية؛ وذلك باستحضار محددين: الأول الإحباط الذي خلفته أحداث حماه، والثاني الحماس الذي أذكته حادثة اختراق الجيش المصري واغتيال السادات.

ثانيًا – محتويات الوثيقة

1- مركزية الخيار الانقلابي

الخيط الناظم لكل فقرات الوثيقة -دون الإعلان عنه بوضوح – هو الرهان على “الخيار الانقلابي” القائم على التحرك الشعبي واختراق المجتمع ومؤسساته والعمل العسكري، مع توفير مستلزمات نجاحه على مختلف الأصعدة الاجتماعية، الثقافية، الإعلامية، المؤسساتية…، وما يتطلبه ذلك من إدراك للبيئة الوطنية والدولية وعقد تحالفات في الحدود المتاحة والممكنة وتشكيل أجهزة أمنية وأخرى مخابراتية.

حيث اشتملت الوثيقة على 12 منطلقًا، مع ربط كل منطلق منها بأهم عناصره ومستلزماته الإجرائية والمهمات المقترحة لتحقيقه، وتصب هذه المنطلقات كلها في خانة “التمكين” للجماعة بواسطة:

– الإعداد التنظيمي والمادي والنفسي.

– اختراق المجتمعات والأقليات المسلمة حول العالم ومؤسساتهما.

– اعتماد الخيارات التكتيكية والأهداف الاستراتيجية.

– توظيف مقدسات الأمة وقضاياها في تأجيج العواطف.

2- أهم النقاط المعروضة

أ- تأسيس الدولة والوسائل الممكنة

ذكرت الوثيقة في المنطلق الخامس “السعي لإقامة الدولة الإسلامية، والعمل الموازي التدريجي في السيطرة على مراكز القوى المحلية”؛ وذلك بـ “استخدام العمل المؤسسي”، واشترطت في المنطلق الثامن عدم التورط في “المجابهة غير المتكافئة” مع الخصوم المحليين أو الأعداء العالميين لتجنب الضربات القاصمة، مقترحة إجراء “دراسة تقييمية لتجارب الحركات الإسلامية بقصد تجنب الأخطاء القاتلة”. وأوصت في المنطلق التاسع بـ “البناء المستمر للقوة اللازمة للدعوة الإسلامية ودعم الحركات الجهادية في العالم الإسلامي بنسب متفاوتة قدر المستطاع” مقترحة التواصل مع “الحركات الجهادية في العالم الإسلامي والأقليات الإسلامية، ودعمها في الحدود وبالصورة الممكنة والتعاون المشترك معها”، كما لفتت في المنطلق العاشر إلى “الاعتماد على أجهزة رصد متنوعة وفي أمكنة مختلفة للتغذية بالمعلومات واعتماد سياسة إعلامية واعية وفعالة”.

ب- الموقف من مكونات المجتمع

تعاملت الوثيقة مع مكونات المجتمع بحسب الخصوصية الظرفية والبرغماتية السياسية التي تمليها مرحلة “الاستضعاف”، حيث أذِنت في المنطلق السابع بقبول “التعاون المرحلي” مع “الحركات الوطنية في قضايا عامة وفي بعض النقاط غير الخلافية كمحاربة الاستعمار والتبشير والدولة اليهودية” مشترطة أن “لا ترقى إلى مستوى التحالفات”، ورفضت “موالاتهم أو الاطمئنان إليهم”، مع التأكيد “أن تكون الحركة الإسلامية صاحبة المبادرة والتوجيه”.

وهذا ينطبق أيضًا على التنظيمات الإسلامية غير المبايعة لمرشد الجماعة لكن بنوع من التفاوت، حيث حثَّت في المنطلق السادس على “العمل بإخلاص مع الجماعات والهيئات الإسلامية في محاور مختلفة” على قاعدة “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه” داعية في الوقت نفسه إلى “عدم إقامة مزيد من الحركات الإسلامية في بلاد فيها حركات إسلامية شاملة واعية واحدة على الأقل”؛ وذلك -فيما يبدو- لتقليص فرص قيام تنظيمات إسلامية منافسة للجماعة ومزاحمة لها في مشروعها.

ج- القضية الفلسطينية

نظرت الوثيقة للقضية الفلسطينية بصفتها مصدراً حيويًا للتعبئة الشعبية ولترويج الشعارات الإيديولوجية للجماعة؛ فدعت في المنطلق الحادي عشر إلى “تبني القضية الفلسطينية”؛ لأنها “مفتاح نهضة العالم الإسلامي “قصد تأسيس بؤرة جهادية في فلسطين توفر فرصًا لتحريض الشباب على الجهاد و”عقد الصلة بين المجاهدين في فلسطين والمجاهدين في كل أرض إسلامية”.

د- أدوات الاختراق

استعرضت الوثيقة عددًا من الأدوات لاختراق المجتمع من أهمها:

– إنشاء مراكز رصد للمعلومات للاستفادة منها عند الحاجة

– إنشاء مراكز للدراسات والبحوث متخصصة في القضايا السياسية

– الاشتراك في المجالس النيابية والبلدية والنقابية وغيرها من المؤسسات التي يختارها الشعب

– بناء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والعلمية والدخول في ميادين الخدمة الاجتماعية.

ثالثًا – الوثيقة في السياق المعاصر

1- صدرت الوثيقة قبل أربعة عقود حصلت خلالها جملة تطورات وتحولات إقليمية ودولية فرضت على الجماعة تطوير مقاربتها الاستراتيجية لتحقيق التمكين تجلّت أساسًا في السكوت عن الخيار الانقلابي مقابل التركيز على العمل السياسي والحراك المدني.

2- استطاعت الجماعة تحقيق عدد من أهداف الوثيقة على مستوى المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الدعوية والمراكز العلمية والممارسة السياسية والعلاقات مع القوى الوطنية والدولية…الشيء الذي استثمرته في الوصول إلى حكم عدد من الدول العربية عشية ما عرف بثورات الربيع العربي، لكن ليس بالعمل الانقلابي، كما كانت تخطط الوثيقة، وإنما بالتهييج الجماهيري.

3- السكوت عن الخيار الانقلابي الذي تتبنّاه الوثيقة، لم يكن نهائيًا ولا محل إجماع داخل الجماعة؛ فسرعان ما استهوى مجموعة محمد كمال، مسؤول اللجان النوعية، عقب سقوط حكم الإخوان في مصر عام 2013، ولا زال يهيمن على توجهات “تيار التغيير” المنتسب لمحمد كمال، والذي جهر زعماؤه باستعدادهم للعودة للعمل الثوري بما فيه العسكري، كما استعادوا توصيات الوثيقة، في ورقة أصدروها في أكتوبر الماضي بعنوان “الوثيقة الأولى – الإصدار السياسي”، بجعلهم “القضية الفلسطينية” على رأس “قضايا الأمة المركزية” بصفتها “قضية جهاد ونضال”، ودعوتهم إلى “تأسيس مظلة جامعة ترعى حقوق ومصالح المسلمين حول العالم” بقصد اختراق المجتمعات والأقليات المسلمة عبر إقامة “علاقات وشراكات بين الدول والمنظمات الإسلامية والعالم أجمع”.

4- الموقف الانتهازي من بقية مكونات المجتمع الذي تبنته الوثيقة لازال حيًّا في خطاب الجماعة، رغم انفرادها بالقرار وتهميشها للقوى الوطنية إبان فترة حكمها، وهو ما نلمسه على مستوى الفصائل الثلاثة المتنافسة داخل الجماعة؛ جبهة لندن وجبهة إسطنبول وتيار التغيير، وهو ما تأكد في متن وثيقتين صدرتا مؤخرًا:

  • الأولى عن “جبهة لندن”، يوم 18 سبتمبر 2022، بعنوان “أولويات جماعة الإخوان المسلمين السياسية في لحظة حرجة من تاريخ مصر” جعلت من “بناء شراكة وطنية واسعة” على رأس أولوياتها ودعت إلى قيام “ائتلاف وطني واسع” وتوافق وطني يحقق “الاستقرار الحقيقي والممارسة الديمقراطية الكاملة”.
  • الثانية عن “تيار التغيير”، في 15 أكتوبر 2022، بعنوان “الوثيقة الأولى – الإصدار السياسي”، والتي تطرقنا إليها سابقًا، بحديثها عن “ضمان حماية التنوع والاختلاف في الآراء والمعتقدات” وإعلانها قبول التنوع السياسي والايديولوجي في مصر “ما دام ينطلق من مصلحة الأمة والشعب”.
زر الذهاب إلى الأعلى