تقارير ودراسات

مراجعة كتاب الأعداء القريبون والبعيدون: كيف تضع الجماعات الجهادية استراتيجياتها وتخطط وتتعلم

يتطور الجهاديون ويتكيفون لتحقيق أهدافهم، ويشمل هذا التكيف تبني تكتيكات وتقنيات وإجراءات جديدة، فضلاً عن تحديث الخطط الإستراتيجية باستمرار. وبمرور الوقت، يتضمن هذا تنوع السبل والوسائل لتحقيق الأهداف التنظيمية والأيديولوجية، والاستجابة للجماعات المنافسة، والتغلب على جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها أجهزة الأمن التابعة للدولة. ويتم استكشاف تطور الجوانب التكتيكية والاستراتيجية للإرهاب الجهادي في كتاب “الأعداء القريبون والبعيدون: كيف تضع الجماعات الجهادية استراتيجياتها وتخطط وتتعلم” (منشورات جامعة كولومبيا، 2022).

الكتاب هو جزء من سلسلة دراسات كولومبيا في الإرهاب والحرب غير النظامية التي حررها بروس هوفمان. ديفيد غارتنستين- روس وتوماس جوسلين متخصصان بارزان في مكافحة الإرهاب. غارتنستين- روس، محامٍ وحاصل على درجة الدكتوراه في السياسة العالمية، هو مؤلف أو محرر لأكثر من 25 كتاباً ودراسة، وساعد على صياغة الإطار الاستراتيجي لوزارة الأمن الداخلي الأمريكية لمكافحة الإرهاب، وهو الرئيس التنفيذي لشركة فالينس جلوبال ومستشار أول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. جوسلين، زميل أول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وكبير محرري مجلة الحرب الطويلة التابعة لها، عمل أيضاً كمستشار لقسم مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي.

إعداد المسرح

إن كتاب “الأعداء البعيدون والقريبون” هو دراسة شاملة للثقافة التنظيمية والتفضيلات الاستراتيجية لتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية وحلفائهما العديدين. ويتناول الكتاب كيف تشكلت المجموعتان، وكيف نفذتا العمليات، وكيف تحولتا، وكيف انفصلتا في نهاية المطاف، وكيف أصبحتا متنافستين على الصدارة في سديم الجهادية. وعلى المستوى الهيكلي، ينقسم الكتاب إلى 11 فصلاً، يحتوي كل منها على تقييم مفصل لتطور المجموعتين واختياراتهما التنظيمية. ومن الناحية النظرية، يقيّم الكتاب حالات الفشل في التعرف على تطور الإرهاب الجهادي وتوقعه. ويزعم المؤلفان أن “فشل الإجماع” يؤدي إلى تحليل استخباراتي معيب يفضي إلى إغفال التطور الطبيعي للفعل الإرهابي أو الضرورات الاستراتيجية. وتشمل الحالات الثلاث التي يفحصانها ثورات الربيع العربي، والمنافسة بين القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، وأسطورة الإرهاب الفردي. وبدلاً من قبول اللهجة التحليلية السائدة، يقترح المؤلفان أن تحليل نموذج التعلم التنظيمي الذي تبنته كل مجموعة إرهابية من شأنه أن يسفر عن تقييمات أكثر دقة لقدراتها ونواياها. يقدم الفصل الأول، “النار في المرة القادمة”، مخططاً يهدف إلى توفير إطار عمل لتوقع مؤامرات الجماعات الجهادية واستراتيجياتها ومساراتها. يقدم الفصل الثاني، “التعلم من أجل الفوز”، مراجعة مفصلة للأدبيات حول التعلم التنظيمي ثم يقارن بينها وبين منحنى تبني التكنولوجيا المكون من أربع مراحل. وهذا يشكل مساهمة نظرية رئيسة في صياغة أساس سليم لتحليل التفاعل بين التعلم التنظيمي والاختيار التكنولوجي.

من الأعداء البعيدين إلى صعود داعش وسقوطها

إن التطور الأيديولوجي لتفضيلات القاعدة في الاستهداف هو موضوع الفصل الثالث، “استراتيجية العدو البعيد”. وكما نعلم الآن، فإن استراتيجية العدو البعيد هذه أدت إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، وأدت إلى عقدين من التطور الجهادي والصراع مع الغرب وبين المتنافسين على زعامة الحركة الجهادية. ويصف الفصل الرابع، “الأجواء غير الودية: المؤامرات ضد الطيران”، الخيارات التكتيكية والتكنولوجية للاستهداف وراء الهجمات الجوية: من استخدام الطائرات كأسلحة، إلى المتفجرات السائلة، إلى إخفاء القنابل في الملابس الداخلية أو خراطيش الطابعات. ويتناول الفصل الخامس، “التبني المبكر: أنور العولقي في الفضاء الرقمي”، استخدام تقنيات الاتصالات الجديدة، مثل تكنولوجيا الاتصالات عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، للوصول إلى جماهير جديدة وخلق فرص “الجهاد الفردي” وتهيئة المسرح لـ”المتآمرين الافتراضيين”. ويصف الفصل السادس، “التعلم الاستراتيجي: القاعدة والجهادية في الربيع العربي”، كيف استغل الجهاديون هذه “الثورات” لتشكيل بيئة عمليات في المنطقة وملء فراغات القوة التي خلقها السعي المضطرب للتغيير الاجتماعي. ويلخص الفصل السابع، “صعود الدولة الإسلامية وسقوطها”، الانقسام بين القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. وقد كشف صعود الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية عن نقاط ضعف في نهج القاعدة. ويتناول الفصل الثامن، “الفتنة: داعش في مواجهة القاعدة”، المنافسة بين هاتين المنظمتين ونهجيهما المتعارضين ظاهرياً. وهنا نرى أن القاعدة استخدمت الصبر الاستراتيجي لاستعادة الزخم والبقاء على قيد الحياة في ظل الصراع بين التوجهات الجهادية المتنافسة.

النشاط الجهادي الآني والمستقبلي وما بعده

يقيّم المؤلفان الطبيعة المتغيرة لكلا النهجين: القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في التعامل مع الجهاد في الفصل التاسع بعنوان “كيف نجت القاعدة من الحرب في أفغانستان” والفصل العاشر بعنوان “العمليات الخارجية لتنظيم الدولة الإسلامية: دراسة في الإبداع”. ويختتم الكتاب بتقييم التعلم التنظيمي الجهادي، حيث يلخص الفصل الحادي عشر بعنوان “ماضي ومستقبل التعلم التنظيمي الجهادي” دراسات الحالة المقدمة بالتفصيل في التحليل السابق. وبعد عرض المسار الاستراتيجي لتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، يناقش المؤلفان تاريخ وتطور التكتيكات الجهادية ويقيّمان التهديدات المستقبلية. وتتركز هذه التهديدات بشكل أساسي في الطائرات من دون طيار والذكاء الاصطناعي، ثم يختتم المؤلفان باقتراح طرائق لتجنب أخطاء الإجماع والفشل التحليلي وقصر النظر (مثل التصوير المرآوي، والتحيزات، والتفكير الجماعي). وتشمل هذه الأساليب المنهج التكاملي (العابر للتخصصات) والتطوير المستمر للمهارات التحليلية.

إن كتاب “الأعداء القريبون والبعيدون” عمل بحثي مهم؛ فهو يلخص عقدين من الجهد الشامل والدقيق فكرياً، وهو كتاب موثق جيّداً ويجمع بين المصادر الأولية والخبرة التحليلية، لتوضيح كيف يؤثر التعلم والتكيف التنظيمي على الاختيار الاستراتيجي والتكتيكي للتنظيمات الجهادية.

ومن الواضح أن هذا العمل مفيد للمحللين والمحققين والعلماء في مجال مكافحة الإرهاب، كما يستحق مكاناً على أرفف الكتب لدى المتخصصين في الجماعات الجهادية. ولكن لا ينبغي أن يقتصر على التهديد الجهادي؛ ذلك أن رؤاه بشأن التكيف والتعلم التنظيمي مفيدة أيضاً لأولئك الذين يحللون جميع جوانب التهديد غير الحكومي: من التطرف اليميني المتشابك على مستوى العالم إلى الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى