تقارير ودراسات

لماذا يكره الشيعة العراقيون سوريا الجديدة وزعيمها؟

قد يفترض البعض أن أقلّ الشخصيات شعبية في العراق هما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا أن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، المعروف أيضاً باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، يأتي في صدارة أكثر الشخصيات المكروهة في العراق.

منذ سقوط نظام بشار الأسد، ازدادت تصريحات السياسيين العراقيين، وأعمال الميليشيات المدعومة من إيران ضد السوريين، والخطابات العلنية من الشيعة العراقيين الموجهة ضد الشرع، حدة وانتشاراً. ويُعزى هذا العداء إلى عاملين رئيسين: أولاً، انتماء الشرع السابق إلى تنظيم القاعدة في العراق عقب الغزو الأمريكي للبلاد، وثانياً، كونه، وهو سنّي، أضعف محور المقاومة، ذي الأغلبية الشيعية بقيادة إيران، بإسقاطه الأسد.

تبرز الكراهية تجاه الشرع بشكل واضح في الثقافة الشعبية الشيعية. يشتهر المجتمع الشيعي في العراق بأداء الأناشيد، وهي مقطوعات موسيقية غالباً ما تشير إلى المعتقدات الإسلامية والتاريخ والدين والأحداث الجارية. في هذه العروض، يُلقي المنشد عادة قصيدة أو أغنية على الجمهور، وتضفي الموسيقى تجربة تفاعلية. غالباً ما تركز هذه الأناشيد على استشهاد الحسين، حفيد النبي محمد، والشخصية البارزة في المذهب الشيعي، بالإضافة إلى أحداث مهمة أخرى.

كان الشرع موضوع أنشودة تُبرز العداء الذي يكنه له المجتمع الشيعي العراقي. الأنشودة التالية، التي غناها المنشد الشهير كرار الكربلائي، تشير صراحة إلى الشرع عدة مرات. فيما يلي الأبيات التي تصور السوري، المشار إليه بالجولاني:

الجولاني نسخة من الشمر

وارث من أجداده الغدر

يذبح على الحب مو عمر

كلمن يحب حيدر

حاكم صبح بعد الأسر

وبدولته الدم يزدهر

حجاج ويذبح بيده

وكل مشهد قاسي يعيده

حسباله تدوم الصيده

وما يطلع ذيب يلوحه

يُشبّه النشيد الشرع بالشمر، القائد العربي الذي قاتل في البداية إلى جانب الحسين في معركة كربلاء، لكنه خانه وقتله لاحقاً. يلمّح المقطع الذي يتحدث عن ذبح كل من يحب حيدر إلى نية الشرع المفترضة لقتل الشيعة. أما اسم حيدر، فهو إشارة إلى علي بن أبي طالب، ابن عم النبي محمد وصهره، الذي يقدسه الكثير من الشيعة كأول إمام لهم.

عندما كان أحمد الشرع يافعاً، ترك دراسته في سوريا وعبر إلى العراق قبل أسابيع قليلة من سقوط نظام صدام حسين. واختار الانضمام إلى تنظيم القاعدة، الذي كان متورطاً بشدة في سفك دماء العراقيين. سُجن الشرع عام 2006 في سجون أمريكية لمدة خمس سنوات، منها سجن أبو غريب ومعسكر بوكا.

بقيادة الإرهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي، اكتسب تنظيم القاعدة في العراق سمعة سيئة كواحد من أكثر الجماعات وحشية في العالم، وكان سلفاً لتنظيم الدولة الإسلامية. في تعصبه المشين، أعلن الزرقاوي جميع المدنيين العراقيين الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2005 أهدافاً مشروعة، مجيزاً سفك دماءهم، بل ذهب أبعد من ذلك بشنّ حرب شاملة على الشيعة في العراق، مما أشعل فتيل صراع طائفي مدمر مزق البلاد في السنوات التالية. في عام 2013، ذكرت تقارير صحفية أن الشرع، المعروف آنذاك باسم الجولاني، كان “شريكاً مقرباً لأبو مصعب الزرقاوي” قبل أن تقتله الولايات المتحدة عام 2006.

لكن العداء تجاه الشرع لا ينبع من مظالم تاريخية فحسب، بل ينعكس أيضاً بشكل حاد في الخطاب السياسي العراقي الحالي. فقد وصف رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، التطورات الأخيرة في سوريا بـ”الفتنة” صراحة. وفي حديثه خلال لقاء مع شيوخ العشائر في كربلاء، أشار المالكي إلى أن من تولوا السلطة في سوريا بعد سقوط الأسد كانوا في السابق سجناء في العراق – في إشارة مباشرة إلى الشرع.

وتعزيزاً لهذا الشعور، قال محمود الحياني، العضو البارز في إطار التنسيق، وهو تحالف سياسي للميليشيات المدعومة من إيران، لوسائل الإعلام العراقية إن العراقيين لديهم “مخاوف وتحفظات جدية” بشأن الشرع بسبب تورطه في الإرهاب داخل العراق.

داخل البرلمان العراقي، الذي تهيمن عليه فصائل شيعية، مثل كتلة الإصلاح والبناء التي تضم العديد من قادة الحشد الشعبي، يسود تردد ملحوظ. صرّح عباس الجبوري، عضو هذه الكتلة، بأن البرلمان العراقي لا يزال “حذراً” في بيان موقفه من الحكومة الانتقالية السورية. وينتظر العديد من القادة العراقيين ليروا مدى صدق ادعاءات نظام دمشق الجديد بتبني قيم التعددية، وما إذا كان سيتجنب تهميش غير السنة.

هذا التشكك مفهوم، بالنظر إلى قيادة الشرع لهيئة تحرير الشام، الجماعة التي قادت الهجوم على نظام الأسد، والتي يشكل أعضاؤها نواة الحكومة السورية الجديدة وأجهزتها الأمنية. وبينما أعلن الشرع علناً التزامه بالاعتدال، وادعى حل هيئة تحرير الشام، إلا أن التنظيم الجهادي الذي قاده بدأ كفرع محلي لتنظيم القاعدة في سوريا، ولا يزال الشرع مدرجاً على قائمة الإرهاب العالمي من قبل الولايات المتحدة.

سبب آخر وراء هذا الموقف الحذر من قادة بارزين في بغداد يكمن في انحيازهم لإيران. فالعديد من الميليشيات والقادة الشيعة العراقيين، المنضوين ضمن محور المقاومة الإقليمي الذي تقوده إيران، يجدون أنفسهم ملزمين بأجندة طهران، مما يثني العراق عن توطيد علاقاته مع الحكومة السورية الجديدة. إضافة إلى ذلك، تمتلك القيادة السورية الجديدة أدلة دامغة تورّط الميليشيات الشيعية العراقية التي قاتلت إلى جانب نظام الأسد في أعمال قمعية خلال الحرب الأهلية السورية. وهؤلاء هم قادة الميليشيات أنفسهم الذين يعملون جاهدين الآن لمنع أي نوع من العلاقات الرسمية بين العراق والحكومة الجديدة في دمشق.

مؤخراً، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يُظهر ميليشيا ملثمة تطلق على نفسها اسم “كتائب يا علي الشعبية” تنفذ حملات منظمة ضد السوريين في العراق. ويُظهر المقطع قيام عناصر المجموعة بمداهمة أماكن عمل العمال السوريين، وتفتيش هواتفهم، والاعتداء عليهم جسديًّا وإهانتهم.

وتوقع ناشطون أن يكون الفصيل مرتبطاً بالحركة المسلحة الشيعية، وقالوا إنه يستهدف السوريين الذين دعموا الثورة السورية علناً. ومن بين هؤلاء، على سبيل المثال، من يرفعون العلم السوري الجديد في متاجرهم. ووفقاً لتقارير إعلامية، بدأت الحملة عندما نشرت حسابات عراقية عناوين سوريين أعربوا عن دعمهم للعمليات ضد فلول نظام الأسد في سوريا.

وأصدرت المجموعة بياناً على “اكس” أعلنت فيه أن “كتائب يا علي الشعبية” تأسست صراحة لاستهداف السوريين الذين اعتبرتهم يشيدون بجرائم شخصيات مثل زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني (الشرع)، وآخرين اتهمتهم بارتكاب جرائم ضد العلويين والمسيحيين.

الكاتب: أحمد شعراوي

https://www.longwarjournal.org/archives/2025/04/analysis-why-do-iraqi-shiites-hate-the-new-syria-and-its-leader.php

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى