تقارير ودراسات

كيف يرى الرئيس الإيراني الجديد “النظام العالمي الجديد” الصاعد؟

لقد شاع مفهوم “النظام العالمي الجديد” الذي تقوده الولايات المتحدة من قبل الأمريكيين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991. ويعتقد الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، أيضاً أن نظاماً عالمياً جديداً آخذ في الظهور، نظام تتراجع فيه قوة الولايات المتحدة، ولكنها تظل مهمة.

وقد أوضح بزشكيان وجهات نظره في مقال نشر مؤخراً في صحيفة “طهران تايمز” الصادرة باللغة الإنجليزية. ودافع فيه عن قرار إيران في تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، وكذلك الدول المجاورة والجنوب العالمي، لكنه قال أيضاً إن السياسة الخارجية لإدارته ستكون “متوازنة” و”تتضمن مشاركة بناءة” مع الغرب.

كتب: “ستتبع إدارتي سياسة تعتمد على الفرص من خلال خلق التوازن في العلاقات مع جميع الدول، بما يتوافق مع مصالحنا الوطنية وتنميتنا الاقتصادية ومتطلبات السلام والأمن الإقليميين والعالميين. وبناء على ذلك، فإننا سنرحب بالجهود المخلصة لتخفيف التوترات وسنقابل حسن النية بمثلها”.

وتمثل آراء بزشكيان نسخة أكثر مرونة بعض الشيء من آراء المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، الذي يخضع له أي رئيس إيراني في شؤون الأمن القومي. ويرى خامنئي أن النظام الدولي يقوم على ثلاثة محاور للقوة العالمية؛ الأول: النظام الليبرالي للمؤسسات والأعراف الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا النظام بدأ يضعف من وجهة نظر خامنئي بسبب تراجع الهيمنة الأمريكية. المحور الثاني تشكله روسيا والصين، وينظر إليه خامنئي على أنه صاعد. المحور الثالث يتشكل من “محور المقاومة” الذي تتزعمه إيران، وقد انضم إلى النظام العالمي الجديد الصاعد في ظل سياسة “النظر إلى الشرق” التي تنتهجها إيران بعد التخلي عن شعار “لا شرق ولا غرب” الذي كان سائداً بعد ثورة 1979.

وتسمح هذه الرؤية بتخفيف التوترات مع الغرب، ولكن “يجب أن يكون نظرنا موجهاً بشكل أساسي نحو الشرق” كما قال خامنئي: “إن التطلع نحو الغرب وأوروبا ليس له أثر بالنسبة لنا ولم نجن من ورائه إلا المشاكل والإذلال. يجب أن ننظر نحو الشرق؛ هناك دول يمكنها مساعدتنا”.

وقد انعكست وجهة النظر هذه بقوة في إدارة إبراهيم رئيسي، الذي أدى مقتله في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في مايو/ أيار إلى إجراء انتخابات رئاسية جديدة. تتضمن ما تسمى بوثيقة التحول لحكومة رئيسي جهوداً لحل النزاع النووي الإيراني مع الغرب، ولكن ليس كمنصة لتحسين العلاقات. ولم يتم حتى ذكر أمريكا الشمالية كمنطقة يمكن لإيران أن تقيم معها علاقات.

وبحسب بزشكيان، فإن السلطة انتقلت من الغرب إلى الشرق، وتراجع دور أمريكا، لكن لم يتم إنشاء أقطاب جديدة. ويعكس هذا الرأي وجهة نظر وزيري الخارجية السابقين محمد جواد ظريف وعلي أكبر صالحي، المستشارين الرئيسيين للرئيس الجديد. لقد كتب ظريف أن النظام ثنائي القطبية الصارم الذي كان قائماً في الماضي قد انتهى وأن النظام العالمي يمر بمرحلة انتقالية. ويعتقد ظريف أن الفشل في تقدير حقيقة أنه لم يتم إنشاء نظام جديد بعد قد يشكل خطورة على المصالح الوطنية الإيرانية، يقول ظريف: “من الخطر أن تكون إيران معادية لروسيا ومعادية للولايات المتحدة؛ لأنه يتعين علينا إعطاء الأولوية لمصالحنا الوطنية ثم النظر في معارضة الهيمنة الأمريكية”، ويضيف ظريف: “على إيران ألا تنتظر ظهور أقطاب جديدة، بل يمكن لأي قوة عظمى وفاعلة أن تظهر في منطقة معينة”.

ويعتقد صالحي، عالم الفيزياء النووية الذي كان مع ظريف مفاوضاً رئيساً في الاتفاق النووي لعام 2015، أنه إذا تمسكت إيران بروسيا أو الصين أو أمريكا، فسيكون ذلك كارثة على المصالح الإيرانية؛ وبدلاً من ذلك، يجب على إيران أن تقف في وسط هذا المثلث.

ولأن النظام الجديد ليس له طبيعة قطبية جامدة، فإن القرب الشديد من قوة واحدة لا يمكن أن يضمن مصالح إيران من وجهة نظر صالحي. ولأن طبيعة ومنطق المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، على سبيل المثال، لا يمكن التوفيق بينها في كل مكان، فإن مصالح إيران لا يمكن تأمينها بمجرد القرب من الصين.

صرح بزشكيان بأن السياسة الخارجية لحكومته لن تكون معادية للشرق أو معادية للغرب، وهو يولي اهتماماً خاصاً بالجنوب العالمي، حيث كتب: “مع إدراك أن المشهد العالمي قد تطور إلى ما هو أبعد من الديناميكيات التقليدية، فإن إدارتي ملتزمة بتعزيز العلاقات ذات المنفعة المتبادلة مع اللاعبين الدوليين الناشئين في الجنوب العالمي، وخاصة مع الدول الإفريقية. سنسعى جاهدين لتعزيز جهودنا التعاونية وتطوير شراكاتنا من أجل المنفعة المتبادلة لجميع المعنيين”.

أما في ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا والصين، فيكتب بزشكيان أن كلا البلدين “وقفا إلى جانبنا باستمرار خلال الأوقات الصعبة. ونحن نقدر بشدة هذه الصداقة. تمثل خارطة الطريق التي مدتها 25 عاماً مع الصين علامة فارقة مهمة نحو إقامة شراكة استراتيجية شاملة ذات منفعة متبادلة، ونحن نتطلع إلى التعاون على نطاق أوسع مع بكين، بينما نتقدم نحو نظام عالمي جديد”. وأشار بزشكيان أيضاً إلى دور الصين في تسهيل التطبيع بين إيران والسعودية في عام 2023.

إن نهجه تجاه الغرب ذو شقين. ففيما يتعلق بأوروبا، انتقد فشلها في تعويض إيران عن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، لكنه أعرب عن رغبته في الحوار البناء معها، وهو أكثر صرامة مع الولايات المتحدة، حيث يدعو واشنطن إلى تغيير سياساتها. ويقول إن حذر إيران هو نتيجة تصرفات الولايات المتحدة، مثل الانسحاب من الاتفاق النووي ووضع إيران على “محور الشر”، على الرغم من تعاونها ضد طالبان في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001.

وفي الوقت نفسه، يدرك بزشكيان أنه لا يستطيع الوفاء بوعوده الانتخابية لتحسين الاقتصاد الإيراني دون تخفيف العقوبات الأمريكية والخروج من القائمة السوداء لفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي هيئة مراقبة عالمية لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال. إن العلاقات مع روسيا والصين والعضوية في منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، لا يمكن أن تعوض خسائر إيران الناجمة عن العقوبات.

ولم تنجح سياسة “النظر إلى الشرق” التي تنتهجها إيران أيضاً في ضمان دعم روسي وصيني دائم لإيران في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو تحدي العقوبات الأمريكية أحادية الجانب للاستثمار في إيران.

بشكل عام، يعتبر نهج بزشكيان عملياً وبراجماتياً، وهو يذكّر بالسياسة الخارجية لحكومة هاشمي رفسنجاني، التي سعت إلى إعادة بناء إيران بعد الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988). ومثل خليفة رفسنجاني، محمد خاتمي، يسعى بزشكيان إلى تقديم صورة أكثر إيجابية لإيران على المستوى الإقليمي والعالمي. ومثل حسن روحاني، الرئيس قبل رئيسي، يسعى الرئيس الجديد إلى تخفيف العقوبات التي من شأنها تحسين الحياة اليومية للإيرانيين.

جواد حيران نيا

 

الرابط:

https://www.stimson.org/2024/how-irans-next-president-sees-an-emerging-new-world-order/

زر الذهاب إلى الأعلى