الشخصيات

روح الله الخميني

كان آية الله روح الله الخميني هو المؤسس وأول مرشد أعلى لجمهورية إيران الإسلامية. ومن خلال هذا الدور، أنشأ العديد من الجماعات المتطرفة العنيفة أو أثر عليها، بما في ذلك الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وحزب الله اللبناني. وحتى بعد وفاته في عام 1989، استمرت آراء الخميني وفلسفاته، المعروفة باسم الخمينية، في توجيه النظام الإيراني ووكلائه المسلحين.

تشير السجلات المختلفة إلى أن الخميني ولد في عام 1900 أو في أواخر عام 1903 بإيران، ونشأ في كنف عائلة عمته بعد وفاة والده وانتقال والدته إلى طهران. بدأ دراساته الدينية في سن السادسة عشرة ثم قام بالتدريس في الحوزة العلمية في قم بإيران، وأصبح في نهاية المطاف عالماً شيعياً بارزاً في البلاد. في عام 1941، نشر الخميني كتابه المهم “كشف الأسرار”، والذي طرح فيه حجته لإقامة حكومة إسلامية في إيران. وكتب الخميني أن قوانين الشاه “لا قيمة لها ويجب حرق جميع القوانين التي وافق عليها البرلمان”. وبسبب علمه، منحت الطائفة الدينية الشيعية الخميني اللقب الفخري آية الله. وفي عام 1962، حصل على لقب نادر، وهو آية الله العظمى، الذي كان يحمله في ذلك الوقت ستة رجال فقط في البلاد.

في أوائل الستينيات، بدأ الخميني في انتقاد الزعيم الإيراني شاه محمد رضا بهلوي علناً، متهماً حكومته “غير الإسلامية” بالتصرف بناءً على طلب الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وإسرائيل. بدأت رسائل الخميني تكتسب زخماً، مما دفع القوات الحكومية إلى اعتقاله في عامي 1962 و1963. وطردت الحكومة الإيرانية أخيراً الخميني من البلاد في نوفمبر / تشرين الثاني 1964 بعد أن احتج على إعفاء أفراد عسكريين أمريكيين من الولاية القضائية الإيرانية.

بعد طرده من إيران، انتقل الخميني لفترة وجيزة إلى تركيا ثم إلى العراق، حيث عاش في النجف الأشرف لمدة 13 عاماً بينما استمر في معارضة الشاه علناً. في العراق عام 1970، نشر الخميني كتابه “الحكومة الإسلامية” أو “الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه”، حيث أوجز تفسيره الحديث للمفهوم الشيعي لولاية الفقيه في القرن التاسع. تقليدياً، دعت الفلسفة الشيعية إلى منح فقيه إسلامي واحد السلطة الدينية مع ترك السلطة السياسية في أيدي الدولة، على الرغم من أن العلماء اختلفوا حول التقسيم الدقيق للسلطة. استخدم الخميني هذا المفهوم لتبرير رؤيته لرجل دين واحد يشرف على القطاعات الدينية والعسكرية والحكومية في إيران من أجل ضمان الامتثال الكامل “للقانون الإلهي”؛ لأنه عندها فقط يمكن أن تكون مثل هذه الحكومة “مقبولة عند الله يوم القيامة”. في نهاية المطاف، ستقوم إيران بتكريس تفسير الخميني لولاية الفقيه في دستورها لعام 1979، وبالتالي تبرير الدور الاستبدادي المستمر للمرشد الأعلى للبلاد.

في سبتمبر / أيلول 1978، فرضت الحكومة الإيرانية الأحكام العرفية بعد اندلاع أعمال الشغب المناهضة للشاه في جميع أنحاء إيران. وفي الشهر التالي، طرد العراق الخميني وسط ضغوط من الحكومة الإيرانية. انتقل الخميني بعد ذلك إلى باريس بعد منعه من دخول الكويت. في 12 يناير / كانون الثاني 1979، أثناء وجوده في باريس، ساعد الخميني في تشكيل المجلس الثوري الإسلامي مع الزعماء الدينيين الإيرانيين المتشددين في إيران. وأشرف المجلس الثوري الإسلامي على الاحتجاجات ضد الشاه وقام فيما بعد بتعيين حكومة الخميني الثورية.

عاد الخميني إلى إيران في الأول من فبراير/ شباط 1979، بعد أسابيع من مغادرة الشاه البلاد لتلقي العلاج. وبحلول ذلك الوقت، اندلعت مظاهرات عنيفة ضد الحكومة في جميع أنحاء إيران. ولدى وصوله إلى طهران، خاطب الخميني أنصار الثورة وأصدر تحذيراً لرئيس الوزراء المعين من قبل الشاه شابور بختيار: “إذا لم تستسلم للأمة، فسوف تضعك الأمة في مكانك”. ووعد الخميني أنصاره بتشكيل حكومة إسلامية جديدة وصياغة دستور جديد.

وسرعان ما عمل الخميني على استمالة القادة السياسيين والقوات العسكرية الإيرانية. في 2 فبراير / شباط 1979، دعا الخميني القوات المسلحة الإيرانية إلى الانضمام إلى المجلس الثوري. وفي اليوم التالي، قدم عمدة طهران، جواد الشهرستاني، استقالته إلى حكومة الشاه وطلب منه الخميني الخدمة في الجمهورية الإسلامية الجديدة. كما التقى الخميني بكبار الزعماء الدينيين الإيرانيين لإقناعهم بدعم ثورته. في 5 فبراير / شباط، استقال آخر أعضاء البرلمان الإيراني، وعيّن الخميني رئيساً جديداً للوزراء، مهدي بازركان.

اندلع القتال في جميع أنحاء إيران بين القوات العسكرية الموالية للشاه والمتظاهرين والقوات العسكرية التي انشقت وانضمت إلى الخميني. في 10 فبراير / شباط 1979، أمرت الحكومة الإيرانية المحاصرة جهاز السافاك، الشرطة السرية الإيرانية، باعتقال الخميني و200 آخرين، بما في ذلك الصحفيين واليساريين. لكن أعضاء السافاك المؤيدين للخميني قاموا بتنبيهه، مما أدى إلى اشتباكات مكثفة بين المؤيدين للخميني والمؤيدين للنظام. وفي اليوم التالي، دعا الخميني مجموعة من الجنود الإيرانيين إلى “التصرف بما يخالف” قسم الولاء الذي أقسموه لحكومة الشاه.

في 11 فبراير / شباط 1979، أدى القتال بين أتباع الخميني والقوات الإيرانية الموالية للشاه إلى مقتل أكثر من 220 شخصاً. ورداً على ذلك، أعلنت القوات المسلحة الإيرانية حيادها في الصراع، الأمر الذي دفع الخميني وجمهوريته الإسلامية على الفور إلى إعلان النصر على الشاه والإطاحة بحكومته. في أواخر مارس / آذار 1979، أجرت إيران استفتاءً وطنياً لمدة يومين لتحديد ما إذا كان سيتم تحويل البلاد إلى جمهورية إسلامية وفقاً لرؤية الخميني. صوتت أغلبية واضحة ـ 97% ـ من الإيرانيين لصالح الخميني، وفي الأول من أبريل / نيسان عام 1979، أعلن الخميني أن جمهورية إيران الإسلامية الجديدة هي “حكومة الله”. وفي ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام، أقرت إيران دستوراً جديداً وعينت الخميني مرشداً أعلى.

وقد استخدم الخميني وخليفته علي خامنئي مفهوم ولاية الفقيه للحفاظ على ولاء القوات العسكرية الإيرانية والحركات المتطرفة المدعومة من إيران. في الأشهر الأولى بعد الثورة الإيرانية عام 1979، وقبل أن يتم تكريس وجوده في القانون، عمل الحرس الثوري الإيراني كشبكة ناشطة متشددة موالية للخميني، مما ساعد على القضاء على التيارات المنشقة داخل الحركة الثورية. منذ تأسيسه، كان الحرس الثوري الإيراني تابعاً مباشرة للمرشد الأعلى الإيراني ومكلفاً بالحفاظ على الحكومة الإسلامية. وفي عام 1980، أنشأت حكومة الخميني ميليشيا الباسيج، وهي منظمة شبه عسكرية لفرض الطاعة محلياً. قامت قوات الباسيج، التي تم دمجها في الحرس الثوري الإيراني في عام 2007، بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في إيران، وكان أبرزها خلال احتجاجات عام 2009 ضد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عندما هاجم أعضاؤها مهاجع الطلاب واعتدوا على المتظاهرين.

وتحت توجيهات الخميني في أوائل الثمانينيات، قدم الحرس الثوري الإيراني التمويل والتدريب والأسلحة لمجموعة من المسلحين الشيعة في لبنان الذين برزوا تحت اسم حزب الله في عام 1982. وفي ذلك العام، أرسل مجلس شورى حزب الله وفداً إلى طهران لإطلاع الخميني على أنشطة المجموعة. ووفقاً لرواية قدمها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قال الخميني لحزب الله “توكلوا على الله” و”بشرهم بالانتصارات [المستقبلية]”. تعهد حزب الله بالولاء للخميني في بيانه عام 1985، الذي نص صراحة على امتثاله لإملاءات “قائد واحد، حكيم وعادل، وهو معلمنا وفقيهنا الذي تتوفر فيه جميع الشروط اللازمة: [آية الله] روح الله الموسوي الخميني”.

ولم يكن دعم الخميني المبكر لحزب الله سوى مظهر واحد من مظاهر كراهيته لإسرائيل. في غشت / آب 1979، أعلن الخميني يوم القدس في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان ليكون احتجاجاً سنوياً على مستوى البلاد ضد إسرائيل. واليوم، تحتفل إيران ووكلاؤها سنوياً بيوم القدس بمظاهرات ومسيرات غالباً ما تكون مصحوبة بهتافات “الموت لإسرائيل”.

ولم يطغ على عداء الخميني لإسرائيل إلا كراهيته للولايات المتحدة، التي ألقى عليها اللوم في التدخل في الشؤون الإيرانية الداخلية، بما في ذلك دعم نظام الشاه. أدى موقف الخميني المناهض للولايات المتحدة إلى تأجيج الأعمال العدائية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة، كما حدث في نوفمبر / تشرين الثاني 1979، عندما هاجم الطلاب الإيرانيون السفارة الأمريكية في طهران. واحتجز الطلاب 90 شخصاً كرهائن، من بينهم 66 أمريكياً، وطالبوا بتسليم الشاه من الولايات المتحدة إلى إيران لمحاكمته. وأشاد الخميني على الفور بتصرفات الطلاب. بعد وفاة الشاه في يوليو/ تموز 1980، طالب الخميني الولايات المتحدة، مقابل الإفراج عن الرهائن، بإلغاء تجميد الأصول الإيرانية ونقل ممتلكات الشاه وثرواته في الولايات المتحدة إلى الحكومة الإيرانية. طوال عامي 1979 و1980، أطلق المتظاهرون سراح الرهائن غير الأمريكيين، والرهائن الإناث والأمريكيات من أصل إفريقي، وفي النهاية أطلقوا سراح رهينة أمريكية مريضة.

تم إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين المتبقين وعددهم 52 في 21 يناير / كانون الثاني 1981، بعد يوم واحد من توقيع إيران والولايات المتحدة على اتفاقيات الجزائر. وكما هو منصوص عليه في الاتفاقات، وافقت الولايات المتحدة على “عدم التدخل، بشكل مباشر أو غير مباشر، سياسياً أو عسكرياً” في الشؤون الإيرانية مقابل إطلاق سراح الرهائن. ووافقت الولايات المتحدة أيضاً على الإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة لطرف ثالث. ومع ذلك، لم يفعل الاتفاق الكثير لتهدئة نوايا الخميني السيئة تجاه الولايات المتحدة، التي استمر في الإشارة إليها باسم “الشيطان الأكبر”. وفي وصيته الأخيرة في عام 1989، وصف الخميني الولايات المتحدة بأنها “العدو الأول للإسلام”، ووصفها بأنها السبب الجذري لمشاكل إيران الاقتصادية والسياسية وزعيمة جبهة دولية مناهضة للإسلام.

واعتبر الخميني الجمهورية الإسلامية الإيرانية حامية الإسلام ضد العالم العلماني. وقد ظهر هذا الاعتقاد بشكل سيء في فتوى الخميني عام 1989 التي أمر فيها بقتل الروائي البريطاني الهندي سلمان رشدي بسبب روايته “آيات شيطانية”. وبحسب الخميني، فإن الرواية – المستوحاة من حياة النبي محمد – تتعارض مع مبادئ الإسلام والقرآن. وبعد أيام من إصدار الخميني للفتوى، اعتذر رشدي علناً عن “الضيق الذي سببته الرواية للمسلمين المخلصين”. لكن الخميني رفض الاعتذار، وحث المسلمين في جميع أنحاء العالم على “إرسال [رشدي] إلى الجحيم”. وأعلن خليفة الخميني، علي خامنئي، في عام 2005 أن الفتوى التي تأمر بقتل رشدي لا تزال سارية. وفي فبراير/ شباط 2016، عرضت 40 وسيلة إعلام إيرانية تديرها الدولة مكافأة مشتركة قدرها 600 ألف دولار لمن يقتل رشدي. كما خصصت مؤسسة خرداد 15 الخيرية الإيرانية، التابعة للمرشد الأعلى الإيراني، مكافأة بملايين الدولارات لقتل رشدي منذ عام 1989. وفي عام 2012، رفعت المؤسسة مكافأتها إلى 3.3 مليون دولار ووعدت بدفع المبلغ بالكامل على الفور لمن ينفذ فتوى القتل. وقد فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على المؤسسة في أكتوبر / تشرين الأول 2022 في أعقاب هجوم 12 غشت / آب 2022 على رشدي في تشوتوكوا، نيويورك، من قبل المتطرف الشيعي هادي مطر.

توفي الخميني في 3 يونيو / حزيران 1989. وفي اليوم التالي، تم تعيين علي خامنئي مرشداً أعلى لإيران. ولا يزال الخميني شخصية موقرة بين المسلمين الشيعة على المستوى الدولي، ويقال إن عشرات الآلاف من الأشخاص يحضرون الاحتفالات السنوية عند قبره في طهران. ولا تزال فلسفات الخميني يتردد صداها بين المتطرفين الشيعة. وقد تعهدت الميليشيات الشيعية العراقية، مثل منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، بالولاء للنظام الإيراني وخامنئي من منطلق واجب ولاية الفقيه الذي أسس له الخميني.

زر الذهاب إلى الأعلى