تقارير ودراسات

داعش يعود بأدوات جديدة

إن الادعاء بأن عمليات الغرب ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة قد نجحت هو أمر مبالغ فيه للغاية وسابق لأوانه. والذين هم في طليعة الحملة الإسلامية يرون في استهدافهم للغرب جهداً لإنقاذ دينهم. وقد وجدوا أسباباً وأدوات جديدة لمواصلة أنشطتهم. أدى الرد الدموي الاستثنائي على هجمات حماس على إسرائيل في أكتوبر / تشرين الأول 2023 إلى تدمير قطاع غزة وقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال. وقد وفر هذا سبباً آخر للمتطرفين الإسلاميين لمواصلة عملياتهم.

كان الهجوم الذي وقع في مارس/ آذار 2024 على قاعة للحفلات الموسيقية في أحد أحياء موسكو بمثابة إشارة إلى عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كقوة فتاكة. وأسفرت عملية موسكو عن مقتل ما لا يقل عن 133 شخصاً وإصابة عدد أكبر. لكن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي يتواجد فيها التنظيم؛ فهو نشط في جميع أنحاء العالم. وقد ظهر من خلال إحياء نشاطه على الحدود الباكستانية الأفغانية أنه لم يفقد فعاليته. وأودت العمليات التي نفذها هناك بحياة العشرات من العسكريين. ويواصل التنظيم والمجموعات المتحالفة معه العثور على مجندين من المناطق التي يعتقد المواطنون فيها أن القوى الغربية إلى جانب دولة إسرائيل اليهودية تعمل جاهدة لتدمير الإسلام.

وقد تمكن المتطرفون من التغلب على النكسات التي تعرضوا لها بسبب العمليات العديدة التي نفذتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية باستخدام أدوات التجنيد والدعاية الجديدة. وكان الذكاء الاصطناعي (إي آي) فعالاً بشكل خاص في هذا السياق.

وكانت هناك تقارير تفيد بأنه بعد أربعة أيام من هجوم موسكو، بدأ تداول مقطع فيديو على منصة خاصة يديرها تنظيم الدولة الإسلامية. وأظهر البث، ومدته 92 ثانية، مقدم أخبار يرتدي خوذة وزياً عسكرياً، وهو يقول إن عملية موسكو جزء من الحرب التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية على “الدول التي تحارب الإسلام”.

وصدّرت صحيفة واشنطن بوست صفحتها الأولى بمقالة بعنوان “حلفاء داعش يتبنون الذكاء الاصطناعي لنشر الدعاية”، كتبها برانشو فيرما، وهو مراسل من أصل هندي على ما يبدو، شاهد العديد من مقاطع الفيديو التي نشرها تنظيم الدولة الإسلامية على المواقع التي يديرها. وفي حالة الفيديو السابق، يقول فيرما: “كان مقدم القصة شخصية مزيفة، وهو نسخة تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي بواسطة برنامج إعلامي يسمى “هارفست نيوز”. منذ شهر مارس / آذار، قدم البرنامج رسائل شبه أسبوعية حول عمليات تنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء العالم”. وكتبت ريتا كاتز، المؤسس المشارك لمجموعة (سايت): “تم تصميم البرنامج ليشبه بثاً إخبارياً لقناة الجزيرة، وهو يمثل ظهور الذكاء الاصطناعي كأداة دعائية قوية”. بالنسبة إلى داعش، الذكاء الاصطناعي يعني تغيير قواعد اللعبة. كتبت كاتز: “ستكون هذه طريقة سريعة لهم لنشر هجماتهم الدموية للوصول إلى كل ركن من أركان العالم تقريباً”.

إن مشغّلي داعش متحمسون لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الدعاية. في 15 مارس / آذار، قدم أحد الداعمين “الكودي 500” على خادم رسائل خاص تبريره لضرورة استخدام الذكاء الاصطناعي: “سيكون أمراً رائعاً لو أن الأخوة أنتجوا مقاطع فيديو تتعلق بالأخبار اليومية كبديل لقراءة الأخبار نصّياً والنظر إلى الصور مثل الطريقة التي تتحدث بها القنوات الإخبارية مثل الجزيرة عن الأحداث. لقد تطورت التكنولوجيا كثيراً، وسيكون القيام بذلك أسهل في الوقت الحاضر، خاصة مع استخدام الذكاء الاصطناعي. الإعلام لا يقل أهمية عن الحرب المادية، أو حتى أكثر؛ لأن لها تأثيراً كبيراً جداً على الناس”.

بعد سبعة أيام من الهجوم الروسي، نشر أحد مسؤولي الدعاية في داعش أول فيديو للهجوم على منصة الرسائل الخاصة “هارفست نيوز”. وتلا ذلك ست حلقات أخرى تقدم لمحات عامة عن عمليات داعش في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في النيجر والكاميرون والعراق وسوريا ونيجيريا. وقال ستيفن ستالينسكي، المدير التنفيذي لمعهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط (ممري). إن الحلقات ليست من إنتاج الذراع الرسمية لداعش، لكنه لا يستبعد أن يكون التنظيم قد أنشأ قسماً إعلامياً يعمل بالذكاء الاصطناعي؛ لأنه كان دائماً سباقاً إلى اعتماد التكنولوجيا المتطورة. وبما أن الذين يعملون لصالح داعش لا يتعين عليهم بالضرورة الاجتماع في أماكن محددة ويمكنهم العمل من المنزل، يقوم التنظيم بتجنيد أشخاص من ذوي المهارات المناسبة من العديد من الأماكن حول العالم. إن الأشخاص المدربين جيداً في البلدان الكبيرة مثل باكستان، والتي تضم مئات الآلاف من الأشخاص ذوي المهارات التي يحتاجها داعش، خاصة في مجال التكنولوجيا، يشكلون هدفاً واضحاً للتجنيد. يبحث تنظيم الدولة الإسلامية عن مجندين ليقوموا بالقتال وأيضاً عن أولئك الذين يمكنهم نشر رسائله.

ووفقاً لستالينسكي، تبحث وسائل الإعلام المؤيدة لتنظيم الدولة الإسلامية عن أشخاص يتمتعون بالمهارات التي تمكنهم من بناء قدرتهم على التواصل ليس فقط مع الجماعات الإسلامية، ولكن أيضاً مع أولئك الذين يرونهم أعداء لهم. تُظهر رسالة حصلت عليها “ممري” مرسلة في 23 أبريل / نيسان 2024 أن تنظيم الدولة الإسلامية يبحث عن خبراء في صناعة الملصقات وكتابة المقالات وتحرير الفيديو والخبرة في استخدام برنامج “أدوبي بريمير”. وجاء في الرسالة: “يا مجاهدي الإعلام، اقرؤوا المنشور، نحن في انتظار ردكم”.

ومع ذلك، واجه الجهاديون رواد استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات ذات الصلة لنشر دعايتهم معارضة بعض الإسلاميين التقليديين الذين يتساءلون عما إذا كانت الصور المصطنعة للبشر محظورة بموجب الشريعة الإسلامية. “لا نُظهر وجوه الرسوم المتحركة؛ لأنها حرام”، كتب أحد أنصار تنظيم داعش ويدعى “حامد 123” في رسالة على منصة “هارفست نيوز” لأحد المنتقدين.

يشعر الكثيرون في الغرب بالقلق من أن استخدام داعش للذكاء الاصطناعي لنشر رسائله وتقديم الأخبار حول عملياته من شأنه أن يزيد من فعاليته. على سبيل المثال، قال آرون زالين، وهو زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد على نمو التطرف المحلي من خلال منح الناس في أي مكان القدرة على الوصول إلى الدعاية الجهادية والتأثر بها والانخراط في الجماعات المتطرفة. “إذا قمت برمي عدد كبير من قطع السباغيتي على الحائط، فسوف تلتصق واحدة منها في النهاية”. وقال إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفر المزيد من السبل لتطور هذا النوع من المحتوى المتطرف.

الرابط: 

https://www.gfatf.org/archives/isis-is-back-with-new-tools/

زر الذهاب إلى الأعلى