تقارير ودراسات

تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال

بعد خسارة آخر معاقله في سوريا عام 2019، اتجه تنظيم الدولة الإسلامية إلى تعزيز فروعه في مسارح الصراع الأخرى، وعلى الأخص تلك الموجودة في إفريقيا، وتعدّ ولاية غرب إفريقيا أقوى شبكة خارجية للتنظيم، في حين أن ولاية الصومال هي أحد أضعف فروعه في القارة.

يتناول هذا الموجز الوضع الحالي لفرع تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، المعروف باسم “ولاية الصومال”، بالإضافة إلى الترويج الدعائي الذي يسعى التنظيم من خلاله إلى استقطاب وتجنيد شرائح أوسع من السكان المحليين.

تاريخ تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال

يتوسع تنظيم الدولة الإسلامية بشكل متزايد في إفريقيا التي تمثل منطقة استراتيجية مهمة للغاية بالنسبة إلى الجهاديين، ويشمل هذا التوسع الصومال الذي لم يعد يواجه تهديد الحملات العنيفة لحركة الشباب المجاهدين التابعة للقاعدة فقط، ولكن أيضاً الأنشطة العسكرية والدعائية لتنظيم الدولة الإسلامية.

في عام 2012، أرسلت قيادة حركة الشباب زعيماً كاريزمياً هو عبد القادر مؤمن، لإنشاء محطة دائمة لفرع القاعدة في شرق إفريقيا بالمناطق الجبلية في شمال الأراضي الصومالية الداخلية، وبشكل محدد في بورتلاند التي تتمتع بنوع من الحكم الذاتي. مع الصعوبات التشغيلية والقيادية التي واجهتها الحركة في عام 2014، وجد مؤمن نفسه وحيداً منعزلاً عن إدارة المجموعة الجهادية الموجودة في بونتلاند. في ذلك الوقت، كانت حركة الشباب في قلب نزاع داخلي مرير بين أجنحتها، حيث حصل انقسام عنيف في مجموعة بونتلاند، وورد أن 30 فقط من 300 مقاتل إسلامي محلي انضموا إلى مؤمن الذي أعلن انشقاقه عن حركة الشباب ومبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية في تسجيل صوتي نشر على موقع يوتيوب في 22 أكتوبر 2015.

وكان مؤمن، المولود في منطقة بونتلاند الصومالية، قد عاش لسنوات في السويد قبل أن ينتقل إلى بريطانيا عام 2000 ويحصل على الجنسية البريطانية، وقد اشتهر بخطبه الحماسية في مساجد لندن وليستر، وأقام علاقات مباشرة مع إسلاميين متطرفين، كما نشر عدة أشرطة فيديو على الانترنت تحرض على الجهاد. وفي عام 2010، عاد إلى الصومال، وانضم إلى حركة الشباب المجاهدين، وأصبح مقرباً من قيادات الحركة.

في 25 أبريل 2016، نفذت المجموعة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال هجومها الأول ضد القوات الحكومية، وهي قافلة تابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي في مقديشو. وفي أكتوبر 2016، شن التنظيم أول عملية كبرى له استهدفت مدينة قندلة الساحلية، والتي سيطر عليها التنظيم حتى 3 ديسمبر من ذلك العام. خلال عامي 2016 و 2017، عانى التنظيم من عدة خسائر في عمليات مكافحة الإرهاب، كما صنفته الولايات المتحدة على أنه منظمة إرهابية عالمية. كرد فعل، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية المركزي أن فرعه في الصومال أصبح “ولاية”، وأصدر مقطع فيديو دعائياً من الصومال يظهر ثلاثة مقاتلين من المجموعة التي يقودها مؤمن يهددون بشن هجمات على الدول الغربية ويدعو المسلمين، خاصة في شرق إفريقيا، للانضمام إلى التنظيم. في عام 2018، عززت ولاية الصومال صفوفها بمنشقين آخرين عن حركة الشباب، ونفذت عدة هجمات في بونتلاند، وامتدت إلى مقديشو وجنوب البلاد، وبدأت في تحصيل الضرائب في المناطق التي سيطرت عليها أو تعمل فيها، وإنشاء خلايا صغيرة جديدة في مناطق الوسط والجنوب. بين ديسمبر 2018 ومارس 2019، اندلعت حرب شاملة بين تنظيم الدولة الإسلامية وحركة الشباب المجاهدين في مواقع عديدة داخل الصومال. في غشت 2021، نفذ مسلحو الدولة الإسلامية عملية عسكرية كبرى أخرى، حيث احتلوا بلدة باليدهيدين في منطقة بونتلاند ونهبوها بشكل كامل.

الوضع الحالي لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال

بمتابعة الهجمات التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، يتضح أن التنظيم أعلن مسؤوليته عن 36 هجوماً في عام 2021، و 32 هجوماً في عام 2022، معظمها في بونتلاند والعاصمة مقديشو. تعمل الدولة الإسلامية في الصومال حالياً بشكل رئيس في المناطق الجبلية في بونتلاند، وفي جنوب الصومال، وبالأخص في مناطق العاصمة مقديشو. في يناير وفبراير 2023، نفذ تنظيم الدولة الإسلامية خمس هجمات في كل من بونتلاند ومقديشو استهدفت قوات الشرطة والجيش وعدداً من السياسيين.

ما زال الزعيم المخضرم عبد القادر مؤمن على رأس التنظيم الجهادي الصومالي الذي يتكون من حوالي 200 ـ 250 مقاتلاً. والأهم من ذلك أن “مكتب الكرار”، وهو مكتب التنسيق الإقليمي لتنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا، ما زال يتخذ من الصومال مقراً له، ويعمل كمركز مالي وناقل للأموال للآخرين. وفقاً لتقرير فبراير 2023 الصادر عن فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة الذي يتتبع التهديد الجهادي العالمي، كان “مكتب الكرار” يرسل أموالاً إلى ولاية خراسان الإسلامية في أفغانستان بإجمالي 25000 دولار شهرياً بالعملة المشفرة. يذكر تقرير الأمم المتحدة أيضاً أن تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال حقق 100000 دولار شهرياً من خلال الابتزاز وفرض ضرائب غير مشروعة على السكان المحليين.

تلقى تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال ضربة كبيرة في يناير 2023، عندما داهمت قوات العمليات الخاصة الأمريكية مجمع كهوف جبلي بعيد في شمال الصومال وقتلت القيادي البارز في التنظيم بلال السوداني. لم يتم التعرف بعد على التأثير الدقيق لهذه العملية على النشاط الميداني للتنظيم، ومن غير المعروف كيف سيتأقلم التنظيم مع هذه الخسارة، وكيف سيعيد ترتيب عملياته المالية والتشغيلية؛ لأن رحيل السوداني يمثل بالتأكيد ضربة قاصمة للولاية الصومالية، إذ كان عضواً أساسياً ومخضرماً في الولاية منذ إنشائها ومسؤولاً عن التمويل والاتصال الخارجي للتنظيم. بعد هذه العملية، شن التنظيم ثلاث هجمات في الفترة من 1 مارس إلى 18 أبريل: اثنان في مقديشو، وواحد في بلدة بيلي تادان جنوب شرق بونتلاند.

الترويج الإعلامي لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال

إن دعاية تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال أضعف بكثير من دعاية منافسه حركة الشباب المجاهدين، ويتم نشرها حصرياً عبر وكالة أعماق الإخبارية وصحيفة النبأ التابعتين لديوان الإعلام المركزي في سوريا / العراق. تضمنت منتجات الدعاية لفرع تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال نشر تقرير مصور للنشاط اليومي لمقاتليه في يوليو 2021، مع العديد من الصور المخصصة لزعيمه عبد القادر مؤمن. في نوفمبر 2021، أظهر تقرير مصور آخر مقاتلي التنظيم في أحد معسكرات التدريب في بونتلاند، وهم يمارسون أنواع مختلفة من التدريبات البدنية والرمي بالأسلحة. بعد عدة أشهر من الصمت، في مارس 2022، أصدرت ولاية الصومال تقريراً مصوراً ومقطع فيديو مدته ست دقائق لأداء قسم الولاء لزعيم الدولة الإسلامية الجديد، حيث شوهد العديد من المقاتلين من بينهم أطفال، وهم يبايعون الخليفة الجديد.

في يوليو 2022، نشر الإعلام الرسمي التابع لتنظيم الدولة الإسلامية فيديو مدته 25 دقيقة بعنوان “على طريق الفاتحين” باللغة الأمهرية مع ترجمة عربية. الأمهرية هي اللغة الرسمية لأثيوبيا، ولكن يتم التحدث بها أيضاً في أجزاء من إريتريا والصومال. تم تصوير الفيديو بجودة عالية، ويظهر العمليات العسكرية والتدريب والحياة اليومية لمقاتلي التنظيم في الصومال، مع التركيز بشكل خاص على المقاتلين الأثيوبيين في صفوفه. بعد حوالي 6 أشهر من نشر هذا الفيديو، في 20 يناير 2023، نشرت وسائل الإعلام الرسمية لتنظيم الدولة الإسلامية مقطع فيديو مدته 14 دقيقة بعنوان “الله ولي المؤمنين”. تضمن الفيديو أنواع مختلفة من التدريبات التي يخوضها مقاتلو التنظيم في الصومال، وكذلك مقابلة مطولة مع أبي إسلام المهاجر، وهو مقاتل كيني في التنظيم، كما أظهر الفيديو عدة هجمات للتنظيم ضد القوات العسكرية الصومالية في بونتلاند وأماكن أخرى، بالإضافة إلى عمليات قتل لرجال شرطة وجنود صوماليين نفذتها خلايا التنظيم العاملة في جنوب الصومال، ولا سيما في منطقة مقديشو.

بالإضافة إلى الإنتاجات الرسمية لتنظيم الدولة الإسلامية، فإن فرع الصومال مدعوم بالعديد من المنصات الإعلامية المتعاطفة وقنوات المناقشة التفاعلية عبر الانترنت. تشارك هذه المنصات المحتويات الدعائية للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك ويوتيوب وتلغرام ومؤسسة “إعلام” المؤيدة للدولة الإسلامية، وهي موقع إلكتروني أرشيفي يمكن الوصول إليه عبر الويب المظلم يوفر مخزوناً ضخماً من المواد الأيديولوجية والدينية الدعائية لتنظيم الدولة الإسلامية يتم تحديثها بانتظام. لدى “إعلام” علامة تبويب لمحتوى المواد الخاصة بالفرع الصومالي باللغات الصومالية والأمهرية والسواحلية.

خاتمة

كان فرع تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال ضعيفاً بالفعل قبل أن يتعرض لسلسلة من النكسات والضربات في السنوات الأخيرة شلت حركته تقريباً. ومع ذلك، يبقى من الوارد أن ينجح في تجميع صفوفه وتعزيز قدراته المالية والتشغيلية، حيث يشكل، على المدى القريب، تهديداً أكبر نسبياً داخل البلاد وحتى في جميع أنحاء المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى