تقارير ودراسات

تقييم جهود أوروبا في مواجهة التطرف الإسلاموي

يشكل الإسلام السياسي تحديات سياسية وأمنية كبيرة للحكومات في جميع أنحاء أوروبا. وفي الوقت الحاضر، من غير الواضح ما إذا كانت تلك الحكومات قادرة على مواجهة تحديات الإسلام السياسي بنجاح.

إن الإسلاموية أيديولوجية مألوفة جداً للعديد من الأوربيين، ولها جذور تمتد لعقود من الزمن في أوروبا، وأصبح عدد لا يحصى من المنشقين الإسلاميين من الدول الاستبدادية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لاجئين سياسيين في الدول الأوروبية التي عرضت عليهم سياسات اللجوء السخية. قبل وقت طويل من الحرب الأهلية السورية والنشاط الجهادي الذي تلاها، بدأ بعض هؤلاء الإسلاميين الأوروبيين بالسفر إلى أفغانستان وباكستان وكشمير والشيشان واليمن والبوسنة للمشاركة في الجهاد وتلقي التدريب من الجماعات المتطرفة.

في السنوات الأخيرة، أصبح التأثير الضار للأيديولوجية الإسلاموية واضحاً بشكل متزايد. سافر ما بين 5000 إلى 6000 أوروبي إلى سوريا للقتال في الصراع الدائر هناك، وانضم العديد منهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية. ومنذ عام 2015، وقعت هجمات إسلامية كبرى في لندن وباريس في مناسبات متعددة، وكذلك في بروكسل ونيس وبرلين ومانشستر وستوكهولم وبرشلونة. ووقعت أيضاً العشرات من الهجمات ذات المستوى الأدنى، مثل تلك التي وقعت في كوبنهاغن، وتوركو، ومرسيليا، وأمستردام، مع إحباط العديد من المؤامرات الأخرى.

وفي الدول الأوروبية، كان الرد على هذه الهجمات موحداً نسبياً على أحد المستويات. تم القبض على المشتبه فيهم بالإرهاب. وتم تعديل التشريعات لجعل سفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب غير قانوني، وتم نصب حواجز مادية في جميع أنحاء المدن الكبرى لمنع الهجمات بالسيارات، وأصبح وجود الشرطة المسلحة في الشوارع مشهداً أكثر شيوعاً. ومع ذلك، فإن التهديد بالهجمات الإرهابية لا يظهر أي علامة على الاختفاء، كما أن عبء العمل ـ الواقع على عاتق الأجهزة الأمنية والقضاة ـ لا يمكن تحمله.

وقد دفعت هذه المعضلة الحكومات إلى التركيز على برامج وقائية محددة، تهدف إلى معالجة العوامل التي تؤدي إلى التطرف، بما في ذلك التعاطف الثقافي مع كل من التطرف العنيف وغير العنيف. وكانت الاستجابات الأوروبية لمنع العنف غير موحدة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه لا يزال هناك خلاف كبير حول كيفية تحديد مسببات العنف الإسلاموي في المقام الأول.

إن التحديد الدقيق للعوامل التي تؤدي إلى التطرف يشكل تحدياً ملحاً. في الواقع، وبعيداً عن التهديد الإسلاموي العنيف، فإن تأثير الإسلام السياسي وأطيافه المختلفة من السلفية ينمو أيضاً عبر المجتمعات الإسلامية في أوروبا، وهذا أيضاً له عواقب اجتماعية ضارة.

وتفاقم حجم المشكلة التي تواجه أوروبا بسبب القرار الذي اتخذته ألمانيا في عام 2015 بفتح حدودها أمام اللاجئين الفارين من الصراعات في البلدان ذات الأغلبية المسلمة. وعلى الرغم من أن التهديدات الأمنية دخلت بلا شك مع تدفق اللاجئين (أو تحول الأفراد إلى التطرف وأصبحوا يشكلون تهديدات بمجرد وصولهم إلى أوروبا)، طرحت قضية اللاجئين أيضاً قضايا اجتماعية وثقافية ذات صلة بالتماسك والاندماج الشامل في أوروبا.

يتناول هذا المقال هذه القضايا من وجهة نظر أربع دول أوروبية: المملكة المتحدة وألمانيا والسويد وفرنسا. لقد هاجم الإرهابيون الإسلامويون كل دولة خلال الفترة الماضية، واتخذت كل منها أساليب مختلفة لمنع التطرف وتسهيل الاندماج. وقد ساهمت العشرات من المحادثات مع المسؤولين الحكوميين من مختلف أنحاء أوربا في إثراء استنتاجاتي.

المملكة المتحدة

واجهت المملكة المتحدة 37 حادثة إرهاب أو أعمال عنف إسلاموية تم الكشف عنها علناً في الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني 2014 وديسمبر/ كانون الأول 2018. وأدت ثماني حوادث إلى وفيات أو إصابات، خمس منها وقعت في عام 2017 وحده.

اعتباراً من مارس / آذار 2017، كان هناك 23000 تهديد إرهابي إسلاموي على رادار المخابرات البريطانية. وفي إطار ذلك، تم رصد ما يقرب من 3000 شخص أو التحقيق معهم في حوالي 500 عملية منفصلة. غادر حوالي 900 شخص المملكة المتحدة إلى سوريا أو العراق، مع مقتل حوالي 180 هناك وعودة 360 آخرين. كما هو الحال مع كل دولة أوروبية أخرى، كافحت المملكة المتحدة للعثور على أدلة يمكن استخدامها في محكمة مدنية لمحاكمة المقاتلين الأجانب عند عودتهم.

عندما يتعلق الأمر بمكافحة تهديد الإرهاب، ركزت المملكة المتحدة لفترة طويلة على الوقاية: “المنع” هو واحد من أربعة فروع ضمن استراتيجية الحكومة لمكافحة الإرهاب، حيث تحاول المملكة المتحدة تزويد المجتمعات المحلية بالأدوات اللازمة لتحدي التطرف. أما الفروع الثلاثة الأخرى، فهي المتابعة والحماية والإعداد.

في نسخته الأولى، كان تركيز برنامج “الوقاية” على وقف أعمال العنف ضد بريطانيا والمصالح البريطانية في الخارج مع التدقيق في المظالم المحلية. وقد تعرض هذا الجهد للخطر جزئياً بسبب اعتماد الحكومة على مجموعة صغيرة من التنظيمات القديمة للجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين. وكانت هذه الجماعات، في أحسن الأحوال، متناقضة تجاه الإرهاب وفي بعض الأحيان داعمة له.

في البداية، كانت إدارة برنامج “الوقاية” تقع على عاتق إدارة المجتمعات والحكم المحلي، التي شددت على الأهمية التي يجب أن تلعبها المجالس المحلية في جهودها. ومع ذلك، في الواقع، لم يكن لدى السلطات المحلية فكرة واضحة عن الطريقة الأكثر فعالية لإنفاق تمويل البرنامج. وانتهى الأمر بالجماعات الإسلامية، التي تشجع الانفصال عن المجتمع البريطاني، إلى الحصول على أموال حكومية، في حين خلصت لجنة برلمانية إلى أن الأموال “أهدرت على مشاريع غير مركزة أو غير ذات صلة”.

كان هناك تحول جذري بعيداً عن هذا النهج بعد وصول ائتلاف المحافظين الديمقراطيين الليبراليين إلى السلطة في مايو/ أيار 2010. تم انتزاع برنامج “الوقاية” من إدارة المجتمعات والحكم المحلي وتسليمه إلى وزارة الداخلية، مما أدى إلى وضع استراتيجية جديدة تركز على معالجة الأيديولوجية الإسلاموية وتجعلها في مقدمة المشكلة التي تواجه المملكة المتحدة. علاوة على ذلك، لم يعد الإرهاب وحده هو الذي أصبح من الواجب معالجته، بل وأيضاً التطرف غير العنيف، حيث “يرتبط الإرهاب برفض مجتمع متماسك ومتكامل ومتعدد الأديان إلى جانب الديمقراطية البرلمانية”. وكان ذلك يعني التركيز على جميع أشكال التطرف الأيديولوجي ـ من أقصى اليمين إلى الإسلاميين ـ التي تؤثر على أمن المملكة المتحدة.

كما رفضت الحكومة نهج “الخيمة الكبيرة” في الماضي. وبدلاً من ذلك، أكدت صراحة على “أننا لن نعمل مع المنظمات المتطرفة التي تعارض قيمنا المتمثلة في حقوق الإنسان العالمية والمساواة أمام القانون والديمقراطية والمشاركة الكاملة في مجتمعنا. إذا لم تقبل المنظمات هذه القيم الأساسية، فلن نعمل معها ولن نمولها”.

في السنوات التي تلت المراجعة، وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة، صعّدت حكومة المملكة المتحدة من استراتيجيتها الجديدة. التشريعات المتعلقة بمنع الإرهاب، والتي تم إقرارها في عام 2015، تشترط، على سبيل المثال، على بعض السلطات – السجون أو المستشفيات أو مؤسسات التعليم – “إيلاء الاعتبار الواجب” لمنع الناس من الانجرار إلى الإرهاب. وتم توفير التدريب للمساعدة على تحديد الأشخاص المعرضين لخطر التطرف العنيف وغير العنيف.

وينعكس تفاني الحكومة المستمر في التركيز على كل من التطرف العنيف وغير العنيف في العديد من المبادرات الأخرى. وربما كان الأمر الأكثر إثارة للجدل هو المراجعة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين التي بدأت في عام 2014. وعلى الرغم من أن النص الكامل لا يزال سرّياً، فقد خلص ملخص تنفيذي منشور إلى أن “جوانب من أيديولوجية وتكتيكات الإخوان المسلمين، في هذا البلد وخارجه، تتعارض مع قيمنا ومع مصالحنا الوطنية وأمننا القومي”.

وجاءت مبادرة أخرى لتحدي التطرف غير العنيف من خلال استراتيجية مكافحة التطرف لعام 2015 التي وعدت “بنهج أكثر حزماً لهزيمة المتطرفين” و”تحدي أيديولوجيتهم والدفاع عن القيم التي توحدنا وتعزيزها”. وللمساعدة على تحقيق ذلك، تم إنشاء لجنة لمكافحة التطرف في عام 2018، برئاسة سارة خان، وهي من أشد منتقدي الأيديولوجية الإسلاموية والتطرف الإسلاموي.

وفي الوقت نفسه، كانت المملكة المتحدة نشطة في النظر في أفضل السبل لتحقيق الاندماج الاجتماعي. ولتحقيق هذه الغاية، في يوليو / تموز 2015، تم تكليف السيدة لويز كيسي بإجراء مراجعة لسياسات الحكومة فيما يتعلق باندماج المهاجرين.

ولاحظت كيسي نمطاً من الفصل العنصري المتزايد، وخلصت إلى أن المملكة المتحدة “أضاعت توقعاتنا بشأن الاندماج وافتقرت إلى الثقة في الترويج له أو تحدي السلوكيات التي تقوضه”. ومن وجهة نظرها، فإن عدداً كبيراً للغاية من المؤسسات العامة “ذهبت في استيعاب التنوع وحرية التعبير إلى حد أنها تجاهلت أو حتى تغاضت عن الممارسات الثقافية والدينية الرجعية والمثيرة للانقسام والضارة خوفاً من وصمها بالعنصرية أو معاداة الإسلام”.

ومن بين توصيات كيسي التركيز بشكل أكبر على القيم والتاريخ البريطاني في المدارس، والمزيد من دروس اللغة الإنجليزية، وأداء قسم الاندماج للمهاجرين الوافدين حديثاً.

من المؤسف أن الزخم الذي حققته أجندة مكافحة التطرف والاندماج ضاع عندما استقال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو/ حزيران 2016. كما لم يظهر بعد مشروع قانون مكافحة التطرف والحماية الذي طال انتظاره. وفي الوقت نفسه، فإن التزام الحكومة بفك الارتباط مع الإسلاميين يتذبذب: على سبيل المثال، جددت وزارة الداخلية تعاونها مع المجلس الإسلامي البريطاني، إحدى المجموعات المتحالفة مع الجماعة الإسلامية والتي تم إهمالها في مراجعة برنامج “لوقاية” لعام 2011. وربما بدأت الحكومة في التراجع عن التزامها ببرنامج “لوقاية”، بعد أن وافقت مؤخراً على إجراء مراجعة مستقلة لفعالية هذا البرنامج (وهي الخطوة التي طالب بها بعض منتقدي برنامج الوقاية الأكثر صرامة).

وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى تقرير كيسي على أنه مثير للجدل للغاية وقد تم وضعه على الرف بهدوء. عندما سألها أحد الصحفيين في ديسمبر/ كانون الأول 2017 عن التقدم الذي تم إحرازه بشأن توصياتها، أجابت كيسي “لا شيء على الإطلاق”. وفي مارس/ آذار 2018، تحدثت مرة أخرى عن “إحباط لا يصدق أصابها” بسبب عدم إحراز تقدم في أجندة الاندماج والتماسك المجتمعي التي تقدمت بها.

ألمانيا

في الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني 2014 وديسمبر/ كانون الأول 2018، واجهت ألمانيا 34 مؤامرة أو أعمال عنف إسلامية، تسع منها أدت إلى سقوط ضحايا. وأعلنت وزارة الداخلية الألمانية أن “الإسلاميين يشكلون إجمالي 25810 أفراد”. ويوجد ضمن هذا العدد حوالي 2240 جهادياً، ما يقرب من 770 منهم يعتبرون شديدي الخطورة بشكل خاص.

بحلول أوائل عام 2017، غادر أكثر من 1000 مسلح ألماني إلى سوريا، وعاد حوالي 300 منهم، في حين لقي حوالي 145 حتفهم.

علاوة على ذلك، لا يزال التهديد آخذاً في الارتفاع: يعتقد المدعون الفيدراليون الذين يتعاملون مع ما يقرب من 80 قضية إرهابية منذ عام 2013 أنهم سيواجهون ما بين 1300 إلى 1400 قضية بحلول نهاية عام 2018. واعتباراً من أبريل / نيسان 2018، تشير التقديرات إلى وجود 11 ألف سلفياً في ألمانيا، وهو العدد الذي تضاعف بشكل كبير منذ عام 2013.

ترتبط المشاكل الأمنية في ألمانيا بشكل مباشر بسياسات اللجوء التي تنتهجها. سمحت الحكومة بدخول ما يقرب من 1.5 مليون طالب لجوء، معظمهم من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، بين عامي 2015 و2017. ومن بين 34 مؤامرة عنف، نفذ طالبو اللجوء أربعة عشر (41%). وكان غالبية هؤلاء المتآمرين من الوافدين الجدد إلى البلاد، والعديد منهم من سوريا. وعلى سبيل المقارنة، ذكر رئيس وكالة التحقيقات الجنائية المركزية في ألمانيا آنذاك أنه تم إحباط 11 مؤامرة فقط ما بين 2000 و2013. ولم تكن هناك عمليات إسلامية كبرى في هذه الفترة، مقارنة بهجمات ما بعد عام 2015 في برلين، وأنسباخ، وهامبورغ، من بين مدن أخرى.

كان أحد الردود المحتملة من جانب الحكومة الألمانية هو ترحيل أولئك الذين ليس لديهم حق قانوني في التواجد في البلاد. اعتباراً من نوفمبر / تشرين الثاني 2015، حددت ألمانيا حوالي 150 ألف شخص ترغب في ترحيلهم. تم ترحيل ما لا يقل عن 36 إسلامياً في عام 2017، و46 آخرين في عام 2018. حتى إن ألمانيا بدأت في دفع أموال لطالبي اللجوء لمغادرة البلاد، حيث قدمت أموالاً تصل إلى 3000 يورو.

ومع ذلك، واجهت ألمانيا مشاكل كبيرة في ترحيل حتى أولئك الأفراد الذين تعرف أنه ليس لديهم مبرر قانوني لوجودهم في البلاد. أحد الأسباب هو أن الترحيل ليس مهمة فيدرالية، ولكنه يقع على عاتق الولايات. اتخذت السلطات في الجنوب المحافظ، في ولايات مثل بافاريا، نهجاً أكثر صرامة. لكن في الشمال الأكثر ليبرالية – في برلين وشمال الراين وستفاليا على سبيل المثال – كانت السلطات أكثر تردداً في متابعة عمليات الترحيل. كما كان بعض القضاة الشماليين غير راغبين في الموافقة على إجراء الأشعة السينية للعظام من أجل التأكد من العمر الفعلي لطالب اللجوء، واشتكوا من أن هذا الإجراء تمييزي. وكانت إحدى النتائج المترتبة على ذلك هي جرائم الاغتصاب والقتل المتعددة التي ارتكبها طالبو اللجوء البالغون الذين زعموا زوراً أنهم قاصرون من أجل البقاء في البلاد.

إن عمق الدعم داخل ألمانيا لسياسات اللجوء غير مؤكد. أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز تشاتام هاوس للأبحاث في فبراير/ شباط 2017 أن 53% من الألمان يتفقون مع عبارة “يجب وقف كل الهجرة الإضافية من الدول ذات الأغلبية المسلمة”، بينما قال 28% إنهم غير متأكدين. وأظهر استطلاع آخر للرأي أجري مؤخراً أن 62% من الألمان يريدون إبعاد طالبي اللجوء الذين لا يحملون الوثائق المناسبة عند الحدود.

على الرغم من ذلك، في انتخابات سبتمبر/ أيلول 2017، احتفظت المستشارة أنجيلا ميركل ـ المؤيدة لسياسة اللجوء الألمانية – بالسلطة. وجاء الحزب الأكثر ارتباطاً بالمتشددين بشأن الهجرة – حزب البديل من أجل ألمانيا – في المركز الثالث بنسبة 13% تقريباً من الأصوات. وأظهر استطلاع للرأي أجري مؤخراً أن حزب البديل من أجل ألمانيا هو ثاني أكثر الأحزاب شعبية في ألمانيا.

عندما يتعلق الأمر بسياسة الوقاية من التطرف، فإن مثل هذه البرامج موجودة في ألمانيا منذ عام 1992. ولكن على عكس الدول الأوروبية الأخرى، فإن جذور العمل الوقائي في ألمانيا لا تكمن في القلق بشأن العنف الإسلاموي، ولكن فيما يتعلق باليمين المتطرف. إن جرائم قتل النازيين الجدد لأصحاب الأعمال الصغيرة الأتراك، والتي بدأت في مطلع القرن الحادي والعشرين، ركزت العقول بشكل خاص على هذه المشكلة.

اليوم، تركز الحكومة جهودها على كافة أشكال التطرف، والتي تهدف إلى مكافحتها من خلال تعزيز الديمقراطية. يتم تنفيذ الكثير من أعمال الوقاية على مستوى الاتحاد الألماني، الذي يتولى مسؤولية الشرطة والسجون والتعليم وبرامج الشباب والعمل الاجتماعي. وفي الوقت نفسه، أطلقت الحكومة الفيدرالية برنامج “الديمقراطية الحية: كن نشطاً ضد التطرف اليميني والعنف والكراهية” الذي يقع مقره في الوزارة الفيدرالية لشؤون الأسرة وكبار السن والنساء والشباب. يهدف البرنامج إلى دعم أولئك “الذين يعملون بنشاط لتحقيق هدفهم المتمثل في مجتمع متنوع وغير عنيف وديمقراطي”. ويكتمل ذلك ببرنامج “التماسك من خلال المشاركة” التابع لوزارة الداخلية، والذي “يمول مشاريع للمشاركة الديمقراطية ومكافحة التطرف على وجه التحديد في المناطق الريفية الضعيفة هيكلياً”.

وشاركت هذه الوزارات في نشر “الاستراتيجية الشاملة لمنع التطرف وتعزيز الديمقراطية” في يوليو/ تموز 2016. وتركز هذه الاستراتيجية على جميع أشكال التطرف مع تسليط الضوء أيضاً على محاولاتها لتقليل أشكال التحيز المختلفة. وفي عام 2017، التزمت الحكومة الفيدرالية بإنفاق المزيد من الأموال على برامج الوقاية نتيجة لزيادة النشاط الإسلاموي.

فقد كشف استطلاع للرأي أجري عام 2015 في ولاية ساكسونيا السفلى أن 27% من الطلاب المسلمين وافقوا على عبارة “إن قوانين الشريعة الإسلامية، التي بموجبها، على سبيل المثال، يعاقب على الزنا أو المثلية الجنسية بشدة، هي أفضل بكثير من القوانين الألمانية”. ووافق ما يقرب من الخمس (19%) على أنه “من واجب كل مسلم أن يقاتل الكفار وينشر الإسلام في جميع أنحاء العالم”. فمن الواضح أن هناك مشاكل كثيرة يتعين على الحكومة الألمانية أن تعالجها عندما يتعلق الأمر بالإسلاموية.

السويد

تتعامل دول الشمال أيضاً مع التهديد الجهادي، وكان الهجوم بسيارة في أبريل / نيسان 2017 في ستوكهولم هو الحادث الأبرز حتى الآن. ولم تكن حقيقة وقوع هذه العملية في السويد بمثابة صدمة كبيرة، حيث كان الخطر هناك في ارتفاع لسنوات: فقد بلغ عدد المتعاطفين الإسلاميين الذين رصدتهم أجهزة الاستخبارات في ستوكهولم في ديسمبر/ كانون الأول 2010 نحو 200 شخص؛ وبحلول يوليو/ تموز 2017، ارتفع هذا العدد إلى 2000. وسافر ما لا يقل عن 300 فرد من السويد للقتال في سوريا أو العراق، وعاد حوالي نصفهم منذ ذلك الحين.

وفي ستوكهولم، يُنظر إلى سياسة أكثر تطوراً لمكافحة التطرف العنيف على أنها جزء حيوي من الاستجابة للإرهاب. ويركز النهج الذي تتبعه السويد في مجال الوقاية على منع الجريمة ومعالجة المظالم بدلاً من معالجة الأيديولوجية. ويشير المسؤولون إلى الالتزام بحرية التعبير كسبب لعدم رغبتهم في الخوض في معالجة الأيديولوجية الإسلاموية اللاعنفية.

في البداية، كان العمل الوقائي من مسؤولية وزارة الثقافة والديمقراطية، وهو ما يعكس حقيقة أن السويد تعتبر تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية أفضل عائق أمام العنف الإرهابي. ومع ذلك، تم وضع جهود الوقاية مؤخراً تحت رعاية وزارة العدل، وهي خطوة تمت مناقشتها قبل هجمات أبريل / نيسان 2017 وتم إضفاء الطابع الرسمي عليها بعد ذلك.

وتعمل حوالي عشرين وكالة عامة في السويد أيضاً على مكافحة التطرف العنيف. على سبيل المثال، في يناير / كانون الثاني 2018، تم تشكيل مركز لمنع التطرف العنيف يعمل تحت إشراف المجلس الوطني لمنع الجريمة في وزارة العدل، وهو “مكلف بتطوير العمل القائم على المعرفة والتنسيق بين القطاعات المعنية بمنع التطرف العنيف على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية في السويد”.

من وجهة النظر السويدية، فإن التحدي الكبير الذي يواجه جهود الوقاية هو افتقار الحكومة المركزية إلى السلطة. هناك 290 بلدية في البلاد ـ وهي فروع للحكومة المحلية ـ تتمتع بالاستقلالية في توفير الخدمات الاجتماعية والتعليم (ضمن المبادئ التوجيهية الوطنية). ويعتقد المنخرطون في أعمال الوقاية أن هذه القطاعات في وضع مثالي للكشف عن علامات الإنذار المبكر بالتطرف. ومع ذلك، فإن البلديات لديها ميل قوي لتركيز مخاوفها على اليمين المتطرف، وهي حركة ذات جذور تاريخية ومألوفة في السويد.

وكان من المفترض أن يتحسن التفاعل بين البلديات والحكومة المركزية من خلال تعيين منسق وطني لحماية الديمقراطية من التطرف العنيف في عام 2014 (في البداية لولاية مدتها ثلاث سنوات أصبحت الآن دائمة). وفقاً للحكومة، فإن المهمة الرئيسية للمنسق الوطني هي “تطوير وتعزيز العمل الجاري على المستوى المحلي وضمان وجود تعاون بين السلطات الحكومية والبلديات ومنظمات المجتمع المدني بشأن مكافحة التطرف العنيف”.

وتواجه السويد تحدّياً كبيراً في دمج العدد الكبير من طالبي اللجوء والمهاجرين الذين قبلتهم بعد عام 2015. واستقبلت السويد 163 ألف طالب لجوء في عام 2015 معظمهم من أفغانستان والعراق وسوريا، كما استقبلت عدداً أكبر من الأطفال اللاجئين مقارنة بأي دولة أخرى. ومع ذلك، فإن استخدام الأشعة السينية لإثبات عمر المتقدمين هو أمر طوعي، وحتماً أن يكون عمر بعض المتقدمين أكبر من 18 عاماً.

في يناير/ كانون الثاني 2016، توقعت السويد أن يتم رفض ما يصل إلى 80 ألف طالب لجوء. ومع ذلك، أشار أحد المسؤولين إلى أن حوالي 50 ألفاً من أولئك الذين ينبغي عليهم المغادرة من المرجح أن ينتهي بهم الأمر إلى البقاء. وهذا ليس مفاجئاً: فالقدرة على ترحيل أولئك الذين لا يحملون أوراق هوية، أو الذين يأتون من مناطق الحرب أو البلدان التي لديها سجلات مشكوك فيها في مجال حقوق الإنسان، تشكل مصدر قلق مستمر للدول الأوروبية. أحد هؤلاء الأفراد – وهو طالب لجوء من أوزبكستان يُدعى رحمت عقيلوف – نفذ هجوماً بسيارة في أبريل / نيسان 2017 في ستوكهولم. ولهذه الأسباب، يقترح البعض في ستوكهولم أن مصلحة الهجرة السويدية بحاجة إلى التعاون بشكل أوثق مع الأجهزة الأمنية.

هناك أيضاً الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن الاندماج لم يكن ناجحاً. يعاني حوالي 23% من المهاجرين غير الأوروبيين في السويد من البطالة، مقارنة بـ 4% من المواطنين السويديين. وينبع عنف العصابات إلى حد كبير من مجتمعات المهاجرين، مع ارتفاع حاد في جرائم القتل بالأسلحة النارية. يتم ارتكاب الاعتداءات الجنسية بشكل غير متناسب من قبل أولئك الذين لديهم خلفية مهاجرة.

ولكن على الرغم من كل هذا، فإن المسؤولين السويديين لديهم موقف متساهل بشكل عام تجاه اللاجئين، حيث ينظرون إلى استعدادهم لاستقبال أعداد كبيرة من طالبي اللجوء باعتباره التزاماً عالمياً، وإلى ترحيبهم باللاجئين باعتباره دفعة للاقتصاد. ويشيرون إلى نجاحهم الملحوظ في دمج أولئك الذين فروا من البلقان في التسعينيات، ويعربون عن ثقتهم في إمكانية خلق فرص العمل، وتوفير السكن، وتوفير التعليم للوافدين الجدد. ومع ذلك، اعتباراً من مايو / أيار 2016، تمكن أقل من 500 من أصل 163,000 وافد من العام السابق من العثور على عمل.

إن التصور السائد على المستويات الرسمية لنجاح السويد السابق في دمج المهاجرين لا يحظى بالضرورة بالقبول داخل المجتمع الأوسع. أظهر استطلاع أجرته المفوضية الأوربية في أبريل / نيسان 2018 أن 73% من المشاركين لا يعتقدون أن اندماج المهاجرين كان ناجحاً في السويد. بدأت أنماط التصويت تعكس هذا القلق، وهناك حزب واحد على الأقل مناهض بشدة للهجرة – الديمقراطيون السويديون- يكتسب القوة.

فرنسا

لقد كشفت الأبحاث أن فرنسا هي الدولة الأوروبية الأكثر تعرضاً للتهديد من الإرهاب المستوحى من الإسلام السياسي. ومع ذلك، فهي تتمتع أيضاً بنمط ناجح إلى حد مدهش في اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي.

بين يناير/ كانون الثاني 2014 وديسمبر/ كانون الأول 2018، واجهت فرنسا 87 حادثة تم الكشف عنها علناً، 30 منها أدت إما إلى إصابات أو وفيات.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، صرح رئيس وكالة الأمن الداخلي الفرنسية أن حوالي 18000 من المشتبه بهم الإرهابيين المتطرفين (مقارنة بـ 15000 في عام 2016) يعيشون في البلاد، منهم 4000 يعتبرون خطرين بشكل خاص. سافر ما يقرب من 1000 شخص بالغ من فرنسا إلى سوريا أو العراق. وحتى أوائل خريف عام 2017، قُتل 265 منهم وعاد 217.

وبعيداً عن التهديد الإرهابي المباشر الذي تتعرض له فرنسا، فإن السلفية تنمو بوتيرة سريعة. تشير تقديرات جهاز المخابرات المركزية التابع للحكومة الفرنسية إلى وجود ما بين 30 ألف إلى 50 ألف من السلفيين في فرنسا اليوم، مقارنة بـ 5000 فقط في عام 2004. وأشار أحد التقارير إلى أن عدد المساجد السلفية زاد بنسبة 170% – من حوالي 50 إلى 140 – ما بين عامي 2010 و2016.

هناك عدة تفسيرات لسبب انتشار التطرف الإسلامي في فرنسا، بما في ذلك التزام فرنسا الشديد بالعلمانية، والمواقف العنصرية تجاه المهاجرين من شمال إفريقيا، والعداء العام تجاه المسلمين. ذكرت مقالة نشرت في مجلة “أون تايم” في يناير/ كانون الثاني 2015 أن “العلامة الراديكالية للعلمانية” في فرنسا وضعتها على “مسار تصادمي مع الممارسات الإسلامية”.

صحيح أن فرنسا تخوض في مجالات دينية لا تفعلها العديد من دول أوروبا الأخرى: الدولة مستعدة لإغلاق المساجد المتطرفة، وقع رئيس سابق رسائل تدعو إلى إلغاء أجزاء من القرآن، النقاب محظور في الأماكن العامة. الرئيس ماكرون يدرس سبل وقف التمويل الأجنبي للمساجد الفرنسية. ومع ذلك، نجح العديد من المسلمين الفرنسيين في الاندماج في المجتمع الفرنسي. ولعل التركيز الفرنسي على الهوية الوطنية الفرنسية والقيم العلمانية عزز استيعاب المسلمين. أحد الأمثلة ذات الصلة هو العدد الكبير من المسلمين الفرنسيين المستعدين للقتال والموت من أجل بلادهم.

ويشكل المسلمون ما بين 10 و20% من الجيش الفرنسي (نظراً لأن فرنسا لا تقسم سكانها رسمياً وفقاً للدين، فإن الأرقام الدقيقة غير متوفرة). لذلك، يخدم ما يقرب من 26500 إلى 53000 مسلم في القوات المسلحة الفرنسية، وحتى يقاتلون في البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل أفغانستان. ووفقاً لمركز بيو، هناك ما يقرب من ستة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا، ويمثلون حوالي 8.8% من إجمالي السكان.

وينعكس عدد المسلمين الفرنسيين المستعدين لخدمة بلادهم أيضاً في هوية ضحايا الإرهاب في فرنسا: اثنان من الجنود الثلاثة الذين قتلوا على يد محمد مراح في مارس / آذار 2012 كانا مسلمين. وكذلك قُتل أحد ضباط الشرطة في هجوم القاعدة على شارلي إيبدو في يناير/ كانون الثاني 2015.

ويصبح التمثيل غير المتناسب للمسلمين الفرنسيين في الجيش الفرنسي أكثر إثارة للإعجاب مقارنة بالدول الأخرى. على سبيل المثال، كان لدى المملكة المتحدة تقليد فخور بأن المسلمين الهنود يقاتلون من أجل الإمبراطورية في كلتا الحربين العالميتين. لكن اليوم، لا يشكل المسلمون سوى 0.3% من القوات المسلحة (650 فرداً). إن القول بأن هذا العدد منخفض بشكل غير متناسب هو قول بخس: في عام 2016، قدر مركز بيو أن هناك ما يزيد قليلاً عن 4 ملايين مسلم في المملكة المتحدة، وهو ما يمثل 6.3% من إجمالي السكان.

اختلفت أساليب فرنسا تجاه مكافحة التطرف عن تلك التي تتبعها الدول الأوروبية الأخرى. وكانت سياستها أكثر اعتماداً على علم النفس والرعاية الاجتماعية. ولسوء الحظ، في ضوء التاريخ الحديث، فإن أي شكوك فرنسية تجاه مبادراتها لمكافحة التطرف ستكون مفهومة.

ففي عام 2016، تم إنشاء وحدات مكافحة التطرف لسلسلة من السجناء الإسلاميين الذين اعتبرت السلطات أنها قادرة على إعادة تأهيلهم، على الرغم من تقييمهم بأنهم عنيفون محتملون. وقد تم تزويدهم بإمكانية الوصول إلى علماء النفس، والتعليم الديني الإسلامي، ودروس اللغة، ومجموعة متنوعة من ورش العمل. وللأسف، استغل هؤلاء السجناء هذه الفرصة للتخطيط لهجوم تمكن فيه أحد السجناء، الذي حاول سابقاً السفر إلى سوريا، من طعن اثنين من حراس السجن. وتم إلغاء هذه التجربة في أقل من عام.

وكانت خيبة الأمل الكبيرة الأخرى مركز الوقاية والاندماج والمواطنة، وهو مبادرة تديرها الدولة حيث يمكن لما يصل إلى 25 فرداً متطرفاً التسجيل طوعاً في برنامج مدته 10 أشهر. وقد عُرض عليهم السكن، ودروس في مواضيع مثل التاريخ والدين، والعلاج النفسي. ومع ذلك، كانت أعداد الملتحقين منخفضة ولم يكمل أحد البرنامج. تم افتتاح المركز في سبتمبر / أيلول 2016 وأُغلق في يوليو / تموز التالي.

وعلى الرغم من هذه التجارب غير الناجحة، بدأت الحكومة الفرنسية الآن في اتباع نهج أكثر استباقية للوقاية. فهي لا تركز على الإسلاموية العنيفة فحسب، بل تسعى أيضاً إلى مواجهة الإيديولوجية التي تغذيها برمتها. في فبراير/ شباط 2018، أطلقت فرنسا خطة وطنية لمنع التطرف، والتي أدرجت ستين إجراءً محدداً “لإعادة تركيز سياسة الوقاية”.

وتتخذ الخطة نهجاً واسع النطاق، حيث تتعمق في كل شيء بدءاً من التعليم والرياضة والحوْكَمة المحلية والمقاولات الخاصة. وتشمل الإجراءات تطوير الدعم للعلمانية، واستخدام الخطابات المضادة للتطرف، وزيادة الرقابة الحكومية على التعليم الخاص والمنزلي، وإزالة المحتوى الإرهابي غير القانوني من على الإنترنت بشكل أسرع، وتدريب المعلمين على اكتشاف علامات التطرف، وزيادة مشاركة المتخصصين في الصحة العقلية.

ومن السابق لأوانه تقييم مدى نجاح هذا النهج. ومع ذلك، أشار أحد المسؤولين إلى أنه على الرغم من أنه من غير المرجح أن تنجح بعض الأساليب، فإن الحكومة بحاجة إلى تجربتها على أي حال.

خاتمة

تواجه أوروبا مجموعة هائلة من التحديات المتعلقة بالأمن، والتطرف الإسلامي، واندماج الناس من البلدان ذات الأغلبية المسلمة. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فسوف تقع المزيد من الهجمات الإرهابية، وسوف يتعمق الفصل العنصري، ويتدهور التماسك الاجتماعي. وقد أظهرت الانتخابات التي جرت في مختلف أنحاء أوربا في الأعوام الأخيرة أن الناخبين سوف يتجهون على نحو متزايد نحو الأحزاب السياسية الأكثر تطرفاً التي تَعِد بإصلاح مثل هذه المشاكل.

إن تحديد الطريقة الدقيقة التي يتعين على الساسة وصناع السياسات أن يبحروا بها في هذا المستنقع أمر بالغ الصعوبة. من الواضح أن التخفيف الشامل من تأثير الإسلام السياسي في أوروبا هو أمر يتجاوز قدرة أي زعيم أو إدارة.

من وجهة نظر فلسفية، فإن نقطة البداية الجيدة هي الاعتراف بطبيعة التحدي الذي تفرضه الإسلامية ـ في كل من أشكالها العنيفة وغير العنيفة ـ ولا يزال العديد من الأوربيين يزعمون أن التركيز على الإيديولوجية الإسلاموية غير العنيفة أمر هدّام. إن رفضهم انتقاد كافة الإيديولوجيات الإسلاموية يؤدي إلى غرس الخطاب الإسلاموي في النظام الأوروبي بشكل منتظم للغاية. ولا يمكن أن يؤدي هذا إلا إلى اختراق إسلاموي مباشر للحكومات الأوروبية، كما سيسمح لمؤيدي الخطاب الإسلاموي البارزين بالعثور على منصات في وسائل الإعلام والجامعات.

في الأساس، يتعين على الحكومات أن تدرك أن الأيديولوجية الإسلاموية اللاعنفية تلعب دوراً رئيساً في دعم وتوليد الإسلاموية العنيفة. وعندما يتم أخذ ذلك في الاعتبار، فإن برامج الوقاية سيكون لها قدرة أكبر على الحد من التهديد.

وعلى الصعيد المحلي، لا بد من التركيز بشكل أكبر على الاندماج. ولكن من المؤسف أن كل نماذج الاندماج في أوروبا فشلت بدرجات متفاوتة. ولعل المثال الأكثر تناقضاً هو فرنسا: فهي دولة الفصل العنصري واضح فيها للغاية، ولكنها أيضاً دولة قادرة على تقديم شعور بالهوية الوطنية التي تتجاوز الدين.

وفي حين أن الشعور الأقوى بالهوية الوطنية يمكن أن يقلل من جاذبية الإسلام السياسي، فإن الطريق نحو تشكيل الولاء الوطني أقل وضوحاً بكثير. واحتمال أن يتمكن البيروقراطيون الحكوميون من تحقيق مثل هذا الهدف بنجاح غير مؤكد في أحسن الأحوال.

من ناحية أخرى، تميل الدول الأوروبية إلى القلق، لأسباب تاريخية واضحة، إزاء الإفراط في إظهار الحماس القومي.

وكان اندماج بعض السكان المسلمين في الحياة السياسية والدينية الأوروبية مشكلة ملحة ومعقدة حتى قبل عام 2015، ومن المرجح أن تصبح أكثر صعوبة الآن. وبوسع أوروبا أن تسهل على نفسها هذه المهمة من خلال ترحيل أولئك الذين يتواجدون بشكل غير قانوني على أراضيها، فضلاً عن تقليص عدد القادمين الجدد كل عام. هناك استطلاعات واسعة النطاق تظهر أن هذه التكتيكات ستحظى بشعبية لدى الناخبين. ومع ذلك، فإن غياب الإرادة أو الرغبة السياسية لدى السلطات، إلى جانب التعقيدات القانونية المذكورة أعلاه، قد يمنع ذلك.

وفي الخارج، يوضح انهيار النظام المستمر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل أن الدفاع الحدودي الأقوى لن يكون كافياً لتأمين أوروبا. وسوف يتعين على الحكومات الأوروبية أن تبذل المزيد من الجهد بالتعاون مع الولايات المتحدة لمساعدة الحكومات الصديقة في الشرق الأوسط على التعامل مع التحديات غير المسبوقة التي تواجهها.

وعلى الرغم من هذه التحديات، لم يفت الأوان بعد بالنسبة إلى أوروبا لمعالجة التحديات السياسية والأمنية الخطيرة التي تواجهها. ولكن السياسات الأفضل تتطلب تغييراً فلسفياً هائلاً، وليس مجرد تعديلات هامشية على السياسات الحالية.

روبن سيمكوكس*[1]

الرابط:

https://www.hudson.org/node/41948


[1] – باحث سياسي والمفوض الحالي لمكافحة التطرف في وزارة الداخلية في المملكة المتحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى