تقارير ودراسات

تحقيق لمكتب التحقيقات الفيدرالي يكشف أن تركيا هي القناة الرئيسة لتمويل داعش بالعملة المشفرة

كشفت لائحة الاتهام الموجهة إلى مواطن أمريكي، يخضع للمحاكمة بتهمة تمويل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كيف أصبحت تركيا قناة رئيسة لمعاملات العملات المشفرة غير المشروعة المستخدمة لتمويل عمليات الجماعة الجهادية في سوريا.

قام محمد أظهر الدين شيبا، وهو مواطن أمريكي يبلغ من العمر 35 عاماً ومقيم في ولاية فرجينيا ومولود في الهند، بتحويل أكثر من 188 ألف دولار أمريكي إلى داعش. وقد تم استخدام الأموال للمساعدة على تأمين إطلاق سراح مقاتلي داعش وعائلاتهم في سوريا، باستخدام وسطاء أتراك وعملات مشفرة.

في إفادة خطية قُدِّمت إلى قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية ليندسي ر. فالا في 4 مايو/ أيار 2023، أوضح العميل الخاص بمكتب التحقيقات الفيدرالي غاري ت. ماروسي أن الأموال المرسلة إلى داعش في سوريا غالباً ما تتم من خلال وسطاء أتراك. يتم تحويل الأموال عبر العملة المشفرة، وهي شكل من أشكال العملة يصعب تعقبها، إلى سعاة في تركيا، ثم يقوم هؤلاء السعاة بتحويل العملة المشفرة إلى نقود، والتي يتم تهريبها سراً إلى سوريا دون ترك أي أثر.

وكشفت الاتصالات التي تم اعتراضها أن جهة اتصال شيبا في سوريا نصحته بعدم إرسال الأموال مباشرة إلى سوريا أو إلى أي مكان آخر، بل توجيهها عبر تركيا، حيث يمكن لداعش جمع الأموال بأمان وإعادة توجيهها لتمويل عملياته في سوريا.

تم رصد شيبا، وهو متخصص في تكنولوجيا المعلومات يعيش في الولايات المتحدة منذ أن كان في الرابعة من عمره بعد هجرة عائلته من الهند، من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2019. وتم تنبيه وكالة إنفاذ القانون عندما بدأت عشرات الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي التي يديرها في نشر رسائل جهادية عنيفة.

في منشور بتاريخ 18 مارس / آذار 2019، كتب: “السيف ضروري، والجهاد ضروري، لا شيء يرعب الأعداء – أعداء المسلمين- مثل القوة والسلاح… الجهاد لبنة وركيزة صلبة من ركائز الشريعة… لا يمكن إقامة هذا الدين وترسيخه بثبات دون الجهاد، أبداً”.

وفي اليوم نفسه، استشهد شيبا في منشور آخر بالشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي، وهو رجل دين سعودي متطرف معروف كان مؤيداً لحركة طالبان الأفغانية وهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

في محادثة دردشة في 16 مارس / آذار 2019، قال شيبا إنه إما سينتهي به المطاف في السجن، أو يشارك في الجهاد بالانتقال إلى الخارج، أو يصبح شهيداً بقتل نفسه. في يونيو / حزيران 2019، أثناء اتصالات مع حساب سري على وسائل التواصل الاجتماعي يديره مكتب التحقيقات الفيدرالي، اعترف شيبا بدعمه لتنظيم داعش وأعرب عن رغبته في تنفيذ هجوم ضد ما أشار إليه بالكفار والمنافقين، على أمل الموت في سبيل الله.

فرّ شيبا من البلاد في 2 أغسطس / آب 2019، معتقداً أنه سيتم القبض عليه في منزله بعد مذكرة تفتيش صادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي. حصلت الولايات المتحدة على إشعار أزرق من خلال الإنتربول، يطلب المساعدة على تحديد مكانه أو التعرف عليه أو الحصول على معلومات عنه فيما يتعلق بتحقيق جنائي. اضطر شيبا إلى العودة إلى الولايات المتحدة قبل وصوله إلى مصر، كجزء من مخططه للهروب عبر طرق متعددة عبر المكسيك وغواتيمالا وبنما وألمانيا. تم احتجازه بالقرب من الحدود المكسيكية الغواتيمالية ورحلته السلطات المكسيكية إلى الولايات المتحدة في 16 أغسطس / آب 2019.

وقد اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي مجموعة من الأدلة أثناء البحث، والتي تضمنت تعليمات لصنع قنبلة، ونسخ بي دي اف من مجلة “دابق” التي يصدرها تنظيم داعش، وصور لعمليات قطع الرؤوس ومقاتلي داعش المسلحين.

بعد عودته إلى الولايات المتحدة دون توجيه اتهامات إليه، اعتقد شيبا أنه في مأمن من الملاحقة، فاستأنف أنشطته لصالح داعش. وكان يتواصل بشكل متكرر مع نساء داعشيات بريطانيات يعشن في سوريا، واللاتي كن يمولن مقاتلي التنظيم ويساعدن على هروب أفراد أسرهن من مخيم الهول.

أُنشئ المخيم في عام 2016 لإيواء العراقيين والسوريين الفارين من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش. وبحلول مارس/ آذار 2019، استقر أكثر من 50 ألف امرأة وطفل في قسم خاص من المخيم يُعرف باسم الملحق، بعد الهزيمة النهائية لداعش على يد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. ويحرس الملحق مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية، الذين يُقال إنهم منفتحون على الرشوة للسماح لأفراد عائلات داعش بالفرار من المخيم.

وتستمر المنطقة الملحقة في العمل كمعقل لأيديولوجية داعش، حيث تعمل تحت قانون الشريعة الإسلامية الصارم الذي يعتقده التنظيم. وتعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية منظمة إرهابية بسبب علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني، الذي صنفته الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وتركيا كجماعة إرهابية.

ابتداءً من نوفمبر / تشرين الثاني 2019، بدأ شيبا في إيداع الأموال نقداً في حسابه المصرفي لدى “ابل فيدرال كريدت اونيون”، وتحويل الأموال إلى عملة مشفرة من خلال مقدمي الخدمة كوين بيز و بينانس، وإرسالها إلى تركيا.

وكشف تحليل أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي أن أكثر من 18 ألف دولار تم إرسالها إلى محافظ العملات المشفرة المرتبطة بنساء داعش في سوريا، وذهب مبلغ 61 ألف دولار إلى محافظ مختلفة تقع في تركيا، وما زال أكثر من 60 ألف دولار مجهول المصير.

وفي رسالة حصل عليها مكتب التحقيقات الفيدرالي، نصح أحد أعضاء داعش شيبا بعدم إرسال الأموال إليه مباشرة، بل من خلال تركيا. وكتب: “لا يتم إرسال الأموال إلي مباشرة، بل يتم إرسالها دائماً إلى تركيا، ثم يتم تحويلها إلي سرًا دون أي أثر”، مما دفع شيبا إلى الرد قائلاً: “أنا أعرف كيف يسير الأمر”.

استخدم مكتب التحقيقات الفيدرالي عدة حسابات سرية للتواصل مع شيبا وشريكه في داعش في سوريا من خلال ما يعرف باسم “الشخصية الخاضعة للرقابة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي”، والتي تشير إلى الحسابات التي يديرها عملاء سريون أو مصادر بشرية سرية. وقد كانت هذه الحسابات مفيدة في فك رموز المخطط الذي كان شيبا يديره لصالح داعش.

في أواخر أبريل / نيسان 2023، وضع مكتب التحقيقات الفيدرالي شيبا تحت المراقبة الدقيقة، وهو ما لاحظه، مما دفعه إلى محاولة الفرار من البلاد للمرة الثانية. تلقى نصائح من شخص مجهول يحمل رقم هاتف ألماني حول كيفية الإفلات من المراقبة. عندما سحب 8000 دولار نقداً من حسابه المصرفي، استنتج مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه يخطط للهروب.

ألقت قوات مكتب التحقيقات الفيدرالي القبض على شيبا في 4 مايو / أيار 2023 بموجب مذكرة اعتقال تتهمه بتقديم الدعم المادي لتنظيم داعش، وهي جريمة تصل عقوبتها المحتملة إلى السجن لمدة 20 عاماً. وقد تم احتجازه في انتظار المحاكمة في 10 مايو / أيار 2023.

خلال جلسة استماع في مايو / أيار 2023، كشف مساعد المدعي العام الأمريكي أنتوني أمينوف أن شيبا كانت على علاقة بأليسون فلوك-إيكرين، وهي عضوة أمريكية في داعش من كانساس تقضي حالياً عقوبة بالسجن لمدة 20 عاماً. أقرت فلوك-إيكرين بالذنب في عام 2022 لتوليها قيادة “كتيبة نسيبة”، وهي كتيبة أمنية نسائية، حيث تم تدريب ما يقرب من 100 امرأة وفتاة على استخدام الأسلحة الآلية والقنابل اليدوية والأحزمة الناسفة. تزوج الاثنان من خلال لقاء عبر الإنترنت، وكان شيبا يحاول تبني أطفال فلوك-إيكرين.

تؤكد قضية شيبا كيف أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تتسامح مع أنشطة داعش في تركيا وعبرها، بدلاً من اتخاذ إجراءات صارمة بحق شبكاتها الإرهابية. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن نحو واحد فقط من كل أربعة معتقلين من داعش يتم سجنهم أثناء محاكمتهم في المحاكم التركية، مما يؤكد فعلياً سياسة الباب الدوار التي يتم التعامل بها مع إرهابيي داعش.

إن العديد من أعضاء داعش الذين تم اعتقالهم يتم إطلاق سراحهم في وقت لاحق أثناء جلسات المحاكمة، وقليل منهم فقط يحصلون على إدانة ويقضون فترة في السجن. وتتجنب الحكومة التركية الكشف عن عدد أعضاء داعش الذين أدينوا، على الرغم من الاستجوابات البرلمانية من قبل أحزاب المعارضة.

لسنوات، غضت حكومة أردوغان الطرف عن نقل داعش للمقاتلين والتمويل والإمدادات اللوجستية عبر تركيا. وخلال عامي 2015 و2016، ورد أن الاستخبارات التركية اتفقت مع شبكة داعش في تركيا على تنفيذ سلسلة من التفجيرات العنيفة لتعزيز الأجندة السياسية لحكومة أردوغان ومساعدتها على الحفاظ على السلطة في ظل التهديدات الإرهابية المتزايدة خلال دورات الانتخابات.

 

الرابط:

https://nordicmonitor.com/2024/09/fbi-probe-reveals-turkey-as-key-conduit-for-isis-cryptocurrency-funding/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى