تقارير ودراسات

بعد انتصارها في سوريا، شبكة القاعدة التركية تستهدف الأنظمة العربية وأوروبا

صرح رجل يعمل متحدثاً باسم شبكة القاعدة التركية وله تاريخ طويل من التعاون مع وكالة الاستخبارات التركية أن انتصار الجهاديين في سوريا يشير إلى السقوط الوشيك لإسرائيل وإسبانيا والدول العربية. كما أقر بالدور المحوري الذي تلعبه تركيا في ما وصفه بـ “الثورة في سوريا”، في حين اعتبر التصريحات التصالحية التي أدلى بها القادة الجهاديون الجدد في دمشق “مناورات سياسية ذكية” لتجنب الأخطاء التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ففي مقابلة نشرت على قناته على يوتيوب في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2024، قدم عبد القادر شين ـ وهو شخصية متطرفة تمكنت من الإفلات من تحقيقات إرهابية متعددة في تركيا ـ رؤى ثاقبة حول عقلية الجماعة الجهادية التي تسيطر الآن على دمشق ومعظم سوريا. وقد حدد توقعاته بشأن التكتيكات المتطورة للجهاد العالمي، والأهداف الجديدة، والدور المحوري الذي تلعبه الحكومة الإسلاموية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في دعم وتسهيل الحملة الجهادية النشطة حالياً في سوريا.

وقال: “رسالة هذه الثورة [هيئة تحرير الشام] موجهة إلى [الرئيس المصري عبد الفتاح] السيسي وإسرائيل”، مضيفاً: “كانت أفغانستان هي الأولى، وسوريا هي الثانية. من الآن فصاعداً، لا نعلم أين ستكون الضربة الثالثة، لكنني أقول: نراكم في ثورة جديدة”.

وتوقع شين أن تتكرر أحداث سوريا في دول أخرى: “الثورات معدية، وأعتقد أنه في الفترة المقبلة قد تكون هناك تحركات في أماكن جديدة، بدءاً من اليمن”.

ووجه شين تحذيراً للأردن ومصر على وجه التحديد، متوقعاً اندلاع صراع كبير في حال معارضتهما للحكام الجدد لسوريا. وأكد أن البلدين في وضع هش بالفعل بسبب الاستياء المنتشر على نطاق واسع بين شعبيهما. وزعم أيضاً أن التطورات الأخيرة في سوريا أشعلتها العمليات العسكرية التي شنتها حماس ضد إسرائيل، وتوقع أن الحكومة الإسرائيلية لن يكون أمامها خيار في نهاية المطاف سوى الدخول في مفاوضات مع أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) في سوريا.

كما أكدت تصريحات شين التطلعات التي طالما راودت تنظيم القاعدة لتوسيع حملته إلى أوروبا. ففي إشارة إلى أول صلاة جمعة له في المسجد الأموي الشهير في دمشق بعد وقت قصير من استيلاء هيئة تحرير الشام على المدينة، أشار إلى أن المصلين أدوا النشيد الأندلسي بعد الصلاة. وقال: “لم تكن فلسطين فقط، بل كانت العيون والعقول متجهة إلى الأندلس [الإسبانية] أيضاً. تخيل ذلك. لقد فقدنا الأندلس منذ ستة أو سبعة قرون، ومع ذلك لا تزال عالقة في أذهاننا”، ملمحاً إلى الأهمية الرمزية للأندلس عندما كانت إسبانيا تحت حكم المسلمين في أيديولوجية الجماعة [هيئة تحرير الشام].

وأعرب شين عن امتنانه لحكومة أردوغان، قائلاً: “لو لم تتدخل تركيا في هذه العملية [الصراع السوري] في عام 2016 – من خلال إبرام اتفاقيات مع روسيا، وإرسال قوات، وإنشاء مناطق عازلة، وتسيير دوريات – لكانت هذه الثورة قد انتهت. لو لم يقدموا مثل هذا الدعم القوي [لهيئة تحرير الشام والجماعات الجهادية الأخرى] لكانت قد اختفت”.

وأكد أنه “لو لم تكن تركيا مشاركة لما حدثت هذه الثورة، لا شك في ذلك”، مشيراً إلى أن الأشخاص [من هيئة تحرير الشام] الذين تحدث معهم في سوريا يشاركونه نفس الرأي.

وكرر تصريحات أردوغان التي شبه فيها الجهاديين السوريين والفلسطينيين بـ”القوات الوطنية التركية”، الميليشيا غير النظامية التي لعبت دوراً فعالاً في حرب الاستقلال التركية بعد الحرب العالمية الأولى، وهي مقارنة رمزية تهدف إلى رفع مكانة الجماعات الجهادية في نظر الجمهور التركي.

وفي تعليقه على تصريحات الشرع [أبو محمد الجولاني] التصالحية، وصفها شين بأنها مناورات تكتيكية ماهرة: “أعتقد أن الجولاني ينتهج استراتيجية سياسية حكيمة. فهو يلعب بالظلال. الأمر لا يقتصر على الأسود والأبيض، بل هناك درجات رمادية بينهما. ومن يلعب جيداً بتلك الدرجات الرمادية يفوز، وهذا ما يحاول القيام به. إنه يعمل على تقليص الأعداء، وتحقيق المنافع، ودفع الضرر”.

وأضاف: “إنه يلعب لعبة سياسية ذكية للغاية. يبدو أن بعض الناس يريدون أن يخرج الجولاني ويعلن الحرب على العالم أجمع: على إسرائيل وأمريكا وأوروبا وروسيا وغيرها، تماماً كما فعل داعش في العراق وسوريا. عندها، بالطبع، سيتكتل العالم كله ضده”.

ويبدو أن شين ورفاقه يدركون التحديات التي تواجهها هيئة تحرير الشام في سوريا، والتي لا ترغب في تصعيد حملتها [الجهادية] حتى الآن، مفضلة ترسيخ موطئ قدم لها في البلاد وتعزيز قوتها أولاً. ومن هنا، فإن التصريحات المعتدلة التي أدلى بها حكام سوريا الجدد تبدو وكأنها تكتيك لكسب الوقت، وليست تحولاً جذريّاً في أيديولوجيتهم كما يقال.

لقد تعاون شين مع الاستخبارات التركية، إلى جانب شقيقه إبراهيم شين، وهو معتقل سابق في غوانتنامو ومقاتل بارز مدان في تنظيم القاعدة. وقد عمل الاثنان بشكل مشترك على تشغيل خليتين تابعتين لتنظيم القاعدة في تركيا، ويسرا انتقال الجهاديين إلى سوريا بدءاً من عام 2011 بمساعدة جهاز الاستخبارات التركي.

وكان إبراهيم شين محتجزاً في باكستان بسبب صلاته بتنظيم القاعدة، ثم نُقل إلى غوانتانامو، حيث ظل محتجزاً حتى عام 2005، عندما قرر المسؤولون الأمريكيون تسليمه إلى تركيا. ووفقاً لتحقيق أجرته الشرطة التركية في عام 2014، فقد كان يعمل مع جهاز المخابرات التركي منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، حيث ساعد في الجهود الرامية إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد بما يتماشى مع الأهداف السياسية لحكومة أردوغان.

وعلى الرغم من أن الشقيقين، وهما عضوان في خلية سرية تابعة لتنظيم القاعدة في تركيا، كانا موضوع تحقيقات تتعلق بالإرهاب، فإن حكومة أردوغان تدخلت في عام 2014، فأوقفت تلك التحقيقات. وفي وقت لاحق، عوقب المدعون العامون وضباط الشرطة الذين حققوا في الأنشطة غير القانونية لجهاز المخابرات الوطني التركي، خاصة في الجزء المتعلق بتعاونه مع شبكة القاعدة في تأجيج الحرب الأهلية السورية.

وبحسب ملف التحقيق لعام 2014، الذي حصل موقع “نورديك مونيتور” على نسخة منه، كان إبراهيم شين يعمل في سوريا بتنسيق وثيق مع شقيقه عبد القادر، الذي كان مسؤولاً عن تأمين الإمدادات التي يحتاجها جهاديو القاعدة من تركيا. كما زار عبد القادر سوريا عدة مرات للمشاركة في اشتباكات مسلحة إلى جانب شقيقه وفقاً لتسجيلات تم الحصول عليها كجزء من تحقيق في قضية الإرهاب تحت رقم الملف 2012/1361.

وقد استخدم عبد القادر شين العديد من المنظمات غير الحكومية كواجهة لنقل الإمدادات التي يحتاجها الجهاديون تحت ستار المساعدات الإنسانية. ومن بين هذه المنظمات غير الحكومية “مركز المساعدات الإنسانية العالمية والتدريب السياسي”، و”مؤسسة حقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية”، وهي منظمة تعمل بشكل وثيق مع المخابرات التركية في تقديم الدعم اللوجستي لعمليات القاعدة العالمية.

كما تم اكتشاف تورط عبد القادر شين في مقتل السفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف في ديسمبر / كانون الأول 2016. وكشف ملف القضية أن مولود ميرت ألتينتاش، ضابط الشرطة الجهادي البالغ من العمر 22 عاماً استوحى فكرته من كتاب بعنوان “الثورة السورية بكل جوانبها” ألفه شين. وكان القاتل قد سافر إلى إسطنبول في 8 أكتوبر / تشرين الأول 2016، قبل شهرين من مقتل المبعوث الروسي، للقاء شين شخصياً. وقد تم ترتيب اللقاء من قبل أنيس عاصم سيلين، عضو تنظيم القاعدة البالغ من العمر 31 عاماً، والذي كان على اتصال بالقاتل لبعض الوقت.

وكما حدث في تحقيقات القاعدة عام 2014، منعت حكومة أردوغان التحقيق مع عبد القادر شين في مقتل كارلوف. وبموجب توجيهات حكومية، قرر المدعي العام آدم أكينجي، الذي صاغ لائحة الاتهام في قضية مقتل كارلوف، إسقاط التحقيق مع الرجلين. وسجل قراره بعدم الملاحقة القضائية في لائحة الاتهام المقدمة في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. وبدلاً من ذلك، نسب جريمة القتل إلى مجموعة معارضة لحكومة أردوغان دون تقديم أي دليل لإثبات التهمة.

واليوم، يسافر عبد القادر شين عبر تركيا، ويلقي محاضرات عن أيديولوجية القاعدة الجهادية ويعرض الصراع السوري باعتباره قصة نجاح للجماعات الجهادية. وهو يتقاضى رواتبه رسمياً من جامعة موش ألب أرسلان الحكومية في تركيا كمحاضر، وهو مسجل كباحث ما بعد الدكتوراه في جامعة حمد بن خليفة في قطر، وعضو في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.

لقد شجع استيلاء هيئة تحرير الشام على سوريا العديد من الجماعات الجهادية في تركيا، وخاصة تنظيم القاعدة والفصائل التابعة له أو المنشقة عنه. ولا تجرؤ الشرطة ولا النيابة العامة على اتخاذ إجراءات ضد هذه الجماعات، التي يبدو أنها محمية من قبل حكومة أردوغان بسبب تعاونها السري مع وكالة الاستخبارات التركية.

المصدر: موقع “نورديك مونيتور”

زر الذهاب إلى الأعلى