تقارير ودراسات

العودة المأساوية لداعش

هل يعود تنظيم الدولة الإسلامية؟ وأين؟

استعدوا لعودة تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يسميه الكثيرون داعش.

فالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية لم ينجح في القضاء على التهديد، بل احتواه فحسب. ولا يزال أكثر من 40 ألف من قدامى مقاتلي التنظيم وأفراد أسرهم محتجزين في حالة من الغموض في مخيم الهول. وفقد كثيرون منهم جنسياتهم، عندما تطوعوا للانضمام إلى داعش، ولم يحصل أطفال مقاتلي داعش قط على جنسية واضحة. وبالنسبة إلى العديد من الناس في الغرب، أصبح مخيم الهول مشكلة بعيدة عن الأنظار مع تقدم دورة الأخبار. وقد أعاقت جماعات حقوق الإنسان حل المخيم خوفاً من أن تفرض الحكومة العراقية، على سبيل المثال، عقوبة الإعدام على أولئك الذين استعبدوا الإيزيديين وقتلوا الشيعة والمسيحيين.

التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية

إن مستقبل مخيم الهول، حيث يظل قدامى مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم تحت الحراسة الكردية، في وضع خطير لثلاثة أسباب مترابطة. أولاً، يجبر الهجوم التركي على مناطق الإدارة الكردية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على الانتشار في أماكن أخرى لحماية المدن والبلدات الكردية من غزو تركي محتمل. ثانياً، قد تستهدف تركيا حراس السجن الأكراد مرة أخرى، وتتهمهم بأنهم إرهابيون. وأخيراً، أكدت تركيا أن هدفها هو تغيير نظام السجن، حيث قالت إن هيئة تحرير الشام التابعة لها، وهي فرع سابق لتنظيم القاعدة، والتي تحكم سوريا حالياً، يمكن أن تتولّى مهمة الحراسة.

وفي حال فرار عناصر داعش وعائلاتهم المحتجزين في مخيم الهول، فإنهم سيسلكون اتجاهين رئيسين.

سيظل العديد منهم في سوريا أو ينتشرون في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، في حين سيسعى البعض إلى الانتقام من الأكراد، ومن المرجح أن تتسامح هيئة تحرير الشام مع آخرين لتهدئة المتشددين تحت مظلتها أو حتى تلعب دور الشرطي الصالح والشرطي الشرير من أجل تعزيز أجندتها الجهادية دون المخاطرة بالمساءلة عن أفعالها. وسيتوجه آخرون إلى الأردن والمملكة العربية السعودية ومصر، حيث سيتجمعون في خلايا لزعزعة استقرار حلفاء أمريكا العرب الرئيسيين. وسوف يبيع آخرون مهاراتهم كمرتزقة للإسلاميين في الصومال وليبيا والسودان.

كذلك سيفر كثيرون آخرون عبر الحدود التركية التي أصبحت مسامية وسهلة الاختراق عمداً. فقد نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تحويل ابتزاز أوروبا إلى فن من خلال التهديد بإطلاق سراح اللاجئين غرباً. وسوف يتعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية بوصفه فرصة وليس مشكلة. ولن يصبح الإرهاب ـ الطعن، وهجمات الدهس بالسيارات، والتفجيرات ـ مستشرياً في مختلف أنحاء أوروبا الغربية فحسب، بل إن بعض قدامى مقاتلي داعش سيجدون طريقهم إلى الحدود الجنوبية لأمريكا.

وفي غياب الرغبة في تسليح الأكراد بصواريخ أرض-جو وفرض عقوبات على الاقتصاد التركي، فإن فرص الغرب في تجنب عودة تنظيم الدولة الإسلامية ضئيلة للغاية.

ومن المفارقات أن الدولة الوحيدة التي قد تظل محصنة ضد تداعيات هذه الأزمة هي العراق. وهنا علينا أن نبدي قدراً من التشكيك في جدوى برامج التنمية؛ ذلك أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تنفق مليارات الدولارات في كثير من الأحيان بعيداً عن أهداف الأمن القومي الأمريكي الأوسع نطاقاً، بل على العكس، كثيراً ما تؤدي هذه الجهود إلى تآكل الأمن والاستقرار، حيث تتعامل الأنظمة المختلفة مع عملها بوصفه شبكة أمان للهروب من المساءلة عن سياساتها.

إن التنمية مهمة جدّاً. ففي السنوات الثماني التي مرت منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، ظلت الموصل مجرد قشرة من صورتها السابقة. فقد أغرقت الحكومات العراقية المتعاقبة وحكام نينوى عملية إعادة الإعمار في البيروقراطية، في حين يستنزف المسؤولون الانتهازيون الأموال العراقية والدولية. والواقع أن أهل الموصل غاضبون بحق. لقد خسر تنظيم الدولة الإسلامية المدينة، لكنه قد يجد هناك مرة أخرى موطئ قدم. وسيكون لنقص التنمية في الموصل عواقب وخيمة.

ولكن الأمر ليس كذلك في الأنبار. فقبل عشرين عاماً على سبيل المثال، كانت محافظة الأنبار العراقية بمثابة مركز التمرد. وكانت الفلوجة والرمادي منطقتين محظورتين في الأساس. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، أصبحتا من بين أكثر مدن العراق أمناً وحيوية، ونافستا إقليم كردستان العراق بل وتفوقتا عليه في التنمية والتجارة. ببساطة، استفادت المنطقة من قرار زعماء القبائل ورجال الأعمال بالتوقف عن انتظار المساعدات وتولي المسؤولية عن مدينتهم ومحافظتهم.

وعلى غرار الأكراد في شمال شرق سوريا، استثمر عرب الأنبار أموالهم في مشاريع وشاركوا في اللعبة. إن وجود محافظ كفء مستعد لجذب الاستثمارات من شأنه أن يعزز التقدم. وإذا ما سعى تنظيم الدولة الإسلامية إلى العودة إلى الأنبار، فسيكون المجتمع المحلي أول من يسارع إلى التصدي له واقتلاعه من جذوره.

داعش والمأساة التي يعيشها الشرق الأوسط

إن الشرق الأوسط يتجه نحو أزمة. ففي العراق، ستكون مناطق معينة مثل الأنبار آمنة؛ في حين أن مناطق أخرى مثل الموصل ستكون أقل أمناً. ولن تنقذ اللباقة الدبلوماسية الأردن من تهديد تنظيم الدولة الإسلامية. وينطبق الشيء نفسه على مصر والكويت. إن عقوداً من تعامل صناع القرار مع تركيا كحليف بغض النظر عن سلوكها، فضلاً عن ثقافة إهدار الأموال على المشاكل بدلاً من تحديد المسؤوليات المحلية وربطها بالمحاسبة داخل وكالات التنمية، قد اجتمعت لخلق برميل بارود يمكن أن يشعله هروب جماعي لمقاتلي داعش المتمرسين من سجونهم في سوريا.

الكاتب: مايكل روبين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى