الخريطة الإسلاموية في النيجر
المشروع الإخواني
على غرار أغلب دول الساحل ودول غرب إفريقيا، كلما ذكر اسم الحركات الإسلامية في النيجر، سواء في المتابعات الإعلامية أو المتابعات البحثية، إلا ويُذكر بالتحديد المشروع الإسلامي الحركي في نسخته الجهادية، خاصة وأن الظروف المغذية للحالة الجهادية، متوفرة بشكل أكبر في النيجر، مقارنة مع باقي دول المنطقة.
كان الحضور الإخواني أو الإسلامي، مجسدًا في الأعمال الخيرية التي تقوم بها بعض الجمعيات الخليجية، وفي مقدمتها من خلال مبادرات “جمعية إحياء التراث الإٍسلامي” [الكويت]، “جمعية العون المباشر” [الكويت]، و”الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية [قطر] و”مؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله للخدمات الإنسانية” [قطر]، ولكن، ثمة مستجد، مرتبط بهذه السنة بالذات، سيجعل المتابعات نفسها، سواء كانت إعلامية أو بحثية، تتحدث في الأمد القريب، عن الحضور الإخواني في النيجر، والذي كان متواضعا جدًّا.
نبدأ بالماضي الإخواني، وإن كان متواضعا، ولكنه كان حاضرا عبر البوابة الأهلية؛ لأنه لم يصل بعد إلى مرتبة العمل السياسي والحزبي، والحديث عن المبادرات الأهلية الخليجية، وفي مقدمتها المبادرات الكويتية، وأحدثها، مباشرة جرت منذ أسبوع ونيف، أشرفت عليها “الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية”، في 30 مايو 2021، من خلال افتتاح ثلاث قرى نموذجية للأسر الفقيرة، في حفل تميز بحضور وزير الصحة إدي إلياسو مايناسارا ممثلاً عن الرئيس النيجيري بازووم محمد، ووالي ولاية طاوا إبراهيم ميكو، ولفيف من المسؤولين، ودعم كريم من أسرة آل السبيعي في دولة قطر، بتكلفة إجمالية بلغت 213 ألف دولار.
شارك في الحقل المدير العام للهيئة الخيرية، محمد بدر الصميط، والذي أشار إلى أن هذا المشروع المتكامل ينطلق من الخطة الاستراتيجية للهيئة الخيرية 2020- 2024 الهادفة إلى بناء الإنسان وتمكينه اقتصادياً وثقافياً، ليكون قادرا على إحداث الأثر الإيجابي في مجتمعه، مضيفاً حرص الهيئة على أن تضم كل قرية إلى جانب الوحدات السكنية مسجدا للعبادة، ومدرسة لتعليم الأجيال، ومركزا مهنيا لتنمية قدرات الشباب، وبئرا ارتوازية لتوفير المياه الصالحة للشرب لسكان القرية وخدمة مرافقها. [أعرب الصميط عن عميق الشكر والتقدير للمحسنين القطريين، وزير التربية والتعليم السابق في دولة قطر، وعضو مجلس إدارة الهيئة الخيرية ومجموعة أخرى، من كبار المتبرعين للهيئة].
نأتي للمستجد الثاني والحديث زمنيا، والذي يهم الأداء الميداني للمشروع الإخواني في النيجر، على الصعيد القريب والمتوسط، ففي غضون فبراير 2021، أعلنت منظمة “الدعوة الإسلامية” ومقرها السودان، وتعدّ من أبرز أكبر أذرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، أنها ستنقل نشاطها ومقرها إلى النيجر، وفق ما جاء في بيان مؤرخ في 4 فبراير 2021، وصدر عن الأمين العام للمنظمة عطا المنان بخيت، تنفيذا لقرار لجنة “إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بالسودان” التابعة لمجلس السيادة السوداني بحلها ومصادرة أموالها وممتلكاتها ومنقولاتها، بل تضمن البيان الصادر عن الأمين العام للمنظمة، تعميما إداريا إلى جميع رؤساء بعثات المنظمة المنتشرة في إفريقيا، يبلغهم فيه موافقة حكومة جمهورية النيجر على استضافة رئاسة المنظمة، وتوقيعها اتفاقية مقر مع قيادة المنظمة، مشيرا إلى أنه وقع على الاتفاقية كل من وزير خارجية النيجر ورئيس مجلس أمناء المنظمة، وأن الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ، مضيفا أن الإجراء الأخير جاء تنفيذاً لقرار مجلس أمناء المنظمة في 19 ديسمبر 2020، القاضي بإيجاد مقر بديل للمنظمة بعد قرار حكومة السودان بإغلاقها، مضيفاً أن الأمانة العامة للمنظمة تواصلت مع عدد من الدول الإفريقية بهذا الشأن ووجدت ترحيبا كبيراً، قبل أن يستقر اختيارها على جمهورية النيجر.
نتحدث عن منظمة عالمية إنسانية طوعية غير ربحية ومستقلة، ولكنها محسوبة على المشروع الإخواني الدولي، مادامت تتخذ من العمل الخيري والإنساني ستارا لتغطية نشاطها السياسي المتمثل في دعم مشروع التمكين للإخوان، خاصة وأن الأمر يتعلق بمنظمة تقدم خدمات طوعية من خلال مكاتبها المنتشرة في أكثر من 42 دولة إفريقية، ومرد نقل مقر المنظمة إلى النيجر، مرتبط على الخصوص باستغلال الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتواضعة لهذه الدولة الفقيرة [على غرار ما قام به القذافي في مرحلة سابقة، وتنظيمه لمؤتمر دولي حول التصوف في مدينة أغاديس، جاء في هذا السياق]، وليس صدفة أن تعلن حكومة جمهورية النيجر موافقتها على استضافة رئاسة المنظمة، وأن توقع على اتفاقية تأسيس مقر، ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ، كما أعلنت عن ذلك المنظمة المعنية. [صورة من قرار الموافقة الصادر عن النيجر. الصورة قابلة للتكبير]
من القواسم المشتركة بين المشروع الإخواني والمشروع الجهادي في النيجر، أنه إضافة إلى محددات الفقر والهشاشة الاجتماعية [حوالي 63 في المائة من ساكنة النيجر، يوجدون تحت خط الفقــر بحســب تقريــر لمنظمــة اليونيســكو] وتواضع أداء المؤسسات الحكومية في مشاريع التنمية المحلية والتشغيل، نعاين عوامل موازية، ساهمت في تغلغل الإسلاموية، ومن بين هذه العوامل، نجد تأثير وسائل الإعلام الجديدة مثل التلفزيون والإنترنت والإذاعات، والتي سهلت الوصول إلى المعلومة، ومنها المادة الدينية، لولا أن التدين السلفي كان في مقدمة أنماط التدين الوافدة على التدني التقليدي، المالكي، الصوفي للنيجر. [كانت هناك أقلية مسيحية في النيجر، لم تعانِ سابقا من قلاقل صادرة عن المجتمع، ولكن دخول الإسلاميين، جعل الرأي العام يعاني قلاقل ابتداء من يناير 2012، بعد اندلاع أحداث شغب استهدفتها، على إثر تداعيات ملف رسوم الكاريكاتورية في مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية]، بما يتطلب التوقف عند أداء المشروع الجهادي.
المشروع الجهادي
تعرف النيجر منذ عدة أعوام موجة متزايدة من أسلمة المجتمع، ومنذ حوالي عقد ونصف، أصبحت مظاهر التدين الإسلامي حاضرة بقوة في الحياة اليومية في هذا البلد الذي يعدّ من بين الدول الأكثر فقرًا في العالم. ولكن بخلاف الأمر مع التدين الصوفي أو التدين التقليدي الذي كان سائدا مميزا للنيجر ولباقي دول المنطقة التي دخلها الإسلام عبر التجارة وعبر التصوف على الخصوص، إضافة إلى حضور المذهب المالكي، وهو المذهب الأكثر انتشارا في غرب أفريقيا، وهو تقليدي والأكثر ملاءمة لتلك الدول، فإننا نعاين في النيجر خلال هذه الفترة، مؤشرات التطرف الديني، فكان أرضية خصبة لكي تصبح هذه الدولة محطة قارة للمشروع الجهادي.
صحيح أن الحالة الجهادية في النيجر متواضعة مقارنة مع السائد في الجزائر أو ليبيا أو مالي ودول أخرى، ولكن استمرار العوامل الاقتصادية والاجتماعية والعرقية، تساهم في تغذية تلك الحالة، بما يُفسر وقوع العديد من الاعتداءات خلال السنوات الأخيرة (بين 2019 و2021)، من قبيل الاعتداءات التالية:
ــ اعتداء 5 غشت 2020، الذي قُتل فيه 8 أشخاص منهم 6 فرنسيين ونيجريان، على أيدي مسلحين يستقلون دراجات نارية في منطقة كوريه في النيجر.
ــ اعتداء 12 ديسمبر 2020، والذي أسفر عن مقتل 28 شخصا؛
ــ مجزرة تيلابيري، ووقعت في 2 يناير 2021 غرب النيجر، من خلال هجومين منفصلين، قتل فيها 100 شخص وجرح 75، ولأول مرة، يُقتل في اعتداء إرهابي أكثر من 100 مدني خلال هجوم واحد، مما يجعل هذا الحادث الأكثر دموية ضد المدنيين في البلاد؛
– اعتداء 32 مارس 2021 الذي قُتل فيه 137 فردًا، على إثر الغارات المنسقة التي شنت على ثلاث قرى في النيجر من قبل جهاديين؛
ــ اعتداء 29 مايو 2021، الذي قُتل فيه أربعة على الأقل من قوات الأمن وأربعة مدنيين في هجوم إرهابي لتنظيم “داعش”، استهدف مدينة كبيرة في جنوب شرق النيجر بالقرب من الحدود النيجيرية؛
ــ إضافة إلى مجموعة هجمات أخرى، جرت بين ديسمبر 2020 ويناير 2021، على هامش تنظيم الانتخابات البلدية والإقليمية.
من باب التذكير أيضا، قتل حوالي 4 آلاف شخص في كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو في 2019 فقط، حتى إن منطقة الحدود الثلاثة لهذه الدول تحولت إلى مركز الثقل الرئيس لتنظيم “داعش”، بعد هزيمته في العراق وسوريا وليبيا.
هناك عوامل أمنية واستراتيجية، خاصة بقوى عظمى، تساهم في تأسيس ما يُشبه جاذبية للمشروع الجهادي، ويتعلق الأمر بوجود قواعد عسكرية أجنبية، أمريكية وفرنسية على الخصوص، على غرار السائد في دول مجاورة، من قبيل مالي.
ضمن هذا السياق، نجد في النيجر أكبر قاعدة أمريكية جوية للطائرات من دون طيار في منطقة الساحل على أراضيها.
بالنسبة إلى فرنسا، فإنها تملك قواعد عسكرية بالنيجر، ولكن هذا الحضور العسكري الفرنسي، لم يمنع من ازدياد الهجمات الإرهابية على النيجر، رغم قيادتها لتحالف مجموعة الخمسة، والتي تضم النيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو وتشاد، في مواجهة “داعش الصحراء الكبرى”، وتنظيم “القاعدة”، المجسد هناك في “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”.
والأمر نفسه عن نتائج “تحالف دول الميدان” الذي تقوده الجزائر، والذي يضم إلى جانب النيجر كلا من مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو، والذي يهدف إلى تنسيق الجهود الأمنية والعسكرية في مواجهة الحركات الإسلامية الجماعات كل داخل أراضيه، على عكس التحالفات الأخرى، حيث كانت نتائجه متواضعة، وإحدى أسباب ذلك، بالنسبة إلى حالة النيجر بالتحديد، أن الجيش يخوض حربا ضد الجهاديين على جبهتين؛ الأولى من الجهة الغربية في مواجهة تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى”، وتنظيم القاعدة ممثلا في “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”؛ والثانية من الجهة الجنوبية الشرقية بالقرب من بحيرة تشاد في مواجهة “جماعة بوكو حرام” في شمال شرق نيجيريا، وأيضا تنظيم “داعش في غرب إفريقيا”، وهذا من الأسباب التي جعلت النيجر تلقب بأنها “دول فاشلة”.
وهناك معضلة أخرى، تساهم في إبقاء واستمرار الظاهرة الجهادية في النيجر، عنوانها الافتقار إلى القيادة المحلية وآليات السلام والعلاقات القوية مع الحكومة المركزية بنيامي في المناطق التي تعج بالجهاديين، مما يساهم في استمرار الخصومات العرقية وبالتالي استمرار الهجمات، وليس صدفة أن الجماعات المتشددة كسبت مجندين من بين السكان المحليين المستاءين الذين يعتقدون أن الدولة تخلت عنهم، وهم ضحايا الفقر والهشاشة الاجتماعية والإقصاء الاقتصادي بسبب السياق الاقتصادي المتأزم أساسا للدولة، ما دام الأمر يتعلق بإحدى أفقر الدول في العالم، وليس في إفريقيا وحسب، وفي ظل أجواء الهشاشة الاجتماعية والأزمات الاقتصادية وقلة الموارد الطبيعية، من الطبيعي أن تكون مُجمل هذه الظروف، مغذية لمشاريع وأهداف إسلاموية في النيجر.