تقارير ودراسات

الخريطة الإخوانية في الجزائر

تبقى التجربة الإسلامية الحركية في الجزائر حالة خاصة، في معرض الحديث عن واقع هذه التجارب في المنطقة المغاربية وفي شمال وغرب إفريقيا، وبالتحديد، في حقبة ما بعد أحداث “الفوضى الخلاقة”؛ وذلك لسبب خاص لا نجده في جميع التجارب الإسلامية في المنطقة ككل، وهي أن الجزائر، مرت سابقا من نسخة محلّية وأكثر دموية من هذه الفوضى، ما بين 26 ديسمبر 1992 و18 فبراير 2002، وهي الحقبة التي يُصطلح عليها بحقبة “العشرية السوداء”.

صحيح أن هذه العشرية عرفت تورط جميع الأطراف في أعمال العنف والتقتيل والتقتيل المضاد، ولكنها بالنسبة إلى ملف الحركات الإسلامية، سواء تعلق الأمر بحركات الإسلام السياسي؛ أي التيار الإخواني، أو الحركات الإسلامية الجهادية، كانت هذه الحقبة عنوانا ملخصا حول أداء وطبيعة مشاريعها، وتوجد تلك الفترة، من بين أهم التي جعلت الجزائر لا تعرف أي تفاعل مع أحداث “الفوضى الخلاقة” ما بين 2011 و2013، كما توجد ضمن أهم أسباب تواضع أداء التيار الإخواني، إما بسبب قوة مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسات العسكرية والأمنية، أو بسبب وعي الرأي العام بطبيعة الحركات الإسلامية.

وبالنتيجة، لن نتوقف هنا عند تاريخ المشروع الإخواني في الجزائر، منذ مرحلة التأسيس الأولى، مع “حركة الموحدين”، وبعدها مرحلة “الجماعة الإسلامية” في الثمانينيات، ثم “جمعية الإرشاد والإصلاح”، ثم “حركة المجتمع الإسلامي في التسعينيات”، و”حركة مجتمع السلم” و”الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، بقدر ما سنركز على واقع العمل الإخواني خلال السنوات الأخيرة.

المشروع الإخواني

تأسيسا على هذه الأرضية، نتوقف هنا عند أداء التيار الإسلامي، منذ تلك الحقبة، ويبقى أداء عاديا ومتواضعا، مادامت الجزائر حالة خاصة في دول المنطقة كما سلف الذكر في طبيعة أداء المشروع، بخلاف باقي تجارب المنطقة، من قبيل التجربة التونسية والتجربة المغربية، وتجارب أخرى، معرضة لكي يلعب فيها المشروع الإخواني أدوارا في الخرائط السياسية وربما الاستراتيجية. [مشاركة إخوان المغرب وتونس مثلا، في مؤتمر كوالالمبور، في ديسمبر 2019، تأتي في هذا السياق]

ــ “حركة مجتمع السلم”: تعدّ الحركة الذراع السياسي الأبرز للإخوان في الجزائر، وثاني أكبر القوى الإسلامية في الجزائر، التي نشأت كحزب عام 1991، بعدما انتقلت الحركة من مرحلة العمل السري الذي بدأ في عام 1963 وقوي في السبعينيات، مستندا في مرجعيته إلى منهج جماعة الإخوان المسلمين تحت راية “جمعية الإرشاد والإصلاح”، إلى مرحلة العمل العلني في منتصف السبعينيات بمعارضة صريحة وعملية لحكومة هواري بومدين باسم تنظيم “جماعة الموحدين”، بقيادة محفوظ نحناح الذي دعا إلى العمل الإصلاحي الإسلامي، وتجنب الصدام مع السلطة محاولا فتح باب الحوار معها إلى جانب التنسيق مع كافة القوى والفعاليات الإسلامية. وبمقتضى دستور 1996، واستنادا للقانون الخاص بالأحزاب السياسية تغير اسم الحركة ليصبح “حركة مجتمع السلم”[أو “حمس”]، كما غيبت أية إشارة منفردة لمرجعيتها الإسلامية في مشروع برنامجها السياسي الجديد، الذي قدم بعد صدور القانون لتعوض بالثوابت الوطنية كمرجعية فكرية لها.

وشاركت حركة مجتمع السلم في انتخابات عام 1997 لتبرز كقوة إسلامية لا يستهان بها تحت قبة البرلمان، فحصلت على 69 مقعدا لتحتل المركز الثاني قبل جبهة التحرير الوطني، وتصف نفسها بكونها شعبية إصلاحية شاملة، شعارها: العلم والعدل والعمل، غير أنه بعد وفاة مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح وتولي الشيخ أبي جرة سلطاني حدث التناحر والانشقاق.

حدث انشقاق في الصف الإخواني في الجزائر ليخرج الشيخ عبد المجيد المناصرة [والذي أصبح نائب رئيس “حركة الدعوة والتغيير”] عن الحركة وكون هو والشيخ مصطفى بلمهدي، رئيس الحركة، حركة الدعوة والتغيير في أبريل عام 2009.

ــ “حركة الدعوة والتغيير”: وتُعد الجناح الآخر للإخوان المسلمين في الجزائر، وتمتد عبر مختلف ولايات الجزائر، ولها مجلس شورى وهيئات تتكفل بالملفات الكبرى للدعوة والتربية وقضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين وأقسام تنظيمية تشرف على العمل اليومي لمختلف شؤون الحركة التنظيمية والتربوية والاجتماعية والسياسية وقضايا المرأة والشباب والجامعات، وبها الآلاف من الإخوان.

ويُعد عبد المجيد مناصرة القيادي الأبرز في الحركة، وقائد سيناريو الخروج على أبي جرة سلطاني زعيم “حمس” بالانحراف، بعد أن اتهمه بالخروج على نهج الشيخ المؤسس للإخوان في الجزائر محفوظ نحناح، ليؤكد للجميع على ثقته في الحصول على دعم الجماعة الأم في مصر.

ــ “جبهة العدالة والتنمية”، ويتعلق الأمر بحزب سياسي إخواني، أسسه الشيخ عبد الله جاب الله في 30 يوليو 2011 بعد انسحابه من حركة الإصلاح الوطني، ويدعو الحزب إلى أسلمة المجتمع وإلى التنمية وتوفير الفرص للشباب وإلى مصالحة حقيقية في الجزائر تساهم في عودة الحقوق السياسية لكل الجزائريين، ويوجد حاليا ضمن أحزاب المعارضة النيابية، ولكنه حزب متواضع تنظيميا، إلى درجة تواضع المتابعات الإعلامية الخاصة بمواقفه.

بما أن المشروع الإخواني، مشروع دولي، وليس خاصا بدولة عربية إسلامية دون غيرها، بل نجده حتى في الدول الأوروبية، فإن أسباب وتداعيات الخلاف الإخواني ــ الإخواني الجزائري، مرتبطة بأداء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ما أدى إلى صعوبة في تدبير الخلاف الذي تعرض له الفرع الإخواني الجزائري، لعدة أسباب، أهمها تأثير رواسب قديمة قدم خلافات “حمس” نفسها، أحد أقطابها إبراهيم منير أمين عام التنظيم الدولي في لندن، صاحب قرار تجميد انتخابات حمس بعد فوز أبو جرة سلطاني برئاسة الحركة في المؤتمر الأخير، وهو القرار الذي اتخذه بناء على مذكرة أرسلها معارضو أبو جرة سلطاني تتضمن اتهامات بتهميشه مؤسسات الحركة، وتزوير كشوف الناخبين، وتحريضه للطلاب والشباب على التظاهر، والاستعانة بأرباب السوابق المالية، وقد مثل القرار صدمة لسلطاني أرسل على إثرها يستوضح مكتب الإرشاد في القاهرة، الذي لم يكن يعلم عنه شيئا، فصدر القرار بإجماع أعضاء المكتب بإلغاء القرار واستمرار الأوضاع على ما هي عليه.

وقد عكس الملتقى السنوي الذي نظمته “حمس” في ذكرى رحيل مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح جانبا كبيرا من التسابق بين جناحي الحركة للظهور بمظهر صاحب ثقة الإخوان، والفوز بلقب “المراقب العام للإخوان المسلمين” في الجزائر، ففي حفل منفصل لكل جناح، سعى ممثلو كل طرف إلى حشد أكبر عدد ممكن من قادة وشخصيات الإخوان المسلمين في العالمين العربي والإسلامي. كما حرص المتصارعون على التقاط الصور، وبدت الاحتفالية أشبه بمظاهرة يستجمع فيها كل طرف قواه وأنصاره؛ فقد حضر ملتقى “حركة الدعوة والتغيير” التي يتزعمها عبد المجيد مناصرة، الذي فشل في جلب شخصية ذات وزن ثقيل، كل من محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وسعيد عرج القيادي في التجمع اليمني للإصلاح، وحمدي المرسي من إخوان مصر، إلى جانب مسؤول العلاقات العربية في حزب الله حسن عز الدين، وعضو جبهة العمل الإسلامي زهير الجعيد.

بينما حضر ملتقى “حمس” التي يتزعمها أبو جرة سلطاني كل من القيادي التاريخي بالتنظيم الدولي كمال الهلباوي، إلى جانب الداعية المصري وجدي غنيم، ونائب الأمين العام للتجمع الموريتاني محمد غلام بن الحاج، وممثل “حماس” في اليمن جمال عيسى، ومثنى الكردستاني القيادي بالاتحاد الإسلامي الكردستاني، الذي أكد أن “كل الحركات الإسلامية القُطرية التي تربّت في حضن التيار الإخواني تحترم المرجعية الفكرية والتربوية للحركة الإسلامية الأم في مصر، وتحترم بنفس الدرجة رموزها الفكرية وقياداتها”، نافيا وجود سلطة تنظيمية لمكتب الإرشاد على التنظيمات القُطرية، حيث تتلقى من خلالها هذه التنظيمات أوامره من الخارج.

ونتيجة لاستمرار هذا الخلاف الإخواني ــ الإخواني، مع إصرار كل طرف على مواقفه من الآخر، إلى جانب حرصه على دعم الجماعة الأم في الخارج، وفي ظل الانشقاق الأخير وما تبعه من تشرذم على مستوى القواعد الإخوانية والأفراد، واستحالة فرض حلّ تنظيمي أمام هذه الأوضاع، خاصة مع ما يمثله الملف من مادة إعلامية لا تكاد تتوقف عن نهش الحركة من آن لآخر، لم يعد الرأي العام يملك جوابا مفصليا حول طبيعة ممثل المشروع الإخواني في الجزائر.

وعموما، تبقى التجربة الإخوانية الجزائرية، المعاصرة تحديدا؛ أي تجربة ما بعد أحداث “الفوضى الخلاقة”، التجربة الأقل تجانساً في العالم العربي والأكثر تشرذما وانقساما، فهناك أحزاب وجمعيات عديدة ذات صبغة إسلاموية وتحمل استراتيجيات متباينة تجاه الدولة والمجتمع المدني.

بخصوص الوزن الإخواني في القيادة، فقد كان أهم قيادي في الساحة، هو الراحل محفوظ نحناح، باعتبار مؤسس “حركة مجتمع السلم”، ولكن بعد رحيله، يبقى أهم قيادي إخواني جزائري، أبو جرة سلطاني، الملقب بالمراقب العام للإخوان في الجزائر، والذي انتخب رئيسا للحركة خلفا لمحفوظ نحناح في المؤتمر العام الثالث للحزب، كما عُين وزير دولة في العمل الحكومي، ومن أشد المدافعين عن ضرورة المشاركة في العمل السياسي. [يرى أن الحركة في الجزائر كبرت منذ ترشح مؤسسها لمنصب رئيس الدولة كأول تجربة في العالم العربي، كما يرى أن ما هو حاصل في “التيارات الإسلامية بالجزائر شيء مؤسف، وهو شبيه بحالة تمرد سياسي على الشرعية وعلى القواعد الأخلاقية والتربوية وخروج على المؤسسات الشرعية، بل هو تعطيل للمشروع الإسلامي باختلاف خلافات مصلحية لا صلة لها بمنهج الإسلام”].

من بين القيادات الإخوانية، نجد عبد المجيد مناصرة، وكان عضوا بالمكتب التنفيذي الوطني لـ”حركة مجتمع السلم” منذ تأسيسها، حيث تولى أمانة السياسة ثم أمانة الإعلام، كما أسند له محفوظ نحناح في فترة مرضه مهمة الناطق الرسمي، ويشغل الآن موقع نائب رئيس “حركة الدعوة والتغيير” التي أسسها مع مجموعة من قيادات الحركة الإسلامية ومؤسسيها، ومن مؤلفاته: “دروس في العمل السياسي الإسلامي، مستقبل الحركة: معالم التغيير ومسالك التطوير، مقالات في الأزمة- الإصلاح السياسي: أولوية غير قابلة للتأجيل. برز كمعارض شرس لأبو جرة سلطاني خلال المؤتمر الرابع للحركة، وقد عبر عن ذلك صراحة بالانسحاب من مجريات المؤتمر، احتجاجا على ما وصفه بالتطاول والمساس بالقانون الداخلي، ثم أخرج مواقفه المعارضة للعلن بعد ظهور “جماعة التغيير”، التي انضم إليها أكثر من 20 نائبا من نواب الحركة في البرلمان. [يُشدد على أن حركة الدعوة والتغيير هي “كيان إسلامي شامل يؤدي بتوازن دقيق الوظائف التربوية والدعوية والسياسية والاجتماعية في منظومة متناسقة ضمن رؤية جديدة لمشروعها التغييري، وحددت الحركة ركائزها على أنها إسلامية الفكرة، ربانية الدعوة، أخوية العلاقة، وحدوية الصف، وسطية المنهج، سلمية التغيير، واقعية السياسة، إصلاحية المشاركة، استقلالية القرار، مؤسسية القيادة، مصداقية الخطاب، اجتماعية النفع، وفائية الخلق، تطويرية الأداء، جزائرية الانتماء، عالمية التحرك”].

هناك محاولات ميدانية تروم توحيد العمل الإخواني، كانت آخرها، منذ سنة ونيف، عندما نشرت “حركة مجتمع السلم” في سنة 2019 مبادرة للتوافق، والتي تقوم على انتخاب رئيس توافقي، يقود إصلاحات مدعومة حزبيا وشعبيا، ولكنها انتهت بالفشل.

ولكن إجمالا، السياق الإقليمي، وعنوانه فشل المشروع الإخواني في مصر على الخصوص، تصنيفها جماعة إرهابية من قبل عدة دول، انخراط جماعات إخوانية في الترويج لما يسمى فصل السياسة عن الدين، وعوامل أخرى محلية، وفي مقدمتها الحراك الأسبوعي الذي ينظم من خلال مسيرات كل يوم جمعة، منذ فبراير 2019، ساهمت في تراجع أداء إخوان الجزائر، وساهم في تكريس هذا التواضع، انخراط الإخوان في تحالفات هشة يدفع بها في أغلب الأحوال إلى مزيد من الانشقاق داخل الصف الإخواني نفسه، وهو ما يحول دون وجود كيان واحد لها في المستقبل.

من العوامل الأخرى، نجد أنه على الرغم من تبني الإخوان في الجزائر لفكر التغيير السلمي والوصول للسلطة عبر صناديق الاقتراع، إلا أنها لا زالت تعانى من عدم القدرة على إيجاد بديل لحالة العنف الجزائرية التي يقوم بها أطراف يتبنون نفس الأفكار القطبية الإخوانية؛ أو حالة الانقسام داخل البيت الإخواني، مما يجعل من المستحيل التوافق على وحدة الموقف الوطني تجاه القضايا الوطنية الكبيرة كالانتخابات وتشكيل الحكومة، وانتخابات الرئاسة وجلسات البرلمان، وبالتالي ستؤدي إلى تشتت أصوات الإسلاميين في أي انتخابات مقبلة، إضافة إلى أن هذا الصراع الداخلي أدى إلى افتقاد الجماعة لولاء نسبة كبيرة من الشباب الجزائري، بسبب عدم رغبتهم في الدخول في صراعات جديدة ليس لهم علاقة بها.

ومما ساهم في تأزيم المشروع الإخواني، إقدام الحكومة على تنظيم العمل الخيري وإخضاعه لرقابتها، في خطوة مباغتة لم يعتد عليها تنظيم الإخوان المسلمين في الجزائر، حيث تعودت الجمعيات والأحزاب الإخوانية، مع كل مأساة أو كارثة أو أزمة إنسانية، على محاولة الاستفراد بالعمل الخيري، والاستحواذ على المشهد العام من خلاله، وهو ما يسمح لها بالترويج لأيديولوجياتها بين أوساط المتضررين والمحتاجين، لكن الخطوة الحكومية التي أعلن عنها في 2020، استبقت نيَّات الإخوان وقامت بفتح حساب بريدي لدى المؤسسة الحكومية “بريد الجزائر””؛ لاستقبال مساهمات الراغبين في دعم الجهود المبذولة لمجابهة تأثير جائحة كورونا.

تفاعل جزء من المشروع الإخواني مع هذا القرار، عبر مبادرة صادرة عن “جمعية الإرشاد والإصلاح”، الذراع الدعوي لحزب “حركة مجتمع السلم”، تروم، التسلل لقيادة مبادرة خيرية أعلنها عدد من أبناء الجالية الجزائرية المقيمة في تركيا، يقودهم القيادي السابق في الحزب إدريس ربوح، لولا أن المبادرة قوبلت بالاعتراض من قبل صانعي القرار في الجزائر.

وبخلاف استمرار المشروع الإخواني في المغرب، بين الجبهات الدعوية والجبهات السياسية، ضمن جبهات أخرى (نقابية، طلابية، نسائية، إعلامية، بحثية.. إلخ)، الأمر مغاير كليا في الحالة الجزائرية، حيث كانت إحدى نتائج التنافس بين الإخوان في الانتخابات التشريعية والبلدية، أنه انعكس سلبا على نشاط الحركة الدعوي والتربوي، حيث تفرغت الحركة من محتواها الأصلي في النشاط الدعوي والتربوي إلى العمل بالسياسة.

ليس صدفة، انطلاقا من مُجمل العوامل أعلاه، أن تكون الحركات الإسلامية الجزائرية في السنوات الأخيرة بعيدة عن صناعة الأحداث العربية، على الرغم من كونها تاريخيا سباقة في إحداث الحراك السياسي في المنطقة، خاصة في مرحلة “العشرية السوداء”، وبالنتيجة، انتقلنا من مرحلة كانت فيها حركات الإسلام السياسي الجزائرية “تهز الأرض هزا من تحت أقدام السلطة القائمة، وهي تسير جيوشا من جحافل المريدين” بتعبير زعيم جبهة الإنقاذ عباسي مدني، نحو انخراط عبد الرزاق مقري زعيم حركة “حمس” أخيرا ليقيس به قوة حركته، عبر قياس شعبية حركته مع شعبية الشاب ريفكا نجم موقع “السنا بشات” الذي استطاع أن يجمع أكثر من عشرة آلاف شخص بدعوة منه لحضور عيد ميلاده، في إشارة أو مقارنة تلخص التراجع الشعبي لمشروع الإسلام السياسي الجزائري، ومن مؤشرات التي تؤكد تراجع شعبية إخوان الجزائر، حالة التهميش التي كانت من نصيب القيادي نفسه، عبد الرزاق مقري، أثناء جولاته ومشاركاته في مسيرات الجمعة الخاصة بالحراك، حيث يقابل وجوده باللامبالاة، والأمر نفسه جرى مع استهجان المحتجين، بسبب ظهور أحد رموز الجماعة في الجزائر، عبد الله جاب الله، رئيس حزب “جبهة العدالة والتنمية”، في إحدى المسيرات الاحتجاجية، وقاموا بطرده منها؛ وذلك في مؤشر واضح على الرفض الشعبي لجماعة الإخوان المسلمين وعدم الثقة في قياداتها وتراجع شعبيتها وجاذبيتها بين الجزائريين.

وبينما كان الحراك يحقق بعض أهدافه، سادت تخوفات بين المحتجين والمهتمين بالشأن الجزائري حول إمكانية تسلل الإسلاميين إلى الحراك وتأثيرهم على مساره وأهدافه على غرار ما فعل الإخوان في مصر الذين استغلوا ثورة 25 يناير 2011 التي لم يكن لهم يد في اندلاعها لصالح مشروعهم للاستيلاء على السلطة، خاصة وأنه قد سبق للإسلاميين الجزائريين أن وظفوا الأزمات والانفراجات التي أتاحها النظام السياسي من أجل الحشد والتوسع، إضافة إلى أن إخوان الجزائر، فشلوا في توظيف موجة الاحتجاجات السلمية للتأثير فيها بما يخدم أجندتها كما حدث في مصر وتونس.

زر الذهاب إلى الأعلى