تقارير ودراسات

الحساب القادم لقطر

جعل تقارب قطر مع الجماعات الإسلامية، مثل طالبان وحماس، في بعض الأحيان، من هذه الدولة الخليجية وسيطاً دبلوماسياً، وهي العلاقات التي باتت تشكل عبئاً.

 حسين إيبش*

مع انغماس إسرائيل وحماس في صراع أعمق، تجد الدوحة نفسها في موقف حساس، فبوصفها داعمة تقليدية لجماعة الإخوان المسلمين، تتمتع قطر بتأثير هائل على ذراع الحركة بفلسطين، حركة حماس، وهو ما يوفر فرصة كبيرة على المدى القريب. إن الروابط العميقة التي تربط الدوحة بالجماعة الإسلامية التي تتخذ من غزة مقرّاً لها، تجعل قطر لاعباً محورياً في اللعبة الدبلوماسية الحالية، بيدَ أن الدوحة تواجه خطر المساءلة عن تاريخها في دعم مثل هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة، وخاصة حماس.

للدوحة تاريخ طويل في لعب دور الوسيط؛ ففي الماضي، كان ذلك مؤاتيًا في كثير من الأحيان لهذه الدولة الخليجية؛ إذ من خلال السماح لطالبان بإنشاء مكتب في الدوحة، قدمت قطر للولايات المتحدة قناة للمفاوضات مع الجماعة. ومن ثم، سهلت الدوحة الاتفاق لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان الذي أبرم في عهد إدارة ترامب، وتم تفعيله من قبل الرئيس جو بايدن في سنة 2021.

اليوم، تأمل قطر في أن تلعب دوراً مماثلاً، فقد وفرت الدوحة مأوى لكثير من أعضاء المكتب السياسي لحماس في المنفى، بما في ذلك زعيمها الفعلي إسماعيل هنية. كما كانت قطر من كبار الممولين لاقتصاد غزة منذ أن بسطت حماس حكمها على القطاع سنة 2007. وبموافقة خصوم حماس ــ بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي تترأسها حركة فتح، والولايات المتحدة، وحتى إسرائيل ــ ضخت قطر مئات الملايين من الدولارات بشكل سنوي في القطاع. ومن جملة أمور أخرى، غطت هذه الأموال رواتب موظفي الحكومة، ما وفر قوت العيش لعدد هائل من الأسر في غزة، على الرغم من الحصار الافتراضي الذي تفرضه إسرائيل ومصر.

وفي الوقت نفسه، كانت قطر منذ فترة طويلة شريكاً رئيساً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقبل اتفاقيات أبراهام، التي أدت إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع بعض جيران قطر من دول الخليج العربية، كان الوجود الدبلوماسي الإسرائيلي الرئيس في المنطقة عبارة عن مكتب تجاري في الدوحة عمل لعدة سنوات في أواخر التسعينيات. خلال الأزمة الحالية، لم تبد مصر ولا تركيا أي تحمس للعمل كوسيط مع حماس. لذا تحاول قطر الحفاظ على مكانتها المتميزة كطرف مفيد في الحوار بين الجانبين.

ولكن هذه الميزة الدبلوماسية قد لا تدوم طويلا. فبعد انتهاء قضية الرهائن ــ سواء انتهت بمأساة أو بإطلاق سراح متفاوض عليه يشمل تبادلا محتملا للأسرى ــ من المرجح أن تواجه قطر ضغوطا وانتقادات شديدة. وبسبب وحشية هجومها على جنوب إسرائيل، فقدت حماس حتى القبول البراغماتي الذي كانت تتمتع به سابقا في صفوف الدول الغربية التي تنظر الآن على نطاق واسع إلى الجماعة، بصفتها منظمة إرهابية متطرفة أشبه بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

لقد كانت مغازلة قطر للجماعات الإسلامية لفترة طويلة الوسيلة الأساسية التي استخدمتها الدوحة لبسط نفوذها في العالم العربي، وخاصة من خلال الدعم الحكومي لقناة الجزيرة. وبعد سنة 2011، توصلت قطر إلى الاعتقاد، وتنبأت قناة الجزيرة بثقة، أن موجة من الحكم الإسلامي سوف تجتاح الديمقراطيات العربية الجديدة. ولكن بدلا من ذلك، أثبتت حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة في مصر أنها أقل شعبية من دكتاتورية الرئيس السابق حسني مبارك. وخسر الإسلاميون الانتخابات في ليبيا وتونس. وفي سوريا، تم تهميش الإخوان المسلمين.

ومع تراجع هيبة الإخوان وقوتهم، لم تسفر رهانات قطر سوى عن مكاسب قليلة. والآن قد تجبر إعادة صياغة حماس الكارثية في نظر الغرب على إعادة النظر في استراتيجية الدوحة غير المسؤولة. وقد يضطر القطريون إلى الاختيار بين علاقاتهم الثمينة بواشنطن واستثماراتهم الطويلة في حركة حماس. وقد يدفع الضغط الأمريكي قطر إلى طرد قادة حماس وكوادرها المقيمين في الدوحة.

بيدَ أن قطر لا تزال تمتلك ورقة رابحة واحدة: ارتباطها بالبنتاغون؛ فخلال النزاع الإقليمي الذي بدأ في سنة 2017 وأسفر عن مقاطعة قطر لمدة ثلاث سنوات من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، اتهم الرئيس دونالد ترمب الدوحة في البداية بتمويل الإرهاب. ولكن وزارة الدفاع الأمريكية كان لها رأي مختلف تماما: كانت قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تضم المقر الرئيس المتقدم للقيادة المركزية الأمريكية، مركزًا للحملات في العراق وأفغانستان. وفي نهاية المطاف، رجحت كفة وجهة نظر البنتاغون، وضغطت الولايات المتحدة لإنهاء المقاطعة.

الواقع أن النفوذ الذي تتمتع به قطر جليّ وواضح، فقد مولت بناء قاعدة العديد، وتمول إلى حد كبير صيانتها، ومع ذلك فقد وافقت على السماح للولايات المتحدة بتشغيل المنشأة بموجب ولاية قضائية خارج الإقليم بحكم الأمر الواقع ــ وكأن العديد أرض أمريكية ذات سيادة وليست قطرية. وليس من المستغرب إذن أن تنظر وزارة الدفاع الأمريكية إلى هذا باعتباره أصلاً لا يمكن تعويضه، وحيويا من الناحية الاستراتيجية للمصالح الأمريكية.

في الحسابات المحتملة، سوف تعتمد الدوحة مرة أخرى على هذه الضرورة لتجنب المساءلة. ولكن بعد موجة القتل المروعة التي شنتها حماس في جنوب إسرائيل، قد لا يكون هذا كافياً. ولن يساعد ذلك في دعم قضية قطر التي جاء بيانها الرسمي عقب هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل ملقياً باللوم الكامل على إسرائيل في إراقة الدماء ولم ينتقد حماس. وكان ذلك تناقضاً صارخاً مع أغلب دول الخليج العربية الأخرى.

في نهاية المطاف، قد تستفيد قطر بالفعل من إجبارها على التخلي عن سياسة إقليمية فاشلة في دعم المتطرفين الدينيين والشعبويين الذين أثبتوا، مثل حماس، أنهم حلفاء متهورون على استعداد لاحتضان العنف السياسي. لقد اعتمدت قوى إقليمية أخرى – ولا سيما تركيا وإيران – على وكلاء أجانب بشكل فعال للغاية، لكنها فعلت ذلك من خلال ممارسة سيطرة مباشرة أكبر بكثير مما حاولت قطر أو تحاول أن تمارسه على الحركات المتحالفة مع الإخوان المسلمين. ولفترة طويلة، رقصت الدوحة على أنغام حلفائها الإسلاميين وشركائها من الغربيين والعرب، فتوقفت الموسيقى للتو.

* باحث مقيم أول في معهد دول الخليج العربية في واشنطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى