تقارير ودراسات

الجهاديون في تركيا

يبدو أن الحملة التي تشنها تركيا منذ أشهر على الإسلاميين العرب، لا تستهدف الإخوان المسلمين فقط، بل تشمل الجهاديين أيضاً.

في الأسبوع الأول من يونيو الماضي، تم اعتقال منظريْن جهادييْن في تركيا دون تحديد هويتهما ولا البلد الذي ينتميان إليه. بعدها بأيام، اعتقل منظر ثالث، لكن هذه المرة تم التعرف على هويته، ويتعلق الأمر بأبي عبد الله التونسي، وتم تسليمه إلى تونس التي زجّت به في السجن، وهو ما أكده أفراد من أسرته من خلال إحدى القنوات الجهادية على تطبيق تلغرام.

ويعد أبو عبد الله التونسي، واسمه الحقيقي عماد بن صالح، أحد أبرز مشايخ السلفية الجهادية في تونس، وسبق أن رُحل من مصر عام 2013، كما اعتقل في تونس أكثر من مرة على خلفية فتاواه وكتاباته الجهادية التي تحرض على العنف.

وخلال الفترة نفسها: وبالضبط في 13 يونيو، تم اعتقال أبو العبد أشداء (اسمه الحقيقي عبد المعين كحّال): القيادي السابق في هيئة تحرير الشام في سوريا، وأحد أبرز الجهاديين السوريين الذين ظهروا في السنوات الأخيرة، في أحد المعابر الحدودية مع سوريا أثناء دخوله إلى الأراضي التركية رفقة والدته للتوجه إلى السعودية لأداء مناسك الحج، وبالنظر إلى الحيلة التي استخدمت في اعتقاله، يتبين بوضوح أن أجهزة الأمن التركية كانت تستهدفه؛ إذ سمحت له بالمرور إلى الجانب التركي من المعبر لمسافة 10 أمتار ثم اعتقلته، بينما كان بإمكانها الاكتفاء بمنعه من الدخول ليعود من حيث أتى.

وجاء اعتقال أبو العبد بعد أيام من تجميد تركيا لأموال المسؤول المالي في الهيئة أبو أحمد زكور (اسمه الحقيقي جهاد عيسى الشيخ)، الذي كان شبه مقيم في إسطنبول، ويملك شبكة علاقات واسعة فيها، استجابة لقرار وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على شخصين مرتبطين بتمويل جماعات إرهابية مقرها سوريا كان زكور أحدهما.

على مدار السنوات الماضية، أقامت تركيا علاقات تعاونية وثيقة مع الجهاديين، وسمحت لأكثر من 40 ألف مقاتل أجنبي بعبور حدودها للالتحاق بجماعات إسلامية متطرفة في سوريا، كثير منها مصنف على القوائم الدولية للإرهاب وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كما سمحت مراراً لقادة من “داعش” وتنظيمات أخرى بالعلاج في مستشفياتها مع علمها بهويتهم، كذلك جندت العديد منهم لتعزيز عملياتها ضد عدوها الرئيس: حزب العمال الكردستاني وحليفه السوري وحدات حماية الشعب، بل وتم العثور على جوازات سفر دبلوماسية تركية مع عناصر جهادية في عدة مطارات أوروبية منها ألمانيا.

فما الذي تغير اليوم؟

في تحليل أولي، يبدو أن للتحركات التركية الأخيرة ضد الجهاديين علاقة بالتقارب الجاري بين أنقرة ودمشق على غرار التقارب التركي المصري الذي غير من سلوك تركيا تجاه الإخوان المقيمين على أراضيها، لكن من المهم أيضاً استحضار أنه منذ حوالي 3 أشهر قام القيادي الشرعي السعودي السابق في هيئة تحرير الشام عبد الله المحسني بنقل إقامته من إدلب إلى إسطنبول بعد تصاعد خلافاته مع قائد الهيئة أبي محمد الجولاني، وقد سمحت أجهزة الأمن التركية للمحيسني بالإقامة على أراضيها مع معرفتها الكاملة بالرجل وبأهميته وخلفياته، ومع أنه مدرج على قوائم الإرهاب في السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

من جهة ثانية، ما زالت تركيا تشكل إلى الآن قاعدة خلفية للعشرات من خلايا الدعم والإسناد المرتبطة بجماعات جهادية داخل سوريا، ومعظمها معروف لأجهزتها الأمنية التي تراقب نشاطها عن كثب، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عما إذا كانت تركيا جادة هذه المرة في جهودها لمكافحة الإرهاب، أم إنها ستكرر ما فعته من قبل عندما كانت تشن بين الحين والآخر حملات أمنية شرسة ضد الجهاديين الأجانب، خاصة من “داعش”، بينما خطوط اتصالها السرية مع مراكز التنظيم في العراق وسوريا تعمل بطاقتها القصوى.

زر الذهاب إلى الأعلى