تقارير ودراسات

الجاذبية الدائمة لأيديولوجية سيد قطب الجهادية

كان كتاب سيد قطب “معالم في الطريق” أحد مصادر الإلهام الرئيسة للجماعات الإسلامية العنيفة منذ نشره عام 1964. وتكمن جاذبية أفكاره في قدرتها على تقديم إطار ديني للنضال السياسي ضد أنظمة ما بعد الاستعمار، فضلاً عن إعادة تعريف معنى النصر والهزيمة.

وصف فريق وكالة أسوشيتد برس، الذي غطى الهجوم الكردي لتحرير آخر معقل لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا في مارس/ آذار 2019، الأشياء التي تركها مقاتلو التنظيم في إحدى قواعد مقاتلي التنظيم: “بطاقات هوية رجُلين من محافظة حلب… دُب، وفي مكان غير بعيد، نسخة ممزقة من كتاب “معالم في الطريق”.

مُنظر إسلامي مصري، كاتب وعضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، كتب قطب كتابه “معالم في الطريق” أثناء وجوده في السجن في ظل نظام جمال عبد الناصر. ويضع الكتاب المكون من 200 صفحة خطة لإحياء “المجتمع الإسلامي” الحقيقي، الذي يتبع المنهج القرآني الصارم حسب فهمه. وكانت أفكار قطب مصدر إلهام للجماعات الجهادية المسلحة في جميع أنحاء العالم، منذ موجة العنف الأولى في مصر في السبعينيات وحتى سقوط خلافة داعش. وفي حين أن منطق قطب للعنف يعتمد فقط على العقيدة، فقد فشلت الأطر الأيديولوجية الأخرى في اكتساب تأثير مماثل. قدم أحد فصائل جماعة الإخوان المسلمين أساساً أيديولوجياً مختلفاً لممارسة العنف ضد نظام ما بعد عام 2013 في مصر بعد إطاحة رئيس جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي: أساس قائم على السياسة وليس على العقيدة، لكن أفكاره فشلت في جذب أتباع من داخل صفوفه، ناهيك عن إلهام الغرباء للانضمام إليه.

لماذا لا تزال أفكار قطب تلهم الشباب الراديكالي في المنطقة وخارجها، في حين فشلت الأفكار المنافسة الأخرى؟

قدم كتاب “معالم في الطريق” لقطب إجابة عن سبب فشل نظام ما بعد الاستعمار في مصر في بناء حكم قائم على المعايير الإسلامية واضطهاد مجموعة متنوعة من الجماعات الإسلامية، وفي المقام الأول جماعة الإخوان المسلمين. كانت جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك قطب نفسه، أحد المؤيدين الأقوياء للانقلاب العسكري في مصر عام 1952 الذي أوصل عبد الناصر إلى السلطة، معتقدين أنه سيبني نظاماً قائماً على الإسلام.

ومع ذلك، فقد أصاب ناصر، الذي كانت له اتصالات وثيقة مع الإخوان، الإسلاميين بخيبة أمل. لقد كان اضطهاد نظامه لجماعة الإخوان المسلمين خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي هو الذي دفع قطب إلى إعادة النظر في إطار الصراع السياسي في مصر، والاستنتاج بأنه لم يكن اقتصادياً ولا سياسياً، بل دينياً.

وعلى حد تعبير قطب، فإن الصراع هو صراع عقيدة دينية، لا غير، بين المؤمنين والكافرين. وبحسب قطب، فإن الحكام السياسيين الذين لا يطبقون أحكام الإسلام هم كفار، حتى لو زعموا أنهم مسلمون، ولذلك يجب قتالهم؛ فهو يضع الاختيار بين النضال من أجل العيش وفقاً لأحكام الإسلام أو قبول العيش في عصر الجاهلية ما قبل الإسلام.

عندما أعادت جماعة الإخوان المسلمين صياغة نضالها العنيف ضد نظام ما بعد عام 2013 في مصر، رفضت تكفير النظام، وبدلاً من ذلك، رأت أن نضالها هو معركة ثورية “لتحرير مصر من الحكم العسكري”. وقد أثار هذا التحول الأيديولوجي الشك في أذهان العديد من أعضاء الإخوان المسلمين، ودفعهم إلى التساؤل عن سبب استهدافهم للمسلمين الآن، ولماذا يقاومون نظاماً يقوده زعيم مسلم. وعلى عكس “المعالم”، فشل هذا الإطار في تقديم تفسير للبيئة السياسية وزاد من عدم اليقين.

نظرت أيديولوجية قطب إلى النضال ضد النظام السياسي بوصفه صراع المؤمنين ضد الكفار، حيث الجهاد واجب ديني بغض النظر عن نتائجه.

لكن الأيديولوجية التي تعتمد فقط على المقاومة السياسية المسلحة، دفعت العديد من شباب جماعة الإخوان المسلمين إلى التشكيك في هذه الاستراتيجية، والتخوف من أن استخدام العنف ضد مؤسسات الدولة المصرية من شأنه أن يزعزع استقرار النظام السياسي، نظراً لاختلال توازن القوى بين الجانبين. وعند الموازنة بين انتصارهم البعيد، وبين كل التضحيات التي يتعين عليهم تقديمها، فقد تخلى العديد منهم عن الكفاح المسلح. في حين أن أتباع قطب لم يواجهوا هذه المعضلة، وهو ما يفسر قدرة أفكاره على البقاء، رغم الهزائم العسكرية.

إن إعدام قطب على يد نظام عبد الناصر عام 1966 أعطى لأفكاره إطاراً مقدّساً، وثبته شهيداً في نظر أتباعه. وصورته كرجل دافع عن أفكاره، ومات دون أن يتخلى عنها، دفعت الكثير من الناس، وخاصة الشباب الإسلامي، إلى قراءة أعماله بإعجاب واحترام. في محادثة مع جهادي مصري سابق، قال إنه لو لم يتم إعدام قطب لما كان لكتابه نفس التأثير عليه وعلى جيله. في الواقع، “ربما يكون قطب قد قام بمراجعة بعض أفكاره في وقت لاحق من حياته، كما فعل قادة الحركة السلفية الجهادية في مصر خلال التسعينيات” على حد قوله.

في حين أن المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قد تقود الشباب إلى التطرف السياسي، فإن الإطار الذي طرحه كتاب “معالم في الطريق” بالإضافة إلى الأدبيات الجهادية الأخرى المستوحاة منه، هو الذي ترجم التطرف إلى عمل عنيف. وينبغي أن يكون الحد من تأثير أفكار قطب جزءاً لا يتجزأ من أي استراتيجية لمكافحة التطرف العنيف. وعلى الرغم من أن العديد من علماء الدين حاولوا الرد على أفكار قطب بشأن التكفير والجهاد بتفنيدات مطولة، فإن علماء الدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غالباً ما يفتقرون إلى الشرعية التي يتمتع بها قطب في أعين هؤلاء الشباب المتطرفين، ويُنظر إلى معظمهم على أنهم مجرد أبواق للنظام.

إن السعي للحد من تأثير أفكار قطب لا يتطلب إجابة دينية فحسب، بل يتطلب أيضاً أصواتاً مشروعة قادرة على التحدث إلى الشباب المتطرف ومستقلة عن مؤسسات الدولة التي يتنافس عليها هؤلاء الشباب سياسياً.

 

جورج فهمي

 

الرابط:

https://www.opendemocracy.net/en/global-extremes/the-enduring-appeal-of-sayyid-qutbs-jihadist-ideology/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى