تقارير ودراسات

التصعيد التنظيمي.. خطة “جبهة لندن” لاجتذاب تيار شباب الإخوان

وسط حالة الشقاق التي اندلعت بين جبهتي لندن وإسطنبول في جماعة الإخوان، قبل فترة، سعت كل جبهة لاجتذاب أكبر عدد من أعضاء وكوادر الجماعة من أجل تعزيز مكانتها في مقابل خصومها، والعمل على تطوير أدائها التنظيمي لتُبرهن على أنها الأحق بقيادة الإخوان في الفترة الحالية والمقبلة.

وأعاد هذا التنافس بين جبهتي لندن وإسطنبول موقف التيار الثالث داخل الإخوان/ تيار التغيير والمعروف سابقًا بجبهة المكتب العام إلى الواجهة، بعد أن بقي هذا التيار بعيدًا عن قادة الجبهتين ممن يعرفون بـ”القيادات التاريخية”، وعلى رأسهم محمود حسين، القائم بأعمال مرشد الإخوان- جبهة إسطنبول والأمين العام السابق للجماعة، وإبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد السابق في جبهة لندن، منذ أزمة 2015، والتي أفضت إلى خروج محمد كمال وقادة المكتب العام من الجماعة وتشكيلهم جبهة المكتب العام.

وطرح إبراهيم منير مسألة عودة كوادر جبهة المكتب العام إلى الجماعة، في 2021، وجرى في تلك الفترة التفاوض بين الطرفين حول التفاصيل والخطوات التنفيذية المتعلقة بعودة الكوادر المستقيلين والمفصولين في أزمة 2015 (جبهة المكتب العام/ تيار التغيير حاليا)، لكن هذه المفاوضات تعثرت في نهاية المطاف بسبب إصرار مجموعة من قادة جبهة المكتب العام على أن تكون عودتهم على نفس الدرجات والمناصب التنظيمية التي شغلوها قبل خروجهم الجماعة.

وفي المقابل، رفضت جبهة إسطنبول فتح قنوات اتصال مع قيادت “المكتب العام”، وأصر محمود حسين على موقفه السابق منهم، واعتبرهم منشقين عن الإخوان، ولم يكن هذا مستغربًا؛ لأن القائم بأعمال المرشد في جبهة إسطنبول هو من تولى عملية الإطاحة بقادة وأعضاء المكتب العام، في 2015 وحتى 2017، وخاض بنفسه صراعًا مع قيادتهم في الخارج (مكتب الإخوان بالخارج) أو ما عُرف بمكتب الأزمة في الخارج برئاسة القيادي أحمد عبد الرحمن، والمتواجد في تركيا أيضًا.

مناورات جبهة لندن لاستقطاب شباب الإخوان

واستهل إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد في جبهة لندن سابقًا (تُوفي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، أعماله في قيادة الجبهة باختيار أعضاء الهيئة الإدارية العليا للإخوان- جبهة لندن، واختار صُهيب عبد المقصود، القيادي الشاب بالإخوان والمتحدث الإعلامي لجبهة لندن، ليشغل عضوية الهيئة التي تُعتبر بديلًا مؤقتًا لمكتب الإرشاد، وهو ما اعتُبر تطورا فارقًا؛ إذ لم يسبق أن شغل أحد الشباب هذا المنصب.

وأجرى قيادات جبهة لندن لقاءات وأحاديث مطولة مع شباب الإخوان وكوادر جبهة المكتب العام/ تيار التغيير، ووعدوهم بأن يتم إشراكهم في إدارة الجماعة ومؤسساتها، وأن يتم تشكيل لجان إدارية ومساعدة، يُمثل فيها الشباب ويشغلون فيها مناصب قيادية أسوة بصهيب عبد المقصود.

ولم تُفلح مبادرة إبراهيم منير، في وقتها، في جذب شباب الإخوان ممن خرجوا إبان أزمة 2015 وما بعدها إلى جبهته، بيد أنها كسرت حاجز الجليد بين الطرفين بعد سنوات من الجفاء.

ومن جانبه، بدأ صلاح عبد الحق، القائم الحالي بأعمال مرشد الإخوان- جبهة لندن، التواصل مع جبهة المكتب العام/ تيار التغيير، وأعاد طرح مسألة عودتهم للجماعة مرة أُخرى، لكنه فُوجئ بردود أفعال متباينة من قبل كوادر “المكتب العام”/ تيار التغيير.

واختارت الكتلة الأكبر من جبهة المكتب العام أن لا تنغمس في الصراع بين جبهتي لندن وإسطنبول، وأن تبقى في إطار الجماعة كتيار له قيادته ممثلة في المكتب التنفيذي (بديلًا عن مكتب الإرشاد) وعلى رأسه في محمد منتصر، المتحدث الرسمي باسم الإخوان سابقًا، والذي كان مقربًا من محمد كمال في أزمة 2015، بينما ظل محمود الجمال (اسم حركي) يشغل منصب الأمين العام للتيار، ولذا تحولت جبهة المكتب العام إلى العمل باسم تيار التغيير مؤخرًا.

ووفق المعلومات المتوافرة، فإن تيار التغيير قرر أن يعترف بشرعية القائم بأعمال المرشد العام للإخوان- جبهة لندن صلاح عبد الحق، وهو ما يُعد تطورًا ملحوظًا في التقارب بين الطرفين، بينما أبقى التيار على عدائه لمحمود حسين القائم بأعمال المرشد- جبهة إسطنبول بسبب الخلافات القديمة بينهما، لكن الأخير استطاع اجتذاب قيادات شبابية من المحسوبين على جبهة لندن، وتولى بعضهم مناصب قيادية داخل جبهة إسطنبول ومن هؤلاء القيادي أحمد عاطف مسؤول ملف الشباب في الجبهة.

فيما آثر جزء آخر ممن كانوا في تيار التغيير أن ينضم، رسميًا، لجبهة لندن بعد وساطة أحمد رامي الحوفي المتحدث السابق باسم حزب الحرية والعدالة، الذي تفاوض مع عدد من شباب الإخوان وأقنعهم بالانضمام إلى الجبهة كما طلب منهم السعي لإقناع آخرين للالتحاق بـ”صلاح عبد الحق” ووعدهم بمشاركتهم بدور مهم في إدارة شؤون الجماعة في الفترة المقبلة.

وحرص القائم بأعمال المرشد العام في جبهة لندن أن يُدلل على صدق المساعي الرامية لجذب شباب الإخوان، سواء ممن كانوا في تيار التغيير أو ممن جمدوا عضويتهم واعتزلوا الصراع التنظيمي من قبل؛ وذلك بتولية عدد من الشباب مناصب قيادية ومن هؤلاء الشباب عبدالله عبدالقادر، الذي يشغل عضوية أحد اللجان الإدارية المساعدة لصلاح عبد الحق، وأحمد ماضي الذي يشغل عضوية اللجنة الإعلامية وآخرين.

وقرر صلاح عبد الحق اختيار عمار فايد لشغل عضوية مجلس الشورى العام، بالإضافة إلى تعيينه نائبًا لرئيس المكتب السياسي لجماعة الإخوان، وهو المكتب الذي يترأسه القيادي حلمي الجزار، كما اختار القيادي الشاب هيثم سعد، ليُصبح أمينًا عامًا لمكتب الإخوان في مدينة إسطنبول، وهو أكبر مكاتب الجماعة في تركيا في الوقت الحالي.

على أن كل الخطوات التي اتخذها القائم بأعمال المرشد- جبهة لندن لم تكن كافية لضم كل القادة والشباب الذين خرجوا من الجماعة، في السنوات الأخيرة؛ إذ اختار بعضهم تجميد عضويته أو الاستقالة من العمل التنظيمي والتركيز على شؤونهم الشخصية، ومن بين هؤلاء القيادي الإخواني البارز ووزير الاستثمار المصري في فترة الرئيس الأسبق محمد مرسي يحيى حامد، وعباس قباري، المتحدث الإعلامي السابق لجبهة المكتب العام/ تيار التغيير سابقًا، والمخرج عز الدين دويدار، الذي اتجه لتقديم البرامج الفنية عبر قناة الشرق وترك ملف الإخوان بالكامل.

الخلاصة:

على الرغم من أن حدة الخلافات التنظيمية بين جبهتي لندن وإسطنبول فَترت، مؤخرًا، وقررت كل منهما أن تمضي في طريقها، وأن تتصرف باعتبارها جماعة مستقلة، إلا أن التنافس بينهما للاستحواذ على مقدرات وموارد الإخوان بقي قائمًا؛ لأن كل جبهة تسعى إلى تسويق نفسها لأتباعها وللدوائر الأخرى على أنها الممثل الشرعي للجماعة. وانطلاقًا من مبدأ التنافس بين الطرفين، تحاول جبهتا الإخوان المتصارعتان أن تجتذب شباب الجماعة والكوادر الذين خرجوا منها لأسباب تنظيمية منذ أزمة عام 2015 وما بعدها.

واستطاعت جبهة لندن أن تخطو خطوات حثيثة في هذا الصدد لأسباب عدة منها؛ أنها طرحت نفسها، منذ بداية الخلاف على أنها تطمح لتطوير عمل جماعة الإخوان، وتدارك الأخطاء والخطايا التنظيمية والقيادية التي أوصلتها إلى حالة عدم الفاعلية، وطرحت فكرة مراجعة الإستراتيجيات مرة أخرى، وهي الفكرة التي تبناها من قبل أتباع جبهة المكتب العام التي تحولت للعمل باسم “تيار التغيير”، لكن مشروع التيار الأخير توقف بعد أن أجرى دراستين شاملتين ضمن خطة المراجعات نتيجة اعتبارات عديدة أهمها تقويض بنيته التنظيمية بفعل حملة الملاحقة الأمنية في مصر وحملة الملاحقة التنظيمية التي قادها محمود حسين وحلفاؤه، والتي أسفرت عن فصل العديد من قادة التيار/ جبهة المكتب العام من الإخوان، قبل سنوات.

وتعمل جبهة لندن على بناء الجسور المشتركة مع تيار الشباب أملًا في أن تستفيد منهم في تحقيق زخم تنظيمي وزيادة فاعلية عملها، ومع أنها نجحت في استقطاب العديد من الشباب والكوادر الإخوانية التي جمدت عضويتها أو استقالت من الجماعة، في سنوات الأزمة الجماعاتية التي ما تزال ممتدة، إلا أنها تواجه العديد من المعوقات منها رغبة كوادر بارزة في الابتعاد عن دائرة العمل التنظيمي، وفقدان آخرين الثقة في القيادات التاريخية للجماعة، والتي استلمت دفتها منذ إعادة تأسيس الإخوان أو ما يُعرف بالتأسيس الثاني في سبيعنات القرن الماضي، فضلًا عن عوامل أخرى منها ما يتعلق بالعمل الحركي ومنها ما يتعلق بطبيعة الظروف السياسية التي تمر بها مصر والمنطقة العربية.

وحتى الآن، لا يمكن الجزم بما إذا كان التنافس التنظيمي وما تضمنه من تولية قيادات شبابية مناصب مهمة داخل البناء التنظيمي للإخوان في جبهتي لندن وإسطنبول، يعبر عن تحول إستراتيجي في العقلية القيادية المسيطرة على الجماعة؛ إذ إن التطورات الأخيرة قد تكون مجرد التفاتة تكتيكية فرضتها ظروف التنافس بين قادة جبهتي لندن وإسطنبول. ومن ثم، فإن استمرارها يبقى أمرًا مرهونًا بحسابات أخرى في المستقبل، وهو ما لا يمكن استبعاده بالنظر إلى التاريخ الطويل للتدافع داخل الإخوان المسلمين.

خاص- المركز العربي لدراسات التطرف

زر الذهاب إلى الأعلى