تقارير ودراسات

الإسلاموية مستعدة للعودة

لقد كان الرهان على موت الإسلام السياسي في الشرق الأوسط مبالغاً فيه إلى حد كبير.

في عام 1999، عندما كنت ما أزال أعيش في القاهرة، تحدثت مع دبلوماسي أمريكي في مناسبة اجتماعية حول كل ما يتعلق بمصر، بما في ذلك اهتماماتي البحثية بالإسلام السياسي. وفي نهاية المحادثة، أخبرني أن “الإسلاموية ماتت”؛ لأن الحكومة المصرية نجحت أخيراً في كسر ظهر تمرد إسلامي متطرف منخفض المستوى، مضيفاً أنه لا يعرف سبب اهتمام الأكاديميين بالموضوع.

وأظن أن موظف الخدمة الخارجية هذا، سيتوصل إلى نتيجة مماثلة اليوم. لم تكن السنوات القليلة الماضية جيدة بالنسبة إلى الإسلاميين، لكن الإسلاموية لم تمت، بل على العكس تماماً. ونظراً للظروف السياسية والاجتماعية السائدة في الشرق الأوسط، يبدو من المرجح أن تشكل الإسلاموية ـ وخاصة جناحها المتطرف ـ تحدّياً أكبر للأنظمة في جميع أنحاء المنطقة.

بعد الانتفاضات التي أطاحت بزعماء تونس ومصر وليبيا واليمن، كان الرأي العام السائد في واشنطن وأماكن أخرى، هو أن الإسلاميين يستعدون لحيازة السلطة في مجتمعات أكثر انفتاحاً وديمقراطية في مختلف أنحاء المنطقة، مثل كل شيء آخر تقريباً في تلك الفترة، تبين أن القليل من التوقعات كان صحيحاً. في يوليو/ تموز 2021، كانت حركة النهضة التونسية هدفاً رئيساً لانقلاب الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي أدى إلى حل البرلمان ـ حيث كان الإسلامي راشد الغنوشي رئيساً له ـ وتعليق أجزاء من الدستور. ومنذ ذلك الحين، عزز الرئيس التونسي سلطته بشكل أكبر. بعد فترة وجيزة من بدء سعيّد في التراجع عن عملية الانتقال المتعثرة إلى الديمقراطية في بلاده، على الرغم من أنها واعدة، أجرى المغرب انتخابات عامة. وهناك، تم القضاء تقريباً على الإسلاميين المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية، لقد خسروا 113 مقعداً من أصل 125 في البرلمان، وقد أنهوا بذلك تجربة البلاد التي استمرت عقداً من الزمن مع حكومة يقودها الإسلاميون.

بطبيعة الحال، ظل الإسلاميون في مصر هاربين منذ عام 2013. لقد قُتلوا أو سُجنوا أو يعيشون في المنفى في لندن والدوحة، مع محاولة واشنطن وإسطنبول تصعيد المعارضة ضد الحكومة المصرية دون تأثير يذكر. ومع ذلك، حدث تطور جديد في قصتهم، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه قد أعلنوا أنفسهم قادة للعالم الإسلامي، وقدموا ملاذاً آمناً للفرعين المصري والسوري لجماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن استضافتهم لأعضاء الجناح العسكري لحركة حماس في إسطنبول. ومع ذلك، بعد عقد من الزمان، وصلت السياسة الخارجية العدوانية والاستفزازية التي تنتهجها الحكومة التركية إلى نهايتها. والآن مع عزلة تركيا التي تعاني من أزمة عملة، سعى أردوغان إلى المصالحة مع الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهي محور مناهض للإسلاميين. والثمن الذي يتعين على تركيا دفعه، وخاصة مع مصر وإسرائيل، هو التخلي عن دعم الإخوان المسلمين وحماس.

وهذا يترك جماعة الإخوان المسلمين، وحماس، والجماعات الأخرى، مع قطر، التي ستظل ملاذاً آمناً يستضيف الإسلاميين من كافة المشارب، حتى تتمكن الحكومات التي لا ترغب في التحدث معهم بشكل مباشر من الحفاظ على قناة للتواصل معهم. وهذا شيء مهم، لكنه بعيد كل البعد عما كان عليه الإسلاميون بعد الانتفاضات. ومع ذلك، فكما لم يكن الإسلاميون أمواتاً في عام 1999، فهم ليسوا أمواتاً الآن.

ليس من الواضح على الإطلاق إلى أي مدى يرفض الناس في مختلف البلدان الأجندة الإسلاموية. لا شك في أن حزب العدالة والتنمية تعرض للهزيمة في المغرب، لكن من الصعب استخلاص الكثير من الاستنتاجات من هذه الانتخابات المنفردة، نظراً لخصوصيات السياسة المغربية وقوة النظام الملكي في تقويض قدرة الحزب على تعزيز نظرته للعالم. شهدت مصر ما وصفته الحكومة ومؤيدوها بأنه “أكبر احتجاج في تاريخ البشرية” في عام 2013 ضد الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي وحزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، والذي تزامن مع الانقلاب الذي أوصل عبد الفتاح السيسي إلى السلطة. مما لا شك فيه، كان ذلك بمثابة رفض لحكومة مرسي، ولكن بالنظر إلى الطريقة التي أصبحت بها جماعة الإخوان المسلمين متشابكة مع المجتمع المصري، فمن المرجح أن تستمر الجماعة في التمتع بالاحترام حتى مع جهود النظام لإعادة صياغة التاريخ بطريقة تجعل الجماعة غريبة عن مصر. وفي تونس، تبدو حركة النهضة مشغولة بمعارضيها الأيديولوجيين، وعلى الرغم من حصولها على دعم نسبة كبيرة من السكان، فإن مأزقها الحالي لا علاقة له بأفكارها بقدر ما يرتبط بمكائد زعيم استبدادي عازم على الاستيلاء على السلطة (حتى لو كان يتمتع بالدعم أيضاً). وفي تركيا، لا يبدو أن أردوغان قد تخلى عن رؤيته للعالم، بل الحقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين وإرهابيي حماس هم ضحايا للواقع الاقتصادي والجيوسياسي المحلي في تركيا.

ليس هناك شك في أن النكسات التي يواجهها الإسلاميون حقيقية، ولكن المبدأ التوجيهي الذي تشترك فيه جميع هذه الجماعات هو أن الوقت ما زال في أيديهم. قد يبدو أنهم فقدوا طريقهم وأهميتهم في الوقت الحالي، لكنهم سوف يتكيفون ويتطورون؛ بمعنى آخر، من غير المرجح أن يتخلوا عن نضالهم الآن. وعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو غريباً بالنسبة إلى المراقبين غير الخبراء، إلا أن هناك طرائق تساعد بها الأنظمة في الشرق الأوسط الإسلاميين فعلياً. إن جميع مشاكل السياسة العربية التي جعلت الإسلاميين جذابين في المقام الأول لا تزال موجودة أو تتفاقم تدريجياً مع عودة ظهور الاستبداد بعد الانتفاضة. وتظل الفرص الاقتصادية محدودة، وسبل التعبير السياسي مغلقة، وليس لدى القادة رؤية جذابة عاطفياً للمستقبل، والوحشية هي السمة المميزة للسيطرة السياسية.

وهذا لا يعني أن الإسلاميين الموجودين في السلطة سيكونون ديمقراطيين نموذجيين. ومع ذلك، ما دامت هناك فجوة مستمرة بين ما تعد به الحكومات وما يعيشه الناس في حياتهم اليومية، فسوف يتمتع الإسلاميون دائماً بفرص محتملة.

المشكلة هي أنه بقدر ما تتطور الجماعات الإسلامية وتتكيف، فإن الحكومات في المنطقة لا تزال تتقدم بخطوة. والقادة عازمون على عدم السماح بتكرار ما حدث بين أواخر عام 2010 و2012 مرة أخرى. من المؤكد أن الإسلاميين في بعض الأماكن مثل الكويت، والأردن، وحتى الآن إسرائيل، لديهم القدرة على الوصول إلى السلطة، ولكن الوصول لا يعني القدرة على ممارسة هذه السلطة. وبدلاً من ذلك، تخضع هذه المجموعات لنظام يهدف إلى إبقائها مروضة. وفي بلد مثل مصر، لا تتاح لجماعة الإخوان المسلمين حتى هذه الفرصة؛ لأن المصالحة تتجاوز ما يرغب السيسي في التفكير فيه. ومع تضاؤل السبل المتاحة للإسلاميين (وغيرهم من المعارضين) في مختلف أنحاء الشرق الأوسط للتعبير عن مظالمهم وعن وجهات نظرهم العالمية، فإن هذا يوفر فرصة للمتطرفين لسد الفجوة، ما يؤدي حتماً إلى العنف. سوف يجادل النقاد بأن التركيز على التفاعل بين الدولة والمجال السياسي يعني التقليل من أهمية المكونات الأيديولوجية للعنف. ومن المؤكد أن الرؤية العالمية هي جزء من هذا التفسير، ولكن جاذبية تلك الأيديولوجية مرتبطة أيضاً بالسياسة.

ولعل أغرب ما في الوضع الحالي للإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة وعلاقتهم بالدولة والمتطرفين هو أن الأمر برمته يبدو مألوفاً، ربما تكون بعض الاختلافات في هذا المقال قد كتبت في عام 1995 أو 2005، فقد شهد الشرق الأوسط قدراً كبيراً من التغيير منذ تلك السنوات، ولكن مشكلة الإسلاميين والسياسة عموماً تبدو مقاوِمة للتقدم.

أيها الدبلوماسيون والخبراء، احذروا.. إن الإعلان عن زوال الإسلام السياسي تقدير مبالغ فيه، وينذر بالتحول إلى ادعاء أمريكي سيئ آخر بشأن الشرق الأوسط.

الرابط:

https://www.cfr.org/article/islamism-ready-comeback

زر الذهاب إلى الأعلى