تقارير ودراسات

الإخوان في عين العاصفة

تركيا تستبق زيارة الرئيس المصري بتشديدات على الجماعة

تتسارع وتيرة تطبيع العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا، في الوقت الراهن، بعد قطيعة دامت لنحو 10 سنوات، إذ أعلنت وسائل إعلام تركية أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيقوم بزيارة إلى تركيا، في 27 يوليو/ تموز الجاري، بعد أيام قليلة من إعلان البلدين رفع التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى مستوى السفراء. 

وبدوره، التزم الجانب المصري الصمت، وتجنب تأكيد أو نفي الزيارة المعلن عنها للرئيس المصري، بدأت جهات رسمية وأمنية في القاهرة العمل على الترتيب للزيارة، وفي نفس الوقت استبقت السلطات الأمنية التركية الزيارة بسلسلة من الإجراءات والتنسيقات مع جبهات جماعة الإخوان الثلاث لضمان ألا يُقدم أي من أعضائها أو أنصارها على خطوة غير محسوبة تعكّر صفو العلاقات بين البلدين. 

وكانت جبهات الإخوان الثلاث بدأت في مشاورات داخلية للتباحث حول كيفية التعاطي مع الزيارة، وقدمت الجبهة الأكثر ثورية والمعروفة بـ”جبهة المكتب العام”/ تيار التغيير طلبًا للأمن التركي للسماح لأعضائها بتنظيم وقفات احتجاجية في غضون أيام زيارة الرئيس المصري المرتقبة إلى البلاد. 

وفيما تباحثت جبهات الجماعة حول الخطوات التي سيتم اتخاذها، خلال الزيارة، شنت السلطات التركية حملة ضد المهاجرين غير النظاميين، وصُورت تلك الحملة في بعض وسائل الإعلام العربية، باعتبارها حملة ضد جماعة الإخوان، وهو ما لم تنفهِ الجماعة بشكل رسمي، رغم أن هذه الحملة لم تكن ضدها بالأساس. 

واختارت جبهات الجماعة الصمت لاعتبارات من بينها أن تسمح للجانب التركي بكسب بعض الزخم الذي يمكن ترويجه للجانب المصري على أنه استجابة لطلبات القاهرة حول تقييد أنشطة الإخوان على التراب التركي. 

مكاسب مزدوجة من الحملة ضد المهاجرين  

ومن جانبها، أقدمت أنقرة على تنفيذ حملتها ضد المهاجرين غير النظاميين حتى تجني مكاسب مزدوجة؛ فمن ناحية سيتمكن النظام التركي من استمالة بعض القوميين المتشددين الذين يدعون لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد المهاجرين غير النظاميين، قبيل الانتخابات البلدية المقررة في 2024، ومن ناحية أخرى سيبدو للجانب المصري أنها عازمة على اتخاذ خطوات أكثر حسمًا مع جماعة الإخوان. 

وأعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا بدء الحملة ضد المهاجرين غير النظاميين بمشاركة وحدات من الشرطة والدرك وخفر السواحل، في جميع مناطق البلاد؛ أي إنها لم تقتصر على مدينة إسطنبول فقط التي تضم نحو 1.2 مليون أجنبي، وفقًا لإحصاءات سابقة. 

وألقي القبض، خلال الحملة، على العشرات من السوريين واليمنيين والعراقيين والأفغانيين فضلا عن المصريين الذين كان من بينهم العديد من أعضاء جماعة الإخوان، جلهم من الطلاب أو الأعضاء الذين لا يمتلكون إقامات في تركيا أو ممن انتهت مدة إقاماتهم في البلاد. 

وتدخلت جبهات الجماعة الثلاث لدى الأجهزة الأمنية التركية لتسوية أوضاع كوادر الإخوان الذين جرى توقيفهم، وكلفت جمعية الجالية المصرية التي يترأسها القيادي بالإخوان عادل راشد، محاميين بتولي هذا الملف، وهما حسين عمار المسؤول عن إجراءات الإقامة في جمعية الجالية المصرية بتركيا، والذي فصل من منصبه قبل أيام قليلة لسبب غير معلوم حتى الآن، ومحامي تركي آخر. 

ونجحت الجهود التي قامت بها جماعة الإخوان في إخلاء سبيل كل الموقوفين تقريبًا، ولم يتم ترحيل أي منهم إلى خارج البلاد، بعكس ما أُشيع عند بدء هذه الحملة، بل إن قيادات بجماعة الإخوان تسعى إلى عقد اجتماعات مع مسؤولين أمنيين أتراك لتسوية أوضاع أعضاء جماعة الإخوان الذين يواجهون مشكلات قانونية تتعلق بإقامتهم داخل البلاد. 

وفي الحقيقة، يتمتع المصريون الذين يبلغ عددهم في تركيا نحو 30 ألف، جلهم من كوادر الإخوان أو المقربين منهم، بوضعية استثنائية إذ لا يتم القبض عليهم أو ترحيلهم إلى القاهرة بخلاف ما يحدث مع مهاجرين من جنسيات أخرى؛ وذلك يرجع إلى التفاهمات الموجودة بين السلطات التركية والجماعة. 

الاستعداد لزيارة السيسي 

وفي سياق متصل، تُخطط جبهات جماعة الإخوان الثلاث لفاعليات احتجاجية على الأرض وأخرى افتراضية، خلال زيارة الرئيس المصري إلى تركيا، لكن شكل هذه الفاعليات لم يتم الاستقرار عليه بصورة نهائية بحسب مصادر قيادية بالجماعة. 

وتبحث جبهة المكتب العام/ تيار التغيير، في اجتماعات سرية تعقدها في الوقت الراهن، شكل الاحتجاج المناسب الذي يمكن أن تقوم به خلال الزيارة المقررة، وتقدمت الجبهة بطلب للأمن التركي لتنظيم وقفات احتجاجية أمام مبنى القنصلية المصرية بإسطنبول، لكن السلطات التركية رفضت هذا الطلب. 

وحاول تيار التغيير أن يقنع أجهزة الأمن التركية بأنه سيلتزم بكون الفاعلية محدودة، وسينسق معاها مسألة اللافتات والبنرات التي سيتم رفعها في الوقفة الاحتجاجية، وكذلك الهتافات التي سيرددها المشاركون فيها، لكن الجانب التركي رفض هذا الطلب. 

وحتى مع الرفض التركي، لا زالت الجبهة تُفكر في تنظيم فاعليات على الأرض، لكن دون أن تظهر في الواجهة؛ وذلك عبر اللجوء لمواطنين أتراك مقربين من الجبهة، ليقوموا بتنظيم هذه الفاعليات بجانب مشاركة مصريين حاصلين على الجنسية التركية في هذه الاحتجاجات، بيد أنه لم يتم التوصل إلى الشكل النهائي لهذه الفاعليات، والتي يُفترض أنها ستكون محدودة لعدم إثارة غضب الجانب التركي. 

وستحدد التفاهمات مع أجهزة الأمن التركية شكل الاحتجاجات التي تخطط لها جبهة المكتب العام، والتي تخطط أيضًا لاحتجاجات افتراضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 

أما جبهتا لندن وإسطنبول واللتان يقودهما القائمان بأعمال المرشد صلاح عبد الحق ومحمود حسين، على الترتيب، فقررتا التواصل مع السلطات التركية لبحث إمكانية القيام بأي عمل احتجاجي قبيل تنفيذه، حتى لا تستثير غضب الجانب التركي، وما زالت كلا الجبهتين تنتظران ورود التعليمات لهما بهذا الصدد. 

وترجح جبهتا لندن وإسطنبول أن تقتصر فاعلياتهما على فاعليات افتراضية مع التركيز على تلك الفاعليات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية الناطقة بلسان الإخوان أو المقربة منها في حال تعذر التوصل إلى اتفاق مع الجانب التركي. 

 وحتى الآن، يرفض الجانب التركي السماح بتنظيم فاعليات على الأرض، خلال زيارة الرئيس المصري المرتقبة، حتى إنه أبلغ قيادات الجماعة المسؤولين عن التنسيق معه بأن من يخالف التعليمات الصادرة من الأمن التركي خلال فترة الزيارة، سيتلقى ردًا حاسمًا ولن يتم التهاون معه وسيتم القبض عليه. 

ولذا أبلغت جبهة لندن أعضاءها بأن لا يقدموا على أي تصرف يمكن أن يُعكر صفو الزيارة؛ لأن السلطات التركية لن تتساهل مع أي تجاوزات، وكذلك فعلت جبهة إسطنبول التي أبلغت أعضاءها أن الأمن المصري ما زال مصرًّا على أن يقوم بتسليم بعض المطلوبين من كوادر الجماعة له، وطالبتهم بأن لا يقدموا على أي تصرف يمكن أن يوتر العلاقة مع الجانب التركي الذي يتجاهل طلبات التسليم حتى الآن. 

الخلاصة 

تقف جماعة الإخوان المسلمين أمام اختبار صعب يضع مصداقيتها على المحك في وقت تعصف رياح وتقلبات السياسة الإقليمية والدولية بتحالفها الاستراتيجي مع النظام التركي الذي قطع الشوط الأكبر في تقاربه مع النظام المصري الذي كان يقف على النقيض منه قبل سنوات فقط. 

ولا تجد الجماعة أمامها خيارات كبيرة، إذ تبقى متقيدة بعدائها مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أطاح بحكمها في مصر، عام 2013، وأودى بها إلى التشرذم والتناثر في دول عدة لتعيش حالة من التيه التنظيمي والهوياتي الذي يضرب أركان الجماعة ويزلزلها حتى الآن. 

وعلى الرغم من عدائها الأصيل مع نظام الرئيس المصري، إلا أن الجماعة لا يمكن أن تخالف التعليمات الصادرة لها من الأجهزة التركية المعنية بملف الإخوان؛ لأنها لا تملك أن تغامر بفقدان الملاذ التركي الآمن الذي يؤوي من تبقى من قادتها وكودارها في مرحلة الشتات الكبير. 

وتعني زيارة الرئيس المصري لتركيا أن ملف جماعة الإخوان لم يعد عقبة كأداء في وجه التقارب التركي المصري، كما أن المعطيات المتوافرة حاليا تشير إلى أن الجماعة لن تلجأ لتنظيم فاعليات احتجاجية كبيرة على الأرض أثناء زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. 

وتميل جبهات الإخوان الثلاث للالتزام بعدم الخروج عن الخط الذي رسمه لها الجانب التركي، والذي يُتوقع أن يسمح بهامش بسيط لنقد الزيارة في المنصات الإعلامية أو على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل احتواء الأكثر راديكالية بالجماعة، لكن جبهة المكتب العام ربما تغامر بتنظيم فاعليات احتجاجية يُشارك فيها مواطنون أتراك أو مصريون حصلوا على الجنسية التركية. 

ولعل رغبة جماعة الإخوان بجبهاتها الثلاث في تعزيز موقفها الحالي داخل تركيا وعدم خسارة الملاذ التركي الآمن، سيكون أحد العوامل التي ستحفز قادة الجماعة للالتزام بالاتفاقات التي تمت مع الأمن التركي، ولا سيما أن الجماعة غير مستعدة لأن تنتقل إلى خارج تركيا، ولا تريد أن تضطر للبحث عن دول بديلة لتنقل إليها الأعضاء غير المرحب بها في البلاد. 

وفي النهاية، يمكن القول إن الأمن التركي سيبذل وسعه لتأمين الزيارة، وسيحرص على أن لا تشوبها شائبة، ويتوقع أن لا تخرق الجماعة أي اتفاقات بين الجانبين، لكن هذا لا يعني أن الجماعة ستغير نهجها بشكل جذري أو ستصمت على الزيارة بشكل كامل، ولن تسمح للجانها الإلكترونية وأذرعها الإعلامية بانتقادها أو التعريض بها على الأقل. 

زر الذهاب إلى الأعلى