تقارير ودراسات

الإخوان المسلمون والعنف: مقاربة وثائقية

مرحلة التأسيس والبناء (1928-1949)

ويسأل الصحفي الشيخ عن شعار الإخوان، فقال:

ـ سيفان وبينهما مصحف.

قال الصحفي:

ـ لمَ.. السيفان؟

ـ هما رمز الجهاد؛

ـ والمصحف؟

ـ دستوره.

ـ والكلمة المكتوبة بين السيفين “وأعدّوا”؟

ـ هي الكلمة الأولى من الآية الكريمة “وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”.

من حوار صحفي مع حسن البنا.

 

استعدوا يا جنود، وليأخذ كلّ منكم أهبته، ويعد سلاحه، ولا يلتفت منكم أحد، وامضوا إلى حيث تؤمرون، خذوا هذه الأمة في رفق فما أحوجها إلى العناية والتدليل، وصفوا لها الدواء فكم على ضفاف النيل من قلب يعاني وجسم عليل، اعكفوا على إعداده في صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود، وأثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها الدواء بقوة. وإن وجدتم في جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه، أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر، وفي عيونهم عمى.

من مقال لـ عبد الرحمن البنا: شقيق حسن البنا

الإخوان المسلمون والعنف:

مرحلة التأسيس والبناء (1928-1949)

منذ تأسيسها على يد حسن البنا في مصر في عشرينيات القرن الماضي، ظل العنف مفهوماً محورياً في رؤية جماعة الإخوان المسلمين للتغيير الاجتماعي والسياسي ومحركاً رئيساً لسلوكها.

ويوثق هذا التقرير للعلاقة بين الجماعة والعنف على مدار عقود طويلة من المعارضة والصراع مع الأنظمة، ويجادل بأن كتابة القصة الحقيقية للإسلام الراديكالي/ الجهادي الحديث والمعاصر، يجب أن تبدأ من الإخوان، وتحديداً من النظام الخاص: الجناح العسكري السري للجماعة الذي أنشأه حسن البنا عام 1940 بدعوى أن الحق “الإسلامي” يحتاج إلى قوة “الجهاد” لحراسته، وأن “المصحف” و”السيف” صنوان، يجب أن يسيرا دائماً جنباً إلى جنب.

مع التنويه إلى أن المقصود بـ “الجهاد” في النصوص الواردة في هذا التقرير: الجهاد العنفي/ القتالي، المرادف للقوة والحرب والغزو، وهو المعنى الشرعي المثبت، حرفياً، في التعريفات التراثية للمصطلح في المدونة الفقهية الإسلامية.

النزعة الجهادية في فكر حسن البنا

كان حسن البنا مؤمناً بالقوة (= العنف)، وبضرورتها في العمل الحركي الإسلامي، وقد اجترح في هذا نظرية: أن القوة “كالدواء المرّ” الذي يجب أن تُحمل عليه “الإنسانية العابثة” لكسر جبروتها وطغيانها، وأن “السيف” في يد المسلم “كالمشرط” في يد “الجراح”، لا بد منه “لحسم الداء”: الداء “الاجتماعي” الذي يتمثل في بعد الناس عن الدين، والداء “السياسي” الذي يتجسد في تغييب الشريعة والحكم بغير ما أنزل الله.

في ما يلي نصوص تختزل رؤية البنا لاستخدام القوة والعنف كمنهجية للتغيير الاجتماعي والسياسي، ويظهر منها ميله الواضح إلى تفعيل فكرة الجهاد بمفهومه العنفي / القتالي: أي حمل السلاح للقتال في سبيل الله/ الدين وإدماجها في العقيدة النضالية للحركة الإسلامية الحديثة، وهي الرؤية التي ستظل حاضرة كتيمة أساسية في جميع خطبه ورسائله التي تشكل الأساس العقائدي والفكري لجماعة الإخوان المسلمين حتى اليوم.

في مقال بعنوان “الجهاد في سبيل الله ومنزلته من الإسلام”، نشره في يناير 1929: بعد أقل من عام على تأسيس جماعة الإخوان، وكان ما يزال في الإسماعيلية، لم ينتقل بعد إلى القاهرة، كتب البنا:

أما آن للمسلمين أن يعلموا هذه الحقيقة من دينهم، ويفهموا أن المسلم الصادق هو الذي جعل نفسه وماله وقفاً على نصرة الحق والدعوة إليه، وأن الجهاد في سبيل الله أول الواجبات الإسلامية وأقدسها…

إن كان المسلمون لم يعلموا ذلك بعد، فها نحن نناديهم بأن الجهاد في سبيل الحق والدين هو أعلى أركان الإسلام وأفضلها وأعظمها أجراً عند الله ومثوبة في الآخرة. وليس أحد أفضل عند الله من أولئك الذين يقدمون أنفسهم وأموالهم لنصرة دينه وإعلاء كلمته…

نقول لهم ذلك والقرآن مرشدنا والسنة قائدنا ورسول الله (ص) يهيب بنا.

بعث الله محمداً (ص) بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فوقف (ص) نفسه وماله وضحى بأهله ووطنه، وتحمل من أذى قومه ما تخر له الجبال في سبيل هذا الحق الذي بعثه الله به.

وتبعه على ذلك قوم أخذوا أخذه وعاهدوا الله على الجهاد في سبيله حق الجهاد، فكانت (جماعة دار ابن الأرقم) و(جماعة بيعة العقبة) أول مظاهر هذه التضحية التي قام بها المسلمون الأولون رضوان الله عليهم في سبيل نصرة دينهم، وكان شعار المسلمين السابقين جميعاً وقف الأموال والأنفس على إظهار كلمة هذا الدين وإعلاء شأنه وعزة أهله.

وإنك لتفتح بين يديك كتاب الله وتجيل النظر فيه، فلا تكاد تمرّ بك سورة من سوره إلا وفيها الحث البليغ على تقديم الأموال والأنفس في سبيل الله، وبيان أن الجهاد بكل معانيه هو أول الفروض الإسلامية وأقدسها عند الله.

وهل أذكّر إخواني المسلمين بسورة البقرة وما فيها من آيات الجهاد، أم بسورة آل عمران وسورة النساء وما فيها من ذلك، وإنه لكثير، أم أتلو عليهم الأنفال والتوبة وكلتاهما بطولهما في فضيلة الجهاد وآدابه والدعوة إليه وافتراضه، بما لا يدع عذرًاً لمعتذر، وتقريع القاعدين والمخلفين أشد التقريع على جريمة القعود عن نصرة الحق ومؤازرة الداعين إليه.

حسبهم أن يقرؤوا من ذلك قوله تعالى: “أجعلتم سقاية الحج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم والآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله” إلى قوله تعالى: “قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين”.

وقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير” إلى قوله تعالى: “انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون”.

وقوله تعالى في تقريع المخلفين: “فرح المخلفون بمقعدهم خلال رسول الله، وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون، فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون”.

أم أذكّرهم بالنحل والأحزاب ومحمد عليه السلام والفتح والحجرات وما فيها من باهر الآيات التي توجب الجهاد على المسلمين وتحثهم على القيام به والشهادة في سبيله وتقديمه على الأموال والأولاد وجعله من فرائض الدين بمنزلة الرأس من الجسد، وبيان أنه شرط أساسي من شروط الإيمان، إذ يقول تعالى في سورة الحجرات: “إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون”.

أم أسمعهم في الحشر والممتحنة والصف من الدعوة إلى الجهاد والإشادة بأهله وحبّ الله لهم وثنائه عليهم “إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص”، “يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم؟ تؤمنون بالله ورسوله وتقاتلون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم” إلى قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين”.

أم أقص عليهم من أحاديث رسول الله (ص) وثنائه على المجاهدين العاملين على تأييد هذا الدين ورفعة شأنه وإعزاز كلمته وله (ص) في ذلك ما لا يبلغه الحصر ولا يحصيه العد من الأحاديث.

أم أتلو عليهم نبأ سلفهم الصالح الذين كانوا مضرب المثل في الشجاعة في سبيل الجهاد والتفاني في إظهار الحق والاعتزاز به ولهم في ذلك ما تضيق عنه الأسفار ويربو على المجلدات.

ألا فليعلم المسلمون أن أول فرائض الإسلام وأقدسها هو الجهاد في سبيل الحق، وقد علم ذلك السابقون الأولون، فكان كل واحد منهم على أتم الاستعداد لإجابة الداعي وتلبية المنادي في نفسه وماله، ولا يرى الإيمان الصحيح إلا أن يجود بكل ما يملك في سبيل دينه وعقيدته، فعاشوا أعزاء وموفوري الكرامة ترهب الملوك جانبهم وتخشى الأمم بأسهم واندرجوا تحت من أثنى عليهم الله بقوله: “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”.

ثم أراد أمراء السوء وقادة الإفساد أن يخدعوا المسلمين عن دينهم وينتزعوا أمل العزة من نفوسهم ويميتوا ذلك الشعور النبيل شعور التضحية في سبيل الحق الذي يتحلى به المسلم ويفتخر به.

فحببوا إليهم الخنوع والاستكانة وألهوهم بأنواع من القرب ليست شيئاً عند الله بجانب الجهاد في سبيله والدعوة إليه، وتطاول الأمر فأصبح ذلك الفتور صفة من صفات المسلمين لا يعرفها الإسلام ولا يأمر بها، وظن المسلمون أن الإسلام محصور في الصلاة والصيام والزكاة والحج وما إليها غافلين عن ذروة ذلك وسنامه وسياجه المتين وهو الجهاد.

ألا فليعلم المسلمون أن رسول الله (ص) أخر صلاة العصر في غزوة الأحزاب اشتغالاً بأمر مجاهدة الأعداء، وأنه (ص) أرسل بعثاً في رمضان فصاموا فوصفهم بأنهم العصاة، وأن الإسلام جعل من مصارف الزكاة الجهاد في سبيل الله، وأنه شرع الحج لحكم كثيرة منها أن يتعارف المسلمون فيكون من هذا التعارف كتلة تقف أمام مطامع الأعداء، وذلك مظهر من مظاهر الجهاد…

أكتب هذه الكلمة والإسلام يحيط به الأعداء وتدبر له المكائد وترسم لغزوه وانتزاعه من نفوس أهله الخطط ويحاصره الطامعون من جهة، والمارقون من جهة أخرى، والمخدوعون من جهة ثالثة… فهل تصدق عزائم المسلمين في نصرة دينهم، وهل يقومون بما عاهدوا الله عليه في قوله تعالى: “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة”؟

يدهشك أن تسمع من بعض المسالمين الاعتذار عن الجهاد… بما ورد من الأحاديث في التزام خاصة النفس عند فشو الأهواء، فنقول لهؤلاء: لي ذلك مما نحن فيه في شيء، فإن رسول الله (ص) يوصي بالتزام خويصة النفس حينما يشتبه الأمر ويلتبس الحق بالباطل، أما حين يتميز الحق من الباطل وينادي كل منهما شيعته وأنصاره للدعوة إليه، فالمسلم لا يكون مسلماً صادقاً إلا إذا أجاب دعوة الحق وكان في أول صفوف المجاهدين في سبيله، وهو ما نحن فه الآن.

أيها المسلمون إن هذا الباطل يجلب بخيله ورجله، ويقوم بالدعوة إليه جيوش من شيعته وأهله. وإن هذا الحق واضح جلي يدعو أهله لينصروه، ويستفزهم ليؤيدوه، وإن آية واحدة من آيات الجهاد لكفيلة بإثارة الهمم وشحذ العزائم وتجنيد المجاهدين لو فهم المسلمون معناها وقدروا مرماها.

ووالله لست أستطع تحليل نفس مسلمة تسمع كتاب الله يدعوها، ورسول الله (ص) يهيب بها، ثم لا تجيب داعياً ولا تلبي منادياً، أي حظ لهذه النفس من الإيمان وأي سهم لها في الإسلام؟

أيها المسلمون: إن ربكم عز وجل إنما يريد من أمة محمد (ص) ـ وهي خير أمة أخرجت للناس ـ أن يكونوا قادة للعالم وسادة للأمم تتوجهم العزة ويظلل رموسهم الفخار المادي والأدبي، ولا يكون المسلم مسلماً حتى يكون هادياً لغيره وسراجاً منيراً لسواه…

فتقدموا أيها الإخوان المسلمون إلى ميدان الجهاد بنفوس راضية مطمئنة ملؤها الغيرة الإسلامية والإيمان الصادق، وفكروا في العمل الجدي فقد مللنا الكتابة والخطابة والمقترحات التي لا يكون لها من النفاذ نصيب، والقول الذي لا يؤثر ولا يثمر، ونحن في أشد الحاجة إلى عمل جدي ننصر به ديننا ونرفع به كرامتنا، ولا نريد أن يكون مثلنا مثل ذلك الذي علم بوصول أحب الناس إليه فأخذ يعد العدة لاستقباله حتى فات موعد مقابلته، أو كالذي رأى مخنوقاً يحتضر فأخذ يصلح من ملابسه قبل أن يحل خناقه حتى مات في يده.

إن الأمر جلل يستدعي التفكير الجدي السريع والعمل المنتج في أقرب وقت، وإن كل وقت نضيعه في المناقشات والأقوال ليضيع منا فرصاً جليلة قد يكون في تضييعها تأخير أجل النصر إن لم نقل الفشل والهزيمة، وقد يبدو الأمر معقداً لأول نظرة ولكنه لن يستعصي على التفكير الحكيم والعزائم الصادقة.

وكتب في رسالة “إلى أيّ شيء ندعو الناس” عام 1934:

إن مهمة المسلم الحق لخصها الله تبارك وتعالى آية واحدة من كتابه، ورددها القرآن الكريم بعد ذلك في عدة آيات، فأما تلك الآية التي اشتملت على مهمة المسلمين في الحياة، فهي قول الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) الحج: 77، 78.

هذا كلام بيّن لا لبس فيه ولا غموض… أفلم يسمعه المسلمون قبل الآن؟ أم سمعوه ولكم على قلوبهم أقفالاً فلا تعي ولا تتدبر؟

يأمر الله المسلمين أن يركعوا ويسجدوا، وأن يقيموا الصلاة التي هي لب العبادة وعمود الإسلام وأظهر مظاهره، وأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن يفعلوا الخير ما استطاعوا… ورتب لهم على ذلك النجاح والفلاح والفوز، وتلك هي المهمة الفردية لكل مسلم التي يجب عليه أن يقوم بها بنفسه في خلوة أو جماعة.

ثم أمرهم بعد ذلك أن يجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا إلا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان…

وما أحكم ذلك القائل: (القوة أضمن طريق لإحقاق الحق، وما أجمل أن تسير القوة والحق جنباً إلى جنب)، فهذا الجهاد في سبيل لنشر الدعوة الإسلامية، فضلاً عن الاحتفاظ بمقدسات الإسلام، فريضة الله على المسلمين كما فرض عليهم الصوم والصلاة والحج والزكاة وفعل الخير وترك الشر، وألزمهم إياها وندبهم إليها، ولم يعذر في ذلك أحداً فيه قوة واستطاعة، وإنها لآية زاجرة رادعة: (انفروا خفافاً ثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفكم في سبيل الله) التوبة: 41…

أيها المسلمون: عبادة ربكم والجهاد في سبيل التمكين لدينكم وإعزاز شريعتكم هي مهمتكم في الحياة، فإن أديتموها حق الأداء فأنتم الفائزون، وإن أديتم بعضها أو أهملتموها جميعاً فإليكم أسوق قول الله تبارك وتعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون، فتعالى الله الملك الحق) المؤمنون: 115، 116.

لهذا المعنى، جاء في أوصاف أصحاب محمد (ص) وهم صفوة الله من خلقه والسلف الصالح من عباده: (رهبان بالليل وفرسان بالنهار)، وترى أحدهم في ليله ماثلاً في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السقيم ويبكي بكاء الحزين… فإذا انفلق الصباح ودوى النفير يدعو المجاهدين، رأيته رئبالاً على صهوة جواده، يزأر الزأرة فتدوي لها جنبات الميدان…

ولهذا المعنى أيها المسلمون، نفر المسلمون، بعد أن اختار نبيهم (ص) الرفيق الأعلى، في أقطار الأرض، قرآنه في صدورهم، ومساكنهم على سروجهم، وسيوفهم بأيديهم، حجتهم واضحة على أطراف ألسنتهم يدعون الناس إلى إحدى ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال. فمن أسلم فهو أخوهم له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن أدى الجزية فهو في ذمتهم وعهدهم يقومون بحقه ويرعون عهده ويوفون له بشرطه، ومن أبى جالدوه حتى يظهرهم الله عليه (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) التوبة: 32…

كان المسلمون يفهمون هذا قديماً، ويعملون له ويحملهم إيمانهم على التضحية في سبيله. أما في هذه الأيام، فقد تفرق المسلمون في فهم مهمتهم واتخذوا من التأويل والتعطيل سناداً للقعود والكسل، فمن قائل يقول لك: مضى وقت الجهاد والعمل، وآخر يثبط همتك بأن الوسائل معدومة والأمم الإسلامية مقيدة، وثالث رضي من دينه بكلمات يلوكها لسانه صباح مساء، وقنع من عيادته بركعات يؤديها وقلبه هواء.

لا أيها الإخوان، القرآن بينكم يناديكم بوضوح وجلاء: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) الحجرات: 15.

وأما السنة، فيقول لكم رسول الله (ص): “إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله، أدخل الله تعالى عليهم ذلاً لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم”…

وأنتم تقرؤون في كتب الفقه ما ألف منها قديماً أو حديثاً متى يكون الجهاد فرض كفاية، ومتى يكون فرض عين، وتعلمون حقائق ذلك ومعناه حق العلم، فما هذا الخمول الذي ضرب بجيرانه؟ وما هذا اليأس الذي قبض على القلوب فلا تعي ولا تفيق؟ هذا أيها المسلمون عصر التكوين فكونوا أنفسك وبذلكم تتكون أمتكم.

إن هذه الفريضة تحتاج منكم نفوساً مؤمنة وقلوباً سليمة، فاعملوا على تقوية إيمانكم وسلامة صدوركم، وتحتاج منكم تضحية بالمال والجهود فاستعدوا لذلك، فإن ما عندكم ينفد وما عند الله باق، وإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم جنة عرضها السماوات والأرض.

وكتب في رسالة “إلى الشباب وإلى الطلبة خاصة“:

أيها الشباب؛

لعل من أخطر النواحي في الأمة الناهضة… اختلاف الدعوات، واختلاط الصيحات، وتعدد المناهج، وتباين الخطط والطرائق، وكثرة المتصدين للتزعم والقيادة. وكل ذلك تفريق في الجهود وتوزيع للقوى ويتعذر معه الوصول إلى الغايات. ومن هنا كانت دراسة هذه الدعوات والموازنة بينها أمراً أساسياً لا بد منه لمن يريد الإصلاح.

ومن هنا كان من واجبي أن أشرح لكم في وضوح موجز دعوة الإسلام في القرن الهجري الرابع عشر.

لقد آمنا إيماناً لا جدال فيه ولا شك معه، واعتقدنا عقيدة أثبت من الرواسي وأعمق من خفايا الضمائر، بأنه لي هناك إلا فكرة واحدة هي التي تنقذ الدنيا المعذبة وترشد الإنسانية الحائرة وتهدي الناس سواء السبيل، وهي لذلك تستحق أن يضحى في سبيل إعلانها والتبشير بها وحمل الناس عليها بالأرواح والأموال وكل رخيص وغال، هذه الفكرة هي الإسلام الحنيف الذي لا عوج فيه ولا شر معه ولا ضلال لمن اتبعه… (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة: (3).

ففكرتنا لهذا إسلامية بحتة، على الإسلام ترتكز ومنه تستمد وله تجاهد وفي سبيل إعلاء كلمته تعمل. ولا تعدل بالإسلام نظاماً، ولا ترضى سواه إماماً، ولا تطيع لغيره أحكاماً: (ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) آل عمران: (85).

ولقد أتى على الإسلام والمسلمين حين من الدهر توالت فيه الحوادث وتتابعت الكوارث، وعمل خصوم الإسلام على إطفاء روائه وإخفاء بهائه وتضليل أبنائه وتعطيل حدوده، وإضعاف جنوده، وتحريف تعاليمه وأحكامه تارة بالنقص منها، وأخرى بالزيادة فيها، وثالثة بتأويلها على غير وجهها، وساعدهم على ذلك ضياع سلطة الإسلام السياسية وتمزيق إمبراطوريته العالمية وتسريح جيوشه المحمدية ووقوع أممه في قبضة أهل الكفر مستذلين مستعمرين.

فأول واجباتنا نحن الإخوان أن نبين لنا حدود هذا الإسلام واضحة كاملة بينة لا زيادة فيها ولا نقص بها ولا لبس معها؛ وذلك هو الجزء النظري من فكرتنا، وأن نطالبهم بتحقيقها ونحملهم على إنفاذها ونأخذهم بالعمل بها؛ وذلك هو الجزء العملي في هذه الفكرة.

وعمادنا في ذلك كلّه، كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله (ص)، والسيرة المطهرة لسلف هذه الأمة…

وسنجاهد في سبيل تحقيق فكرتنا، وسنكافح لها ما حيينا، وسندعو الناس جميعاً إليها، وسنبذل كل شيء في سبيلها، فنحيا بها كراماً أو نموت كراماً، وسيكون شعارنا الدائم: الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

أيها الشباب

إن الله قد أعزكم بالنسبة إليه والإيمان به والتنشئة على دينه، وكتب لكم بذلك مرتبة الصدارة من الدنيا ومنزلة الزعامة من العالمين وكرامة الأستاذ بين تلامذته: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران: (11).

فأول ما يدعوكم إليه أن تؤمنوا بأنفسكم، أن تعلموا منزلتكم وأن تعتقدوا أنكم سادة الدنيا، وإن أراد لكم خصومكم الذل، وأساتذة العالمين وإن ظهر عليكم غيركم بظاهر من الحياة الدنيا والعاقبة للمتقين…

إن العالم كله حائر يضطرب، وكل ما فيه من النظم قد عجز عن علاجه ولا دواء له إلا الإسلام، فتقدموا باسم الله لإنقاذه، فالجميع في انتظار المنقذ، ولن يكون المنقذ إلا رسالة الإسلام التي تحملون مشعلها وتبشرون بها.

أيها الشباب

إن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل واضح الخطوات؛ فنحن نعلم تماماً ماذا نريد ونعرف الوسيلة إلى تحقيق هذه الإرادة.

1 ـ نريد أولاً الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته… فهذا هو تكويننا الفردي.

2 ـ ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وعقيدته… وهذا هو تكويننا الأسري.

3 ـ ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضاً، ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت، وأن يسمع صوتنا في كل مكان، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار…

4 ـ ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدي الإسلام من بعد كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله (ص) من قبل. ونحن لهذا لا نعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه، ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية، ولا بهذه الأشكال التقليدية التي أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها، وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس من هذا النظام.

5 ـ ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة الغربية، وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية. ونحن لهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية، ولا نسلم بهذه الاتفاقيات الدولية، التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ممزقة يسهل ابتلاعها من الغاصبين…

6 ـ ونريد بعد ذلك، أن تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حيناً من الدهر ودوى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه، فتعود إلى الكفر بعد الإسلام، فالأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام…

7 ـ ونريد بعد ذلك، أن نعلن دعوتنا على العالم وأن نبلغ الناس جميعاً، وأن نعم بها آفاق الأرض، وأن نخضع لها كل جبار، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ويومئذ يفرح المسلمون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم…

أيها الشباب

على هذه القواعد الثابتة وإلى هذه التعاليم السامية ندعوكم جميعاً. فإن آمنتم بفكرتنا، واتبعتم خطواتنا، وسلكتم معنا سبيل الإسلام الحنيف، وتجردتم من كل فكرة سوى ذلك، ووقفتم لعقيدتكم كل جهودكم فهو الخير لكم في الدنيا والآخرة، وسيحقق الله بكم إن شاء الله ما حقق بأسلافكم في العصر الأول… وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب، والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة، فإن كتيبة الله ستسير غير عابئة بقلة ولا بكثرة (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) آل عمران: (126).

وكتب في رسالة “الإخوان المسلمون تحت راية القرآن”، وهي نص الخطاب الذي ألقاه في حديث الثلاثاء في 4 أبريل 1939 بدار المركز العام للإخوان المسلمين بالقاهرة:

أيها الإخوان المسلمون

أيها الناس أجمعون

إن الله قد بعث لكم إماماً، ووضع لكم نظاماً، وفصل أحكاماً، وأنزل كتابا، وأحل حلالاً، وحرم حراماً، وأرشدكم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم، وهداكم سواء السبيل، فهل اتبعتم إمامه، واحترمتم نظامه، وأنفذتم أحكامه، وقدستم كتابه، وأحللتم حلاله، وحرمتم حرامه؟

كونوا صرحاء في الجواب، وسترون الحقيقة واضحة أمامكم، كل النظم التي تسيرون عليها في شؤونكم الحيوية نظم تقليدية بحتة لا تتصل بالإسلام، ولا تستمد منه ولا تعتمد عليه.

نظام الحكم الداخلي، نظام العلاقات الدولية، نظام القضاء، نظام الدفاع والجندية، نظام المال والاقتصاد للدولة والأفراد، نظام الثقافة والتعليم، بل نظام الأسرة والبيت، بل نظام الفرد في سلوكه الخاص.

الروح العام الذي يهيمن على الحاكمين والمحكومين، ويشكل مظاهر الحياة على اختلافها، كل ذلك بعيد عن الإسلام وعن تعاليم الإسلام.

وماذا بقي بعد هذا؟

هذه المساجد الشامخة القائمة التي يعمرها الفقراء والعاجزون، فيؤدون فيها ركعات خالية من معاني الروحانية والخشوع إلا من هدى الله؟

هذه الأيام التي تصام في العام، فتكون موسماً للتعطل والتبطل والطعام والشراب…؟

هذه المظاهر الخادعة من المسابح والملابس، واللحى والمراسم، والطقوس والألفاظ والكلمات…

أهذا هو الإسلام الذي أراده الله أن يكون رحمته العظمى ومنته الكبرى على العالمين؟

أهذا هدى محمد (ص) الذي أراد به أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور؟

أيها الإخوان المسلمون

أيها الناس أجمعون

من الحق أن نعترف بأن موجة قوية جارفة وتياراً شديداً دفاقاً قد طغى على العقول والأفكار في غفلة من الزمن، وفي غرور من أمم الإسلام، وانغماس منهم في الترف والنعيم.. فقامت مبادئ ودعوات، وظهرت نظم وفلسفات، وتأسست حضارات ومدنيات، ونافست هذه كلها فكرة الإسلام في نفوس أبنائها، وغزت أممه في عقر دارها، وأحاطت بهم من كل مكان، ودخلت عليهم بلدانهم وبيوتهم ومخادعهم، بل واحتلت قلوبهم وعقولهم ومشاعرهم، وتهيأ لها من أسباب الإغواء والإغراء والقوة والتمكن ما لم يتهيأ لغيرها من قبل، واجتاحت أمماً إسلامية بأسرها، وانخدعت بها دول كانت في الصميم والذؤابة من دول الإسلام، وتأثر ما بقي تأثراً بالغاً ونشأ في كل الأمم الإسلامية جيل مخضرم إلى غير الإسلام أقرب، تصدر في تصريف أمورها واحتل مكان الزعامة الفكرية والروحية والسياسية والتنفيذية منها، فدفع بالشعوب مغافلة إلى ما يريد، ل إلى ما ألف، وهي لا تدري ما يراد بها ولا ما تصير إليه…

من الحق أن نعرف أنّى بعدنا عن هدى الإسلام وأصوله وقواعده، والإسلام لا يأبى أن نقتبس النافع، وأن نأخذ الحكمة أنّى وجدناها، ولكنه يأبى كل الإباء أن نتشبه في كل شيء بمن ليسوا من دين الله على شيء، وأن نطرح عقائده وفرائضه وحدوده وأحكامه لنجري وراء قوم فتنتهم الدنيا واستهوتهم الشياطين…

ما مهمتنا إذن نحن الإخوان المسلمين؟

أن نقف في وجه هذه الموجة الطاغية من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات، التي جرفت الشعوب الإسلامية، فأبعدتها عن زعامة النبي (ص) وهداية القرآن، وحرمت العالم من أنوار هديها، وأخرت تقدمه مئات السنين، حتى تنحسر عن أرضنا ويبرأ من بلائها قومنا، ولسنا واقفين عند هذا الحد، بل سنلاحقها في أرضها، وسنغزوها في عقر دارها، حتى يهتف العالم كله باسم النبي (ص)، وتوقن الدنيا كلها بتعاليم القرآن، وينشر ظل الإسلام الوارف على الأرض، وحينئذ يتحقق للمسلم ما ينشده، فلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله…

فمن تبعنا الآن فقد فاز بالسبق، ومن تقاعد عنا من المخلصين اليوم فسيلحق بنا غداً، وللسابق عليه الفضل، ومن رغب عن دعوتنا، زهادة، أو سخرية بها، أو استصغاراً لها، أو يأساً من انتصارها، فستثبت له الأيام عظيم خطئه، وسيقذف الله بحقنا على باطله فيدمغه فإذا هو زاهق.

وكتب في “رسالة الجهاد“:

فرض الله الجهاد على كل مسلم فريضة لازمة حازمة لا مناص منها ولا مفر معها، ورغب فيه أعظم الترغيب، وأجزل ثواب المجاهدين والشهداء، فلم يلحقهم في مثوبتهم إلا من عمل بمثل عملهم ومن اقتدى بهم في جهادهم. ومنحهم من الامتيازات الروحية والعملية في الدنيا والآخرة ما لم يمنح سواهم، وجعل دماءهم الطاهرة الذكية عربون النصر في الدنيا وعنوان الفوز والفلاح في العقبى، وتوعد المخلفين القاعدين بأفظع العقوبات، ورماهم بأبشع النعوت والصفات، ووبخهم على الجبن والقعود، وأعد لهم في الدنيا خزياً لا يرفع إلا إن جاهدوا، وفي الآخرة عذاباً لا يفلتون منه ولو كان لهم مثل أحد ذهباً، واعتبر القعود والفرار كبيرة من أعظم الكبائر وإحدى الموبقات المهلكات.

ولست تجد نظاماً قديماً أو حديثاً دينياً أو مدنياً، عنى بشأن الجهاد والجندية واستنفار الأمة، حشدها كلها صفاً واحداً للدفاع بطل قواها عن الحق، كما تجد ذلك في دين الإسلام وتعاليمه. وآيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول العظيم (ص) فياضة بكل هذه المعاني السامية، داعية بأفصح عبارة وأوضح أسلوب إلى الجهاد والقتال والجندية…

بعض آيات الجهاد في كتاب الله

1 ـ (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة: (216)؛ ومعنى كتب: فرض. كما قال تعالى: (كتب عليكم الصيام) في نفس السورة وبنفس العبارة والتركيب.

2 ـ (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير، ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون، ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) آل عمران: (156 ـ 158)؛ ومعنى ضربوا في الأرض خرجوا فيها مجاهدين، وغزى: غزاة محاربين. وانظر إلى مقارنة المغفرة والرحمة للقتل أو الموت في سبيل الله في الآية الأولى، وإلى خلو الآية الثانية من ذلك لخلوها من معنى الجهاد، وفي الآية إشارة إلى أن الجبن من أخلاق الكافرين لا المؤمنين، فانظر كيف انعكست الآية.

3 ـ (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) آل عمران: الآيات من (169 ـ 175) فارجع إلى تمامها في المصحف.

4 ـ (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) النساء: الآيات من (71 ـ 78). فارجع إلى المصحف الكريم لترى كيف يحض الله المسلمين على الحذر، وممارسة القتال في جيوش أو عصابات فرادى كما يقتضيه الحال، وكيف يوبخ القاعدين والجبناء والمخلفين والنفعيين، وكيف يستثير الهمم لحماية الضعفاء وتخليص المظلومين، وكيف يقرن القتال بالصلاة والصوم ويبين أنه مثلهما من أركان الإسلام، وكيف يفند شبهات المترددين ويشجع الخائفين أكبر تشجيع على خوض المعامع ومقابلة الموت بصدر رحب وجنان جريء، مبيناً لهم أن الموت سيدركهم لا محالة، وأنهم إن ماتوا مجاهدين فسيعوضون عن الحياة أعظم العوض، ولا يظلمون فتيلاً من نفقة أو تضحية.

5 ـ سورة الأنفال كلها حث على القتال وحض على الثبات فيه، وبيان لكثير من أحكامه. ولهذا اتخذها المسلمون الأولون نشيداً حربياً يتلونه إذا اشتد الكرب وحمى الوطيس، وحسبك منها قول الله تبارك وتعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) الأنفال: (60) إلى قوله: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) الأنفال: (65.)

6 ـ سورة التوبة وكلها كذلك حث على القتال وبيان لأحكامه، وحسبك منها قول الله تبارك وتعالى في قتال المشركين الناكثين: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم) التوبة: (14، 15).

وقوله تبارك وتعالى في قتال أهل الكتاب: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) التوبة: (29)، ثم إعلان النفير العام في آيات داوية صارخة ختامها قوله تعالى: (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) التوبة: (41)، ثم تنديد صارخ بموقف القاعدين الجبناء الأنذال، وحرمان لهم من شرف الجهاد أبد الآبدين في قوله تعالى: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون، فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون، فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين) التوبة: (81 ـ 83…)

هذا يا أخي بعض المواضع التي ورد فيها ذكر الجهاد وبيان فضله، وحث المؤمنين عليه وتبشير أهله بالثواب الجزيل والجزاء الجميل، وكتاب الله مملوء بمثلها فتصفحه وتدبر ما جاء فيه من هذا الباب، تر العجب العجيب، وتدهش لغفلة المسلمين عن اغتنام هذا الثواب.

وكتب في مقال بعنوان “صناعة الموت” نشر في سبتمبر 1938، وأعاد نشره في غشت 1946 بعد تغيير عنوانه إلى “فن الموت“:

أجل.. صناعة الموت، فالموت صناعة من الصناعات، من الناس من يحسنها فيعرف كيف يموت الموتة الكريمة، وكف يختار لموتته الميدان الشريف والوقت المناسب، فيبيع القطرة من دمه بأغلى أثمانها، ويربح بها ربحاً أعظم من كل ما يتصور الناس، فيربح سعادة الحياة وثواب الآخرة، ولم تنتقص عن عمره ذرة، ولم يفقد من حياته يوماً واحداً، ولم يستعجل بذلك أجلاً قد حدده الله.

ومن الناس جبناء أذلة، جهلوا سر هذه الصناعة، وغفلوا عن مزاياها وفضائلها، فمات كل واحد منهم في اليوم ألف موتة ذليلة، وبقي وموتاته هذه حتى وافته الموتة الكبرى ذليلة كذلك، لا كرم معها ولا نبل فيها، في ميدان خامل خسيس ضارع، وقضى ولا ثمن له، وأهدر دمه ولا كرامة.

إن القرآن الكريم علم المسلمين سر هذه الصناعة، وأرشدهم إلى فضائلها وأرباحها ومزاياها، وندبهم إليها في سور كثيرة، مثل قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين)، وقوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن).

وقد عرف هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف هذه الأمة، وعرفوا أنهم لن يتجاوزا قدراً قد أمضى وسلف، ولن يحرموا أجراً قد عظم وكتب، ولن يستبقوا أجلاً قد قدر وحدد، فأحسنوا هذه الصناعة أيما إحسان، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أن أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل”…

ثم جاءت من بعد ذلك خلوف من المسلمين ركنوا إلى الدنيا في العبث واللهو، وأهملوا مواد القوة، وجهلوا صناعة الموت، وأحبوا الحياة، وتنافسوا على لقب كاذب، وجاه زائل، ومال ضائع، ومظهر زائف، وتعس عبد الدينار، عبد الدرهم، عبد القطيفة، فوقعوا في الذلة، واستمكن منعم العدو، وخسروا سيادة الدنيا، وما أعظم تبعتهم في الآخرة، وحق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تداعت على المسلمين الأمم، ونزع الله من قلوب أعدائهم المهابة منهم، وقذف في قلوبهم الوهن، وإنما الوهن حب الدنيا وكراهة الموت.

وتحت عنوان “الإخوان والثورة والقوة“، كتب في “رسالة المؤتمر الخامس”، وهي ملخص الخطاب الذي ألقاه في المؤتمر الدوري الخامس للجماعة الذي انعقد بالقاهرة في الأول من يناير 1939:

ويتساءل كثير من الناس: هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غاياتهم؟ وهل يفكر الإخوان المسلمون في إعداد ثورة عامة على النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر؟ ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة، بل إني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا في وضوح وفي جلاء، فليسمع من يشاء.

أما القوة، فشعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته، فالقرآن الكريم ينادي في وضوح وجلاء “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” الأنفال: (6)… بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء، وهو مظهر الخشوع والمسكنة… فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قوياً في كل شيء، شعاره القوة في كل شيء؟.. فالإخوان المسلمون لا بد أن يكونوا أقوياء، ولا بد أن يعملوا في قوة.

ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكراً وأبعد نظراً من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصوا في أعماقها ولا يزنوا نتائجها… فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ثم يلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعاً، وإنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك.

هذه نظرة، ونظرة أخرى: هل أوصى الإسلام ـ والقوة شعاره ـ استخدام القوة في كل الظروف والأحوال؟ أـم حدد لذلك حدوداً واشترط شروطاً ووجه القوة توجيهاً محدوداً؟

ونظرة ثالثة: هل تكون القوة أول علاج أم أن اخر الدواء الكي؟ وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف؟ أم من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون…؟

وبعد كل هذه النظرات والتقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء، وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح.

*-النظام الخاص

النظام الخاص أو التنظيم الخاص هو الجناح العسكري/ الجهادي لجماعة الإخوان المسلمين الذي أسسه حسن البنا بين عامي 1939 و40 لـ “تمثيل” و”تحقيق” فكرة الجهاد الإسلامي في واقع وعمل الجماعة.

وكان البنا قد مهد لتحويل الإخوان من جماعة دينية / دعوية إلى حركة جهادية مسلحة بإنشاء “فرق العمل” أو “فرق الرحلات” التي تغير اسمها عام 1934 إلى “فرق الجوالة”، ثم أنشأ نظام الكتائب: كتائب أنصار الله في أواخر عام 1937، وهي تشكيلات شبه عسكرية كانت تضم خاصة / نخبة الإخوان الذين يعدهم بنفسه لحمل أعباء الدعوة / الجهاد.

يقول محمود عبد الحليم: عضو الهيئة التأسيسية للإخوان وصديق البنا المقرب، في الجزء الأول من كتابه “الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ ـ رؤية من الداخل ـ” الصادر عام 1979:

“يخيّل إليّ أن الأستاذ المرشد رسم في ذهنه صورة لوسائل إبراز حقيقة الدعوة الإسلامية، فوجد أن هذه الصورة لا تكتمل إلا بوجود مظهر للقوة البدنية، ولم يستطع التعبير عن هذا المظهر في ذلك الوقت كما لم تسعفه الوسائل…

كما أنه أراد… أن يعبر عن معنى الجهاد في الفكرة الإسلامية، فكلف نجاراً ـ بإرشاد من أحد العسكريين ـ بصناعة أنموذج لبندقية، وكان هذا الأخ العسكري يدربنا في فناء الدار على استعمال البندقية في مختلف الظروف والأوضاع بهذا النموذج الخشبي. فلما تم الانتقال إلى الدار الجديدة… ووجدت السعة، ووجد الشباب المتطلع إلى الحركة والنشاط، رأى الأستاذ الفرص مواتية لإبراز الصورة التي في ذهنه إبرازاً أوضح فطور فرق الرحلات إلى فرق الجوالة.

والصورة التي رسمها الأستاذ في ذهنه منذ قام بدعوته في الإسماعيلية عن هذا الجانب من نشاط الدعوة، لم تكن هي فريق للرحلات أو فريق الجوالة، وإنما كانت فريقاً عسكرياً يحقق فكرة الجهاد في الإسلام، إلا أن الرجل وقد آتاه الله الحكمة… لم يكن يؤمن بالطفرة، بل كان يؤمن بالتطور وبأنه قانون الحياة، ولا بد للدعوات أن تخضع لقوانين الحياة، إذا هي أرادت أن تشق طريقها…

كان الأستاذ يتحرق شوقاً إلى إبراز الدور العسكري لتجلية فكرة الجهاد، ولكنه رأى الدعوة لا زالت في مهدها، ولم تتجاوز في طورها الجديد مرحلة الحبو، ورأى الحكومات المصرية ومن ورائها الإنجليز لا بد أنهم متربصون ـ في يوم ما ـ بالدعوة الدوائر؛ لأنها عدوهم الأساسي، إذن فلا بد من أن تتحاشى الدعوة في هذا الطور كل ما يعتبرونه في عرفهم خروجاً عن القانون”.

في ما يلي تعريف بالنظام الخاص للإخوان المسلمين (سيشار إليه من الآن باسم التنظيم) يتناول بناءه الهيكلي ومراحل تجنيد وتكوين أعضائه وعملياته من واقع لوائحه الداخلية والشهادات / المذكرات المنشورة لبعض قادته وكوادره.

تشكلت الهيئة التأسيسية للتنظيم رسمياً عام 1940، وضمت خمسة عناصر من قيادات الإخوان، كلفهم البنا بالإشراف عليه وهيكلته ووضع قواعده وبرامجه التدريبية على أساس الأصول الإسلامية للجندية: صالح عشماوي (الوكيل العام للجماعة)، حسين كمال الدين (الرئيس السابق لفرق الجوالة)، محمود عبد العزيز، حامد شريت، عبد العزيز أحمد.

عهد البنا برئاسة التنظيم في البداية لصالح عشماوي، ثم تحولت القيادة في يونيو 1941 إلى عبد الرحمن السندي: وهو موظف بوزارة الزراعة.

ظل التنظيم محاطاً بالسرية المطلقة، يتبع المرشد العام مباشرة، ولا يعرف أحد من الإخوان بوجوده إلا أعضاؤه، وله ميزانية مستقلة عن الميزانية العامة للجماعة، حتى عام 1948 عندما سقطت قيادته وانكشفت أوراقه ومستنداته في ما يعرف في تاريخ الإخوان بـ “قضية السيارة الجيب” (سيأتي الحديث عنها لاحقاً).

ومن بين هذه الأوراق/ المستندات قانونه الأساسي المعروف باسم “قانون التكوين”، الذي يحدد لوائحه الداخلية والقواعد التي تنظم مهامه، وتراتبية قيادته، وطرق إصدار الأوامر وتسلسلها، والسلطات والمسؤوليات الخاصة بهيئة القيادة وأركان الحرب، وواجبات الأمراء، وواجبات الجنود، وأنواعهم، والشروط التي يلزم توافرها فيهم، وكيفية ترشيح الأفراد دون علمهم، وطرائق تكوين الفرد وإعداده بعد قبول الترشيح وغيرها من المعلومات المفصلة.

وقد كتب هذا “القانون” لجنة رباعية مكونة من عبد الرحمن السندي (قائد التنظيم)، ومحمود الصباغ (من قيادات الصف الأول)، وحسين كمال الدين (عضو اللجنة التأسيسية)، وعلام محمد علام (مدرس كيمياء بالكلية الحربية وأحد كوادر التنظيم).

*- البناء الهيكلي ـ القيادة

في الجزء الخاص بالبناء الهيكلي، يتكون الجهاز من ثلاث هيئات: هيئة القيادة، هيئة الأركان (اللجنة الفنية)، والجنود. إلى جانب عدد من الأقسام التنفيذية أهمها: جهاز التسليح، جهاز الأخبار أو المعلومات (الاستخبارات)، جهاز التدريب:

جاء في أوراق “التكوين”

“إن للجيش هيئات ثلاث: القيادة ـ والأركان ـ والجنود.

ـ القيادة: تتكون من مجلس مكون من عشرة أشخاص؛ مهمتهم دراسة طرق التنفيذ لما يصل من خطط صادرة من الأركان، وتنفيذ كل ما هو ممكن عمله، وإصدار بيانات يشترك فيها جميع الأعضاء، وبيان الصعوبات القائمة في طريق تنفيذ ما يراه المجلس غير قابل للتنفيذ، كما أن من وظيفة هذا المجلس الإشراف التام على أحوال الجند والاطمئنان على دوام قوتهم المعنوية؛ وذلك بدراسة التقارير التي تصل عن كل فرد أو كل مجموعة، والمطالبة بإيضاحات إذا كان في التقارير إهمال بعض النواحي، كما أن مهمة المجلس دراسة برنامج روحي قوي يشمل قصص الأبطال وطريقة المغامرات على أن تصل هذه القصص والروحانيات إلى الجنود شفوياً، ويقوم المجلس بالاتصال بالقيادة العليا وتبليغ الأركان بكل ما يحتاج إليه من إرشاداتها، ويجب أن يكون كل فرد من الأفراد العشرة المكونين لمجلس القيادة على استعداد لتولي القيادة في أي لحظة.

ـ الأركان أو اللجنة الفنية: وهي مجلس مكون من خمسة أشخاص، ويمكن أن يزيد عدده كلما احتاج الأمر، ومهماته وضع خطط لتنظيم القوات في كل من أوقات السلم والحرب، ودراسة المعدات عملياً وتحديد ما يصلح منها لاستعمال الجيش وطرق استعمالها وحفظها مع تحديد الأهداف ورسم خطة تنفيذها من زمان ومكان وقوات، ودراسة كل ما يصل إليها (إلى الأركان) عن طريق مجلس القيادة من صعوبات ومشاكل عملية ومطالب مستجدة، وإصدار بيانات بنتيجة الدراسة ترسل إلى مجلس القيادة.

ـ الجنود: مهمتهم الاستعداد الروحي والعقلي والطاعة والتنفيذ، وهم ثلاثة أنواع:

  • النوع الأول، يمكن أن يكون بعيداً عن النشاط الظاهري، وهذا النوع يجب أن ينقطع انقطاعاً تاماً، ويمكن تكليفه بدراسات أكثر اتساعاً وأعمال أكثر خطورة.
  • النوع الثاني، لا يبتعد عن النشاط الظاهري، ويكون معداً، ولا يستخدم أبداً إلا وقت الحرب العلنية، ويلاحظ أن يجري تدريبه في حرص تام.
  • النوع الثالث، يمكن أن يموِّن الناحية العامة من الناحية الخاصة، ولكن بعد تمام التكوين حتى يتيسر الانقطاع التام عن الناحية الخاصة.

ويراعى في هذا النظام إمكان زيادة النوع الأول قدر المستطاع؛ وذلك بتقليل الاجتماعات السرية إلى أقل عدد ممكن ليساعد ذلك على إثبات انقطاعه عن أي نشاط عام أو خاص لدى جميع أصدقائه وأقاربه”.

وبالنسبة إلى سلسلة القيادة، فهي “تتشكل من خمسة أفراد يمثلون الصف الأول في قيادة النظام، ويرأس كل منهم مجموعة تتكون من خمسة أشخاص، فيكون مجموع الأفراد الجدد عشرون فرداً يمثلون الصف الثاني في قوة النظام، ثم يرأس كل فرد من هؤلاء الخمسة مجموعة أخرى تتكون من خمسة أشخاص، فيكون مجموع الأفراد الجدد ثمانون فرداً يمثلون الصف الثالث في قوة النظام، وهكذا إلى ما لا نهاية.

وبهذا التسلسل يكون عدد الأفراد الذين يمكن أن يتصل بهم أي عضو من أعضاء النظام في ما يتصل بأعمال الجيش الإسلامي لا يزيد على ثمانية أفراد، وفي هذا ضمان لسرية أعمال هذا الجيش في حالة وقوع أي فرد من أفراده في قبضة الأعداء وتعرضه للتعذيب للإدلاء بأسماء من يعرفهم من الأعضاء”.

والخمسة أفراد الذين يشكلون الصف الأول في قيادة الجهاز هم على الترتيب:

ـ عبد الرحمن السندي

ـ مصطفى مشهور (أصبح المرشد الخامس للجماعة عام 1996)

ـ محمود الصباغ

ـ أحمد زكي حسن

ـ أحمد محمد حسنين.

*- التجنيد

في ما يتعلق بالتجنيد، جاء في أوراق “التكوين” أن “أحد أفراد الجيش يرشح شخصاً يرى من روحه ما يناسب التجنيد، ثم يرسل الترشيح إلى القيادة العليا مرفقاً به بيان الأسباب التي دعت الفرد إلى هذا الترشيح، مع تقرير شامل عن حالة المرشح الصحية والاجتماعية وطباعه البارزة وميوله الحزبية وثقافته، ويذكر أمام كل حالة التفصيلات الخاصة بها. ولا يقبل الترشح إلا عن طريق دراسة كل المراحل أو معظمها، حتى يمكن الثقة بحسن التقدير، وأنه يكفي الميل لأي حزب آخر لكي يرفض الترشيح رفضاً باتاً، إذ يجب أن يكون المرشح مؤمناً تماماً بصلاحية الدعوة كمبدأ، وأنه متى توفر هذا الإيمان التام فإنه يمكن ضم أي شخص ولو كان ذا عاهة، إذ إن لكل عمل يناسبه، ومجلس القيادة هو الذي يقبل الترشيح أو يرفضه”.

وفي حال قبول الترشيح، يخضع المجند لكشف طبّي شامل لتقييم وضعه الصحي ولياقته البدنية يتناول الحالة العامة والطول ومحيط الصدر في حالتي الشهيق والزفير وقوة الإبصار وحالة البطن والجهاز الدوري والجهاز التنفسي والجهاز العصبي إلخ…

وكان المسؤول عن هذا الكشف الدكتور أحمد الملط الذي أصبح في السبعينيات نائباً للمرشد العام.

ومعلوم أن أحمد الملط هو مسؤول “حملة الإغاثة الطبية للإخوان المسلمين لدعم الجهاد الأفغاني” في الثمانينيات، والتي من خلالها التحق طبيب شاب بأفغانستان اسمه أيمن الظواهري.

  • التكوين الأولي لعضو المجند

في الجزء الخاص بالتكوين الأولي للعضو المجند، جاء في الأوراق:

“يقوم بذلك جماعة يسمون بـ “المكونين” ويتخصصون في هذا العمل، ويقابل المكوِّن الشخص (المرشح للانضمام إلى النظام) على انفراد في مكان محدد كمنزل، ويكون الضوء مناسباً، حيث يكون للمقابلة الأثر المطلوب في نفس الشخص، ويتم التكوين في عدة جلسات:

ـ الجلسة الأولى للتعارف: وفيها يكون السؤال عن نواحي الجهاد والأنشطة التي يشترك فيها الفرد والأعمال التي ساهم فيها، مع النصح بالعدول عن المكيفات (المقصود السجائر والقهوة) إذا كان الشخص من المتعودين عليها، والاستعلام عن خصائص صحته مع إيصائه بكتمان ما دار وما قد يدور في الجلسات الأولى.

ـ الجلسة الثانية روحية: تشمل تلاوة القرآن والمأثورات والصلاة، مع تأكيد الثقة التامة بالقيادة، وسؤال شخصي عن عمل ما، لاستيضاح مدى اقتناعه بمشروعية العمل، وتوجيهات خاصة بالكتمان والصمت والطاعة وحسن تكييف الأمور وتغطية المواقف والهرب من التورط.

ـ الجلسة الثالثة: تتم فيها التوجيهات اللازمة عند تأدية العمل بأن يكون الشخص طبيعياً، ولا يتكلف عندما يحمل شيئاً أو يقوم بعمل، وأن يفكر سلفاً في كل حركة يقوم بها مع ضرب الأمثلة لكل حالة بقصة، ثم تكليف الشخص بكتابة وصيته ويسلمها للقائم بالتكوين قبل الجلسة الرابعة.

ـ الجلسة الرابعة: في هذه الجلسة يتم الاختبار بتكليف صامت وفي مكان ناء مع تكليف شخص آخر بمراقبته.

ـ الجلسة الخامسة: يكلف الشخص بعمل له أهمية، وترسم الخطة “سرياً”، ويعطى الشيء لاستعماله؛ وذلك بعد دراسة تفصيلية.

ـ الجلسة السادسة: تقييم العبرة من التكليف والنتائج والعلاج على ضوء الجلسات السابقة، ووجوب تفسير مقبول لكل شيء قبل أن يحدث، وإعداد إجابات لكل الأسئلة المنتظرة.

ـ الجلسة السابعة: مراقبته أثناء التنفيذ، ويُفهم الشخص في آخر لحظة بالعدول عن الفكرة مع توضيح الأسباب بشكل معقول.

ـ الجلسة الثامنة والأخيرة: في حالة النجاح في الاختبار السابق، يقدم الشخص للبيعة في القاهرة بصحبة باقي أفراد جماعته، ويكون ارتباط أفراد الجماعة لأول مرة. يقوم رقم (1) بتوصية الأفراد بحق الطاعة لأميرهم بعد البيعة مباشرة. وفي حالة الرسوب في أحد الاختبارات السابقة يلحق الأخ بأسرة أو ما شابه ذلك من الأعمال العامة، وفي حالة النجاح يفهم أن ما فات إنما كان اختباراً، وأنه اجتازه بنجاح، وأنه الآن في انتظار أوامر حقيقية.

-التكوين بعد البيعة

أما تكوين العضو بعد البيعة، فيتم على عدة مراحل على النحو التالي:

ـ المرحلة الأولى: مدتها خمسة عشر أسبوعاً تعطى فيها خمس عشرة حصة على الأقل، وموضوع الدراسة تعارف تام؛ أي معرفة تامة بظروف الأفراد وأوقات فراغهم وكيفية الاتصال بهم في الأحوال العادية وفي الحالات الفجائية، وتذكير بحق البيعة، وتدارس التكاليف الثابتة بجدول المحاسبة، وإعطاء بعض الدروس في السويدي، ومعرفة كيفية تقديم تقرير، ودراسة مقطعة من المحفوظات (اسم حركي للسلاح) دراسة تفصيلية، ومعرفة التوجيهات الخاصة بجمع الأخبار وتلخيصها وتقديم التقارير عنها، ودراسة رسالتين من المأثورات وجزءين من المصحف الشريف، والقيام برحلة رياضية، ثم دراسة باقي قطع المحفوظات (=السلاح)، والقيام برحلة تدريب، مع تكليف بدراسة كتابين لكل فرد من المنهج الثقافي الخاص بهذه المرحلة؛ وذلك لتقديم تقرير كتابي عنهما، ودروس في القانون، ثم تدارس للتقارير التي قدمت عن الكتب والقيام برحلة رياضية ودروس في الإسعاف.

وأشير في بند الملاحظات الخاص بهذه المرحلة، إلى مراعاة التكاليف الروحية والرياضية في كل حصة، مع مراقبة تنفيذ جدول المحاسبة، وأنه في حالة وجود أفراد غير متعلمين بالجماعة يكلف المتعلمون بتعليمهم بقدر المستطاع، وتدريس الكتب الثقافية لهم. كما أشير إلى وجوب إجادة ركوب الدراجة والتجديف والسباحة وأنواع الرياضة الأخرى بحسب الحالة (صيفاً أو شتاء)، وممارسة السويدي والملاكمة والمصارعة وغيرها أثناء الرحلات الرياضية.

وبعد الانتهاء من الدراسة في هذه المرحلة، تعقد القيادة امتحاناً فيما ورد فيها لأفراد الجماعات بعد دفع تأمين قدره جنيه مصري من كل فرد، يرد للناجحين دون الراسبين، مع منح جوائز قيّمة للممتازين.

المرحلة الثانية: مدة الدراسة خمسة عشر أسبوعاً يعطى في خلالها خمسة عشر درساً على الأقل موضوعها تحليل البرنامج لهذه المرحلة، ودراسة قانونية ودراسة نظرية في تقدير المسافات ورحلة خلوية لتقدير المسافات عمليا، ودراسة جغرافية في رسم الخرائط وقراءتها، ودراسة البوصلة دراسة تفصيلية نظرية، ورحلة تطبيقية لرسم خريطة مع تقدير المسافات واستعمال البوصلة، وتكليف الأفراد بتقديم تقارير عن هذه الرحلة الأخيرة قبل بدء الجلسة التالية، ثم مناقشة التقارير في جلسة أخرى، والقيام برحلة سفن شراعية ورحلة تدريب ودروس في الإسعاف.

وجاء في الملاحظات الخاصة بهذه المرحلة، أنه يلزم إجادة السفن الشراعية إذا كان الوقت صيفاً، والملاكمة إذا كان الوقت شتاء، وأن تكون التكاليف الروحية موضع رقابة من أمير الجماعة في جميع الجلسات، وأنه عند بدء تنفيذ هذه المرحلة يجب أن يتطوع أحد أفراد هذه الجماعة في جمعية الإسعاف العمومية، مع المواظبة على أعمال الجمعية، ثم يجري في آخر المرحلة امتحان بنفس شروط المرحلة الأولى.

ومن بين الملاحظات، ملاحظة تحت رقم (12) وجاء فيها أن ليس لأحد مهما كانت منزلته بين الجماعة الحق في رفع الأمر إلى القيادة إلا عن طريق رقم (1)، ومخالفة ذلك ينظر فيها مجلس للتحقيق.

كما توجد ملاحظة أخرى تحت رقم (13) موضوعها أن أيّ خيانة أو إفشاء سرّ بحسن قصد أو بسوء قصد يعرض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه، مهما كانت منزلته ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة.

المرحلة الثالثة: مدتها خمسة عشر أسبوعاً ودروسها خمسة عشر درساً، وتشمل تحليل برنامج المرحلة، وقيادة الموتوسيكل وسيارة، ورحلة رياضية أخرى للتدريب، ودروس في القانون، ودراسة منطقة معينة في القاهرة والأقاليم مع رسم خريطة جغرافية لها وبيان الأبنية الهامة تفصيلياً، ودروس في الإسعاف.

وأشير في الملاحظات الخاصة بهذه المرحلة، أنه يجب قيادة الموتوسيكل مع ملاحظة التكاليف الروحية لجميع الجلسات، وأشير إلى أنه سيعقد امتحان بنفس شروط الامتحانات السابقة.

المرحلة الرابعة: مدتها خمسة عشر أسبوعاً ودروسها خمسة عشر درساً، وتشمل تحليل برنامجها، وأن يقوم كل فرد من أفرادها بحصر قوات بوليس قسم معين، وقيادة سيارة إن أمكن أو رحلة رياضية كركوب الخيل والجمال، وحصر قوات المرور وأماكنهم في منطقة معينة، ودراسة عملية شاملة لمدينة القاهرة؛ وذلك ببيان أحيائها وعلاقتها ببعض ومسالكها ومواصلاتها وكيفية مهاجمة مكان ما، ورحلة تدريب ودروس في القانون، وإقامة معسكر للمبيت تمارس فيه أنواع الرياضة المختلفة ودراسة حربية، ثم دراسة في التعقب يقوم بها كل فرد، ودروس في الإسعاف.

وجاء في الملاحظات الخاصة بهذه المرحلة أنه من الضروري مراقبة التكاليف الروحية في كل حصة، وإجادة قيادة السيارة أو ركوب الخيل والجمال، وإجادة السفن الشراعية إن كان الوقت صيفاً أو الملاكمة إن كان الوقت شتاء، ثم أشير في نهاية الملاحظات إلى عقد امتحان في آخر المرحلة بنفس الشروط السابقة.

ويذكر أحمد عادل كمال: أحد قيادات التنظيم، في مذكراته “النقط فوق الحروف: الإخوان المسلمون والنظام الخاص” الصادرة عام 1987، نموذجاً للأسئلة التي كانت تطرح في الامتحان النهائي للمرحلة الأساسية من “التكوين”:

1 ـ القرآن الكريم:

ـ (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها)

أكمل خمس آيات بعد هذه الآية مع التشكيل.

ـ كيف تميز بين الآيات المكية والآيات المدنية؟

2 ـ الحديث الشريف:

ـ اكتب خمسة أسطر عن كل واحد من: صحيح مسلم ـ جامع الترمذي ـ سنن أبي داود ـ مجتبى النسائي ـ صحيح الترمذي ـ سنن ابن ماجه.

ـ اشرح التعبيرات الآتية: المرسل ـ المسند ـ المرفوع ـ الغريب ـ المدرج ـ المضطرب ـ الصحيح ـ الحسن ـ الضعيف ـ الشاذ.

3 ـ السيرة:

ـ كيف كانت غزوة الخندق نقطة تحوّل في تاريخ المسلمين؟

ـ اذكر ما تعرفه عن غزوة مؤتة.

4 ـ الدعوة:

ـ ما الأركان الثلاثة التي تقوم علها دعوتنا كما جاءت في رسالة “دعوتنا”؟

ـ ما المراد بالجهاد كركن من أركان دعوتنا؟

5 ـ الرحلات:

ـ اذكر ما قمت به من رحلات وفق هذا البرنامج.

6 ـ التكتيك:

ـ اشرح باختصار تكتيكات الانسحاب.

ـ ما أهمية الدوريات؟ وما أنواعها؟

ـ ما القواعد التي يجب على قائد الجماعة أن يراعيها حال تسلل جماعته نحو العدو؟

7 ـ حرب العصابات:

ـ اذكر مواضع الطعن القاتلة، وكيف تصيبها من خصمك.

ـ اشرح كوكتيل مولوتوف وكيفية استعماله.

8 ـ الطبوغرافيا:

ـ عرف خطوط الكنتور وخطوط الطول والعرض.

ـ ارسم الاصطلاحات التي تدل على المدلولات الآتية:

مستنقع ـ أسلاك شائكة ـ أشجار ـ مواقع يهود ـ جبانة.

9 ـ الإسعاف:

ـ اشرح كيفية إجراء عملية التنفس الصناعي.

10 ـ الأسلحة الصغيرة

ـ اذكر ما تعرفه عن ميزات قنبلة الأنيرجيا وفيم تستعمل.

ـ ما الأثر الذي تحدثه أنواع الرياح المختلفة من مسافات 200 و300 و400 ياردة إذا هبت الريح من اتجاه الساعة؟

11 ـ المفرقعات:

ـ احتجت إلى قنبلة 75 ولم تجدها. اذكر تفصيلاً كيف تجهزها محلياً وما استعمالها؟

ـ اذكر ميزات استعمال النسف بالكهرباء واستعمال النسف بالفتيل.

الحاصل من شهادات ومذكرات قادة التنظيم المنشورة، أن المجندين الجدد كانوا يتلقون في وقت واحد نوعين من الإعداد: الأول ديني / عقائدي والثاني عسكري / قتالي.

الإعداد الديني يهدف إلى ترسيخ فكرة استخدام القوة في نفوسهم، وإقناعهم بفرْضية الجهاد على كل مسلم، وبأن مقاتلة العدو تستلزم وجود جيش مسلم معد بسلاح يتناسب مع أسلحة العدو، وبأن الإخوان يجهزون هذا الجيش لقتال أعداء الدين/ الدعوة من الكفار والمنافقين، وإقامة دولة الإسلام في مصر والانطلاق منها إلى البلدان الأخرى كما فعل النبي أول مرة، وهذا الإعداد أو الشحن الديني / العقائدي يبدأ في مرحلة متقدمة: أي عند اختيار العضو وترشيحه للانضمام إلى الجهاز. ويذكر عبد المجيد حسن: منفذ عملية اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي عام 1948، أنه قرر الالتحاق بالجهاز بعد أن أقنعه أحد مسؤولي الجماعة بأن “الدعوة لا ينقصها لتصير شبيهة بالدعوة المحمدية إلا استعمال السلاح، وأن الإخوان لم ينسوا هذا الباب، وسيقومون بتنفيذه”.

أما التكوين العسكري، فكان عبارة عن تدريبات متقدمة على استخدام مختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات، بالإضافة إلى كيفية القتل بوساطة الخنجر، وأساليب الخنق وأحدث وسائله، وقيادة السيارات والدراجات، وتقنيات حرب العصابات، وتخريب المواصلات والسكك الحديدية، وكيفية تعطيل عربات الشرطة، وتصوير الأهداف من بعيد، والإسعافات الأولية، وأعمال التخفي والتنكر والمراقبة والتعقب.

وكانت هذه التدريبات تتم في معسكرات سرية في مناطق صحراوية وجبلية مختلفة.

ويقول محمود الصباغ في مذكراته “حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين” الصادرة عام 1987:

“لم يكن الأمر يقتصر على الدراسة النظرية من فك وتركيب وتنظيف لقطع الأسلحة المختلفة وأنواع القنابل المختلفة في الاجتماعات، ولكن كان لا بد من التدريب على ضرب النار واستعمال القنابل. وقد اتخذ النظام من الجبال والصحاري المحيطة بالقاهرة ونظائرها في الأقاليم ميادين للتدريب. فكنا نختار مخبأ أميناً في أعماق الجبال يكون قريباً منه واد مناسب للتدريب، ثم تحدد مواعيد وبرامج لكل مجموعة بقيادة أميرها للذهاب إلى الوادي المختار، حيث يترك الأمير المجموعة ويحضر الأسلحة والذخائر اللازمة للتدريب من مخبئها، ويبدأ التدريب بالذخيرة الحية، ثم يعيد أمير المجموعة الأسلحة وما بقي من ذخائر إلى مخبئها، ويقود المجموعة إلى القاهرة في أمان تام، ولم يختلف نظام التدريب في القاهرة عنه في الأقاليم إلا بوفرة التسهيلات في الأقاليم حيث تتوفر الأسلحة والذخائر والأماكن الأمينة التي يتم فيها التدريب دون جهد كبير.

ولم يقتصر تفكير النظام الخاص على التدريب على الأسلحة والقنابل التقليدية، بل فكر في صناعة ما يستطيع تصنيعه محلياً من المتفجرات التي لا تتوفر في الأسواق مثل قطنة البارود، فقد تم إنتاجه بنجاح، وكذلك ساعات التوقيت التي تحدد وقت انفجار العبوة الزمنية، فقد تم تطوير الساعات العادية إلى ساعات زمنية لتفجير العبوات”.

الطاعة

جاء في أوراق “التكوين” بخصوص الطاعة أن “لأمير الجماعة حق الطاعة التامة على جميع أفراد جماعته، وأن للأمير أن يستشير أفراد جماعته دون أن يكون عليه إلزام، إذ له أن يستمسك برأيه متى اعتقد أن الصواب في جانبه، وله أن ينزل على رأي الفرد إن رأى الخير فيه، وأن على الأمير الإبلاغ أولاً بأول عن الطوارئ الاجتماعية التي تمر بأفراد جماعته كمرض أو وفاة، وأن عمل اللازم لسرعة العلاج، وعلى الفرد أن لا يقدم عل عمل يؤثر في مجرى حياته كالزواج والطلاق قبل أن يحصل على تصريح به من القيادة عن طريق أمير الجماعة، وأن عقوبة التأخير عن تأدية الواجب والتقصير في التكاليف يوقعها أمير الجماعة، سواء أكانت عقوبات مادية أو أدبية، وله أن يضيف تكاليف أخرى مجهدة كالصيام والسير على الأقدام لمسافات طويلة”.

البيعة

بالنسبة إلى البيعة، تشير أوراق “التكوين” إلى أن تكاليفها تشمل تقوى الله في السر والعلن والصلاة والخشوع والجماعة في المسجد والتهجد والدعاء والاستغفار للفرد وللجماعة وللقيادة وللفكرة وتلاوة ورد الاستغفار والقرآن الكريم والكتمان والصمت والطاعة للقيادة ولأمراء الجماعات ومواصلة الجهاد لينتصر الإسلام ويسود القرآن أو الاستشهاد.

وكان قسَم البيعة للانضمام للجهاز يتم على “نصرة الدعوة، وعلى الجهاد في سبليها، وعلى السمع والطاعة في العسر والسر والمنشط والمكره، وعلى الكتمان، وعلى بذل الدم والمال”.

وكان هذا القسَم يجري على مصحف ومسدس، باعتبارهما الوسيلة الوحيدة لنصرة الإسلام، وفي غرفة مظلمة بالكامل، وفق طقوس ومؤثرات خاصة تبعث على الرهبة.

ويصف محمود الصباغ في مذكراته “حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين” الأجواء التي كانت تتم فيها البيعة:

“كانت البيعة تتم في منزل بحي الصليبة، حيث يدعى العضو المرشح للبيعة ومعه المسئول عن تكوينه، والأخ عبد الرحمن السندي المسؤول عن تكوين الجيش الإسلامي داخل الجماعة، وبعد استراحة في حجرة الاستقبال يدخل ثلاثتهم إلى حجرة البيعة، فيجدونها مطفأة الأنوار، ويجلسون على بساط في مواجهة أخ في الإسلام مغطى جسده تماماً من قمة رأسه إلى أخمص قدميه برداء أبيض يخرج من جانبيه يداه ممتدتان على منضدة منخفضة “طبلية” عليها مصحف شريف، ولا يمكن للقادم الجديد مهما أمعن النظر في من يجلس في مواجهته أن يخمن بأي صورة من صور التخمين من عسى أن يكون هذا الأخ.

وتبدأ البيعة بأن يقوم الأخ الجالس في المواجهة، ليتلقاها نيابة على المرشد العام بتذكير القادم للبيعة بآيات الله التي تحض على القتال في سبيله وتجعله فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وتبين له الظروف التي تضطرنا إلى أن نجعل تكويننا سرياً في هذه المرحلة، مع بيان شرعية هذه الظروف: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”، ثم يذكره بأنه ما دام قد قدم مؤمناً بفرضية الجهاد في سبيل الله عازماً على العمل في صفوف المجاهدين، فإننا نأخذ البيعة على الجهاد في سبيل الله حتى ينتصر الإسلام، أو نهلك دونه مع التزام الكتمان والطاعة، ثم يخرج من جانبه مسدساً، ويطلب للمبايع أن يتحسسه وأن يتحسس المصحف الشريف الذي يبايع عليه، ثم يقول له فإن خنت العهد أو أفشيت السر، فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير، فإذا قبل العضو بذلك كلف بأداء القسم على الانضمام عضواً في الجيش الإسلامي والعهد بالسمع والطاعة”.

وقد عُرف لاحقاً أن الشخص الملثم الذي كان يتلقى البيعة نيابة عن حسن البنا هو صالح عشماوي.

ويحمل العضو بعد انضمامه رسمياً إلى الجهاز صفة “الأخ المجاهد”، وهي صفة تميزه وتضعه في مرتبة أعلى من الإخوان المشتغلين في الدعوة العامة الذين يحمل الواحد منهم اسم “الأخ العامل”.

يقول علي عشماوي في مذكراته “التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين” الصادر عام 2006:

“كان الأستاذ البنا يعتبر أفراد النظام هم التعداد الحقيقي للإخوان المسلمين.. أما باقي الأفراد، فهم ـ بدرجات متفاوتة ـ حقل لاختيار أفراد النظام الذين يحظون باهتمامه الكامل، وأولويته المطلقة في الإعداد والتربية والمتابعة، وكان يريد الوصول بهم إلى عدد معين هو “اثنا عشر ألفاً”، وهو الرقم الذي لا يُقهر من قلة”.

ويقول محمود الصباغ في مذكراته “حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين”:

“وكان أول ما يختبر به العضو الجديد لإثبات رغبته الصادقة في الجهاد في سبيل الله، أن يكلف بشراء مسدس على نفقته الخاصة، فإذا كان طالباً يدخر ثمن المسدس من مصروفه، وإذا كان عاملاً يشتريه من كسب يده، ولا يستثنى أحد من هذه القاعدة لأي عذر من الأعذار. وقد ادخرت فعلاً الجنيهات الثلاثة، واشتريت بها مسدساً افتتحت به باكورة عملي في سبيل الله”

بعد ذلك يرمز للعضو برقم خاص، وبالحروف الأولى من اسمه.

كما يتم التواصل معه عبر شفرة خاصة يتم تدريبه عليها.

عمليات النظام الخاص

نفذ التنظيم أولى عملياته في 24 فبراير 1945 باغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر. يومها، أقر منفذ العملية محمود العيسوي (محامي) بانتمائه إلى أحد الأحزاب الوطنية، وبتنفيذه العملية منفرداً، دون توجيه من أحد، وهو الاعتقاد الذي ظل سائداً لسنوات، ولم تنكشف صلة الإخوان بالاغتيال إلا في الثمانينيات، عندما صدرت مذكرات أحمد حسن الباقوري “بقايا ذكريات”، التي اعترف فيها بانتماء العيسوي إلى الإخوان المسلمين، وبأنه من غلاة النظام الخاص، واغتال أحمد ماهر انتقاماً لإسقاطه البنا في انتخابات الإسماعيلية التي جرت في يناير من ذلك العام.

ومعلوم أن الباقوري من القيادات التاريخية للإخوان وأحد الأربعة الذين رشحوا لمنصب المرشد العام بعد مقتل البنا عام 1949.

وقد أكد كلام الباقوري سيد سابق: أحد المراجع الشرعية التاريخية للإخوان، في مذكراته التي نشرها على حلقات في جريدة “المسلمون” بأن “محمود العيسوي من صميم الإخوان المسلمين”.

وقد أعدم العيسوي في 18 سبتمبر 1945.

ثم توالت عمليات الجهاز عام 1946، منها إلقاء قنابل على ستة من أقسام الشرطة في القاهرة في 12 مارس، ونسف سينما ميامي في مايو، وإلقاء قنبلتين على سيارة حسين هيكل: رئيس حزب الأحرار الدستوريين، وقد نفذ العملية أحمد البساطي ومحمد مالك (موظف بمطار القاهرة)، ثم إلقاء قنابل على نادي الاتحاد المصري ـ الإنجليزي في 24 ديسمبر.

ومن العمليات التي نفذها الجهاز عام 1947، محاولة تفجير فندق الملك جورج بمدينة الإسماعيلية في 17 يناير، وقد نفذ العملية رفعت النجار (موظف بسلاح الطيران)، ونسف سينما مترو في القاهرة في مايو.

وشهد عام 1948 عمليات أكثر عنفاً وخطورة؛ ففي 19 يناير تم ضبط 15 عضواً من الجهاز بمنطقة جبل المقطم يتدربون على استخدام الأسلحة النارية والمفرقعات، في ما يعرف في أدبيات الإخوان المسلمين بـ “حادث الجبل”، وادعى قائدهم سيد فايز (سيقتله السندي لاحقاً: عام 1953 لإبعاده عن منافسته في رئاسة الجهاز) أنهم يتدربون من أجل التطوع في فلسطين.

وكانت حرب فلسطين الغطاء الذي اتخذه الإخوان في تلك الفترة لجمع الأسلحة والذخائر وتخزينها والتدرب على استخدامها بدعوى تجهيز المتطوعين لقتال اليهود في فلسطين.

وفي 22 مارس، تم اغتيال رئيس محكمة استئناف القاهرة أحمد الخازندار انتقاماً لإصداره أحكاماً اعتبرت “قاسية” على بعض الإخوان اتهموا بحيازة متفجرات وأسلحة، وكان الهدف من هذه العملية إرهاب القضاة حتى يتهيبوا من إصدار أحكام ضد أعضاء الجماعة.

وقد حكم على منفذيْ العملية: محمود زينهم (21 سنة، طالب بمدرسة صناعية) وحسن عبد الحافظ (24 سنة، طالب بالتوجيهية) بالسجن المؤبد.

وفي 20 يونيو، تم تفجير عربة يد مفخخة في حارة اليهود بالقاهرة، كما تم نسف محلّين مملوكين لتجار من اليهود في 9 يوليو، ومبنى شركة الدلتا التجارية ومحطة للتلغراف اللاسلكي في 3 غشت، وتفجير عربة يد مفخخة ثانية في حارة اليهود في 22 سبتمبر.

وقد برر الإخوان استهدافهم لليهود المصريين بكونه تنفيذاً لقرار سري صدر عن اللجنة العليا لإنقاذ فلسطين يقضي بتهديد مصالح اليهود ومشروعاتهم الاقتصادية في جميع البلدان العربية، لتنبيههم وتنبيه يهود العالم معهم إلى حجم الخسائر التي ستقع عليهم، إذا ظلوا على تصميمهم على إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.

وفي 8 أكتوبر جرى ضبط مخزن للأسلحة والمتفجرات بمدينة الإسماعيلية مملوك لمحمد فرغلي: أحد قادة الإخوان، والذي سيعدم لاشتراكه في محاولة اغتيال جمال عبد الناصر عام 1954.

وفي 12 نوفمبر، تم نسف مكاتب ومطابع شركة الإعلانات الشرقية بسيارة مفخخة، واعتقل منفذ العملية علي الخولي في عين المكان.

وفي 13 نوفمبر، جرى ضبط سيارة جيب وعلى متنها كميات كبيرة من القنابل والمواد الناسفة والمدافع الرشاشة والمسدسات والطلقات النارية والخناجر والأقنعة وحزام ناسف، بالإضافة إلى أوراق ومستندات تخص قادة وكوادر الجهاز وهيكلته ولوائحه الداخلية وخططه وأهدافه، مع مذكرات في القانون الجنائي والفقه وكراسات عن أساليب الدعاية الحديثة والجاسوسية وحرب العصابات، وطرق التهريب والتعامل بالعملة الصعبة، وكذلك طرق استثارة الرأي العام وتسيير المظاهرات، وبيانات مفصلة عن منشآت عسكرية وحكومية كالوزارات والمحافظات وأقسام الشرطة والسجون ومكاتب البريد والتليفون، وتقارير عن البنك الأهلي وفروعه ونظام حراسته وكيفية مهاجمته بوساطة قنابل يدوية، وخرائط المواصلات من سكك حديدية وترام وخطوط الأوتوبيس وغيرها، إلى جانب بيانات دقيقة عن بعض السفارات والقنصليات الأجنبية، وتقارير مراقبة لمنازل عدد من الشخصيات العامة المناوئة للإخوان.

واعتقل 32 من قادة وكوادر التنظيم على رأسهم عبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ صاحب السيارة ومصطفى مشهور.

وقد اعترف مصطفى مشهور بالتخطيط لنسف مخازن مطار ألماظة (شرق القاهرة) الذي كان يعمل به، وتم العثور بالفعل ضمن الوثائق المضبوطة على رسوم للمطار بخط يده.

وشكلت هذه الحادثة الشرارة التي لفتت الأنظار إلى الجناح العسكري للإخوان، وكشفت أوراقه كلها للأجهزة الأمنية.

وقد حاول البنا التملص من هذه القضية التي كان لها صدى مدوٍّ في مصر، فادعى أن الجماعة ليست مسؤولة عن أعمال أعضائها الذين انحرفوا عن المبادئ التي قامت عليها عند تأسيسها، وأن الخطأ ليس في وجود نظام خاص للإخوان، وإنما في بعض الأفراد الذين “أخذوا المسائل بغير إدراك لحقيقتها وأساءوا فهم الغاية من تجنيدهم وتدريبهم وشكلوا في ما بينهم تنظيماً إرهابياً دون علم قيادة الجماعة”.

ومع هذا استمر التنظيم في عملياته.

ففي 4 ديسمبر، تم اغتيال مدير الأمن العام اللواء سليم زكي أثناء مظاهرة طلابية.

وقد شكلت هذه العملية القطرة التي أفاضت الكأس، إذ بعدها بأربعة أيام: في 8 ديسمبر، صدر أمر عسكري من رئيس الوزراء والحاكم العسكري العام محمود فهمي النقراشي بحل جماعة الإخوان وجميع شعبها في مصر، وإغلاق الأمكنة المخصصة لنشاطها، ومصادرة أوراقها وسجلاتها وأموالها وممتلكاتها، وحظر اجتماع خمسة أشخاص أو أكثر من أعضائها.

وشنت الحكومة حملة اعتقالات واسعة طالت الآلاف من قادة وأعضاء الجماعة، كما تم فصل جميع موظفي الدولة والطلبة المنتمين إليها.

وبرر رئيس الوزراء هذه الإجراءات بكون الإخوان أصبحوا “مصدراً كبيراً للقلق والاضطرابات في البلاد”.

وفي رده على هذه الإجراءات، أعلن التنظيم أنه سيثأر لقرار الحل.

ووزع بياناً باسم “كتائب النضال المقدس لتحرير الإسلام” هدد فيه باتباع طريق خاص لإعادة حقوق الجماعة، وجاء فيه أن “العدوان يرد بالعدوان وهم مرغمون على رد السهام التي وجهت إليهم، وإذا لم يتم علاج الإجراءات الظالمة التي اتخذت ضدهم سينفذون إرادة الله أو يموتون شهداء”.

وفي 28 ديسمبر نفذ التنظيم تهديده في باغتيال النقراشي في مبنى وزارة الداخلية ليكون ثاني رئيس وزراء يسقط برصاص الإخوان في ثلاث سنوات.

وذكر منفذ العملية عبد المجيد حسن (21 سنة، طالب بكلية الطب البيطري) بعد اعتقاله أن قرار الحل مثل “تحدياً للجماعة وجرحاً لهيبتها وجرأة من جانب الدولة، ولا بد من أن تغسل بالدم هذه الإهانة والجرأة”.

وقال إن الشيخ سيد سابق أفتى له بأن قتل النقراشي “حلال”، وبأنه “في سبيل الله”، وأن النقراشي “اعتدى على الإسلام” بحل الجماعة.

وقال إن الشيخ سابق أقنعه ببعض الآيات القرآنية التي تدعم فتواه.

ومعلوم أن سيد سابق هو مؤلف موسوعة الفقه الشهيرة “فقه السنة”.

وأعدم عبد المجيد حسن في 25 أبريل 1950.

واعتبر الإخوان لاحقاً في مذكراتهم أن النقراشي، بحله جماعة الإخوان، وضع نفسه في موقف “المحارب للإسلام دون نزاع”، وبالتالي فهو يستحق القتل “شرعاً”، وأن قتله “عبادة وفرض على كل مسلم ومسلمة”.

وكتب محمود الصباغ في مذكراته “حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين”:

“إن الدماء لتغلي في عروق أي إنسان عنده ذرة من أحساس يحب هذا الوطن، وهو يرى حاكم مصر العسكري يصدر مثل هذا الأمر، فكيف لا تغلي في عروق شباب باعوا أنفسهم لله واستهدفوا أن يقدموا أرواحهم رخيصة من أجل انتصار الإسلام وقيمه السامية في ربوع الوطن الإسلامي؟

وهل تحتاج الدماء في هذه الحالة إلى أوامر من أحد لتغلي في العروق؟ أم إنها تغلي لا إرادياً من فرط ما ترى من إفساد عمد بقوة السلاح، ولا يفل السلاح إلا السلاح.

وهل يمكن أن يلوم أحد شاباً مسلماً أو عدة شباب مسلمين إذا ما اتحدت إرادتهم في هذا الظرف المثير على قتل صاحب هذا القرار الداعي إلى الكفر بالله وهو يدعي أنه مسلم؟”.

وقال عمر التلمساني الذي أصبح عام 1973 المرشد الثالث للجماعة إن الإخوان “استقبلوا خبر مقتل النقراشي مع الرضا تماماً كما حدث مع السادات”.

وكتب يوسف القرضاوي في الجزء الأول من مذكراته “ابن القرية والكتاب.. ملامح سيرة ومسيرة” الصادر عام 2002: “قابلنا، نحن الشباب والطلاب، اغتيال النقراشي بارتياح واستبشار، فقد شفى غليلنا ورد اعتبارنا”.

أما البنا، فقد حاول مجدداً التملص من المسؤولية، فادعى أن هذا الحادث فردي، ولا تتحمل الجماعة وزره؛ لأنها لم تعد موجودة بحكم القانون بعد صدور قرار حلها، وليس من المنطق أن تتحمل عمل فرد ليس لها القدرة على محاسبته، كما ادعى أنه لا يعرف هوية القاتل، وأنه فوجئ بمقتل النقراشي كأي إنسان آخر.

واستمر التنظيم في عملياته عام 1949.

ففي 13 يناير، جرت محاولة لتفجير محكمة استئناف القاهرة بقنبلة موقوتة.

وبرر التنظيم محاولة نسف المحكمة بما كان “يجري داخل جدرانها من تزييف وتلفيق وإكراه وتعذيب للمعتقلين من الإخوان على مرأى ومسمع من القضاة آنذاك”، بينما الهدف الحقيقي كان إتلاف أوراق وأحراز “قضية السيارة الجيب” التي كان يحاكم فيها مجموعة كبيرة من الإخوان.

وقد حكم على منفذ العملية شفيق إبراهيم أنس (22 سنة، موظف بوزارة الزراعة) بالسجن المؤبد.

ثم جاء تاريخ 12 فبراير، ليشكل لحظة فارقة في تاريخ الجماعة.

قتل حسن البنا بالرصاص أمام مقر جمعية الشبان المسلمين.

واتهم الإخوان البوليس السياسي بتدبير اغتياله، ووزعوا منشورات تهاجم الملك ورئيس وزرائه إبراهيم عبد الهادي وتتوعدهما بالثأر.

وجاء في أحد هذه المنشورات، وهو بعنوان “حكومة فاجرة تغتال زعيماً إسلامياً”:

“أما الجناة المجرمون، فهم شياطين يشبعون شهواتهم على حساب الشعب؛ هم أولئك الذين منحوا التراخيص للعاهرات، ونظموا وأشرفوا على بيوت الدعارة، وسمحوا ببيع الخمور وترددوا على المواخير، وأباحوا الربا وقبلوا الرشوة، وسخروا من الفضيلة وأرسلوا نساءهم إلى الملاهي والمراقص العامة.

اغتالوا البنا؛ لأنه كان خطراً عليهم يهدد بتقويض سلطتهم.

ولكن ليعلموا أن حسن البنا ترك خلفه جيشاً جيد العدة وكتائب جيدة التدريب. وسنتعقب ونطارد هذه العصابة من الآثمين، وسنكبح جماح كل رأس متغطرس، وسنلوي كل عنق يتيه خيلاء.

فليسعوا إذن للاختباء في أنفاق في أعماق الأرض، أو ليتسلقوا درجاً إلى السماء، فما من قلعة محصنة أو قصر منيع سينقذهم.

وستتحقق كلمة الله فيهم، والله لهم بالمرصاد”.

وجاء في بيان آخر:

“نحن في ميدان الموت فيه شهادة ـ لا حزن ولا عزاء ـ ولسنا أتباع رجل ولكنّا أتباع دعوة لا زلنا عليها قائمين، وهناك قيادة، وليست من مهمة المصلح أن يرى ثمرة جهاده، فرسول الله صلى الله عليه ولم لم يوحد الجزيرة، وإنما وحدها أو بكر، ولم يقم دولة ولكن أقامها عمر. وإننا نحمل الحكومة والملك تبعة اغتياله”.

كما أغرقوا القاهرة بمنشور بعنوان “رأس البنا برأس فاروق”.

وحاول التنظيم الانتقام لمقتل البنا في 5 مايو باغتيال رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي، لكن المجموعة التي كلفت بتفجير موكبه أخطأت الهدف وألقت القنابل على موكب رئيس مجلس النواب حامد جودة الذي كان ماراً من الطريق بالصدفة، وقد نجا من الموت.

وكانت هذه آخر عملية يقوم بها النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين في العهد الملكي.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى