تقارير ودراسات

الأذرع المالية لحزب الله: 1- جمعية القرض الحسن والقطاع المصرفي في لبنان

في ديسمبر / كانون الأول 2020، قامت مجموعة قرصنة مجهولة تدعى “سبايدر ز” باختراق جمعية القرض الحسن – الذراع المالية لحزب الله اللبناني – ونشرت وثائق تفصيلية لعملياتها. تتضمن الملفات المخترقة معلومات حسابات ما يقرب من 400000 فرد وكيان. بالإضافة إلى المواطنين اللبنانيين العاديين، كشفت الوثائق عن المغتربين وكوادر ومؤسسات حزب الله، وما يسمى “المودعين الرئيسيين” والكيانات الإيرانية والأهم من ذلك البنوك اللبنانية التي تقدم خدماتها للجمعية.

تأسست جمعية القرض الحسن في لبنان في أوائل الثمانينيات، وتقدم ثلاثة أنواع من الحسابات: حساب المشاركة الأساسي، وحساب المساهمة للأفراد الأثرياء، وصندوق التعاون الاجتماعي، وهو صندوق مشترك لـ “الأشخاص المقربين”؛ أي أفراد الأسرة أو الجيران أو شركاء العمل. تقدم الجمعية قروضاً خالية من الفوائد مقابل ضمانات، مثل الذهب، أو مقابل ضمانات من طرف ثالث. نما إقراض الجمعية بشكل مطرد على الرغم من العقوبات، من 76.5 مليون دولار في عام 2007 إلى 476 مليون دولار في عام 2018 و480 مليون دولار في عام 2019. ويقال إن إجمالي نطاق نشاط الجمعية من عام 1983 حتى نهاية عام 2019 بلغ 3.5 مليار دولار.

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على جمعية القرض الحسن في يوليو/ تموز 2007، مشيرة إلى أن النشاط المالي لحزب الله مع الجمعية منح الحزب إمكانية “الوصول إلى النظام المصرفي الدولي”. وتسلط وثائق “سبايدر ز” المزيد من الضوء على هذا الادعاء. فهي توسع فهمنا لكيفية تحويل حزب الله للأموال والدور الذي يلعبه النظام المصرفي اللبناني في هذه العملية. وعلى وجه التحديد، تكشف الوثائق أن:

ـ كبار مموّلي حزب الله يمتلكون حسابات في جمعية القرض الحسن.

ـ يستخدم موظفو جمعية القرض الحسن حسابات شخصية في بنوك لبنانية كبرى لإجراء صفقات تجارية، مما أتاح للجمعية إمكانية الوصول إلى القطاع المصرفي اللبناني والدولي. على سبيل المثال، يشير بيان وزارة الخزانة الذي أعلن فرض عقوبات على بنك جي تي بي (بنك جمال ترست) في عام 2019 إلى هذا كمبرر لتصنيف البنك.

ـ من المرجح أن تكون هذه البنوك، التي تحتفظ بحسابات مراسلة مع جمعية القرض الحسن، على علم بأن هؤلاء الأفراد موظفون في الجمعية ويستخدمون حساباتهم لتمكين حزب الله من الوصول إلى النظام المالي الدولي.

جمعية القرض الحسن ونظام الحوالة: نموذج مكتب الصرافة

تقليدياً، استخدم حزب الله مكاتب الصرافة كمحطات لنقل العائدات من مشاريعه المختلفة، بما في ذلك تجارة المخدرات، إلى القطاع المصرفي اللبناني، حيث يمكن غسل الأموال من خلال النظام المالي الدولي. وتستخدم مكاتب الصرافة شكلاً مختلفاً من نظام الحوالة، وهي قناة تحويل بديلة أو موازية تمكن الأفراد أو الشركات من تحويل الأموال، دون نقلها، من خلال نظام يسجل معاملات الائتمان والخصم.

منذ عام 2011، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على ستة مكاتب صرافة لبنانية. كانت شركة نيو لاين إكستشينج، وهي واحدة من أولى الشركات التي صنفتها وزارة الخزانة، قد غسلت عائدات لصالح زعيم المخدرات أيمن جمعة وشبكته. وفي عام 2019، رفعت عائلات أمريكيين قتلوا أو أصيبوا بجروح في عمليات حزب الله في العراق ما بين 2004 و2011 دعوى مدنية ضد بنوك لبنانية (بارتليت وآخرون ضد بنك سوسيتيه جنرال في لبنان وآخرين) في المنطقة الشرقية من نيويورك، وتزعم الدعوى ما يلي كعينة من المعاملات:

عمل عبد اللطيف فواز موظفاً في شبكة تاج الدين التي كانت تنقل الأموال من غانا إلى لبنان.

في عام 2008، قام فواز بإيداع مبلغ نقدي قدره 20 ألف دولار أمريكي في فرع شركة نيو لاين للصرافة في بيروت، لبنان، ثم قدمت شركة نيو لاين للصرافة لفواز إيصالاً بإيداعه النقدي… وقد حدد سجل المعاملات النقدية مصدر الأموال، بوصفه “عملاً تجارياً”.

وفي وقت لاحق، أصدرت شركة نيو لاين للصرافة تعليمات إلى البنك اللبناني الكندي بخصم مبلغ 20 ألف دولار أميركي من حساب شركة نيو لاين المقوم بالدولار الأمريكي رقم 173902 وتحويله إلى أحد الأفراد الذي لديه حساب لدى المدعى عليه [بنك سوسيتيه جنرال في لبنان].

وهكذا، تمكن أحد موظفي حزب الله من تحويل الأوراق النقدية الأمريكية إلى وديعة إلكترونية في حساب مقوم بالدولار الأمريكي في بنك لبناني (البنك اللبناني الكندي) باسم شركة صرافة تابعة لجهة خارجية (نيو لاين)، والتي تم تحويلها بعد ذلك إلى حساب مقوم بالدولار الأمريكي لا يبدو ذا صلة في بنك لبناني ثان (بنك سوسيتيه جنرال)، حيث يمكن توجيهها إلى أي مكان في العالم باستخدام حسابات مراسلة لبنك سوسيتيه جنرال في الولايات المتحدة.

وبالتالي، فإن شركات الصرافة اللبنانية تقدم خدمات قيمة للغاية لكل من وحدة الشؤون التجارية لحزب الله وشبكات الاتجار بالمخدرات التابعة لها، وكذلك للبنوك التجارية اللبنانية التي تفضل هذه المؤسسات المالية الوسيطة للتعامل مع عمليات تسليم المبالغ النقدية الضخمة والعمل كوسطاء لغسيل الأموال القائم على التجارة بعد ذلك.

وتشبه هذه الآلية نظام الحوالة، حيث لا تنتقل الأموال مباشرة من المرسل إلى المستفيد، بل من خلال وسطاء يقومون بتسوية الأرصدة بشكل مستقل. وفي الوقت نفسه، تعمل البنوك اللبنانية كبوابة للنظام المالي الدولي.

يساعد هذا النموذج على توضيح علاقة جمعية القرض الحسن بالقطاع المصرفي ودور الجمعية في العمليات المالية لحزب الله.

جمعية القرض الحسن والقطاع المصرفي اللبناني

على الرغم من تصنيف واشنطن لجمعية القرض الحسن في العام 2007، فقد حافظت على علاقاتها مع البنوك اللبنانية. وتحدد الوثائق المسربة البنوك التي قدمت خدمات للجمعية واحتفظت بحسابات مراسلة معها. وتضم القائمة سبعة مدعى عليهم في دعوى بارتليت المدنية: بنك بيبلوس، وبنك فينيسيا، وبنك جي تي بي، وبنك لبنان والخليج، وبنك الشرق الأوسط وإفريقيا، وبنك سوسيتيه جنرال في لبنان.

ويوضح تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية لعام 2019 لبنك جي تي بي كيف عملت جمعية القرض الحسن مع أحد تلك البنوك اللبنانية:

عند فتح حسابات شخصية لدى بنك جي تي بي، عرّف مسؤولو جمعية القرض الحسن أنفسهم بوضوح للبنك باعتبارهم أعضاء كبار في حزب الله. ثم سهّل البنك استخدام هذه الحسابات لإجراء أعمال تجارية نيابة عن جمعية القرض الحسن.

ولم تفتح جمعية القرض الحسن حسابات مؤسسية، بل حسابات شخصية، يملكها موظفوها. وعلى هذا، ساعد البنك الجمعية على التحايل على العقوبات الأميركية. وقد ادعى المدير التنفيذي للجمعية عادل منصور بشكل مخادع، كما فعل في ديسمبر/ كانون الأول 2019، أن الجمعية “ليس لديها حسابات خارجية ولا علاقة لها بالبنوك”.

وتكشف الوثائق المسربة عن هوية خمسة موظفين في جمعية القرض الحسن وهم عزت عكار ومصطفى حرب وعباس غريب وأحمد يزبك وحسن عثمان، بصفتهم أصحاب حسابات في الجمعية وفي عدة بنوك، بما في ذلك بنك جي تي بي. وتتضمن الوثائق مراسلات بين هؤلاء الموظفين الخمسة ومديري البنوك التي تحتفظ بحسابات بأسمائهم. وهذا يثير تساؤلاً حول ما إذا كانت بنوك لبنانية أخرى قد عملت أيضاً كقناة تحويلات لصالح الجمعية.

في رسائل غير مؤرخة إلى مديري فروع بنك سوسيتيه جنرال، وجه موظفو جمعية القرض الحسن الخمسة، الذين لديهم حسابات جارية في البنك، المديرين في فرعين لخصم مبالغ مختلفة من حساباتهم وإيداعها لأطراف ثالثة، إما نقداً أو كشيك مصرفي. تم توثيق أوامر الدفع بمبلغ 1، 727، 122 ليرة لبنانية (حوالي 1، 150 دولار في ذلك الوقت) و15، 158.50 دولار في رسائل منفصلة إلى فرع بنك سوسيتيه جنرال في برج البراجنة. وتم طلب أمر دفع آخر بمبلغ 115، 000 دولار في رسالة إلى فرع بنك سوسيتيه جنرال في البرج.

وتتضمن الوثائق أيضاً عدداً كبيراً من أصحاب الحسابات لدى جمعية القرض الحسن المقيمين خارج لبنان، بما في ذلك في إفريقيا وأوربا والولايات المتحدة وكندا وأميركا اللاتينية والعراق ودول الخليج وأستراليا. ويبدو من الواضح أن إمكانية استخدام الجمعية كقناة لغسيل الأموال أمر ممكن.

وباعتبارها كياناً خاضعاً للعقوبات، ينبغي حرمان جمعية القرض الحسن من الوصول المباشر إلى النظام المالي الدولي. وتأكيد مديرها على أن الجمعية ليس لديها “حسابات خارجية” صحيح من الناحية الفنية. ومع ذلك، فإن البنوك اللبنانية التي تحتفظ بحسابات لموظفي الجمعية تحافظ على علاقات مراسلة مع البنوك الدولية. ومن ثم، فإن آلية الحوالة التي يبدو أن الجمعية أنشأتها تمكن من تحويل الأموال من وإلى الولايات القضائية الخارجية. وقد أشارت وزارة الخزانة الأمريكية إلى هذا عندما فرضت عقوبات على الجمعية في عام 2007. ولا توضح الوثائق المخترقة ما إذا كانت جميع البنوك تعلم أن هذه الحسابات تُستخدم نيابة عن حزب الله.

وعلى هذا، فإن أي شخص خارج لبنان يستطيع أن يرسل تحويلات مالية إلكترونية بالدولار الأمريكي إلى حساب لدى جمعية القرض الحسن عن طريق إرسال الأموال إلى أي بنك لبناني يحافظ على علاقة مراسلة مع الجمعية. وعلى نحو مماثل، يستطيع أي شخص داخل لبنان أن يأمر الجمعية بإرسال تحويلات بالدولار عبر الحدود، ثم تستطيع الجمعية أن تأمر أحد بنوكها اللبنانية بتحويل الأموال إلى المتلقي النهائي. ومن خلال إخفاء هوية الأطراف المتعاملة، يستطيع هذا النظام التحايل على القيود الأميركية. ويشمل ذلك المعاملات المقومة بالدولار التي تمر عبر نظام المدفوعات بين البنوك في نيويورك.

باختصار، تعمل البنوك اللبنانية فعلياً كآلية تمرير، مما يسمح لحاملي حسابات جمعية القرض الحسن بإجراء أنشطة مصرفية مع إخفاء ارتباط المستفيدين بها عن النظام المصرفي الدولي. وبالتالي، سواء عن قصد أو عن غير قصد، تمثل البنوك اللبنانية ثغرة واسعة في نظام الدفع العالمي وتحدّياً كبيراً للامتثال لمكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

بعد خرق جمعية القرض الحسن، أصدرت بعض البنوك المعنية، مثل بنك سوسيتيه جنرال في لبنان، وبنك بيبلوس، وبنك الاعتماد اللبناني، بيانات عامة مصاغة بعناية تنفي فيها وجود حسابات “باسم جمعية القرض الحسن”. وهذا صحيح من الناحية الفنية؛ فحاملو حسابات الجمعية ليسوا خاضعين للعقوبات الأمريكية. ومع ذلك، تظهر الوثائق أن مسؤولي جمعية القرض الحسن يستخدمون حساباتهم الشخصية نيابة عنها.

الممولون وغاسلو الأموال المزعومون

تظهر الوثائق المخترقة أن من بين أصحاب حسابات جمعية القرض الحسن أشخاص معروفون ومشتبه بهم في غسل الأموال وتمويل حزب الله ولديهم مصالح تجارية واسعة النطاق، خاصة في إفريقيا. ومن بين هؤلاء:

ـ علي تاج الدين: هو أحد ثلاثة أشقاء فرضت عليهم وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات في عامي 2009 و2010 لكونهم من كبار جامعي التبرعات والمساهمين الماليين وغاسلي الأموال لحزب الله. حددت وزارة الخزانة تاج الدين بصفته “مسؤولاً سابقاً في حزب الله”، والذي “قدم أموالاً نقدية للحزب على دفعات تصل إلى مليون دولار”. علي تاج الدين هو لاعب رئيس في “جهاد البناء”، وهي شركة إنشاءات مقرها لبنان أسسها ويديرها حزب الله، والتي صنفتها وزارة الخزانة في فبراير / شباط 2007 بموجب “الأمر التنفيذي 13224”. علي تاج الدين هو أيضاً مالك مشارك لشركة تاجكو، وهي شركة متعددة الجنسيات صنفتها وزارة الخزانة في عام 2010، وحددتها بوصفها “الكيان الأساسي لشراء وتطوير العقارات في لبنان نيابة عن حزب الله. وتحت اسم شركة تاجكو، قام علي تاج الدين بتطوير العقارات، وتأسيس قروض الرهن العقاري، والحصول على تأمين الرهن العقاري على الحياة لتغطية المقترضين”. وتشمل إمبراطورية تاج الدين العديد من الشركات المتشابكة الأخرى التي لم تفرض واشنطن عقوبات عليها.

ـ حسين وزهرة تاج الدين: يشغل حسين وزهرة، ابن علي تاج الدين وابنته، مناصب في شركات تسيطر عليها عائلة تاج الدين، مثل شركة تاجكو الخاضعة للعقوبات الأمريكية. ولم تصنف واشنطن أيّاً منهما على قائمة العقوبات. حسين هو مساهم بنسبة 20% في شركة تاجكو (مثل والدته وشقيقه حسن). وزهرة هي أحد المؤسسين المشاركين (مع والدتها وشقيقها حسن) لشركة البرهان للتنمية والتطوير التي تسيطر عليها عائلة تاج الدين.

ـ حسين أحمد عيساوي: تدرج الوثائق المخترقة حسين أحمد عيساوي ضمن كبار المودعين وأصحاب الحسابات في جمعية القرض الحسن. عيساوي – وهو عضو في عائلة ذات مصالح تجارية واسعة في جمهورية الكونغو الديمقراطية – لديه خمسة حسابات مقومة بالدولار في الجمعية. شقيق حسين، إبراهيم، هو رجل أعمال بارز ورئيس الجمعية الطائفية اللبنانية في جمهورية الكونغو الديمقراطية. تزعم شكوى بارتليت أن الأخوين عيساوي قاما بغسل “عشرات الملايين من الدولارات نيابة عن شبكات حزب الله الإفريقية باستخدام البنك اللبناني الكندي وثلاثة بنوك لبنانية أخرى على الأقل”. تزعم شكوى بارتليت أيضاً أن الأخوين عيساوي “حددهما بنك لبنان المركزي … على أنهما مرتبطان مباشرة بعلي تاج الدين”، وأن “حسين عيساوي شريك تجاري لمحمد بزي [إرهابي عالمي مُصنَّف بشكل خاص]، وأنه غسل ​​أموالاً لشركة أوفلاس تريدنج إس إيه التابعة لعائلة تاج الدين”. ولم تفرض وزارة الخزانة عقوبات على أي من الأخوين عيساوي.

الحسابات الإيرانية

تظهر الوثائق المخترقة أن الفرع اللبناني لمؤسسة الشهداء، التي فرضت عليها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات في عام 2007، يحتفظ بحسابات متعددة مع جمعية القرض الحسن. وقد أنشأت إيران هذه المؤسسة بعد ثورة 1979، وهي تقدم الدعم المالي لأسر القتلى أو المعوقين خلال الحرب الإيرانية العراقية. كما تقوم المؤسسة بتوجيه الأموال من إيران إلى الجماعات الإرهابية في مختلف أنحاء المنطقة، وخاصة من خلال فرعها اللبناني.

ومن بين حاملي الحسابات الآخرين في جمعية القرض الحسن الفرع اللبناني للجنة إغاثة الإمام الخميني (المعروفة أيضاً باسم لجنة إمداد الإسلامية الخيرية)، وهي منظمة أنشأتها إيران ويديرها حزب الله في لبنان. وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليها في عام 2010 إلى جانب مديرها علي حسن زريق، الذي يملك أيضاً حسابات في جمعية القرض الحسن.

وتكشف الوثائق عن أصحاب حسابات إيرانيين آخرين، بما في ذلك كيانات خاضعة للعقوبات وأشخاص محل متابعة. من بينهم:

ـ ماهان للطيران وسكاي جفت: فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على ماهان للطيران، أكبر شركة طيران تجارية في إيران، في عام 2011، لدعمها الحرس الثوري الإيراني. احتفظت جمعية القرض الحسن بحسابات بالليرة اللبنانية والدولار الأمريكي نيابة عن ماهان للطيران باسم شخصين لبنانيين يحملان لقبي أيوب والسعيدي. من المحتمل أن يشير اسم “سكاي جفت” إلى شركة سكاي جفت المحدودة. ويبدو أن الشركة هي وكيل المبيعات العام المحلي لشركة ماهان للطيران. يورد موقع ماهان للطيران على الإنترنت “مكتب سكاي جفت” كعنوان له في لبنان. فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على ثلاثة وكلاء مبيعات محليين لشركة ماهان للطيران منذ عام 2018 (في الصين وماليزيا وتايلاند)، مشيرة إلى أن وكلاء المبيعات هؤلاء “هم مفتاح لتمكين العمليات الدولية لشركة ماهان للطيران، وخاصة فيما يتعلق بإجراء المعاملات المالية نيابة عن الشركة”. ولا تخضع شركة سكاي جفت للعقوبات الأمريكية.

ـ إيست ستار: كانت جمعية القرض الحسن تحتفظ بحسابات مقومة بالليرة والدولار الأمريكي باسمي أيوب والسعيدي نيابة عن كيان يُدعى إيست ستار. وتعمل وكالة أسفار إيست ستار التي تم تحديدها في دليل أعمال لبناني في بيروت بصفتها وكيل المبيعات العامة لشركة ماهان للطيران الإيرانية. وقد تم تسجيل وكالة أسفار إيست ستار في لبنان في عام 2002، لكن سجلات السجل التجاري اللبناني لا تقدم أي معلومات إضافية عنها. ونظراً لأن أيوب والسعيدي كانا يحتفظان بحسابات نيابة عن شركة ماهان للطيران، فمن المرجح أنهما كانا يحتفظان بحسابات نيابة عن وكيلها في لبنان: وكالة إيست ستار.

ـ إيران إير: فتحت جمعية القرض الحسن حسابات مقومة بالليرة والدولار لإيران إير بأسماء شخصين هما “روحاني” و”كاسري”. حددت وزارة الخزانة إيران للطيران في عام 2011 ومرة ​​أخرى في عام 2018، عندما أعادت إدارة ترامب العقوبات التي رفعتها إدارة أوباما كجزء من “خطة العمل الشاملة المشتركة” في عام 2015.

بالإضافة إلى ذلك، احتفظت جمعية القرض الحسن بحسابات بالليرة والدولار الأمريكي واليورو لصالح كيانات وعملاء إيرانيين آخرين في لبنان. من بين هذه الحسابات حساب للهلال الأحمر الإيراني، الذي استخدمته الجمعية لإرسال الأموال إلى إيران في أعقاب الفيضانات الكبرى في عام 2019.

وتكشف الوثائق المخترقة أيضاً عن حسابات لمؤسسات إعلامية إيرانية في بيروت، منها حسابات باليورو لمكتب إذاعة وتلفزيون إيران (المعروف أيضاً باسم إذاعة جمهورية إيران الإسلامية)، الذي تم فرض عقوبات عليه في عام 2013، ولمسؤولين في قناة “برس تي في” مثل ناجي جناني، مدير الأخبار السابق لقناة العالم الإيرانية الناطقة باللغة العربية. وتكشف الوثائق عن حسابات لمسؤولين في قناة العالم مثل محمود بوجنوردي، الذي شغل منصب مدير القناة في بيروت ومدير عام القنوات الإيرانية الأجنبية في لبنان.

وتتضمن الوثائق أيضاً حساباً لمكتب المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، الذي يوصف بأنه “الولي الفقيه”. وتتضمن أيضًا حساباً لـ “السفارة”، في إشارة ربما إلى السفارة الإيرانية.

أخيراً، تحتفظ جمعية القرض الحسن بحساب للتبرعات للحوثيين في اليمن تحت عنوان “تبرعات لأطفال اليمن”. وأعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في عام 2019 أن الحزب أرسل مليوني دولار إلى “الإخوة في اليمن”. وبحسب ما ورد، أرسل الحوثيون بعد ذلك أموالاً إلى حزب الله “لدعم ومساعدة المقاومة في لبنان”. الغرض من أموال الحوثيين، على افتراض أنها أكثر من مجرد بادرة رمزية أو دعاية، غير واضح. وقد تكهنت وسائل الإعلام الإقليمية بأن التبرعات كانت جزءاً من عملية غسيل أموال.

عيسى الطباطبائي

من بين حاملي الحسابات والمودعين الإيرانيين الرئيسيين في جمعية القرض الحسن عيسى الطباطبائي. وكان الطباطبائي، الذي يمثل خامنئي، أحد أوائل مبعوثي الحركة الإسلامية المناهضة للشاه العاملة في لبنان، وهو شخصية مهمة في دوائر حزب الله. وقد ساعد على تأسيس العديد من مؤسسات الحزب، مثل لجنة إغاثة الإمام الخميني المذكورة آنفاً، ومؤسسة الشهداء، ومستشفى الرسول الأعظم التابع لها، حيث تحتفظ المؤسستان الأخيرتان، إلى جانب مرافق طبية أخرى تابعة لحزب الله، بحسابات متعددة في الجمعية. ووفقاً للوثائق التي قدمها صادق الموسوي، أحد نشطاء الثورة الإسلامية الأوائل في لبنان خلال السبعينيات، فقد شارك الطباطبائي أيضاً في تأسيس ما يقول الموسوي إنه سلف جمعية القرض الحسن، “صندوق التعاون الإسلامي” للقروض الخيرية. ويعود تاريخ نشاط الطباطبائي في لبنان إلى سبعينيات القرن العشرين، عندما ساعد على تجنيد الشباب الشيعة وتلقينهم أفكاراً جديدة مهدت لتأسيس حزب الله.

أسس الطباطبائي ويشرف حتى الآن على جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية، التي تحتفظ بحسابات في جمعية القرض الحسن. أحد الشركاء المؤسسين للطباطبائي في المؤسسة هو مسؤول كبير في حزب الله يدعى الشيخ أكرم بركات، الذي أدار هذه المؤسسة في وقت ما. بركات، الذي يعمل حالياً مساعداً ثقافياً لرئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، كان مسؤولاً عن جهود الدعوة إلى أيديولوجية حزب الله الدينية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في البرازيل وباراغواي، حيث أن أشقاءه الثلاثة، الذين تم تصنيفهم جميعاً على أنهم إرهابيون عالميون، هم من كبار ممولي حزب الله في منطقة الحدود الثلاثية. بركات هو أيضاً صاحب حساب في جمعية القرض الحسن.

وتتضمن قائمة وثائق جمعية القرض الحسن مؤسسات أخرى مدعومة من إيران أسسها الطباطبائي، بما في ذلك مستشفى الهلال الأحمر الإيراني المعروف باسم مستشفى الشيخ راغب حرب، والذي يشغل مديره العام منصب ممثل الهلال الأحمر الإيراني في لبنان. وتخص قائمة أخرى جمعية الكوثر الخيرية التي أسسها الطباطبائي أيضاً.

بنك صادرات إيران

فرع بنك صادرات إيران في لبنان هو البنك الإيراني الوحيد الذي تم تسجيله في عملية الاختراق. تحتفظ جمعية القرض الحسن بثمانية حسابات مراسلة مع البنك، أربعة منها بالليرة وأربعة بالدولار.

في عام 2006، بموجب لوائح المعاملات والعقوبات الإيرانية، التي تحظر معاملات معينة مع بعض البنوك الإيرانية، منعت وزارة الخزانة الأمريكية بنك صادرات من إجراء معاملات مباشرة أو غير مباشرة من خلال النظام المالي الأمريكي. واستشهدت وزارة الخزانة، من بين أمور أخرى، بتحويل بنك صادرات للأموال إلى “منظمة يسيطر عليها حزب الله” غير محددة. وفي العام التالي، صنفت واشنطن بنك صادرات بموجب الأمر التنفيذي 13224، الذي يخول وزارة الخزانة تجميد أصول الإرهابيين وأنصارهم. وأشارت وزارة الخزانة إلى أنه “من عام 2001 إلى عام 2006، قام بنك صادرات بتحويل 50 مليون دولار من البنك المركزي الإيراني من خلال فرعه في لندن إلى فرعه في بيروت لصالح حزب الله في لبنان”. علاوة على ذلك، “استخدم حزب الله بنك صادرات لإرسال الأموال إلى منظمات إرهابية أخرى”.

وقد اضطرت إجراءات وزارة الخزانة بنك صادرات إلى البحث عن طرق أخرى لتحويل الأموال. ومن الممكن أن البنك تمكن من تحويل الأموال بطريقة الحوالة من خلال حسابات جمعية القرض الحسن المختلفة لدى البنوك اللبنانية.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوربي رفع العقوبات عن بنك صادرات بعد “خطة العمل الشاملة المشتركة” لعام 2015، فإن إدارة ترامب ناقشت عمليات البنك في لبنان مع مسؤولين لبنانيين في خريف عام 2017. وقبل وقت طويل من تصنيف وزارة الخزانة لبنك جيه تي بي في عام 2019، زعمت تقارير إخبارية لبنانية أن مساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب آنذاك مارشال بيلينجسلي حث محافظ البنك المركزي اللبناني رياض سلامة على إغلاق بنك صادرات والبنك التجاري السوري اللبناني، وهو الفرع اللبناني للبنك التجاري السوري. وكانت واشنطن قد فرضت عقوبات على البنك التجاري السوري اللبناني والبنك التجاري السوري في عام 2011.

وبحسب ما ورد، أكد المسؤولون اللبنانيون أن بنك صادرات إيران ليس من بنوك الدرجة الأولى، وأكدوا أن أصوله وودائعه صغيرة، وأن عملياته مقيدة، وأن جمعية مصارف لبنان تراقبه بموجب قواعد المعاملات الإيرانية والعقوبات التي وضعها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الولايات المتحدة.

كما تحتفظ العديد من الشركات التابعة لمؤسسة الشهداء، والتي فرضت عليها وزارة الخزانة عقوبات في عام 2020، بحسابات لدى جمعية القرض الحسن وفقاً لما جاء في الوثائق المخترقة.

خاتمة

تشير تصنيفات وزارة الخزانة الأمريكية للبنوك اللبنانية والعديد من كيانات حزب الله ومموليه وغاسلي الأموال لصالحه إلى تواطؤ البنوك اللبنانية في العمليات المالية للحزب. وتوفر عملية اختراق جمعية القرض الحسن المزيد من الأدلة على هذا التواطؤ. من خلال الجمعية، تمنح البنوك اللبنانية حزب الله إمكانية الوصول إلى النظام المصرفي الدولي بعد 13 عاماً من تصنيف وزارة الخزانة للجمعية.

بعد مرور عام ونصف العام على الأزمة المالية في لبنان، لا يزال من غير الواضح ما هو المصير الذي ينتظر البنوك المفلسة في البلاد. لم يخضع البنك المركزي اللبناني بعد للتدقيق الجنائي. ومن المرجح أن توصي الولايات المتحدة وأصحاب المصلحة الآخرون بإصلاح النظام المصرفي. وفي بعض الحالات، سيعني هذا عمليات اندماج. وفي حالات أخرى، عمليات استحواذ. وفي كلتا الحالتين، من الآمن أن نفترض أن بعض البنوك ستتوقف عن الوجود. يمكن أن تساعد وثائق جمعية القرض الحسن المخترقة الولايات المتحدة على تحديد البنوك التي قدمت خدمات لحزب الله والتي لا يمكن إنقاذها وما إذا كان هناك أساس لتحقيقات جنائية لاحقة في تمويل الإرهاب. يجب أن تكون العلاقات بين البنوك اللبنانية وحزب الله عاملاً رئيسياً يجب مراعاته عندما تبدأ عملية الإصلاح الاقتصادي في لبنان.

الرابط:

https://www.fdd.org/analysis/2021/05/11/hezbollahs-al-qard-al-hasan-and-lebanons-banking-sector/

زر الذهاب إلى الأعلى