تقارير ودراسات

إيران: المستفيد الحقيقي من صراع غزة

منذ الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والهجوم المضاد الانتقامي المستمر من جانب إسرائيل، أصبح الوضع في المنطقة يزداد سوءاً بمعدل غير مسبوق. على الرغم من أن الصراع المسلح بين إسرائيل وفلسطين كان مصدر قلق لعقود من الزمن، إلا أن هجمات حماس المدعومة من إيران لم تفعل شيئاً على الإطلاق للمدنيين في غزة أو للقضية الفلسطينية ككل فيما يتعلق بتحقيق أي مصالحة محتملة أو سلام في غزة.

ونظراً لأنها تموّل حماس وتدربها، فمن المحتمل جدًّاً أن تكون إيران على علم بخطط حماس مسبقاً. في الوقت نفسه، كانت المملكة العربية السعودية على وشك التوصل إلى اتفاق تطبيع مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة، وكان من المرجح جداً أن يتضمن مثل هذا الاتفاق إمكانية وجود برنامج نووي مدني للمملكة العربية السعودية، وزيادة تعزيز التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحت مظلة النفوذ السعودي.

علاوة على ذلك، قبل شهر تقريباً من هجمات حماس، تم الإعلان عن خطة لإنشاء ممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي. إن هذا الممر، الذي يُنظر إليه على أنه مشروع ربط استراتيجي إقليمي، يشمل في المقام الأول الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل. وبالنظر إلى النطاق الكلي للمشروع وتأثيره على التدفق التجاري بين الهند وأوروبا، كان من المتوقع أن يحقق المشروع مستوى غير مسبوق من التكامل والتعاون الاستراتيجي على جبهات متعددة بين الدول المعنية، الأمر الذي سيساهم بدوره في شرق أوسط أكثر سلاماً واستقراراً وأماناً وسريع النمو. كل ما سبق ذكره، يتعارض بلا شك مع طموحات إيران الإقليمية طويلة الأمد وأجندتها المزعزعة للاستقرار تجاه العديد من الدول العربية.

تؤدي التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة بشأن الحرب المستمرة في غزة إلى تأجيج المشاعر العامة في العديد من الدول العربية، مما يضغط على الحكومات الإقليمية فيما يتعلق بعدم المضي قدماً في أي خطوات ملموسة نحو التطبيع أو المزيد من التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، وهو بالتحديد أحد الأهداف الرئيسة لإيران. وبما أن إيران قد خذلت حماس بالفعل في صراعها مع إسرائيل، فمن الواضح أن أيّ رهان على موقف إيران تجاه الحرب في غزة أصبح في غير محله الآن. وهذا يعني أيضاً، أن التهديد الإقليمي والعالمي الذي تشكله إيران هو أكثر بكثير من مجرد إشعال مواجهة بين حماس وإسرائيل. ومن خلال استخدام الصراع كتكتيك لتأجيج نيران الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة، تسعى إيران إلى صرف الانتباه عن مصاعبها الاقتصادية، وتحدياتها الاجتماعية والسياسية، وطموحاتها الإقليمية، وتطوير برنامجها النووي. وقد تعمل هذه الإستراتيجية أيضاً على تشتيت انتباه مواطنيها والسماح لإيران بحشد المشاعر القومية وإظهار نفسها كبطل للمضطهدين مما يعزز أجندتها الإقليمية.

إن الفوضى والاهتمام الدولي الذي ينجذب إلى الصراع في غزة يوفران لإيران فرصة لتحويل الانتباه العالمي بعيداً عن أنشطتها في مجال التطوير النووي. فمن خلال تكثيف مشاركتها في الصراعات الإقليمية والاستفادة من الاهتمام المحيط بالحرب في غزة، ربما تحاول إيران إخفاء تقدمها النووي. لقد واجهت إيران انتقادات وعقوبات على مر السنين بسبب المخاوف المحيطة ببرنامجها النووي. ومن خلال الاستفادة من الصراع والاهتمام العالمي به، تواصل إيران إحراز تقدم في طموحاتها النووية دون نفس المستوى من المراقبة الخارجية والتدخل الدولي. ويبدو أن هذا يتماشى أيضاً مع تصريح إيران الأخير بأن إحياء الاتفاق النووي مع الغرب أصبح غير عملي على نحو متزايد. بالإضافة إلى امتلاكها مخزونات تزيد بنحو 22 مرة عن الحد الذي حدده الاتفاق النووي المنهار لعام 2015، يُعتقد أن إيران قامت بتخصيب اليورانيوم حتى مستوى عتبة 60٪، ويمكن أن يكون قريباً من مستوى عتبة صنع الأسلحة في أي لحظة. علاوة على ذلك، فإن تاريخ المفاوضات يظهر أن إيران تلتزم دائماً بالمناورات الدبلوماسية التي تسمح لها، في نهاية المطاف، بالوصول إلى هدفها المنشود من برنامجها النووي؛ وبالتالي، فمن المفترض أن تستخدم إيران الحرب المستمرة في غزة لتعزيز نفوذها الدبلوماسي بين الدول المشاركة في جهود التوسط في الأزمة. فبمحاولتها تقديم نفسها كقوة إقليمية حاسمة ذات تأثير محوري من خلال سيطرتها على مجموعات بالوكالة في الشرق الأوسط، يمكن لإيران الاستفادة من المفاوضات والدبلوماسية الدولية للتفاوض على التساهل أو تقليل التدقيق فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

تتمتع إيران بتاريخ راسخ في استخدام الحرب بالوكالة، حيث تدعم الجهات الفاعلة غير الحكومية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة. تمثل الحرب المستمرة في غزة فرصة لإيران لتعزيز وترسيخ علاقاتها وتحالفاتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومن خلال توفير الدعم المالي والتكنولوجي، تستطيع إيران تعزيز قدرات هذه الجماعات، وتمكينها من تكثيف قتالها ضد الولايات المتحدة وشركائها العرب الإقليميين. ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى صراع طويل الأمد وزيادة عدم الاستقرار الإقليمي، وهو ما كان دائماً من بين الأهداف الرئيسة لإيران. بالإضافة إلى ذلك، حتى لو لم يكن هذا هو الحال الفعلي بالنسبة إلى الجماعات، فإن الصراع في غزة يمثل أيضاً فرصة لإيران لحشد الدعم من الجهات الفاعلة ذات التفكير المماثل داخل المنطقة، مما قد يؤدي إلى توسيع شبكتها من الحلفاء الذين يمكنهم المساعدة على تحقيق أهدافها.

بالنسبة إلى إيران، كانت زعزعة استقرار المنطقة وخلق بيئة مواتية للتمرد هدفين طويلي الأمد. ومن خلال استغلال التوترات الجيوسياسية الحالية، ستهدف إيران إلى زعزعة استقرار البلدان المجاورة، وخاصة تلك التي تعدّ معادية لمصالحها، بما في ذلك الدول العربية المختلفة. ومن خلال استغلال الصراعات والتوترات الطويلة، يمكن لإيران أن تحاول تقويض استقرار الدول العربية المجاورة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، العراق وسوريا واليمن. ويخلق عدم الاستقرار هذا بيئة مواتية لانتشار الأيديولوجيات المتطرفة الإيرانية، مما يؤدي إلى إدامة الإرهاب داخل المنطقة.

وقد أصبح مثل هذا النمط واضحاً مؤخراً في اليمن، حيث زاد الحوثيون، الذين يتلقون الدعم من إيران، من هجماتهم على السفن التجارية خلال الأسابيع القليلة الماضية، بما في ذلك الهجوم الذي أدى إلى ضربة صاروخية ضد ناقلة نرويجية. بالإضافة إلى ذلك، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أطلق الحوثيون طائرات مسيرة وصواريخ على عدة سفن تجارية، وقد اعترضت القوات الأمريكية معظمها في البحر الأحمر. وعلى الرغم من أن الهجمات الحالية التي يشنها الحوثيون لا تشكل مفاجأة، إلا أنها تركز على جانب أوسع، وهو أن القدرات المسلحة التي يمتلكها الحوثيون تشكل تهديداً خطيراً لا يمكن إنكاره لسلامة دول مجلس التعاون الخليجي المختلفة، وكذلك للأمن البحري. وفي حالة تصاعد التوترات الإقليمية، يمكن توجيه القدرات المسلحة للحوثيين، تحت نفوذ إيران، نحو دول عربية مختلفة تعتبرها إيران شركاء إقليميين للولايات المتحدة. ومثل هذا السيناريو ليس غير واقعي؛ لأن إيران، من الناحية العملية، غير قادرة على مواجهة الولايات المتحدة أو إسرائيل عسكرياً بشكل مباشر، وبالتالي تضطر إلى اللجوء إلى الجماعات الوكيلة لها في شن هجمات على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وشركائها العرب الإقليميين، خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي المنطقة التي يطلق عليها اسم “محور المقاومة”.

وعلى جبهة أخرى، لا يزال التهديد الناجم عن صعود حركات التمرد والجماعات المتطرفة في العراق وسوريا يشكل مصدر قلق بالغ وطويل الأمد، فضلاً عن أنه يمثل فرصة لإيران لمواصلة تعزيز دعمها لهذه الجماعات في ضوء الأزمة المستمرة في غزة. ومن المعروف أن كلا البلدين يتمتعان بحضور قوي للفصائل المدعومة من إيران. منذ بداية الصراع في غزة، تعرضت القواعد الأمريكية في سوريا والعراق للهجوم من قبل الجماعات المدعومة من إيران أكثر من 90 مرة، بما في ذلك هجوم صاروخي على السفارة الأمريكية في بغداد. تلفت مثل هذه الهجمات الانتباه إلى عجز القوات الحكومية في العراق وسوريا عن منع واحتواء التمرد، مما يسلط الضوء بشكل أكبر على خطر انزلاق العراق وسوريا مرة أخرى إلى الاضطرابات المدنية، الأمر الذي سيسمح بدوره لإيران بتعزيز مجموعاتها الوكيلة في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصراع الدائر في غزة يخلق أرضاً خصبة لتمكين العناصر المتطرفة التي تدعو إلى العنف لتحقيق أهدافها. ونتيجة لذلك، قد يكون الأفراد المحبطون عرضة للتجنيد من قبل المنظمات المتمردة والإرهابية التي تسعى إلى استغلال إحباطاتهم.

ويظل إحباط استغلال إيران غير المباشر للوضع عبر مجموعاتها الوكيلة في الشرق الأوسط أمراً في غاية الأهمية. ومن الأهمية بمكان تعزيز الوحدة بين الحلفاء العرب الإقليميين، الذين ينبغي لهم أن ينظروا إلى التهديد الذي تمثله إيران باعتباره خطراً مشتركاً. ومن خلال تبني جبهة موحدة، يصبح بوسع الولايات المتحدة والشركاء العرب الإقليميين تقديم معارضة أقوى وأكثر اتحاداً لإيران، وبالتالي تقليص نفوذها وسلوكها العدواني المتوقع. إن التعاون في تطوير القدرات الدفاعية، وقابلية التشغيل البيني، والتدريبات العسكرية المشتركة، وزيادة المشاركة الدبلوماسية، يمكن أن تعزز قدرة الردع الجماعي ضد التدخل الإيراني المستمر.

ومع ذلك، وبالنظر إلى تاريخ إيران في الحرب بالوكالة ودعم الإرهاب، يجب على الولايات المتحدة والحلفاء العرب الإقليميين التركيز على العمل معاً لتعزيز قدراتهم في مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد. ويمكن أن تركز الجهود المنسقة على تبادل المعلومات الاستخبارية، ومراقبة الحدود، والعمليات العسكرية المنسقة التي تستهدف الوكلاء المدعومين من إيران. ومن خلال تعطيل قدرة إيران على دعم وإمداد مثل هذه الجماعات، تستطيع الولايات المتحدة والحلفاء العرب الإقليميين تقويض نفوذ إيران في الشرق الأوسط.

وأخيراً، على الرغم من أن الوضع في غزة مهم للغاية بالنسبة إلى المجتمع الدولي نظراً لأن الصراع يهدد بآثار غير مباشرة عديدة، فمن الأهمية بمكان أيضاً أن يظل المجتمع الدولي يقظاً ويضمن بذل الجهود الدبلوماسية والإستراتيجية لمنع إيران من استخدام الصراعات الإقليمية بمثابة ستار من الدخان لتعزيز طموحاتها النووية. وينبغي إعطاء الأولوية لتعزيز آليات المراقبة وقدرات الردع العسكري وتنفيذ التدابير الدبلوماسية القوية للحفاظ على السلام والاستقرار وعدم التمدد الإيراني في المنطقة.

وأخيراً، فإن الاستجابة الفورية والمنسقة ضرورية لمكافحة التهديد المتزايد الذي تشكله هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن. ومع هجمات الحوثيين الأخيرة، تثبت الجماعة المسلحة أنها تمثل تهديدًا وشيكاً وذراعاً قوياً لإيران، والتي يمكن استخدامها في أي لحظة لإلحاق الضرر بالأمن البحري وكذلك بالمصالح الإستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي نظراً للكميات الكبيرة من النفط التي تمر عبر المنطقة.

تتطلب مواجهة هجمات الحوثيين على السفن اتباع نهج شامل وتعاوني. ومن خلال تعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية، وإنشاء قوة عمل بحرية متعددة الجنسيات، وتنفيذ أنظمة مضادة للصواريخ والطائرات من دون طيار، وتعزيز الدوريات البحرية الإقليمية، وتعزيز قوات العمليات الخاصة وقدرات مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون الإقليمي، يمكن للولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي استخدام قدراتهما العسكرية المشتركة بشكل فعال لمواجهة التهديد الحوثي حال ظهوره. وسيساعد هذا النهج المتكامل على تأمين طرق الشحن الحيوية والمساهمة في استقرار المنطقة لأمد طويل.

الرابط:

https://www.geopoliticalmonitor.com/iran-the-real-beneficiary-of-the-gaza-conflict

زر الذهاب إلى الأعلى