تقارير ودراسات

أصول حماس: التعلم من القصة المبكرة لحماس (ج 8)

إن إرهاب حماس يرتكز على أيديولوجية دينية، وليس على السياسة. فحين تفشل الحلول السياسية، وتنجح الحلول العسكرية جزئياً فقط، فإن السؤال المطروح هو كيف يمكن إقناع الفلسطينيين بعدم دعم حماس.

هناك، بالطبع، قصة طويلة لحماس بعد عام 2001، وهي ليست أقل إثارة للاهتمام من سنواتها الأولى حتى 11 سبتمبر، وهو موضوع هذه السلسلة؛ لقد استفادت حماس من الانتفاضة الثانية، كما استفادت من الأولى. وعلى الرغم من الاغتيال الإسرائيلي لمؤسسها الشيخ ياسين في 22 مارس/ آذار 2004، تمكنت حماس من الفوز في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 وانتخاب رئيس وزراء للسلطة الوطنية الفلسطينية، إسماعيل هنية. ومع ذلك، فإن صراعها مع فتح لم يلتئم قط، واستمر بعد وفاة عرفات في عام 2004.

بعد فوز حماس في الانتخابات، تحول الصراع إلى صراع عسكري، الأمر الذي أدى إلى سيطرة فتح على الضفة الغربية، بينما احتفظت حماس بالسيطرة على غزة. ومن هناك واصلت مهاجمة إسرائيل وإعلان رفضها لحل الدولتين. وخلافاً لفتح وحزب العمال الليبرالي، فإن الحل الوحيد الممكن بالنسبة إلى حماس للقضية الفلسطينية يتلخص في إقامة دولة إسلامية واحدة “من النهر إلى البحر”، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. وردت إسرائيل بشكل دوري، وفي الفترة 2008-2009 كان رد الفعل قوياً للغاية لدرجة أن البعض أطلق عليه اسم “حرب غزة”. لكن حرب غزة الحقيقية، كما نعلم جميعاً، جاءت في عام 2023، وسواء كانت هذه الحرب ستدمر حماس، أو أنها ستتمكن من البقاء مرة أخرى، فهذا أمر ستوضحه الأشهر والسنوات القادمة. وبطبيعة الحال، سوف يشكل مدى الدعم الإيراني لحماس عاملاً رئيساً.

تبرز حماس من دراسة أصولها باعتبارها العنصر الفلسطيني في الشبكة الدولية للأصولية الإسلامية. ويرتبط تاريخها ارتباطاً وثيقاً بتاريخ جماعة الإخوان المسلمين، التي تشكل فرعاً فلسطينياً منها؛ وهذا لا يعني أن حماس لا تتمتع ببعض الخصائص المهمة، كما هي الحال عموماً في عالم جماعة الإخوان المسلمين، التي تتمتع فروعها الوطنية بالاستقلال إلى حد كبير. ورغم أنها تشير في برنامجها إلى إقامة دولة إسلامية على أساس الشريعة واستعادة الخلافة، وكلاهما من الأفكار المميزة لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن هذه المواضيع أقل تطوراً في أدبيات حماس من الطابع المقدس للأرض الفلسطينية والحاجة إلى تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي.

وبعد وقت طويل من التحضير، الذي منحها قاعدة صلبة في شبكة من مئات المساجد، أقوى في غزة منها في الضفة الغربية، تبنت جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية الخط الراديكالي في السنوات التي سبقت اندلاع الانتفاضة الأولى. وبعد أن ظلت جماعة الإخوان المسلمين على هامش الكفاح المسلح لعدة عقود من الزمن، وعملت على استراتيجية “الأسلمة من أسفل” من خلال المساجد والمدارس، تفوقت حماس في نهاية المطاف في التعنت والتطرف على القوميين العلمانيين في منظمة التحرير الفلسطينية، مؤسسة موقفها المتصلب على دوافع دينية خالصة.

إن حماس، التي تمثل البصمة “الفلسطينية” في أيديولوجية الإخوان المسلمين، تمثل بطرائق أخرى أثراً لها. وكما تكشف الدراسات الدقيقة لفكر ونشاط المؤسس البنا، فإن جماعة الإخوان المسلمين والأصولية الإسلامية بشكل عام أصرت دائماً على مبدأ التدرج، وكما أن استعادة الخلافة يجب أن تسبق استئناف عملية توسيع العالم الإسلامي خارج حدوده الحالية، وإقامة الشريعة في كل دولة ذات أغلبية إسلامية يجب أن تسبق استعادة الخلافة، فإن تحرير الأراضي الإسلامية من الاحتلال الأجنبي يجب أن يسبق إقامة الشريعة. إن هذه القضية، التي تعتبر تمهيداً للهدف الثلاثي للأصولية الإسلامية، لم تعد على أجندة أغلب الدول ذات الأغلبية الإسلامية، والتي تحررت من الاحتلال الاستعماري منذ فترة طويلة، إلا أنها لا تزال موجودة في فلسطين.

لقد جاء نجاح حماس من قدرتها على اللعب في نفس الوقت على سجلي الإخوان المسلمين، التقليديين الجدد والراديكاليين. وفي حين لم تنس قط ترسيخ أقدامها في شبكة من المساجد والمؤسسات التعليمية الإسلامية، احتضنت في الوقت نفسه الكفاح المسلح والإرهاب على النمط القطبي (نسبة إلى سيد قطب).

هناك شائعات واسعة النطاق فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تقول إنه من أجل وقف إرهاب حماس، من الضروري تسريع عملية السلام، وإقناع الجانبين بقبول قرارات الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين، وتجريد الإرهاب من جذوره، التي تكمن في الوضع اليائس الذي يعيشه الشعب الفلسطيني. هناك الكثير مما هو صحيح في هذا التحليل، ولكن هناك أيضاً شيء مفقود. أولاً، إن الإرهاب الانتحاري الذي تمارسه حماس هو إرهاب أيديولوجي، وينشأ في المقام الأول عن عوامل دينية وليس عوامل وطنية أو اقتصادية.

إن إرهاب حماس لا يتماثل مع الإرهاب القومي “العلماني” الذي شهدته الفصول الأخرى من الصراع الفلسطيني. ولا يمكن فهمه إذا تم عزله عن السياق الديني المحدد للأصولية الإسلامية. وبالنسبة إلى أولئك الذين يقترحون السلام من خلال حل الدولتين، تستمر حماس في الرد بأن هذا الحل غير مقبول لأسباب عقائدية، وهي تعتقد أن إرادة الله هي أن تكون كل أرض فلسطين المقدسة جزءاً من دولة إسلامية “من النهر إلى البحر”. ولن يُسمح لأي زعيم سياسي أو زعيم لحماس، حتى لو رغب في ذلك، بتغيير إرادة الله.

ثانياً، تبدو مسألة عمليات السلام أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. تشير وثائق لا حصر لها لحماس إلى أن هدفها بالتحديد هو منع نجاح عمليات ومؤتمرات السلام على أساس حل الدولتين. وحين تبدو هذه المؤتمرات والعمليات وكأنها قريبة إلى حد خطير من تحقيق بعض النتائج، تحاول حماس إخراجها عن مسارها من خلال الهجمات الإرهابية، معتمدة على ردة الفعل الإسرائيلية اللاحقة لتسميم البئر أكثر.

وترى حماس أن السعي إلى “السلام” هو هرطقة تنزع أسلمة القضية الفلسطينية عن طريق تحويلها من قضية دينية إلى سياسية، مما يمهد الطريق أمام إقامة دولة علمانية في فلسطين، وهو أمر لا يمكن لأي حركة أصولية أن تقبله.

ومن ناحية أخرى، فإن الطلائع المسلحة والإرهابية هي أسماك تحتاج إلى السباحة في مياه إجماع شعبي معين. بالطبع، لا يوجد تكاثر تلقائي: فالماء لا يولد الأسماك، ولكن بجعل الماء أكثر نقاءً، بالنسبة إلى الأسماك التي اعتادت على الوحل، تصبح السباحة أكثر صعوبة. وبهذا المعنى، فإن أي عملية سلام يشعر الفلسطينيون أنهم سوف يكسبون منها فوائد فورية وملموسة وواضحة، قد تؤدي إلى تآكل الإجماع على حماس وعرقلة تجنيدها لأجيال المستقبل من المسلحين. إن قتل الأسماك الأكثر عدوانية ليس سوى حل قصير المدى، حيث ستأتي أسماك سيئة أخرى. إن خلق مياه مختلفة هو إستراتيجية طويلة المدى، ولكنها الإستراتيجية الوحيدة التي ربما تؤدي إلى نتائج.

الرابط:

https://bitterwinter.org/the-origins-of-hamas-8-learning-from-the-early-story-of-hamas/

زر الذهاب إلى الأعلى