تقارير ودراسات

أصول حماس: الانتفاضة الثانية (ج 7)

لم يكن للانتفاضة الثانية، على عكس الأولى، مشروع سياسي، لقد كان يأساً خالصاً، واعتقد البعض أنها إعلان عن نهاية العالم، وبدلاً من ذلك، جاءت أحداث 11 سبتمبر.

أتاح فوز اليمينيين في الانتخابات الإسرائيلية في مايو/ أيار1996، وافتتاح السلطات الإسرائيلية نفقاً تحت المسجد الأقصى في القدس في أكتوبر/ تشرين الأول، والسماح للمستوطنين الإسرائيليين بالاستيطان في هار حوما، جنوب القدس، الفرصة لحماس لاستئناف العمليات الانتحارية. وبالفعل، في عام 1997، انتقلوا من الحافلات إلى الأماكن العامة: أولاً مقهى في تل أبيب (21 مارس/ آذار)، ثم سوق (30 يوليو/ تموز) ومركز تسوق (4 سبتمبر/ أيلول) في القدس. إن التصريحات المشتركة لحماس وعرفات بأن المبادرات لم تنطلق من الأراضي الفلسطينية، بل “من الخارج” لم توقف الرد الإسرائيلي الذي استهدف هذه المرة قيادة حماس نفسها.

وبدلاً من الأسير أبو مرزوق، تم تعيين خالد مشعل (مواليد 1956) في عام 1996 رئيساً للمكتب السياسي لحماس، الذي كان قائماً آنذاك في الأردن. وفي أيلول/ سبتمبر 1997، حاولت الأجهزة الإسرائيلية، التي كانت قد قضت بعد عياش، على العديد من رؤساء الهيكل العسكري لحماس، اغتيال مشعل في عمان أيضاً. فشلت محاولة الاغتيال، واعتقلت الشرطة الأردنية عملاء إسرائيليين، وأعادهم الملك حسين إلى إسرائيل مقابل إطلاق سراح العديد من معتقلي حماس، بما في ذلك ياسين نفسه، الذي تم ترحيله أولاً إلى الأردن، ثم عاد منتصراً إلى غزة. تمثل هذه الحادثة تتويجاً لاستراتيجية الملك الحسين. فاللجوء الذي منحه لقادة حماس سمح له بالحفاظ على علاقات جيدة مع جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، وفي الوقت نفسه، الاستمرار في العمل التخريبي ضد عدو تاريخي مثل عرفات.

إن وجود ياسين في غزة، والذي قام، على الرغم من كرسيه المتحرك، برحلات مظفرة إلى شبه الجزيرة العربية وإيران وسوريا والسودان، وجمع أيضاً أموالاً كبيرة لحماس، شكل مشكلة بالنسبة إلى إسرائيل، وربما كانت هذه مشكلة أكبر بالنسبة إلى قيادة حماس “الخارجية” التي تأسست في الأردن، والتي أصبحت الآن تواجه تحدياً من قِبَل القيادة الأكثر واقعية “داخل” الأراضي الفلسطينية.

في عام 1998، وبينما استؤنفت المفاوضات بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل تحت رعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، تم تفعيل الآلية المعتادة مرة أخرى. لقد ولدت المفاوضات توتراً بين حماس والسلطة الفلسطينية، والذي وصل إلى ذروته، عندما اغتيل أحد كبار قادة حماس في الضفة الغربية، محيي الدين شريف (1966 – 1998)، في رام الله في 29 مارس/ آذار. اشتبهت حماس في وجود مؤامرة شارك فيها الإسرائيليون وعرفات، في حين زعمت السلطة الوطنية الفلسطينية أنها ألقت القبض على القاتل المتمثل في عماد عوض الله (1969 – 1998)، شقيق عادل عوض الله (1967 – 1998)، وكان قائد كتائب القسام في الضفة الغربية.

وأدى ذلك إلى “قضية شريف”، وهي واحدة من أكثر الأحداث إثارة للجدل في التاريخ الفلسطيني. زعمت السلطة الوطنية الفلسطينية أن جريمة القتل كانت نتيجة لنضال حماس المميت في أعقاب عودة ياسين إلى الحرية، وانتهزت الفرصة لاعتقال العديد من قادة الحركة، وسط تصفيق إسرائيل. وادعي عرفات أيضاً أن عماد عوض الله اعترف بجريمته في السجن، لكن عماد أخذ أسراره معه إلى القبر. هرب من السجن بسهولة مريبة وانضم إلى أخيه عادل، ليقع في كمين قتلهما فيه الإسرائيليون في الخليل. الانطباع بوجود تعاون وثيق بين الأجهزة الإسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية لتوجيه ضربة حاسمة لحماس، في ضوء اتفاقيات واي بلانتيشن التي أبرمت في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1998، كان من الصعب تبديده في أوساط الحركة الأصولية.

كان رد الفعل على قضية شريف واتفاقيات واي بلانتيشن هو المعتاد: استئناف التفجيرات الانتحارية. وفي التاسع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول، أحبطت عملية كانت ستكون شنيعة للغاية ضد حافلة تقل أطفالاً يهوداً، ولكن في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني، ضربت حركة الجهاد الإسلامي سوقاً في القدس، وهو الهجوم الذي نُسب في البداية خطأً إلى حماس. وذهب الانتقام الإسرائيلي إلى حد وضع ياسين تحت الإقامة الجبرية، وهو الإجراء الذي تم رفعه فيما بعد، وأدى إلى المفاوضات المعتادة بين حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية لوقف التفجيرات الانتحارية.

حتى عام 1999، كانت القيادة “الخارجية” لحركة حماس تعمل بشكل رئيس من الأردن، لكن الوضع تغير مع وفاة الملك حسين في عام 1999. وتحدث العديد من المراقبين عن “طلاق” بين الأردن الذي يعتزم تحسين علاقاته مع الغرب (وإسرائيل) وحماس. وتم إغلاق مكاتب حماس في الأردن، وتم اعتقال وطرد قادتها الرئيسيين، وانتقل أبو مرزوق إلى سوريا، وخالد مشعل إلى قطر.

أدت هذه الأحداث إلى استمرار وقف العمليات الانتحارية المتفق عليه بين حماس وعرفات لفترة أطول من المعتاد. ومع ذلك، طوال عام 1999 وحتى خريف عام 2000، استمرت آليات الإرهاب، التي تخللتها هجمات على جنود أو مستوطنين إسرائيليين معزولين، ومعارك بالأسلحة النارية، وتفجيرات عرضية، ولكن لم تقع أي تفجيرات انتحارية مذهلة جديدة. شعرت حماس بالحاجة إلى إعادة تنظيم نفسها باستخدام التكتيك المعتاد المتمثل في العودة إلى الديناميات التقليدية الجديدة وشبكتها من المساجد والجمعيات والمراكز الثقافية، الأمر الذي تطلب الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية لتخفيف القيود من أجل العمل بسلاسة.

وفي أوائل تشرين الأول/ أكتوبر 2000، أطلقت السلطة الوطنية الفلسطينية، وسط احتجاجات إسرائيلية، سراح عدد من قادة حماس الذين سجنوا بعد قضية شريف، في حين أشار تقرير إسرائيلي إلى نمو الحركة الأصولية في استطلاعات الرأي. وفي 23 نوفمبر / تشرين الثاني 2000، انفجرت سيارة أحد القادة المفرج عنهم، بني عودة (1966 – 2000). واعتبرت السلطة الفلسطينية أن الحادث وقع بينما كان عودة يحمل متفجرات بشكل متهور، لكن حماس كانت مقتنعة بأنه قُتل على يد الإسرائيليين. واعتمد ردها في البداية على السيارات المفخخة، ولكن في ربيع عام 2001، عادت التفجيرات الانتحارية على نطاق واسع. تم إحصاء 28 منها في عام 2001، منها 21 تبنتها حماس، بينما أعلنت حركة الجهاد الإسلامي مسئوليتها عن السبعة الأخرى.

ومن خلال هذه الهجمات، سعت حماس، التي استوعبت نجاحاتها في الانتفاضة الأولى، إلى إدخال نفسها كطرف أساسي في الانتفاضة الثانية، التي عُرفت أيضاً باسم “انتفاضة الأقصى” نسبةً إلى السبب الذي أدى إلى اندلاعها في 28 أيلول/ سبتمبر 2000، وهي زيارة زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك (رئيس الوزراء لاحقاً) أرييل شارون (1928 – 2014)، برفقة مجموعة كبيرة من الحراس الشخصيين، إلى ساحة جبل الهيكل في القدس، وهو أيضاً موقع الحرم القدسي، وقد فسر الفلسطينيون زيارة شارون على أنها استفزاز.

لقد كانت لفتة شارون بمثابة المناسبة القريبة والرمزية لحركة كانت في طور التشكل منذ عدة أشهر، نتيجة لمجموعة من الأسباب تتراوح بين الصعوبات المتجددة في مفاوضات السلام إلى الظروف الاقتصادية المتردية في الأراضي الفلسطينية. العلاقة بين عرفات والانتفاضة الثانية مثيرة للجدل. يعتقد البعض أنه روج لها، بينما يدعي آخرون أنه حاول إيقافها. ومن المؤكد أن المستفيد الأكبر منها كانت حماس.

الانتفاضة الثانية كانت مختلفة عن الأولى؛ لقد وفرت سياقًا لموسم دموي من الإرهاب الانتحاري الذي بدا أحياناً وكأنه يسعى إلى الموت من أجل الموت، كما أنها وفرت سياقاً انتشرت فيه أفكار الألفية، التي كانت أقل نجاحاً في فلسطين مما كانت عليه في مصر والدول العربية الأخرى، كالنار في الهشيم. وهكذا، انتشر على نطاق واسع بين أبطال الانتفاضة الثانية من الشباب، كتاب “يوم الغضب”، وهو كتاب من تأليف الأستاذ الجامعي السعودي سفر بن عبد الرحمن، الذي بدا متأثراً بشكل غريب بالعقيدة الألفية المسيحية البروتستانتية وتفسيراتها العددية لسفر دانيال وسفر الرؤيا. وبناء على تخمينات مماثلة، حدد المؤلف بداية نهاية العالم بعام 2012، أي بعد 45 عاماً من عام 1967، عام حرب الأيام الستة التي ربطها عبد الرحمن بـ “رجس وخراب” الأرض. ووفقاً لنبوات الكتاب المقدس، رأى الانتفاضة الثانية، التي تبشر بالتدمير المعجزي لإسرائيل، كبداية لأيام النهاية.

لم ينته العالم في عام 2012، ولكنه انتهى في التاسع من سبتمبر/ أيلول 2011. ومع هجمات 11 سبتمبر الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة، لم يعد هناك شيء يمكن أن يبقى على حاله بين الأصوليين المسلمين. كان هدف هذه السلسلة هو تغطية أصول ومرحلة نشاط حماس حتى 11/9. ومع ذلك، فهي تستدعي بعض الاستنتاجات التي سأقدمها في المقالة التالية والأخيرة.

الرابط:

https://bitterwinter.org/the-origins-of-hamas-7-the-second-intifada/

زر الذهاب إلى الأعلى