أردوغان يواصل إطلاق سراح الإرهابيين المدانين لتعزيز تحالفه مع حزب الله التركي

إن إطلاق سراح عضوين من حزب الله التركي يقضيان عقوبة السجن المؤبد – بعد إدانتهما بالقتل ومحاولة قلب نظام الحكم الديمقراطي بالعنف – من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدعوى تدهور حالتهما الصحية، ليس حادثاً معزولاً، بل يعكس نمطاً متجذراً في التحالف بين حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان وحزب الله التركي.
في 29 مارس/ آذار، أصدر أردوغان مرسوماً رئاسيًّا بالعفو عن شموش ألبسوي وحميد تشوكلو، اللذين يقضيان عقوبة بالسجن مدى الحياة، متذرعاً بتدهور صحتهما كمبرر رسمي.
بغض النظر عن صحة هذا المبرر، فإن هذا القرار يجسد نمطاً أوسع نطاقاً وراسخاً. فعلى مدى أكثر من عقد، مكنت حكومة حزب العدالة والتنمية الموالية لإيران، بشكل منهجي، من إطلاق سراح مقاتلي حزب الله المدانين من خلال آليات قانونية وإجرائية متنوعة، بما في ذلك إعادة محاكمات مدبرة تفضي إلى تبرئة متوقعة، واستبعاد أدلة قُبلت في وقت سابق، وتسويات تفاوضية، وإفراج مبكر مشروط، وعفو رئاسي.
على النقيض تماماً من المعاملة التفضيلية التي يحظى بها مدانو حزب الله، ترفض المحاكم التركية بانتظام طلبات الإفراج المبكر من المعتقلين السياسيين، حتى أولئك الذين يعانون من ظروف صحية خطيرة أو تهدد حياتهم. وقد حُكم على بعضهم بالإعدام في السجون، حيث عانوا من ظروف اعتقال لا إنسانية ومهينة.
وفقاً لوثائق المحكمة، ساعد شموش ألبسوي والده، محمد أمين ألبسوي، القيادي البارز في حزب الله، على تعذيب وقتل ثلاثة أشخاص. قاد السيارة بينما كان والده ينقل الضحايا لدفنهم في قبو مخزن يملكه عم شموش في منطقة إتيمسغوت بأنقرة.
حوكم الأب والابن لاحقاً وأُدينا بتهم منها محاولة قلب النظام الدستوري التركي من خلال أعمال إرهاب وعنف. وفي عام 2005، حكمت عليهما المحكمة الجنائية العليا الحادية عشرة في أنقرة بالسجن المؤبد.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس أردوغان كان قد أصدر عفواً عن محمد أمين ألبسوي في مايو/ أيار 2023 بسبب مخاوف صحية أيضاً. وتبعه عفو مماثل عن ابنه في أواخر مارس/ آذار من هذا العام، مما عزز الاعتقاد السائد بأن العفو الانتقائي يصب فقط في مصلحة أعضاء حزب الله المدانين.
أُلقي القبض على تشوكلو عام 1998، وحوكم لاحقاً في قضية منفصلة تتعلق بحزب الله في ولاية أضنة التركية. في عام 2007، أدانته المحكمة الجنائية العليا السابعة في أضنة – مع عشرة آخرين – بتهم متعددة، منها قتل 24 شخصاً، من بينهم نائب كردي وكاتبة نسوية بارزة.
لقد استُخدم القضاء التركي، الخاضع فعلياً لسيطرة حكومة الرئيس أردوغان، بشكل منهجي لأكثر من عقد، لخدمة المصالح السياسية للحزب الحاكم. وفي حين حمى القضاء الجماعات الموالية لأردوغان، مثل حزب الله، من المساءلة القانونية، فإنه استهدف بلا هوادة معارضي أردوغان ومنتقديه، وعرّضهم لحملة اضطهاد وقمع وحشي.
كانت حركة غولن، وهي منظمة دينية تعارض بشدة أجندة أردوغان الإسلاموية السياسية الاستقطابية، من أبرز أهداف هذه الحملة. وقد دأبت الحركة على انتقاد النظام الحاكم بسبب الفساد المستشري، وانتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق، ودعم الجماعات الجهادية المتطرفة، سواءً داخل تركيا أو على الصعيد الدولي.
ينسب حزب الله حملة القمع السابقة على شبكته إلى أتباع غولن، مؤكداً أن أعضاءه تعرضوا للملاحقة والإدانة ظلماً في المحاكم. وقد عزلت حكومة أردوغان ما يقرب من 5000 قاض ومدع عام في تركيا، يُزعم ارتباطهم بحركة غولن، من مناصبهم، وسُجن العديد منهم بتهم ملفقة. وكان من بين المفصولين قضاة ومدعون عامون سبق أن شاركوا في مقاضاة ومحاكمة أعضاء حزب الله.
بدأ إطلاق سراح أعضاء حزب الله بتحالف سري عُقد بين الجماعة الإرهابية وأردوغان عام 2014، واتخذ طابعاً رسمياً عام 2018 بانضمام الجناح السياسي لحزب الله، حزب الدعوة الحرة (هدى-بار)، رسميًّا إلى التحالف الانتخابي بقيادة حزب العدالة والتنمية. وفي انتخابات 2023، حصد حزب الله ثلاثة مقاعد في البرلمان لأول مرة، بعد أن خاض الانتخابات ضمن قائمة حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان.
بتحالفه مع أردوغان واستحواذه على منصة في البرلمان، أتيح لحزب الله فرصة واسعة لتوسيع أيديولوجيته المؤيدة لإيران وآرائه المتطرفة، لا سيما خطابه المعادي للسامية. وقد استهدف هذا الخطاب المواطنين المزدوجين من تركيا وإسرائيل واليهود، داعياً في الوقت نفسه إلى إدخال تعديلات على مواد دستورية أساسية على أسس دينية.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دعا غوموش، المرشد الأعلى لحزب الله، علناً لجهاد عالمي ضد إسرائيل. وفي بيان نشرته وكالة أنباء “إلكه خبر أجانسي” (إلكه)، وهي وسيلة إعلامية تابعة للجماعة، قال غوموش محرضاً المسلمين: “سارعوا إلى الجهاد. هلموا إلى الجهاد، هلموا إلى الخلاص. وخاصة أنتم الجيران والقريبون من أرض فلسطين، لا تتركوا إخواننا في غزة وشأنهم. أفرغوا الحدود من معناها، وانضموا إلى إخوانكم الجهاديين الفلسطينيين”. كما أكد على ضرورة أن يسعى المسلمون حول العالم إلى إيجاد سبل للمساهمة في القضية الجهادية.
على الرغم من اختلافه عن حزب الله اللبناني، حافظ حزب الله التركي على تحالف طويل الأمد مع إيران، حيث يتلقى تمويلاً من الاستخبارات الإيرانية. ولا يزال بعض قادته، بمن فيهم المرشد الديني الأعلى غوموش، يقيمون في إيران. وتخدم الجماعة بشكل رئيسي السكان الأكراد في تركيا، وخلال التسعينيات، تعاونت سراً مع الاستخبارات التركية والقوات العسكرية في حملة قمع وحشية ضد حزب العمال الكردستاني (البي كي كي)، مرتكبة العديد من جرائم القتل الجماعي.
بدأ تفكيك شبكة حزب الله عام 2000 بعملية أمنية واسعة النطاق في إسطنبول أسفرت عن مقتل زعيم الحزب آنذاك، حسين ولي أوغلو، واعتقال الشخصية الرئيسة غوموش. أدت هذه الاعتقالات إلى العثور على مقابر جماعية وغرف تعذيب في أنحاء مختلفة من البلاد، كاشفة عن المدى الكامل لعنف الجماعة، والذي أودى بحياة مئات الأشخاص.
ردًّا على حملة القمع، انتهج حزب الله استراتيجية هادئة وغير تكتيكاته لضمان بقائه. خلال أول ولايتين لأردوغان في السلطة، أعاد الحزب تنظيم نفسه بهدوء من خلال مؤسسات وجمعيات وكيانات أخرى مختلفة. في عام 2010، أُطلق سراح عدد من قادته من السجن ريثما تنتهي محاكماتهم، وبعد ذلك أصبحوا فارين. في ديسمبر / كانون الأول 2012، أسس الحزب رسمياً حزب “هدى-بار” السياسي بدعم من حكومة أردوغان، مما سهل دخول الحزب إلى الساحة السياسية.
تجاهل أردوغان ماضي حزب الله الدموي، فأعاد إحياءه، وسهّل إطلاق سراح معظم أعضائه المدانين من السجون. وكان من بين المفرج عنهم أنور كيليتش أرسلان، الذي حُكم عليه بالسجن سبع سنوات ونصف في فبراير/ شباط 2002 لانتمائه إلى الجماعة. تدرب كيليتش أرسلان في إيران عام 1987، وخدم تحت قيادة زعيم حزب الله التركي الراحل محمد علي ولي أوغلو. وهو اليوم المنسق الرئيس لأنشطة حزب الله التوعوية مع حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني ومنظمات إسلامية متطرفة أخرى حول العالم.
سمحت الحكومة أيضاً لحزب الله بإعادة تأسيس المنظمات المحظورة التابعة له، مثل جمعية التضامن مع المستضعفين، المعروفة باسم جمعية مصطفى دير. تُظهر وثائق سرية حصل عليها موقع “نورديك مونيتور” أن الشرطة التركية ووحدات الاستخبارات العسكرية كانت قد تتبعت سابقاً مسار تمويل جمعية التضامن مع المستضعفين وكيانات وأفراد آخرين مرتبطين بحزب الله، وقد تم الكشف عن تحويل نصف مليون دولار من إيران إلى حزب الله في فبراير/ شباط 2012 وحده.
كما أفاد تقرير صادر عن مكتب مكافحة الإرهاب التابع لشرطة ديار بكر في 9 مايو/ أيار 2012 بأن حزب الله كان يتلقى 100 ألف دولار شهرياً من إيران، بالإضافة إلى مبالغ مقطوعة لعمليات خاصة. وذكر التقرير أن محمد حسين يلماز، رئيس صحيفة “مصطفى دير”، ومحمد غوكتاشا، مالك صحيفة “دوغرو خبر” التابعة لحزب الله، وسعيد غباري وفكرت غولتكين، وهما مندوبا دعاية لحزب الله، تلقوا نصف مليون دولار من إيران في فبراير/ شباط 2012. وأضاف التقرير أن إيران أرسلت 10 آلاف دولار إلى عائلة عبيد الله دورنا، عضو جمعية التضامن مع المستضعفين، الذي قُتل على يد حزب العمال الكردستاني في بلدة يوكسيكوفا قرب الحدود التركية الإيرانية في 5 مايو/ أيار 2011.
كشف التقرير أيضاً أن إيران أنشأت وحدة خاصة في حزب الله للتجسس والمراقبة في تركيا لرصد الأنشطة العسكرية، وخاصة حول منشآت الناتو. اختير أعضاء هذه الوحدة من بين العاملين في الوظائف الحكومية والإعلامية لسهولة الوصول إلى المواقع والمنشآت الحساسة. وأكد التقرير أن الوحدة قامت بعمليات مراقبة لقاعدة رادار تابعة للناتو في محافظة ملاطية، وصورت القاعدة ومحيطها بالفيديو، ثم نقلت النتائج إلى مسؤوليها الإيرانيين.
في فبراير/ شباط 2014، أقالت حكومة أردوغان قضاة ومدعين عامين ورؤساء شرطة كانوا يحققون في أنشطة حزب الله وشبكة فيلق القدس الإيراني في تركيا. وأوقفت الحكومة جميع التحقيقات الجارية، وسمحت للمشتبه بهم بالتهرب من العواقب القانونية.
والآن، يتوسع حزب الله، بحزبه السياسي ومؤسساته ووسائل إعلامه وجمعياته الخيرية وشبكاته الأخرى، بسرعة في تركيا، وخاصة بين الأكراد وكذلك في عدد من البلدان الأوروبية.
المصدر: نورديك مونيتور
