تقارير ودراسات

أدوات إيران وحزب الله في غرب إفريقيا

كان نجاح الثورة الإيرانية في عام 1979 بمثابة نجاح لإيديولوجية إسلامية عالمية جديدة ذات التزام أساسي بمواجهة النفوذ الغربي في العالم الإسلامي. يعزز الدستور الإيراني التصدير العالمي لهذه الإيديولوجية، مشيراً إلى هدف تمثيل “الطموح الجاد للأمة الإسلامية [مجتمع المؤمنين العالمي]… والذي يتجلّى بوضوح في طبيعة الثورة الإسلامية العظيمة في إيران، فضلاً عن المسار الذي اتخذه نضال الشعب الإيراني المسلم”. إن هذا الالتزام بمكافحة الهيمنة الغربية المتصورة هو سمة من سمات الحركات الأصولية الدينية، والتي عادة ما “تتشكل كرد فعل ودفاع ضد عمليات وعواقب العلمنة والتحديث التي اخترقت المجتمع الديني الأكبر”. منذ أواخر السبعينيات، كان أسلوب عمل إيران هو دعم الأقلية الشيعية المسلمة في جميع أنحاء العالم ونشر أيديولوجية الثورة الإسلامية ردّاً على التهديد الأيديولوجي الغربي.

وقد نجح هذا المشروع الإسلامي الشامل لأول مرة في لبنان. إن جماعة حزب الله الشيعية السياسية والمتشددة التي تتخذ من لبنان مقراً لها ليست وكيلاً لإيران، بل هي شريكها السياسي الأقوى. تأسس حزب الله بعد استيلاء الجيش الإسرائيلي على جنوب لبنان في عام 1982، وهو يطمح إلى إقامة دولة إسلامية داخل لبنان، مما أدى إلى الإشارة إليه في كثير من الأحيان على أنه “دولة داخل الدولة”. المنظمة عبارة عن حركة سياسية مناضلة هجينة ذات ثلاثة أجنحة (اجتماعية وسياسية وعسكرية). ويأتي نحو 80 إلى 90% من دخلها من الحكومة الإيرانية، التي تقدم لها حوالي 200 مليون دولار سنوياً. وتظهر علاقات حزب الله بإيران في البيان التأسيسي للحزب في عام 1985، والذي تعهد بالولاء لـ “المرشد الأعلى” في إيران.

وقد اكتسب تصدير الأدوات الإيرانية زخماً على مر السنين في الدول الغربية، ويظهر ذلك في العدد المتزايد من العملاء الإيرانيين الذين تم القبض عليهم في أوربا. ومن الممكن أيضاً رسم أوجه التشابه بين النموذج الإيراني لتصدير الأيديولوجية الشيعية والنموذج السعودي لنشر الوهابية على نطاق عالمي. وتشمل أوجه التشابه الرئيسية التي ستتم مناقشتها آليات التمويل التي ترعاها الدولة، والبنية التحتية للدعوة، والاستثمار في التعليم، والاعتماد الكبير على الوحدة الإسلامية كمبرر ديني وأيديولوجي.

وقد حدث تحول مطرد في هذه الأنشطة كما رأينا في زيادة أنشطة الشركاء والوكلاء الإيرانيين في غرب إفريقيا. هذا بالإضافة إلى برامج التواصل المهمة التي ينفذها ممثلو إيران وحزب الله مع الشتات اللبناني في المنطقة. وبما أن تركيز الورقة هو غرب إفريقيا، فسيتم تحليل نيجيريا وسيراليون كدراسات حالة. ويرجع ذلك إلى العدد الكبير من المغتربين اللبنانيين ونشاط حزب الله البارز، الذي يستفيد من ضعف الحكم بالإضافة إلى جماعات الجريمة المنظمة الدولية الموجودة مسبقاً وطرق التهريب السهلة. وكما ستوضح هذه الورقة، هناك حاجة ملحة للدول الإفريقية وشركائها لفهم طبيعة وخطورة التهديد الذي تشكله المنظمات المسلحة المرتبطة بإيران.

خلفية: الشتات اللبناني وإيران في غرب إفريقيا

ينتشر لبنانيو الشتات في كل مكان، ويرجع ذلك أساساً إلى فرار اللبنانيين من الحروب والقمع على مر السنين. وفي حين أن جميع الطوائف والمجتمعات اللبنانية ممثلة في الشتات، فإنه منذ عام 1910 تقريباً، فاق عدد الشيعة اللبنانيين في غرب إفريقيا عدد المسيحيين اللبنانيين بكثير. وفي غضون عشر سنوات فقط بين عامي 1960 و1970، ارتفع عدد المغتربين اللبنانيين في غرب إفريقيا من 17 ألفاً إلى 75 ألفاً، ليصل إلى 150 ألفاً بحلول عام 1985.

وفي غرب إفريقيا، غالباً ما يهيمن اللبنانيون على قطاعات متعددة من الاقتصاد، من العقارات والضيافة والتجارة والبناء وتجارة التجزئة والتصنيع إلى صناعات تعدين الماس والذهب. ساهمت هذه الشركات المملوكة لعائلات في النمو الاقتصادي في غرب إفريقيا وحولت المجتمع اللبناني في المنطقة إلى ركيزة للنجاح الاقتصادي. ففي ساحل العاج، على سبيل المثال، يمتلك المغتربون اللبنانيون 80% من أنشطة التوزيع، و70% من التغليف والطباعة، و60% من المساكن، و50% من الصناعة.

يعود نشاط حزب الله في غرب إفريقيا إلى أوائل الثمانينيات، عندما قام الحزب بجمع الأموال من خلال التجارة المرتبطة بالمخدرات والعمليات الإجرامية. حدثت عمليات جمع تبرعات واسعة النطاق من خلال عائلات لبنانية محددة تعمل في إفريقيا، مما أدى في بعض الأحيان إلى خداع مانحين شيعة عن غير قصد لتمويل الحزب. ولأن هذه المجتمعات قادرة على العمل في اقتصادات غير منظمة نسبياً، وفرت بيئة جيدة لحزب الله لتمويل نفسه من خلال أنشطة مثل غسيل الأموال، وتجارة المخدرات، وتجارة الأسلحة.

يتم توفير غطاء لخلايا حزب الله خلسة من قبل المكاتب الدبلوماسية الإيرانية، بالإضافة إلى التطوير المطرد للبنية التحتية الاجتماعية التي تستخدمها إيران، لإخفاء النشاط غير المشروع لوكلائها من خلال تقديم الدعم المالي والأيديولوجي والمادي. إن جوهر الثورة الإسلامية هو نشر الإسلام الشيعي ومواجهة النفوذ الأمريكي في كل مكان. وبهذا المعنى، فإن السكان الشيعة الأفارقة، وخاصة الشيعة في الشتات اللبناني، يشكلون أهمية حاسمة لأنشطة إيران في إفريقيا. تشمل أعلى تجمعات المسلمين الشيعة في أفريقيا: نيجيريا (أربعة ملايين اعتباراً من عام 2009)، تنزانيا (مليونان اعتباراً من عام 2009)، النيجر (حوالي 900000 اعتباراً من عام 2015)، مع وجود أعداد أقل في كوت ديفوار وكينيا وأوغندا والسنغال وأماكن أخرى.

وتم الكشف عن أهمية القارة الإفريقية بالنسبة إلى الخطط الاستراتيجية الإيرانية خلال القمة الإيرانية الإفريقية التي استمرت يومين في طهران عام 2010، والتي ضمت رؤساء دول ودبلوماسيين وقادة أعمال وممثلين ثقافيين من أكثر من 40 دولة إفريقية لمناقشة عدد كبير من القضايا. تستثمر إيران وحزب الله بشكل استراتيجي في إثراء العلاقات الثقافية والدينية مع الحركات الشيعية المحلية والشتات اللبناني في إفريقيا عبر تقديم المنح الدراسية وإقامة المراكز الثقافية الإيرانية في نيجيريا وكوت ديفوار وسيراليون والسودان وتنزانيا وأوغندا والسنغال وجنوب إفريقيا ودول أخرى. ومن المثير للاهتمام أن إيران بدأت في وضع نفسها في صف السياسة الإفريقية التقليدية المناهضة للاستعمار من خلال الدفاع عن قضية الأقليات الشيعية الإفريقية باعتبارها طبقة مضطهدة.

المساجد والمدارس: الدعوة الإيرانية في إفريقيا

في أعقاب الأحداث المضطربة في عام 1979، التي شهدت الثورة الإيرانية والاستيلاء على المسجد الحرام في مكة، شهدت الثمانينيات ظهور دعم الدولة للتفسيرات المتشددة للإسلام في غرب إفريقيا من دول مثل إيران ومصر والمملكة العربية السعودية وإيران وليبيا. وبينما كانت المملكة العربية السعودية تمثل الوهابية السنية، والملكية، والعالم العربي، والتحالف مع الولايات المتحدة، كانت إيران تمثل المذهب الشيعي، ومناهضة الملكية، والقوة الفارسية، والمعارضة المباشرة للولايات المتحدة. ومع ذلك، بين المملكة العربية السعودية وإيران، تتشابه الدعوة المتطرفة السنية والشيعية والبنى التحتية التعليمية إلى حد كبير من حيث نهجها وأهدافها الاستراتيجية.

تستخدم البنى التحتية للدعوة في كل من إيران والمملكة العربية السعودية مبالغ كبيرة من المال موزعة عبر قنوات متعددة. لا يمكن المساس بأنظمة الدعوة عموماً من منظور مكافحة تمويل الإرهاب بسبب مشكلات قانونية وعملية. وبالتالي، فإن بناء المساجد الشيعية والسنية، ومؤسسات الشباب، والفروع المحلية للجامعات في مختلف أنحاء إفريقيا، يخلق الوسيلة المثالية لنشر الإيديولوجيات المتطرفة.

ما بين 1975 و2003، أنفقت المملكة العربية السعودية 70 مليار دولار على المساعدات الخارجية في جميع أنحاء العالم، تم تخصيص أكثر من ثلثيها للأنشطة الإسلامية، وأدى ذلك إلى إنشاء 1500 مسجد، وأكثر من 200 مركز إسلامي، وأكثر من 200 كلية إسلامية، وحوالي 2000 مدرسة في البلدان غير الإسلامية وحدها. وبالمقارنة، يرسل نموذج التمويل الإيراني الأموال مباشرة من الدولة إلى المنظمات المتطرفة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك علاقة الراعي والعميل بين إيران وحزب الله، حيث توفر إيران معظم التمويل للحزب. وفي الآونة الأخيرة، مارست إيران ضغوطاً من أجل إقامة علاقات أقوى في القارة الإفريقية في محاولة لمواجهة النفوذ السني الساحق في المنطقة.

ومن خلال إنشاء فروع محلية للجامعات الإيرانية في إفريقيا، تقدم إيران منحاً دراسية للدراسة في إيران كوسيلة لتعزيز الأيديولوجية الشيعية الإيرانية. تأسست جامعة المصطفى العالمية عام 2007 على يد علي خامنئي، الذي يشرف على المناهج والأنشطة ويمثل أعلى سلطة في الجامعة. وقد عزز خامنئي الهدف التبشيري للجامعة عندما خاطب الطلاب والموظفين في قم في عام 2010:

“إن الدرس الأول الذي علمتنا إياه الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية المباركة هو أنه ينبغي علينا أن نفكر خارج حدودنا وأن نوجه انتباهنا إلى ساحة الأمة الإسلامية الواسعة… جزء من العمل العظيم هو ما تقومون به. لقد اجتمعتم هنا من حوالي مائة دولة لتتعرفوا على تعاليم الإسلام النقية”.

يتم تقييم العديد من خريجي جامعة المصطفى لتجنيدهم في الوحدات العملياتية لحزب الله، وخاصة أولئك الذين لديهم خبرة قتالية سابقة في سوريا والعراق. ويتم أيضاً إرسال الطلاب الأفارقة لدراسة اللاهوت في الجامعات الإيرانية، حيث يتم تجنيدهم وتدريبهم كعناصر في حزب الله أو عملاء للمخابرات الإيرانية. في عام 2002، ألقت الشرطة الأوغندية القبض على شافي إبراهيم، زعيم خلية شيعية أوغندية تابعة لإيران واحتمال لحزب الله. كان إبراهيم وغيره من الطلاب الأفارقة قد درسوا في جامعة رضوي في إيران قبل ست سنوات في منحة دراسية في اللاهوت، حيث تدربوا أيضاً إلى جانب مقاتلين من حزب الله في عام 2001 في شمال طهران. ركز التدريب على استخدام الأسلحة الخفيفة، وصنع العبوات الناسفة، والاستطلاع، وطرق الهروب والتخفي، ونصائح لمقاومة الاستجواب. تم تزويد هؤلاء الطلاب أيضاً بأغطية وهمية ونقود وخطوط اتصال قبل إرسالهم لجمع معلومات عن الأمريكيين والغربيين في أوغندا وإفريقيا بشكل عام.

وتقوم جامعة المصطفى بتدريب رجال الدين في بلدان مختلفة لنشر “الخمينية” في بلدانهم الأصلية، وخاصة في إفريقيا، حيث يوجد في أكثر من 30 دولة فروع محلية للجامعة. تضم الفروع الإفريقية أكثر من 5000 طالب إفريقي مسجلين، بما في ذلك 2000 طالب يدرسون في إيران. وقد كرر رئيسها، علي رضا أعرافي، أهمية الوجود المكثف للجامعة في إفريقيا في عام 2015، حيث أكد على “العمق الاستراتيجي للإسلام الشيعي النقي”. وقد عزز نائبه هذه الرسالة بعد عام من خلال الإشارة إلى أن “تصدير الثورة كان دائماً أحد أهم أهداف الجمهورية الإسلامية. جامعة المصطفى تلعب دوراً في تمهيد الأرض وتحقيق هذا الهدف”. يتعلم رجال الدين الذين يدرسون في الجامعة على افتراض أنهم بعد التخرج سوف يتصرفون وفقاً لتعليمات إيران ويرسخون نفوذ إيران وحزب الله في المساجد والمدارس من خلال نشر إيديولوجية الشيعة الاثني عشرية في إفريقيا.

وفي أبيدجان بكوت ديفوار، لا تزال بصمة إيرانية مماثلة تتمثل في مركز الغدير الواقع في حي ماركوري الذي يطلق عليه اسم “بيروت الصغيرة”. وقد قامت السلطات الإيرانية بتأطير المركز كقاعدة لحزب الله لتجنيد الشباب وتنفيذ الأنشطة العملياتية وجمع التبرعات. ووصف مدير الغدير إنشاء المركز بأنه رد مباشر على “انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وبعد ذلك حس قوي بالمسؤولية حمله جمع من المؤمنين”.

في عام 2010، خططت قوات الأمن الإيفوارية لعملية تفتيش لمركز الغدير، لكن تدخل الرئيس الإيفواري في اللحظة الأخيرة خوفاً من إثارة استياء الجالية اللبنانية حال دون ذلك. ويُنظر إلى ساحل العاج على أنها المركز الرئيس لجمع التبرعات لحزب الله داخل إفريقيا، وقد ساعدته بشكل كبير العائلات اللبنانية الراسخة في البلاد. مع أغلبية سكانية مسلمة، تضم ساحل العاج أكبر جالية لبنانية في غرب إفريقيا مكونة من أكثر من 100.000 مغترب؛ 90% منهم يعيشون في أبيدجان. وهذا يمثل بيئة ناضجة لنشاط حزب الله الاجتماعي والديني. المدارس التي تمولها إيران، والتي بناها رجال أعمال لبنانيون مؤثرون هي بمثابة مراكز تعليمية للسكان المسلمين في أبيدجان، بما في ذلك المغتربين المغاربة. في عام 2018، على سبيل المثال، قاد حزب الله حملة توعية استهدفت المغاربة في كوت ديفوار لتحويلهم إلى الإسلام الشيعي.

شبكة التهديد الإيرانية

تعدّ شبكة التهديد الإيرانية (اي تي ان)، وهي عبارة صاغها الدكتور إيتان آزاني وآخرون، عنصراً حاسماً في فهم أساليب إيران في تصدير الثورة الإسلامية. تتألف الشبكة من وكلاء وشركاء تستفيد منهم إيران لتعزيز مصالحها بشكل استراتيجي في الخارج. ومن الأمثلة البارزة مرة أخرى حزب الله، الذي يركز أنشطته على الشرق الأوسط ولكنه يدير شبكات إرهابية وإجرامية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في المناطق ذات الحكومات الضعيفة وجماعات الجريمة المنظمة الدولية (تحديداً غرب إفريقيا ومنطقة الحدود الثلاثية في أمريكا الجنوبية). يعمل حزب الله كمعزز لقوة شبكة التهديد الإيرانية نظرًا لانتشاره شبه العالمي.

ويحافظ حزب الله على وجود دولي مفتوح من خلال وحدة العلاقات الخارجية التابعة له. تشمل المهام الأساسية للوحدة الدعاية والتمويل والدعم، كما تقوم بالتنسيق بين المتعاطفين المحليين وقادة الحزب في لبنان. بعض أفراد وحدة العلاقات الخارجية هم أعضاء لبنانيون تم إرسالهم إلى الخارج، والبعض الآخر من أنصار حزب الله المتمركزين بالفعل في البلدان المستهدفة. إن أفراد وحدة العلاقات الخارجية يشبهون “دبلوماسيي” حزب الله، حيث يعملون كرجال واجهة لبناء العلاقات بين حزب الله وإيران من ناحية والمغتربين اللبنانيين والمجتمعات الشيعية من ناحية أخرى. تعمل بعض المراكز المجتمعية اللبنانية كقواعد لنشاط حزب الله، حيث يقوم ممثلون خاصون لوحدة العلاقات الخارجية بالتنسيق بين المجتمعات الشيعية على الأرض. ويرتبط معظم أعضاء وحدة العلاقات الخارجية بشكل وثيق بمسؤولين كبار في حزب الله، والعديد منهم حصلوا على تدريب عسكري متقدم للتحريض على الأنشطة الإجرامية والإرهابية.

ووفقاً للاستخبارات الكندية، فإن وحدة العلاقات الخارجية تنشئ شركات واجهة في الخارج، وتخفي أعضاءها في هيئة رجال أعمال لحشد الدعم الشيعي المحلي لحزب الله وإيران، مما يجعل حزب الله “واحداً من أكثر الجماعات الإرهابية قدرة من الناحية الفنية في العالم”. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، ما حدث في عام 2017، عندما أنشأ الحزب حسابات مزيفة على فيسبوك لنساء جذابات لاستهداف الجنود الإسرائيليين. تم الاتصال بجنود جيش الدفاع الإسرائيلي من خلال حسابات الفيسبوك هذه، ثم تم استدراجهم لتثبيت تطبيقات مراسلة وبرامج ضارة سراً على أجهزتهم المحمولة. هذا النوع من النشاط السيبراني العدائي منح برامج التجسس التابعة لحزب الله إمكانية الوصول إلى هواتف جنود الجيش الإسرائيلي، مما سمح لهم باسترجاع محتوى استخباراتي وعسكري بالغ الأهمية.

وترتبط وحدة العلاقات الخارجية التابعة لحزب الله أيضاً بشكل معقد بقسم الشؤون التجارية في الحزب، والذي يتم الاستفادة منه لبناء خلايا إرهابية في إفريقيا. في عام 2015، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على ثلاثة أعضاء في حزب الله وكيانات تابعة لهم عبر شبكة دعم مقرها غرب إفريقيا. ورفض التقرير ادعاءات الوحدة بأنها تدير فقط “علاقات مجتمعية”، مؤكداً أن “الهدف الأساسي لحزب الله في نيجيريا هو استكشاف مرشحين جدد للوحدات العسكرية للحزب، فضلاً عن إنشاء ودعم البنية التحتية الإرهابية لوحداته العملياتية في إفريقيا والعالم”.

قبل عامين، فرضت الولايات المتحدة أيضاً عقوبات على أربعة مواطنين لبنانيين متهمين بتسهيل توسع حزب الله في غرب إفريقيا، وتحديداً في سيراليون والسنغال وكوت ديفوار وغامبيا. الجاليات اللبنانية الكبيرة في هذه البلدان شيعية إلى حد كبير، مما يجعلهم هدفاً جاهزاً للتجنيد في صفوف الحزب. وكما أشار الباحث ريتشارد داوني، فإن “هذه المجموعة من البلدان تعاني من مشاكل في الحكم – أو سوء الحكم في بعض النواحي. أجهزتهم الأمنية ضعيفة، وقدرات الشرطة لديهم منخفضة جداً، لذلك هناك دائماً فرص لاستغلال المجرمين المنظمين العابرين للحدود الوطنية لهذه الأوضاع”.

وقد تطور النفوذ الإيراني في غرب إفريقيا من خلال حزب الله، مع تركيز الأولويات الرئيسية على تهريب الأسلحة وتجنيد المسلحين في شبكته. على سبيل المثال، قام عميلا وحدة العلاقات الخارجية فوزي فواز وعبد الله الطحيني بتنظيم وفود من حزب الله إلى نيجيريا وأسسا خلية تابعة للحزب في البلاد، حيث اتُهم الأول بحيازة “أسلحة ثقيلة [و]… أنشطة أخرى متعلقة بالإرهاب”. كما أفادت التقارير أن بعض الشيعة الأفارقة قاتلوا في سوريا، وإن كان ذلك بأعداد صغيرة. علاوة على ذلك، تم الكشف عن الأسلحة الإيرانية في جميع أنحاء إفريقيا، حيث كان بعضها مخصصاً للحركات الشيعية بينما تم بيع البعض الآخر إلى الجماعات المسلحة المحلية. ففي السنغال، على سبيل المثال، تبين أن الجماعة المتمردة، حركة القوى الديمقراطية لكازامانس، كانت بحوزتها أسلحة إيرانية متطورة، مما أدى بالسنغال إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في عام 2011.

إن منطقة غرب إفريقيا على وجه الخصوص تعد موطناً لبنية تحتية عملياتية إيرانية واسعة النطاق تعتمد بشكل كبير على المجتمعات الشيعية، مع الوكلاء الأكثر نجاحاً، الحركة الإسلامية في نيجيريا، والتي سيتم استكشافها بشكل أكبر في دراسة حالة. استهدفت وحدة العلاقات الخارجية في نيجيريا: استكشاف المجندين للوحدات العسكرية التابعة لحزب الله، وإنشاء بنية تحتية إرهابية للحزب، ودعم البنية التحتية الإيرانية الحالية للعمليات الإفريقية والعالمية.

جمع التبرعات لحزب الله في غرب إفريقيا

مع تمويل الرياض للحملات المناهضة للشيعة على المستوى العالمي، زادت المصالح الجيوسياسية والأيديولوجية والتكتيكية لإيران في القارة الإفريقية. وباعتباره الوكيل الإيراني الأكثر نجاحاً، فإن محاولات حزب الله لتوليد موارده المالية الخاصة لها أهمية خاصة نظراً للشتات اللبناني الكبير في غرب إفريقيا المتعاطف مع أهداف الحزب. ويشكل التجار اللبنانيون عنصراً حاسماً في نشاط جمع التبرعات لحزب الله، حيث يقيم الممولون علاقات استراتيجية مع المسؤولين الرئيسيين وضباط الأمن ورجال الأعمال في الدول الإفريقية، وبالتالي تزداد فرص الحزب لكسب ملايين الدولارات من العقود الحكومية. وعلى نطاق أوسع، تستفيد الشركات اللبنانية المرتبطة بحزب الله من البيئات التي يرتفع فيها الفساد.

يتم التواصل مع الشركات المملوكة للبنانيين في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لتقديم مساهماتها إلى منظمات الخدمة السياسية والاجتماعية التي يديرها حزب الله. غالباً ما تكون هذه التبرعات ابتزازية بطبيعتها، وعادة ما يتم جمعها نقداً من قبل مبعوثي الحزب، الذين يقومون بتحويل الأموال عبر شركات الصرافة إلى الشرق الأوسط. في عام 2003، تحطمت طائرة تابعة لشركة “إيتا” الفرنسية عند إقلاعها من لبنان إلى بنين، وعُثر على مسؤولين من حزب الله على متنها يحملون مليوني دولار نقداً تم جمعها من لبنانيين يعيشون في دول غرب إفريقيا. ويمثل هذا المبلغ مساهمات منتظمة لحزب الله من مواطنين لبنانيين في مختلف بلدان غرب إفريقيا. لقد قام حزب الله بإضفاء الطابع المؤسسي على التبرعات التي يجمعها من رجال الأعمال اللبنانيين البارزين في الشتات في غرب إفريقيا. وفي يونيو / حزيران 2013، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أربعة مواطنين لبنانيين في سيراليون وكوت ديفوار والسنغال وغامبيا، على التوالي، بسبب أنشطة مرتبطة بحزب الله. ووفقاً للإشعار الرسمي، قام هؤلاء الأفراد “بتنظيم جهود جمع التبرعات، وتجنيد أعضاء، وفي بعض الحالات نصّبوا أنفسهم كأعضاء في وحدة العلاقات الخارجية لحزب الله”.

وانتقلت العديد من شركات الواجهة والناشطين التابعين لحزب الله من منطقة الحدود الثلاثية في أمريكا الجنوبية إلى إفريقيا بعد التحقيقات في روابط حزب الله بتفجيرات بوينس آيرس عامي 1992 و1994 (التي استهدفت السفارة الإسرائيلية ومركز الجالية اليهودية). وفي يونيو/ حزيران 2017، فحص مجلس النواب الأمريكي الشؤون المالية لحزب الله، ولفت الانتباه إلى التمويل والشراكات بين الحزب والمؤسسات الإجرامية في أمريكا الجنوبية وإفريقيا. وتُستخدم منطقة غرب إفريقيا على وجه الخصوص لتخزين المخدرات ونقلها، حيث يدخل حزب الله في علاقات تجارية في كثير من الأحيان مع الشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية والمنظمات الإجرامية المحلية على حد سواء لنقل البضاعة. وتتمتع غرب إفريقيا بالعديد من طرق تهريب المخدرات الراسخة إلى أوروبا، حيث يعتبر البعض غينيا بيساو، على سبيل المثال، دولة مخدرات.

على سبيل المثال، تم القبض على شركة حلاوي للصرافة، ومقرها بيروت، وهي تشحن سيارات مستعملة تزيد قيمتها عن 200 مليون دولار إلى بنين عبر الولايات المتحدة كجزء من مخطط لغسل أموال المخدرات المرتبطة بكل من حزب الله وعصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية. وتم القبض على اثنين من شركاء حزب الله في عام 2015 بزعم قيامهما بغسل أموال لصالح تجار المخدرات والمنظمات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة في لبنان وإيران وفرنسا وبلجيكا وبلغاريا وبنين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغانا ونيجيريا وقبرص ومدن أمريكية متعددة، كما أن حزب الله وعناصر إيرانية متورطون بشكل مباشر في تهريب المخدرات في بعض الحالات. وفي عام 2010، تم الاستيلاء على سفينة شحن قادمة من إيران تحتوي على 130 كيلوغراماً من الهيروين المركز بقيمة 10 ملايين دولار في نيجيريا قبل وصولها إلى أوربا. ويجد رجال الدين في طهران طرائق لتبرير العمل في تجارة المخدرات، وهو ما يتعارض عادة مع الإسلام المتشدد للنظام. على سبيل المثال، صدرت فتاوى خاصة من رجال الدين الشيعة بإباحة التعاون المباشر مع ميليشيات القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) اليسارية.

كما يتم تنفيذ نشاط جمع التبرعات في غرب إفريقيا بشكل مباشر من خلال عملاء حزب الله مثل الشيخ عبد المنعم القبيسي، الممثل الشخصي لحسن نصر الله في كوت ديفوار. وشملت مسؤوليات القبيسي الاتصال بقادة حزب الله، واستضافة كبار مسؤولي الحزب الذين يسافرون إلى كوت ديفوار لأغراض التمويل، وإنشاء محطة حزب الله الرسمية داخل كوت ديفوار، واستخدامها لتجنيد أعضاء جدد في صفوف الحزب في لبنان. في مايو / أيار 2009، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية القبيسي على أنه إرهابي عالمي، مما أدى إلى ترحيله من غرب إفريقيا. ومع ذلك، في العام التالي، سُمح له بالعودة إلى كوت ديفوار بعد ضغوط من الحكومة اللبنانية. وفي الواقع، ينشط حزب الله في كوت ديفوار منذ الثمانينيات. ألقي القبض على الناشط في الحزب محمد عادل تقي في أبيدجان عام 1988 وبحوزته 70 كيلوغراماً من المتفجرات والصواعق المختلفة والقنابل اليدوية والأسلحة المحمولة وقاذفة صواريخ، وكان من المقرر إرسالها جميعاً إلى فرنسا. وبالمثل، كانت غامبيا في عهد رئيسها السابق، يحيى جامع، قناة معروفة لتمويل حزب الله، حتى أن جامع تدخل مرتين لمنع ترحيل الممول المعين كإرهابي من قبل الولايات المتحدة حسين تاج الدين. وبعيداً عن تهريب المخدرات، من المحتمل أن يكون حزب الله متورطاً في أنواع مختلفة من التجارة غير المشروعة عبر القارة الإفريقية. ففي موزمبيق، على سبيل المثال، يشاع أن الحزب متورط في تهريب العاج من خلال عشرات العملاء اللبنانيين في البلاد.

تكتسب إيران أيضاً نفوذاً في غرب إفريقيا من خلال التجارة في المنتجات والخدمات، مثل تجميع السيارات وإنتاج النفط والغاز والأسلحة. ولدى إيران أيضاً ترتيبات تعاون عسكري مع العديد من الدول الإفريقية وتشتري اليورانيوم الإفريقي. في السنة المالية 2017-2018، وصلت التجارة بين إيران وإفريقيا إلى مستوى قياسي بلغ 1.2 مليار دولار. وتساعد هذه التجارة إيران على التحايل على العقوبات الأمريكية والأممية. والأهم من ذلك أن صفقات اليورانيوم التي أبرمت مع ناميبيا وزيمبابوي ساعدت إيران على تطوير برنامجها النووي. وذهب وزير الخارجية الناميبي السابق إلى حد الإشادة بـ “كفاح إيران للحصول على التكنولوجيا النووية السلمية رغم كل الضغوط”. وبهذا المعنى، تهدف الدبلوماسية الإيرانية في إفريقيا أيضاً إلى المساعدة في بناء الدعم الدولي لبرنامج الأسلحة النووية الإيراني في مواجهة الضغوط الغربية. ومع ذلك، حتى عندما حاولت تأمين حلفائها القاريين في إفريقيا، قطعت إيران علاقاتها الدبلوماسية مع بعض الدول الإفريقية بسبب تهريبها للأسلحة عبر حدودها.

حدث خطأ إقليمي كبير في عام 2010، عندما صادر المسؤولون النيجيريون 13 حاوية شحن من الأسلحة القادمة من إيران والتي تم تهريبها في حاويات تحمل علامات تحتوي على مواد بناء (بعد أقل من شهر، اعترضت السلطات النيجيرية شحنة مخدرات في نفس الميناء). ويشتبه في أن عضواً في الحرس الثوري الإيراني وعضواً محلياً في حزب الله النيجيري على صلة بشحنة الأسلحة. وكانت الحاويات متجهة إلى غامبيا، مما أدى إلى الطرد السريع للدبلوماسيين الإيرانيين من البلاد حتى عندما احتجوا على أن الشحنة كانت جزءاً من اتفاق سري مع الحكومة الغامبية (وهو ادعاء نفاه الرئيس الغامبي).

شركاء ووكلاء إيران في إفريقيا: جبهة البوليساريو، سرايا الزهراء، وتنظيم القاعدة

يتجاوز النفوذ الإيراني في إفريقيا التجارة، وتطوير البنية التحتية، والدعوة، ويمتد إلى دعم الشركاء والوكلاء المتشددين. من المهم ملاحظة الاختلافات في العلاقات بين إيران وشركائها ووكلائها: يعتمد البعض بشكل كامل على طهران للحصول على الدعم، ويتصرفون فقط بناءً على تعليماتها، في حين يمارس البعض الآخر الاستقلال الذاتي. يتيح هذا النموذج المرن لإيران نطاقاً أوسع للحركة مع الحفاظ على وكلاء أقوياء أيديولوجيا ومتصلين جيّداً. وبصرف النظر عن أبرز الشركاء والوكلاء، مثل حزب الله اللبناني، وبعض الميليشيات العراقية، والحوثيين في اليمن، تعمل إيران بشكل مطرد على بناء شبكاتها في أجزاء من إفريقيا. وهذا يهدد بتفاقم التنافس السعودي الإيراني في القارة.

وجبهة البوليساريو هي جماعة انفصالية مقرها الجزائر تقاتل من أجل استقلال الصحراء الغربية عن المغرب. وللجماعة صلات بحزب الله، ومن المحتمل أيضاً أنها تعاونت مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في أنشطة التهريب. ويقال إن الحكومة الجزائرية تستضيف قادة البوليساريو، والجماعة معروفة بتهريب الأسلحة إلى موريتانيا والدول المجاورة. وفي عام 2020، انهار وقف إطلاق النار الذي فرضته الأمم المتحدة، والذي كان قائماً منذ عام 1991 مع إعلان البوليساريو أنها ستستأنف كفاحها المسلح ضد المغرب.

وعلى الرغم من أنها ليست جماعة شيعية، تحظى جبهة البوليساريو بدعم إيران. في عام 2018، قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع طهران بعد اكتشاف أن ضابط المخابرات الإيراني، أمير موسوي، استخدم لقبه كملحق ثقافي في الجزائر كغطاء لدعم جبهة البوليساريو إلى جانب أنشطة شائنة أخرى. وتمكن موسوي من تجنيد آلاف الشباب الشيعة من المناطق المحرومة في الجزائر، لتعزيز هدف إيران المتمثل في زعزعة استقرار المنطقة، كما أرسل حزب الله أسلحة إلى جبهة البوليساريو لاستخدامها ضد قوات الأمن المغربية، وشملت هذه الأسلحة صواريخ أرض جو وصواريخ محمولة على الكتف، كما لعب حزب الله دوراً فعالاً في تدريب أعضاء الجبهة على حرب المدن في قاعدة عسكرية في الجزائر.

وأنشأت إيران وكيلاً لها في جمهورية إفريقيا الوسطى تحت قيادة المواطن التشادي إسماعيل دجيده، الذي تم اعتقاله في عام 2019. وقد تم تدريب مجموعة سرايا الزهراء على يد وحدة العمليات الخاصة (الوحدة 400) التابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وكشفت التحقيقات لاحقاً أن فيلق القدس أعطى دجيده مبلغاً يتراوح ما بين 12 ألف دولار و20 ألف دولار في كل زيارة قام بها إلى إيران أو لبنان أو العراق. كان دجيده على اتصال جيد بأمراء الحرب والسياسيين في جميع أنحاء إفريقيا (خاصة في تشاد والسودان المجاورين)، وكان مستشاراً لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى ميشيل دجوتوديا الذي تحول إلى متمرد.

وكشف تحقيق للأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 12 من أعضاء سرايا الزهراء سافروا إلى العراق ولبنان في عام 2018 بهدف تشكيل مجموعة من 200 إلى 300 مسلح للتنسيق مع خلايا أخرى في تشاد والسودان. وخلال هذا التحقيق، ادعى دجيده أن فيلق القدس وافق على دعمه لتأسيس مجموعة مسلحة (سرايا الزهراء) “للقيام بأعمال عنف ضد المصالح الغربية والإسرائيلية والسعودية في إفريقيا”، كما ادعى أنه قام شخصياً بتجنيد ما بين 30 إلى 40 مسلحاً من مختلف الجماعات المتمردة في جمهورية إفريقيا الوسطى، الذين خضعوا لاحقاً لتدريب عسكري في المعسكرات التي تديرها إيران في لبنان والعراق وسوريا. ويبدو أن سبب وجود سرايا الزهراء هو إنشاء بنية تحتية لفيلق القدس في وسط إفريقيا يمكن من خلالها تنفيذ هجمات على المصالح الغربية في المنطقة، وهو ما نفته إيران بشدة.

وعلى الرغم من خلافاتهم الطائفية، تعاونت إيران مع تنظيم القاعدة في مراحل مختلفة. وكانت العلاقة وعرة في بعض الأحيان، حيث قامت إيران في بعض الأحيان باحتجاز مسؤولين في التنظيم، كما كان تنظيم القاعدة يستهدف المصالح الإيرانية في أحيان أخرى. الاتصالات بين القاعدة وإيران سبقت هجمات 11 سبتمبر / أيلول. قام أسامة بن لادن بتعزيز العلاقات مع إيران خلال السنوات الأربع التي قضاها في السودان بين عامي 1992 و1996. وخلال هذه المرحلة، تطلع بن لادن إلى إيران وحزب الله من أجل التعاون التكتيكي والعملياتي. وفي عام 1993، ذهب كبار عملاء ومدربي تنظيم القاعدة إلى إيران لتلقي التدريب على المتفجرات، مع خضوع مجموعة أخرى لتدريب مماثل في وادي البقاع في لبنان، معقل حزب الله. وفي وقت مبكر من عام 1998، استفاد تنظيم القاعدة من شبكات حزب الله الواسعة في غرب إفريقيا لغسل أمواله من خلال تجار الماس اللبنانيين في سيراليون والدول المجاورة. وبحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت إيران بمثابة “مركز تسهيل” لتنظيم القاعدة على حد تعبير الجنرال ديفيد بتريوس، في حين ذكر أسامة بن لادن نفسه في رسالة عام 2007 أن “إيران هي شرياننا الرئيس للأموال والأفراد والاتصالات”.

لقد أصبحت العلاقات السرية بين تنظيم القاعدة وإيران أكثر وضوحاً، وخاصة في أعقاب مقتل الرجل الثاني في القاعدة في طهران على يد عملاء إسرائيليين. وقد سلطت عملية الاغتيال هذه الضوء على حرية الحركة والنشاط العملياتي التي كان يتمتع بها قيادي القاعدة، أبو محمد المصري، في إيران، وإن كان ذلك في ظل ظروف متوترة. المصري هو ثاني أكبر إرهابي في تنظيم القاعدة في العالم، وكان أحد الأعضاء المؤسسين للتنظيم، وكان مطلوباً من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي لدوره في تفجيرات السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا عام 1998.

ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن التعاون بين إيران وتنظيم القاعدة قائم على المستوى التكتيكي البحت، ومن المرجح أن تظل التوترات بين الحكومة الإيرانية والتنظيم قائمة. في البداية، قامت إيران بإيواء أعضاء القاعدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، لكنها فرضت قيوداً على تحركاتهم، مما أدى إلى سجنهم فعلياً. ويزعم بعض المحللين أن المصري كان تحت الحجز الوقائي للحرس الثوري الإيراني وقت وفاته، وهذا يسلط الضوء على استراتيجية إيران الأوسع المتمثلة في رعاية الدولة للإرهاب. ويرى آخرون أن المصري هو جزء من عملية تبادل أسرى عام 2015، حيث تم منح العديد من كبار أعضاء القاعدة (بما في ذلك المصري) حريتهم مقابل إطلاق سراح دبلوماسي إيراني كانت القاعدة في اليمن قد اختطفته (وقد جرت عملية تبادل أسرى مماثلة في عام 2011 لتأمين إطلاق سراح دبلوماسي إيراني مختطف في باكستان). وبالتالي فإن تنقل المصري في إيران كان بشق الأنفس. وبينما ذهب وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو إلى حد إعلان إيران “أفغانستان الجديدة” في عام 2021، فإن وجود تنظيم القاعدة في البلاد يأتي بثمن استراتيجي بالنسبة للنظام الإيراني. إن الحافز الأكثر ترجيحاً لدى إيران لإيواء قادة القاعدة هو أن القيام بذلك يمنع التنظيم من مهاجمة الأراضي الإيرانية.

الحركة الإسلامية في نيجيريا

لقد أثبتت نيجيريا أنها بلد مثالي للنشاط الإيراني، ويساوي عدد سكان نيجيريا عدد سكان جميع البلدان الأخرى في غرب إفريقيا مجتمعة، مما يجعلها عملاقاً قارياً. إنها أكبر دولة منتجة للنفط في القارة ولها عضوية في منظمات دولية مهمة مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومقعد غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما أنها واحدة من أكثر الدول تقلباً في غرب إفريقيا. إن جاذبية نيجيريا بالنسبة لحزب الله وإيران ترجع إلى حد كبير إلى العدد الكبير من السكان المسلمين في البلاد، والوزن الاقتصادي، وحدودها التي يسهل اختراقها وممارسة أنشطة التهريب من خلالها.

قبل عام 1979، كانت الطائفة الشيعية في نيجيريا ضئيلة للغاية، ثم ارتفع العدد إلى ما يقدر بنحو أربعة ملايين شخص على مدى العقود التالية (على الرغم من أن بعض المصادر تقول أن العدد أعلى) من خلال جهود الحركة الإسلامية في نيجيريا المدعومة من إيران. وأكثر من أي مجموعة أخرى، يسلط مسار الحركة الإسلامية النيجيرية لضوء على قدرة إيران على تصدير ثورتها الإسلامية إلى البلدان التي تفتقر إلى الأغلبية الشيعية من خلال إثارة المعارضة الدينية للسلطات الإسلامية والحكومية القائمة.

وتعد الحركة الإسلامية النيجيرية قوة مقاومة شيعية بارزة ضد الحكومة، ويحتوي موقعها على صور لآية الله الخميني وشعار النظام الإيراني “الموت لأمريكا”، بينما يتعهد أعضاء الحركة بالولاء للخميني قبل مبايعة زعيمهم الشيخ إبراهيم زكزكي. تختلف تقديرات حجم الحركة الشيعية في نيجيريا بشكل كبير. ففي حين تفيد السلطات النيجيرية أن هناك 60 ألف عضو مسجل في الحركة، يقدر أتباع زكزكي أن عددهم يتراوح بين خمسة وعشرة ملايين شخص من بين السكان المسلمين النيجيريين البالغ عددهم 100 مليون نسمة.

تتواجد الطائفة الشيعية في نيجيريا في المقام الأول في ولايات كادونا، وسوكوتو، وكاتسينا، وكانو، على الرغم من وجودهم في أجزاء أخرى من البلاد. تأسست الحركة الإسلامية على يد الشيخ إبراهيم زكزكي الذي قاد معارضة إسلامية مشاكسة في كثير من الأحيان في حرم جامعته في السبعينيات. بعد الدراسة في إيران في أعقاب الثورة الإيرانية، تحول زكزكي إلى المذهب الشيعي وأسس الحركة الإسلامية الشيعية التي يقودها حتى يومنا هذا. شهد الإسلام الشيعي نمواً كبيراً في نيجيريا من خلال زكزكي الذي استغل ببراعة الأزمات السياسية، مثل المناقشات حول تطبيق قانون الشريعة في شمال نيجيريا خلال ظهور الحكم الديمقراطي في عام 1999، لصالح حركته.

جذبت الثورة الإيرانية عام 1979 انتباه العديد من الشباب النيجيريين المسلمين، حيث انتشرت المنشورات المؤيدة للثورة في جميع أنحاء كادونا، وهي معقل يان إيزالا (حركة سلفية)، في ذلك الوقت تقريباً. بعد الثورة، سافر العديد من الشباب النيجيريين المسلمين إلى إيران، حيث تلقوا تكويناً دينياً وتدريباً عسكرياً. وباعتبارها حركة ناشئة، كانت الحركة الإسلامية النيجيرية بحاجة إلى اكتساب أتباع. وقد فعلت ذلك بمساعدة إيران من خلال اصطياد وتجنيد أعضاء الحركات الإسلامية النيجيرية المنافسة.

على الرغم من أن المدى الكامل للدعم المالي والعسكري الذي تقدمه إيران للحركة الإسلامية النيجيرية غير معروف، في عام 2017، قدّر ماثيو بيج، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، أن الحركة تلقت ما يقرب من 120 ألف دولار سنوياً من إيران، وهو ما يشكل استثماراً فعالاً للغاية من وجهة نظر إيران. وبينما نفى الشيخ زكزكي تلقي أي تمويل من طهران، ادعى ضابط مخابرات نيجيري أن لديه تسجيلات صوتية لاتصالات زكزكي مع إيران، والتي يُزعم أنها تثبت تمويلاً حكومياً طويل الأمد. وقد أنشأت الحركة الإسلامية شبكة من المعاهد الدينية والمنظمات والمدارس والمستشفيات الشيعية، بالإضافة إلى “مؤسسة الشهداء”، وكلها يتم تمويلها جزئياً على الأقل من قبل طهران.

وتشير إيران وحزب الله علناً إلى الشيخ زكزكي والحركة الإسلامية النيجيرية في خطاباتهما، مما يؤكد مدى أهميتهما لشبكة إيران والحركة الشيعية العالمية التي يأملان في قيادتها. يظهر ذلك في إحدى تغريدات آية الله خامنئي على تويتر في عام 2020، والتي أظهرت رسماً توضيحياً للشيخ زكزكي وسط شخصيات شيعية بارزة بمناسبة يوم القدس العالمي (عطلة أنشأها النظام الإيراني لمعارضة يوم القدس الإسرائيلي) تأكيداً للدعم العلني الذي يقدمه المرشد الأعلى للحركة النيجيرية. وفي غشت / آب 2018، افتتحت إيران رسمياً مكتباً لزكزكي في مشهد بإيران، بحضور عائلة زكزكي ورجال دين إيرانيين مؤثرين. وقد أثار الدعم العلني الذي تلقته الحركة الإسلامية النيجيرية من إيران مخاوف داخل الحكومة الفيدرالية النيجيرية.

خلال يوم القدس عام 2014، نظمت الحركة الإسلامية في نيجيريا مسيرة حاشدة في زاريا في ولاية كادونا. أطلق الجيش النيجيري النار على المتظاهرين السلميين في مذبحة استمرت يومين، مما أسفر عن مقتل 34 شخصاً، ثلاثة منهم أبناء زكزكي، وإصابة أكثر من 100 آخرين. وقد حظيت هذه المذبحة باهتمام منظمات حقوق الإنسان الدولية، فضلاً عن المنظمات الحقوقية المرتبطة بإيران، والتي ربطت المذبحة بالاضطهاد العالمي ظاهرياً للمسلمين الشيعة. وفي العام التالي، في ديسمبر/ كانون الأول 2015، قتلت قوات الأمن النيجيرية أكثر من 300 من أعضاء الحركة الإسلامية (يقول أنصار الحركة إن عددهم كان 1000)، في زاريا أيضاً. أصيب الشيخ زكزكي وزوجته وتم اعتقالهما بشكل غير قانوني خلال المذبحة التي استمرت عدة أيام. وأثارت المذبحة احتجاجات دولية، حيث تقدمت لجنة حقوق الإنسان الإسلامية، وهي منظمة غير حكومية مقرها المملكة المتحدة، بالتماس إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للنظر في القضية. من جانبه، أجرى الجيش النيجيري تحقيقاته الخاصة في المذبحة وادعى أنه اكتشف أدلة دامغة على وجود اتصالات بين الحركة الإسلامية وإيران، على الرغم من أن هذه الأدلة لم يتم نشرها علناً على الإطلاق. تزعم رواية الجيش النيجيري عن المذبحة أن الحركة الإسلامية كانت على وشك تنفيذ محاولة اغتيال رئيس أركان الجيش اللواء توكور بوراتاي، وهو ما نفته الحركة بشدة. بل يبدو أن المذبحة قد حدثت نتيجة لمحاولة أعضاء في الحركة منع موكب الجنرال بوراتاي، كاستعراض للقوة واحتجاج أكثر من كونها جزءاً من أي محاولة اغتيال. وفي المذبحة التي تلت ذلك، أحرق الجيش النيجيري مسجداً تابعاً للحركة، وكذلك منزل زكزكي، كما هدم مقبرة في ملكية الحركة، واعترف مسؤولو حكومة ولاية كادونا بعد أربعة أشهر أنه تم التخلص من حوالي 350 جثة في مقبرة جماعية قريبة، دون اكتشاف أي أسلحة ثقيلة بين الضحايا.

منذ ثمانينيات القرن الماضي، سُجن زكزكي من قبل الأنظمة العسكرية المتعاقبة بسبب العصيان المدني، خاصة أن أتباع الحركة الإسلامية النيجيرية لا يعترفون بالحكومة النيجيرية، ويعتبرون الشيخ زكزكي السلطة الشرعية الوحيدة في نيجيريا. ومع ذلك، فإن تبرئة الشيخ وزوجته مؤخراً في يوليو 2021 (بعد اعتقالهما في عام 2015) أثارت مخاوف الحركة الإسلامية من إعادة اعتقاله. ومن غير المستغرب أن حكومة ولاية كادونا سعت على الفور إلى استئناف حكم البراءة وإحياء التهم الثمانية الموجهة ضد الرجل وزوجته.

وقد ساعد الحظر الذي فرضه الرئيس بوهاري على الحركة الإسلامية النيجيرية في زيادة الدعم العالمي لها من الشيعة الآخرين. لقد أثبت الشيخ زكزكي أن كونك رجل دين شيعياً بارزاً دون حلفاء محليين ووقوعك في مرمى الدولة والمؤسسات الإسلامية الرسمية يعرضك للقمع. ومع ذلك، كانت هذه أكبر خدمة قدمها الشيخ لإيران، حيث أصبحت حركته جزءاً أساسياً من الدعاية الإيرانية العالمية. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن زكزكي حقق لإيران أثناء سجنه أكثر مما حققه عندما تم إطلاق سراحه.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة أن العديد من السلفيين البارزين في نيجيريا (الذين هم أقرب إلى المؤسسة الإسلامية النيجيرية) لديهم روابط مع المملكة العربية السعودية توفر حوافز لإيران لمواصلة دعم الحركة الإسلامية النيجيرية باعتبارها مجموعة شيعية وثقلاً موازنا للنفوذ السعودي في غرب إفريقيا. إذا قامت الحكومة باتخاذ إجراءات صارمة ضد الحركة الإسلامية النيجيرية بشكل أكبر وبطريقة أكثر عنفاً، فمن المرجح أن يدفع ذلك أعضاء الحركة إلى تطوير طريقة عمل أكثر ثورية وعنفاً أيضاً، تماماً كما حولت حملة القمع الدموية التي شنتها الدولة النيجيرية على بوكو حرام في عام 2009 الجماعة من مجرد حركة منشقة إلى تمرد عنيف. وفي مثل هذا الوضع، ستدخل شبكة التهديد الإيرانية في غرب إفريقيا مرحلة أكثر خطورة.

إيران في سيراليون

توفر سيراليون مركزاً مهماً للنشاط الإيراني في غرب إفريقيا بسبب جغرافيتها، وعدم فعالية أجهزة إنفاذ القانون، وتجارة الماس، والأغلبية السكانية المسلمة. ومن المثير للاهتمام أن هناك علامات قليلة على التطرف الإسلامي بين السكان المسلمين في سيراليون، على الرغم من أن شباب سيراليون يشعرون بالقلق نتيجة لضعف الخدمات الاجتماعية والاقتصادية. ومع ذلك، كانت الانقسامات الكبيرة بين الطوائف الإسلامية الأربع الرئيسية في البلاد (الشيعة، والسنة غير الصوفية، والصوفية، والأحمدية) سبباً في تفتيت السكان المسلمين في سيراليون. هناك ما يقدر بنحو 125 جماعة إسلامية في البلاد.

في حوالي عام 1969، تأسس المجلس الإسلامي الأعلى في سيراليون على يد علماء عائدين من الدراسة في المملكة العربية السعودية والكويت وليبيا في محاولة لتوحيد المنظمات الإسلامية المختلفة في البلاد، والتي تم تشكيلها على أسس عرقية أو جيلية بدلاً من العقيدة. قام المجلس الإسلامي الأعلى بإنشاء فروع متعددة في سيراليون. كما قام ببناء المدارس والمساجد وعين معلمين أجانب للعمل في المدارس، وأرسل السيراليونيين إلى الخارج للدراسة في المدارس الأجنبية. وفي الوقت نفسه، تعد مهمة حزب الله في سيراليون واحدة من عمليات جمع التبرعات واسعة النطاق التي يقوم بها الحزب في إفريقيا من خلال المجتمع الشيعي المحلي والمغترب.

بدأت إيران وحزب الله لاحقاً جهوداً تبشيرية شيعية في سيراليون بعد افتتاح طهران سفارة لها في البلاد عام 1981. وسرعان ما أنشأت إيران مركزاً ثقافياً كبيراً وأنشأت المعهد الدولي للدراسات الإسلامية، بينما دعمت بناء مسجد فريتاون المركزي. كان المعهد الدولي في البداية مدرسة ثانوية دينية قبل أن يتحول إلى مؤسسة فنية مهنية، تمنح الدبلومات الوطنية العليا المعتمدة من الحكومة في التعليم الديني والمهارات المهنية. حتى يومنا هذا، يعتبر المعهد الدولي الإسلامي مؤسسة رائدة في التعليم العالي في سيراليون، حيث تلقى العديد من معلميه تعليمهم في الجامعات الإيرانية، وهناك تعرفوا على المذهب الشيعي الإيراني والثقافة السياسية للبلاد. كما قامت إيران بتمويل بناء العديد من المساجد والمدارس الثانوية والمنح الدراسية للدراسة في إيران، من بين تبرعات أخرى للمشاريع الإسلامية في سيراليون.

ويتلخص أسلوب عمل إيران في البلاد في إبراز مزايا ثورة 1979، ونشر نسختها الشيعية من الإسلام، وتقويض الدعم الدولي للعقوبات الغربية من خلال التواصل مع المسلمين والمسيحيين المحليين على حد سواء. تعتبر بعثة أهل البيت الإسلامية ـ وهي منظمة شيعية غير حكومية مقرها المملكة المتحدة ـ قناة رئيسية أخرى تستخدم لنشر المذهب الشيعي الإيراني من خلال فرعها في سيراليون، وتشجيع المشاركة في القضايا الإسلامية العالمية. ويتم تعزيز هذا في الاجتماعات التي تنظمها المنظمة، وقد عُقد أحد هذه الاجتماعات في فبراير/ شباط 2009 بمناسبة الذكرى الثلاثين للثورة الإيرانية. وكان موضوع الندوة التي استمرت يوماً واحداً هو “التطور الديني والديمقراطية”، وهو ما يعكس الكيفية التي تخدم بها الثورة الإسلامية ظاهرياً المصالح العليا للشعب الإيراني.

كان السكان اللبنانيون في سيراليون، الذين بدأوا الهجرة في أواخر العصر العثماني، يلعبون دوراً مركزياً في تجارة الماس في البلاد، سواء من خلال الوسائل المشروعة أو غير المشروعة. في وقت قريب من استقلال سيراليون في عام 1961، نما سوق الماس في البلاد، مع زيادة كبيرة في الاتجار بالماس الدموي في أوائل التسعينيات نتيجة للحروب الأهلية في ليبيريا وسيراليون. مع ظهور الحروب الأهلية، أصبح حزب الله متورطاً في تجارة الماس الدموي.

إن عدم وجود أي رقم تسلسلي خاص بالماس الفردي يجعل من غير الممكن تعقبه فعلياً، مما يشكل وحدة تبادل متنقلة استخدمها حزب الله كاستثمار ومنتج للتصفية في الأسواق الناشئة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تهريب الماس، بدلاً من الأموال، يسهل عملية النقل ويوفر طبقة إضافية من الأمن في حالة مداهمات الشرطة. ويشتبه في أن عناصر حزب الله ولبنانيين آخرين في سيراليون قدموا الدعم لعناصر القاعدة خلال الحرب الأهلية في سيراليون.

وكشف تحقيق أوروبي أجري عام 2002 حول تمويل تنظيم القاعدة عن مبلغ 20 مليون دولار أنفقها التنظيم على شراء الماس في غرب إفريقيا، مما سمح للإرهابيين بإخفاء أصول مهمة من خلال الماس. كما حاول أولئك الذين يشترون الماس غير المشروع الحصول على أسلحة متطورة، بما في ذلك الصواريخ القادرة على إسقاط الطائرات. وسرعان ما وجد اثنان من تجار الماس اللبنانيين الرئيسيين نفسيهما في قلب تحقيقات ما بعد 11 سبتمبر: عزيز نصور وسميح عسيلي، بالإضافة إلى شخص ثالث هو السنغالي إبراهيم باه، وهو تاجر أسلحة وماس بارز قاتل لصالح حزب الله في لبنان ثم مع المتمردين السيراليونيين في الحرب الأهلية في البلاد. بدأت العلاقة بين هذه الأطراف في عام 1998، عندما أرسل أسامة بن لادن أعضاء رفيعي المستوى من القاعدة إلى ليبيريا وسيراليون لإقامة علاقات تجارية جديدة وبناء قنوات للاستثمار وغسل الأموال. ولعب باه دوراً حاسماً في ربط عناصر القاعدة بتجار الماس المحليين وممولي حزب الله. حتى أن باه استضاف ممثل بن لادن الإفريقي، فضل محمد، في عام 1999، حيث اصطحبه في جولة في حقول الماس الخاضعة لسيطرة المتمردين في سيراليون. وينبع تورط العسيلي من صلاته بشركة لاستيراد الماس يُزعم أن تنظيم القاعدة يستخدمها. وربط المحققون حوالي 20 مليون دولار من عمليات السحب من الشركة بأنشطة شراء القاعدة، والتي من المرجح أن تكون مرتبطة بمخطط الماس مقابل الأسلحة.

خاتمة

يشكل النشاط الإيراني في إفريقيا جزءاً من استراتيجية الجمهورية الإسلامية للتغلب على وضعها المنبوذ في الغرب. ومن خلال الاستفادة من الحكم السيئ والاقتصادات الضعيفة والحدود التي يسهل اختراقها وعدم الاستقرار في غرب إفريقيا، نجحت إيران في توسيع نطاق وصولها من خلال تنمية الشركاء والوكلاء وشبكات حزب الله مع تعزيز مصالحها التجارية أيضاً. وتوفر القارة فرصاً أخرى لإيران، مثل الحصول على اليورانيوم، على الرغم من أن دعم إيران للجماعات المسلحة في القارة أعاق في أكثر من مناسبة علاقاتها الدبلوماسية. إن قدرة إيران على إنشاء شبكات معقدة والعمل بطريقة مزعزعة للاستقرار خارج حدودها على الرغم من العقوبات والحظر الذي يفرضه الغرب هي سبب خطير للقلق.

هناك حاجة ملحة لأن تفهم الدول الإفريقية وشركاؤها الغربيون طبيعة وخطورة شبكة التهديد الإيرانية. هناك حاجة إلى جهد تعاوني أكبر لتفكيك البنية التحتية التي تمكن إيران وحزب الله من استخدام الدول الإفريقية لتعزيز أجنداتهما تحت ستار المساعدات الاجتماعية والتعليمية مثل توفير المنح الدراسية.

لقد أصبحت خطورة هذه الشبكة أكثر وضوحاً بعد اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على يد القوات الأمريكية في يناير / كانون الثاني 2020. وبحسب التقارير، كان سليماني متورطاً في إنشاء خلايا إرهابية سرية في إفريقيا. وبعد وفاته، دعا نصر الله إلى توحيد جميع عناصر شبكة التهديد الإيرانية تحت فيلق القدس للانتقام وطرد الأميركيين من المنطقة: “من يظن أن هذا الاستشهاد الكريم سيُنسى فهو مخطئ، ونحن مقبلون على عهد جديد… الانتحاريون الذين أجبروا الأمريكان على الرحيل من بلادنا والمنطقة في الماضي ما زالوا هنا وأعدادهم تزايدت”. وظهرت منذ ذلك الحين أدلة على أن الحرس الثوري الإيراني يقوم بتنشيط خلايا سليماني في إفريقيا لاستهداف المصالح الأمريكية. على سبيل المثال، في فبراير / شباط 2021، أحبطت أجهزة المخابرات الإثيوبية والأوروبية مؤامرة إيرانية تستهدف سفارة الإمارات العربية المتحدة في أديس أبابا. وتم العثور على مخبأ من الأسلحة والمتفجرات خلال مداهمات قوات مكافحة الإرهاب في إثيوبيا، بينما اعتقلت السلطات في السويد زعيم الخلية الإرهابية الذي قيل إنه كان يتحرك بناء على طلب من إيران.

ومن الأفضل للدول الإفريقية أن توحد وتزيد التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والدول التي لديها بالمثل سبب لمراقبة حزب الله. يمكن أن يؤدي تحسين تبادل المعلومات الاستخبارية إلى تسهيل مكافحة تمويل الإرهاب بهدف الحد من نشاط الحزب، وخاصة وحدة العلاقات الخارجية التابعة له، في البلدان الإفريقية. إن الاستثمار في تحديد الأصول الاقتصادية والمالية لحزب الله وإيران في إفريقيا سوف يضعف بشكل كبير قدراتهما العملياتية. وهذا أمر بالغ الأهمية لأن النشطاء المرتبطين بإيران وحزب الله يسافرون بجوازات سفر متنوعة، وتحديداً جوازات سفر غير لبنانية وغير إيرانية، مما يسمح لهم بالطيران تحت رادار وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات في غياب جمع أشكال المراقبة.

وإلى أن يتم تنفيذ هذه الإجراءات، تتمتع إيران بالحرية في استخدام عدد كبير من الجهات الفاعلة والموارد والبلدان والمنظمات الإفريقية لإخفاء خططها لأي هجوم مستقبلي على المصالح الأمريكية، سواء في الداخل أو الخارج. ولا ينبغي للمرء أن يقلل من شأن هذا التهديد. وكما قال السيد حسن نصر الله: “كان الموت لأميركا، وسيبقى، شعارنا”.

 

الرابط: 

https://www.hudson.org/node/44280

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى