لماذا ستلجأ إيران إلى التصعيد؟
لقد دفع مقتل الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في الحادي والثلاثين من يوليو/ تموز زعماء إيران إلى زاوية خطيرة. فلم يعد أمام طهران من خيارات سوى تصعيد الصراع، كما فعلت بهجومها على إسرائيل في أبريل/ نيسان. وقد أدى هذا الهجوم إلى سلسلة من التصريحات التي وصفت تصرفات إيران بأنها “مزعزعة للاستقرار”، وزعمت أنها جزء من استراتيجية إقليمية خبيثة، ودعت إلى هجوم مضاد عقابي من جانب إسرائيل. ولا ينبغي لصناع السياسات أن يروا في ردّ طهران الحتمي نية لتصعيد أو زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر، بل محاولة محسوبة للعودة إلى الوضع الراهن. ويخاطر مثل هذا التفسير بالتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها، مما يساهم في السير نحو حرب إقليمية لا يريدها سوى قِلة من الناس.
سوف تشعر إيران بالحاجة إلى الردّ على الهجوم الإسرائيلي لأسباب سياسية دولية ومحلية. وسيتعين على ردها أن يكون أكثر تأثيراً من هجومها الصاروخي في 13 أبريل/ نيسان لإرضاء المتشددين المحلّيين وللحاجة الاستراتيجية لردع المزيد من الهجمات الإسرائيلية على أراضيها. لكن إيران تريد أيضاً تجنب حرب أوسع نطاقاً، وهو ما يترك لها مهمّة شبه مستحيلة: الرد دون إثارة دوامة تصعيدية.
إن إيران لديها خمسة خيارات رئيسة للردّ؛ فهي قد لا تفعل شيئاً، أو تقوم بأعمال غير بارزة مثل الهجمات الإلكترونية، أو تنفذ عملية قتل مستهدفة واحدة أو أكثر، أو تشن هجمات نارية غير مباشرة، أو توجه وكلاءها للقيام بتوغلات برية في إسرائيل. الخياران الأولان غير قابلين للتنفيذ. فقد وضع المرشد الأعلى الإيراني سمعته بالفعل على المحك، وأي شيء يُنظر إليه على أنه عدم استجابة حقيقية سيكون غير مقبول سياسياً. وسوف تكون عمليات القتل المستهدفة ضد الإسرائيليين الخيار الأقل تصعيداً، لكن إيران تواجه عقبات سياسية وعملية. وقد تشن إيران أيضاً هجمات نارية غير مباشرة من خلال شركائها من غير الدول مثل حزب الله، بالاشتراك معهم، أو بمفردهم. وأخيراً، قد تدفع إيران وكلاءها إلى القيام بتوغلات برية تقليدية في إسرائيل. وهذا هو الخيار الأكثر تصعيداً في ضوء ذكريات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ولن تأمر إيران بمثل هذه التوغلات إذا كانت جادة في تجنب الحرب.
إن التصعيد يحدث عندما يزيد أحد أو أكثر من أطراف الأزمة من حدة جهوده أو يوسع نطاقها، منتهكاً القواعد غير المكتوبة للصراع. في أبريل/ نيسان، على سبيل المثال، صعدت إسرائيل (ربما عن غير قصد) بقتل العديد من أفراد فيلق القدس التابع للحرس الثوري في دمشق، وهو هجوم غير عادي بالنظر إلى رتبة القتلى وحقيقة أنه استهدف منشأة دبلوماسية. صعدت إيران ردّاً على ذلك، حيث شنت هجوماً غير مسبوق بصواريخ وطائرات دون طيار ضد الأراضي الإسرائيلية. تمكنت إسرائيل من حل الأزمة دون تصعيد الموقف بشكل أكبر، لكن القيام بذلك تطلب ضربة محسوبة للغاية تنقل تهديداً من دون انتهاك القواعد غير المكتوبة التي تحكم الصراع بين إسرائيل وإيران على مدى العقود العديدة الماضية.
إن عمليات القتل المستهدفة ضد شخصية مثل هنية في إسرائيل من شأنها أن توفر ردّاً دون تصعيد دراماتيكي، ولكن مثل هذه الشخصية غير موجودة. فإسرائيل تفتقر إلى هذا النوع من الوكلاء غير الحكوميين الذين قد يمنحون طهران هدفاً يشبه هنية إلى حد كبير، لذا فمن المحتمل أن تضطر طهران إلى تصعيد الصراع من خلال استهداف المسؤولين السياسيين أو العسكريين الإسرائيليين. كما تواجه إيران مشاكل عملية مع مثل هذا الهجوم: لا يوجد دليل على وجود بنية تحتية إيرانية سرية في إسرائيل تضاهي ما كان مطلوباً لقتل هنية. وقد تهاجم إيران شخصيات حكومية إسرائيلية خارج إسرائيل، كما فعلت إيران وشركاؤها من غير الدول مراراً وتكراراً على مدى العقود العديدة الماضية. ولكن مثل هذه الهجمات تخاطر أيضاً بتصعيد الصراع من خلال نشره إلى مسارح جغرافية جديدة وتواجه مشاكل عملية خاصة بها: فربما يستغرق التخطيط لقتل مستهدف أو تفجير سفارة وقتاً طويلاً، مما يضعف الإشارة الرادعة التي تسعى إيران إلى إرسالها.
من المرجح أن ترد إيران بهجمات نارية غير مباشرة مماثلة إلى حد ما لهجوم الصواريخ والطائرات دون طيار في أبريل / نيسان. لكن إيران تفتقر إلى الخيارات التي لا تخاطر بتصعيد دراماتيكي. إن وكلاء إيران منخرطون بالفعل في حملة متزايدة التكثيف من الهجمات ضد إسرائيل، وبالتالي، فإن الرد يجب أن ينطوي على زيادة في الجهود لإرسال إشارة الردع المطلوبة، وبالتالي استمرار دورة التصعيد، وربما حتى حرب كارثية بين إسرائيل وحزب الله. كما أن الهجوم التقليدي المباشر من القوات الإيرانية من شأنه أن يرسل إشارة واضحة، لكن هجوم إسرائيل في أبريل / نيسان على أصفهان حمل تهديداً ضمنياً بشن غارات جوية ضد البنية التحتية النووية الإيرانية. قد تنفذ إسرائيل هذا التهديد ردّاً على هجوم إيراني آخر ضد إسرائيل نفسها، وهو ما من شأنه أن يشكل تصعيداً كبيراً آخر وخطوة نحو حرب أوسع.
إن إيران قد تأمر شركاءها من غير الدول في سوريا أو لبنان بتنفيذ عمليات توغل برية في إسرائيل نفسها. إن أي هجوم بري يشبه ما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول سيكون الخيار الأكثر تصعيداً. إن إصدار أمر بتوغل بري سيكون الخيار الأكثر ترجيحاً لإشعال فتيل حرب أوسع نطاقاً. إن مثل هذا القرار من شأنه أن يشير إلى أن إيران لم تعد ترغب في العودة إلى الوضع الراهن، بل تسعى بدلاً من ذلك إلى التصعيد إلى الحرب.
إن منع اندلاع حرب أوسع نطاقاً يتطلب الاعتراف بالضغوط التي يتعرض لها قادة إيران حالياً. وسوف يتطلب إرسال إشارة رادعة مع تجنب التصعيد إبداعاً شديداً، ومن المرجح أن تفشل الجهود الإيرانية لتحديد الرد المناسب ما لم تمتلك طهران قدرات لم تكشف عنها بعد لإسرائيل والعالم. وإذا حدث ذلك، فسوف يستنتج كثيرون أن الرد الإيراني التصعيدي يشكل دليلاً مستمراً على نية زعزعة الاستقرار، حتى لو كانت نية إيران هي العودة إلى الوضع الراهن بدلاً من تصعيد الصراع.
لا يعني أي من هذا أن إيران نظام جيد. فقد أدى دعمها للتنظيمات غير الحكومية إلى زعزعة استقرار المنطقة وساهم في أهوال السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وكان قمعها لشعبها بغيضاً. وستبحث وكالات الاستخبارات عن أدلة على أن إيران تستعد للحرب، لكن من غير المرجح للغاية أن توفر إيران مثل هذه الأدلة. إن تجنب حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط يتطلب تقييماً دقيقاً للقيود المفروضة على السلوك الإيراني، وليس افتراضات مفادها أن السلوك التصعيدي يعني نية تصعيدية. وينبغي للولايات المتحدة الرد وفقاً لذلك، والسعي إلى تقليل الضرر الناجم عن الرد الإيراني والامتناع عن ردود الفعل التصعيدية.
الرابط:
https://www.csis.org/analysis/why-iran-will-escalate