تقارير ودراسات

داعش: العودة إلى أوروبا

باختصار

على مدى العقد الماضي، أصبح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أحد أكثر المنظمات الإرهابية شراسة في العالم. تعتبر أساليبه الفظيعة في تعذيب وذبح أعدائه (وهو ما ينطبق على الجميع تقريباً) متطرفة حتى بالنسبة إلى الإرهابيين الآخرين، وقد أعطته خلال أيام ذروة نشاطه سمعة سيئة.

تم مؤخراً اختيار 400 عنصراً من تنظيم داعش يحملون الجنسية الأوروبية للعودة إلى أوروبا في مهمة سرية. بدأت العملية قبل ثلاث سنوات ونصف (منتصف 2019) بهدف عودة هؤلاء إلى أوروبا دون وثائقهم الحقيقية وقيادة خلايا إرهابية جديدة في القارة. وقد تم اختيارهم بسبب ولائهم لتنظيم داعش، ومؤهلاتهم القيادية، وإنجازاتهم في ساحة المعركة، ووجهات نظرهم المتطرفة.

تعتمد البنية التحتية لداعش وموارده على الأنشطة الإجرامية، لذا، بصرف النظر عن التهديد الوشيك بهجمات إرهابية، يمكننا أن نتوقع ارتفاعاً ملحوظاً في النشاط الإجرامي في شوارع أوروبا.

أساسيات

على مدى سنوات وجوده، استخدم داعش دعاية متطورة ومهنية لتجنيد المتمردين المستقبليين من جميع أنحاء العالم (أكثر من 80 دولة وجميع الدول الإسلامية) للانضمام إلى معركته والاتحاد من أجل قضيته المتمثلة في إقامة “الدولة الإسلامية”.

وفي سعيه للإرهاب، كان تنظيم داعش بحاجة إلى ما يكفي من القوة البشرية لتحقيق أهدافه الطموحة والحفاظ على موطئ قدم له في المنطقة. وشملت استراتيجيته القتال والغزو، قرية تلو الأخرى، في حدود سوريا والعراق.

على مدى السنوات الماضية، بلغ متوسط ​​الأرقام المعروفة 5000 شخص من حاملي الجنسية الأوروبية الذين انضموا إلى داعش. ومن المعلومات التي تلقيناها، والتي تم تحديثها آخر مرة قبل شهرين، انضم 6300 شخص مؤكد من حاملي الجنسية الأوروبية إلى داعش في العقد الماضي. وكان بعضهم مسلمين، والبعض الآخر اعتنق الإسلام. ولم يندمج الكثير منهم في المجتمع الأوربي، اقتصادياً وروحياً. “عندما لا يكون لديك ما تخسره، فقد تذهب إلى أقصى الحدود. إن فكرة أن تكون جزءاً من شيء له أيديولوجية أكبر بكثير منك تجعلك تشعر بالانتماء. إن تحمل المسؤولية الفعلية والقيام بدور نشط هو أمر أكثر عاطفية بالنسبة لبعض الأشخاص الذين رفضتهم أوربا مراراً وتكراراً، وهو أكثر من موضع ترحيب من قبل داعش”. هذا ما صرح به عضو سابق في داعش، تم تجنيده من أوربا، لوسائل الإعلام قبل بضع سنوات.

وبحسب العديد من الأجهزة الاستخباراتية وشهادات الأشخاص الذين نجوا من الجحيم، فإن بعض العائدين من داعش كانوا من كبار القادة في العراق وسوريا، وهم الذين أداروا العديد من الجرائم التي ارتكبها التنظيم يومياً هناك.

على مرّ السنين، قُتل في المعارك بعض من هؤلاء 6300 أوروبي الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وما زال آخرون عناصر في التنظيم حتى اليوم. ولكن هناك ظاهرة تحدث خلف الكواليس مع عودة متمردي داعش إلى أوروبا.

فوفقاً للمعلومات التي تلقيناها، عاد 3262 عنصراً من تنظيم داعش إلى أوروبا، لا سيما في السنوات الأربع الماضية. ومن بين الدول المؤكدة التي عاد إليها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية بلجيكا وهولندا وفرنسا وألمانيا والسويد والنرويج وإيطاليا وإسبانيا وغيرها.

وقد ذكر أليكس يونغر، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني ام آي 6، هذا الموضوع عندما كان لا يزال في الخدمة: “من المرجح أن يكون العائدون قد اكتسبوا المهارات والاتصالات التي تجعلهم خطرين للغاية”.

لقد سُمح لهؤلاء الأفراد البالغ عددهم 3262 بالعودة إلى وطنهم في أوروبا بطريقة قانونية وبموافقة رسمية من السلطات. والحقيقة أنهم كانوا على استعداد لدفع الثمن وقضاء فترات قصيرة في السجن فقط لإنقاذ أسرهم من مستقبل مظلم. لقد رأوا الفرصة في العودة ودفع ثمن أفعالهم مقابل منح أطفالهم مستقبلاً أفضل في بيئة طبيعية.

الخطة

بصرف النظر عما سبق، فإن معلوماتنا تظهر حقيقتين مثيرتين للقلق بشأن عناصر داعش العائدين إلى أوروبا:

1 ـ من بين 3262 عنصراً من داعش الذين عادوا إلى أوروبا، كان حوالي 400 منهم يلعبون أدواراً حساسة في داعش مثل الوحدات الخاصة ووحدات الاستجواب ووحدات المخابرات وغيرها. لقد شاركوا بنشاط في ذبح قرى بأكملها، وشاركوا في اغتصاب النساء المحليات (العديد منهن قاصرات)، وقاموا بتعذيب السجناء الذين تم أسرهم في المواجهات حتى الموت.

نظراً لعدم وجود دليل، وحقيقة أنه يكاد يكون من المستحيل إحضار شهود لتوثيق الأمر، وتعقيد الأنظمة القانونية المختلفة في أوروبا، لم يتم تقديم جميع هؤلاء الأفراد البالغ عددهم 400 إلى المحكمة بموجب اتهامات صحيحة، وبالتالي، فإن معظمهم خرجوا بالفعل من السجن أو لم يقضوا أي وقت في السجن على الإطلاق.

وبالعودة إلى يونيو / حزيران 2019، حاولت العديد من الدول الأوروبية الترويج لفكرة إنشاء محكمة خاصة في العراق تتعامل فقط مع جرائم داعش على أن يتم الإشراف عليها من قبل الاتحاد الأوروبي. لكن تم تأجيل هذه الفكرة بعد أن احتجت العديد من المنظمات غير الحكومية قائلة إن القيام بذلك يعني أن أوروبا ستعلن رسمياً استسلامها للإرهاب. “سيكون ذلك وصمة عار على الدول التي تؤمن بحماية حقوق الإنسان لكل إنسان”.

وقد أعطى ذلك قيادة داعش مؤشراً كافياً على الخطط التي يتم تنفيذها في أوروبا اليوم. يتمتع الأشخاص الخطيرون للغاية بالحرية في عيش حياتهم في العديد من العواصم الأوربية.

وعاد أكثر من 130 منهم للتورط في أعمال إرهابية مرتبطة بتنظيم داعش. الحالة الأكثر شهرة هي الهجمات الإرهابية المجمعة في باريس عام 2015. المهاجمون، الذين كانوا يحملون الجنسيتين البلجيكية والفرنسية، عادوا من القتال في سوريا. لقد كانت لديهم الخبرة القتالية، والدوافع القوية، والاستخبارات الجيدة لشن مثل هذا الهجوم المميت.

وفي عام 2022 فقط، أحبطت أجهزة الاستخبارات عدة محاولات لشن هجمات إرهابية ضخمة في أوروبا.

2 ـ بحسب تقارير أمنية مختلفة، تم اختيار حوالي 400 عنصر من تنظيم الدولة الإسلامية يحملون الجنسية الأوروبية للعودة إلى أوروبا في مهمة سرية. بدأت العملية منذ ثلاث سنوات ونصف (منتصف 2019). وقد تم اختيارهم بسبب ولائهم لتنظيم داعش، ومؤهلاتهم القيادية، وإنجازاتهم في ساحة المعركة، ووجهات نظرهم المتطرفة. وكان الهدف هو العودة إلى أوربا بدون وثائقهم الحقيقية وقيادة خلايا إرهابية جديدة في القارة. ولم يعودوا جميعاً إلى بلدانهم الأصلية.

تم بناء الخطة على حقيقة أنهم سيعرفون بشكل أفضل كيفية التأقلم، وأنهم يعرفون اللغات، وعلى دراية بأسلوب الحياة في أوروبا. لذلك، سيكون من السهل عليهم العثور على وظيفة لائقة أو فتح مشروع تجاري، والذي سيكون غطاء لنشاطهم الحقيقي. وقد تلقى بعضهم تعليمات بفتح مكاتب لشركات عقارية وأجهزة كمبيوتر وغيرها. وتم إرسال آخرين لشغل وظائف إدارية قد تساعد على بناء هويات وبنى تحتية فعالة.

كما أن معظمهم لن يعودوا وحيدين. للحصول على المصداقية، سيعودون مع عائلاتهم، لكنها لن تكون عائلتهم الحقيقية، بل عائلة مزيفة تم تجهيزها بغرض التمويه.

تم بناء “العائلة المزيفة” خصيصاً لتلبية الاحتياجات المحددة لكل واحد من أولئك الذين تم اختيارهم لتلك الحبكة، وفقاً لمعايير الشخصية والمظهر الجسدي (المظهر الأوروبي) والمهارات الشخصية والمنظور المتطرف. ويشمل ذلك الرجال والنساء والمراهقين (الفتيان والفتيات) ومعظمهم من الأيتام.

وقد خضع العديد منهم للتدريب لمدة عامين، والذي شمل بشكل أساسي المهارات اللغوية في لغتين أوربيتين، والتدريب السلوكي، والدراسات الإسلامية، والتدريب العسكري والاستخباراتي.

عادة لا تكون الرحلة إلى أوربا صعبة كما هي الحال بالنسبة للاجئين العاديين. قامت داعش ببناء بنية تحتية كاملة مخصصة لهم فقط والتي تشمل الرشوة وتذاكر الطيران والهويات المزيفة والشقق والسيارات وكميات كبيرة من المال، حتى يتمكنوا من التأقلم خطوة بخطوة والاستقرار والعمل.

العديد من جوازات السفر المزورة التي استخدمت في تلك العملية جاءت من سفارات حقيقية للدول الأوروبية في سوريا والعراق وأفغانستان، عن طريق عملاء داعش الإداريين الموجودين. في هذه الأيام، هناك مجموعة من حوالي 100 فرد، متواجدون حالياً في أفغانستان كنقطة عبور في انتظار الانطلاق إلى أوربا في خلايا صغيرة. تعد أفغانستان المصدر الرئيس لتهريب المخدرات ذات الصلة بالأفيون، بما في ذلك إلى أوروبا. وهذا هو المكان الذي يلتقي فيه التمويل الإجرامي بالأنشطة الإرهابية ذات المصلحة المشتركة.

الوجهات الشعبية لهذه المجموعات حتى اليوم هي فرنسا وبلجيكا وهولندا والسويد والنرويج وألمانيا. في تلك البلدان، هناك مجتمعات إسلامية كبيرة يمكن أن تكون قاعدة لمجندي المستقبل المتأثرين بأيديولوجية داعش المتطرفة.

ولم تفعل الدول الأوروبية ما يكفي لتأمين حدود القارة. من السهل جدّاً على العائدين من داعش أن يجدوا طريق العودة إلى أوروبا ويتجنبوا محاكم الاتحاد الأوروبي.

ينبغي على الدول الأوروبية أن تفكر في استخدام المزيد من النصائح التي تقدمها أجهزتها الاستخباراتية وأن تكون أقل خوفاً من مواجهة المنظمات غير الحكومية التي تحركها المصالح وتتلقى الدعم السياسي.

ويتعين عليها تشكيل قوة عمل أوربية مؤقتة تضم كافة أجهزة الاستخبارات الرئيسة، والشرطة، والمحققين الماليين الذين يتعاملون مع غسيل الأموال وضريبة الدخل، وسلطات الحدود، ووزارة الداخلية، والأمن السيبراني مع فحص الشبكات الاجتماعية.

إن تنظيم داعش يزداد قوة كل عام في جميع أنحاء العالم، وخاصة في إفريقيا وآسيا الوسطى. القدرات والأسلحة والأموال سوف تجد طريقها في النهاية إلى أوربا مرة أخرى لاستخدامها ضد السكان المحليين.

سيواجه المواطنون الأوربيون ارتفاعاً في معدل الجريمة، لأن هذا هو أساس إرهاب داعش. لن ترتفع معدلات الإجرام من حيث الكم فحسب، بل سترتفع أيضاً من حيث القسوة، حيث أن داعش معروف بقسوته ووحشيته، بغض النظر عن مدى نجاح السلطات في إحباط الهجمات الإرهابية.

ويتعين أيضاً على الزعماء الأوروبيين أن يفهموا أن الإرهاب المتطرف هو أيديولوجية، والأيديولوجية لا تختفي إذا قمت بتغيير محيطك، بل إنها هي ما يحدده.

الرابط:

https://www.gfatf.org/archives/isis-return-europe/

زر الذهاب إلى الأعلى